"أهواكِ يا.. "
ونزفتـُها منْ قلبِ صبرٍ صابرٍ كبَتَ الهوى..
وتأرجحتْ في مقلتي حِمَمُ التنائي بعدها!
وأسفتُ كيفَ تسرّبتْ غـَصْباً
فأبليتُ اعتذاراً صادقاً مثلَ النقاءْ..
وشرعتُ أُغلقُ هاتفي.. لكنـّها
قالتْ تمهّل..
إنّما لا صوت ينفعُ حينها..
والبعدُ يزرعُ ألفَ ريحٍ
بينَ قلبينا
و شوكاً يحتفي بالجرحِ
يسقيهِ الدماءْ!
آتٍ أنا..
آت على صهواتِ شوقٍ عاصفٍ
كالريحِ تذرو.. أنظريني... قادمٌ قبلَ الشتاءْ!
متيمّـماً
بالنارِ تلفحُ خافقاً تعباً تـَصبّرَ بالمنى،
أنوي..
فأرفعُ للصلاةِ أذانَ عشقٍ يرتقي قببَ السماءْ..
(يا صوتـَها.. ما زالَ يصرخُ في دمي
يا حزنـَها ما زالَ يدمي معصمي
هيّــا إلى خيرِ الأملْ
هيّــا إلى لقيا المقلْ
طوبى لمنْ للعشقِ يوماً.. يرتمي
لا الزّيغُ يوقدُ سعيـَهُ أو يرتجي أبداً ثناءْ!)
تلكَ الدروبُ جعلتُها سجادةً
وفرشتـُها ما بينَ ضفةِ نأيـِها
والشوقِ يقفزُ في دمي
ونهبتـُها مـُتـشهّداً
أمضي لذيّـاك اللقاءْ
وطويتـُها... وهناً على وهنٍ حملتُ صبابتي
وتمرّدتْ وتجرّدتْ وتجاهلتْ فيَّ الرضا.. ومضاضتي..
حتـّى إذا وطأتْ حـِماها لوعتي .. وتجمّعتْ تلكَ المواجعُ في يدي
لا تهتدي أينَ البدايةُ تبتدي!
وبغفلةٍ منْ غامضٍ أهداهُ غيبٌ جاءني فيضُ الضياءْ!
منْ دون صوتٍ ساءلتْ.. أتحبني؟
بعضُ السؤال بنظرةٍ
يأتي ليقذفَ في الحشا ألفاً مؤلفةً يضيعُ بعصفِها جدوى الجوابْ
فإذا السؤالُ على جوابي ينحني
ويردُّني...
فأصيرُ في حضنِ الهوى مثلَ الكتابْ
هذا إذاً وقتُ الصلا ...
فتهيئي.. لا كالنساءْ!
أهواكِ يا.. والعشقُ لا يـُؤتى بـِنا
لكنـّهُ قدرُ يصيبُ فنرتمي!
لا " كيفَ " تنفعُ عندهُ أو "أينَ " نمضي بالهوى
أو " ما النتيجةُ " منْ هوىً فتحَ النهايةَ نحوَ غيبٍ مظلمِ
فتألّمي.. تتطهّري!
وتعلّمي.. منْ مِحجري،
كيفَ الهوى يئدُ الرجاءْ!
" وتعطّلتْ لغةُ الكلامِ وخاطبتْ عيناي في لغةِ الهوى *" تلكَ العيونْ
لملمتُ ما منها تشتـّتَ غفلةً
وجمَعتـُها بينَ المدامعِ والجفونْ
وغمرتُ عمرَ الوردِ في ذاكَ المدارِ أشمّهُ
وألمّهُ
ويضمّهُ القلبُ الحنونْ
وعرفتُ أنـّي في هوى تلكَ البعيدةِ غارقٌ
والقاعُ منـّي قابَ قوسينِ.. اشتهى
من بسمتي خمرَ المنونْ
فزرعتُ ما منها بدا
قُـبَلاً وأنفاساً وحباً جائعاً
يكفي سنيناً قدْ مضتْ منْ دونها
ويسدُّ رمـْقَ القلبِ حتـّى نلتقي .. بعدَ الفناءْ
لا تقتلي ما في فؤادكِ صارخاً وتجبّري
كيلا يضيعَ النبلُ منْ عشقٍ بلا هدفٍ ولا أرضٍ إليها تعبرينْ
وتعلّلي بالوصلِ ترسمهُ الغيوبُ كأننا
نحنُ البيادقُ في يديها وهي تفعلُ ما تشاءْ!
-----------------------------------------------
* أحمد شوقي - جارة الوادي