الشـيخ والشـيخـة في الجذور
===================
الشيخ (بالتعريف):هو مَنِ اسْتَبَانَتْ فيه السِّنُّ، أو من بلغ خَمْسِينَ أو إحْدَى وخَمْسِينَ سنة إلى آخِرِ عُمُرِهِ أو إلى الثمانينَ ، ومابعد الثمانين هو هرم أو شيخ فانٍ ، أو هو اليَفَنُ : ؛ وفي كلام علي ، كرم الله وجهه : أَيُّها اليَفَنُ الذي قد لَهَزَهُ القَتِيرُ؛ اليَفَنُ ، بالتحريك : الشيخ الكبير، والقَتِيرُ : الشَّيْبُ ؛ولهزهُ القَتيرُ، أي خالطه الشيبُ، فهو مَلْهوزٌ. واستعاره بعض العرب للثور المُسِنّ فقال :
يا ليتَ شَعْرِي هل أَتَى الحِسانا = أَنِّي اتَّخَذْتُ اليَفَنَيْنِ شانا =السِّلْبَ واللُّومَةَ والعِيانا ؟
والجمع : شُيُوخٌ وشِيوخٌ وأشْياخٌ وشِيَخَةٌ وشِيْخَةٌ وشِيخانٌ ، ومَشْيَخَةٌ ومَشِيخَةٌ، ومَشْيوخاء ومَشْيُخاء ومشايخ ، وتَصْغِيرُه: شُيَيْخٌ وشِيَيْخٌ ( بكسر الشين وضمها ) ، وشُوَيْخٌ قليلةٌ، ولم يَذكرها الجوهريُّ .

وينسب الى القرآن الكريم ، فيما نُسِخَت تلاوته وظـلَّ حُكْمُهُ : (( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم )) . والشيخ والشيخة هنا بمعنى المحصن والمحصنة من الأزواج (1) .
وقيل الشيخ من استبان فيه الشيب وليس من استبان فيه العُمُر ، كقوله تعالى حكاية عن سيدنا زكريا عليه السلام : ((قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا )) سورة مريم 4 – 5 قال الشاعر :
زَعَمَتْنِي شَيْخـــاً ولَسْتُ بِشَيْخٍ *** إنَّمَا الشَّيْخُ مَنْ يَدِبُّ دَبِيبــــــــــــــــَا
قال الشيخ محمد الأهدل - شارحا هذا البيت - : ((زعمتني من الزعم، وهو القول بأن الشيء على صفة قول غير مستند إلى وثوق ، "والشيخ من استبانت فيه السن أو من خمسين إلى أواخر عمره" قاله في القاموس . وقوله يَـدِبُّ بكسر الدال كما ضبطه بذلك ابن علام في شرح الرياض)) ، وجاء في الصحاح
تحت مادة "دبب" : ((ودَبَّ الشيخ، أي مشى مشياً رويداً))اهـ . وجاء في تاج العروس من جواهر القاموس للزبيدي \المادة نفسها : ((دَبَّ النَّمْلُ وغَيْرُه مِن الحَيَوَانِ على الأَرْضِ يَدِبُّ دَبًّا ودَبِيباً أَي مَشَى على هِينَتِهِ ولم يُسْرِعْ ، عن ابن دريد ، ودَبَّ الشَّيْخُ : مَشَى مَشْياً رُوَيْداً ، ودَبَّ القَوْمُ إلى العَدُوِّ دَبِيباً إذا مَشَوْا عَلَى هِينَتِهِم لَمْ يُسْرِعُوا)) ، قلت ومنه سُمِّيَ كل مادبَّ على الارض دابّـة. والشيخ في لغة العرب تطلق ايضا على كبير المهنة المقدَّم فيها فيقال " شيخ الكار " ومنه شيخ الحدادين وشيخ الحلاقين وشيخ الخفر و ...... الخ . وشيخ المرأة زوجها ، كما تطلق على كبير القبيلة ومقدمها . وكم اقترحتُ أن يُستخدم لقب "شيخ" بدلا من "بروفيسور" و"دكتور" في الجامعات العربية !!!

وشيَّخوه : صيَّروه شيخا أو نصبوه مقدَّما قبل ان يزوره الشيب ، وهو الزائر الثقيل ظلاً .
وعند المسلمين خاصة يُطلق لقب الشيخ على من يؤم الناس في صلاتهم أو يخطب لصلاة الجمعة على منبر المسجد ، حتى لو كان صبيّاً صغيراً ولم يغزُ الشيب مفرقه ، ومن هنا اكتسبتُ انا العبد الفقير الى الله تعالى لقب " الشيخ " مبكرا ، حتى أنّ توقيعا لي شاهداً على وثيقة باسم " الشيخ محمد ...." جعل القاضي يتطاول باحثا عني وأنا أمامه ، ظنا منه أنني سأكون طاعنا في السنّ !!!
ومن ذكرياتي " المشائخية " مع أجهزة مخابرات النظام السوري – وقد كان يُحَقّق مع شيوخ المنابر إذا ما تجـرَّأَ أحدهم وخرج عن خطة وزارة الاوقاف المنبرية ، مهما كان مدى الخروج - :
استدعاني رئيس الفرع في مدينــة " نوى" ويا للمفارقة كان الفرع قريبا بل ملاصقاً لضريح الامام النووي رحمه الله ، وسألني عن موضوع خطبتي وأمور أخرى فقلتُ له : هل من اللائق بكم أن تستدعوني لمثل هذا السؤال ، وأترك أعمالي وكان يمكنكم أن تسألوني هاتفيا ؟؟!! وتابعتُ :
نحن يا حضرة الـ ..... أهل البلد وهذا الوطن لنا ولقد ضحّينا وبذلنا وقارَعْـنا الاحتلال ليبقى الوطن حُرّاً ، فلما نَزوْتُـمْ على الحكم صرتم أهــل الوطن وصرنا نحن غرباء عن وطننا ؟؟؟!!! فما كان منه إلا أن قال : ما شاء الله، والله ظننتك شيخاً كلاسيكيا!فقلت له : عفوا أنا شيخ رومانسي! وانقلب المجلس الى طنز يليق بحضرته، وأعود بعدها إلى بيتي مرفوع الرأس رغماً عنه وعن أسياده وجلاوزته ، وقرأتُ في لسان العرب لابن منظور :
ويقال للشيخ إذا حناه الكبر : قد جَخَّى ، وجَخَّى الشيخ انْحنى ؛ وقال آخر على سبيل المداعبة :
لا خَيْرَ في الشيخ إذا ما جَخَّا،= = = وسَالَ غَرْبُ عَيْنِه ولَخَّـــــــــا
وكان أَكْلاً قاعـــداً وشَخَّـــــا،= = = تحتَ رُواقِ البيت يَغْشَى الذُّخَّا
وانْثَنَتِ الرِّجل فصارت فَخَّا،= = = وصارَ وَصْلُ الغَانِياتِ أَخَّـــــــا
ويروى : لا خيرَ في الشيخ إذا ما اجْلَخَّا وفي الحديث : "أَنه كان إذا سجد جَخَّى في سجوده " أَي خَوَّى ومَدَّ ضَبُعَيْهِ وتجافَى عن الأَرض .
وقد جَخَّ وجَخَّى إذا خَوَّى في سجوده ، وهو أَن يرفع ظهره حتى يُقلَّ بطنه عن الأَرض . ويقال : جَخَّى إذا فَتَح عَضُديه في السجود ، وقال أَبوعمرو : جَخَّى على المِجْمَر وتَجَخَّى وجَبَّى وتَجَبَّى وتَشَذَّى إذا تَبَخَّر
. .

وقوله "صار وَصْلُ الغانياتِ أخَّا " أي قَذَراً . وأَنشده أبو الهيثم : إِخَّا ، بالكسر، وهو الزجـر . وعلى ذكر الأخّ والإخّ أقول : والأَخِيخةُ : دقيق يصب عليه ماء فيُبْرَقُ بزيت أَو سمن فيُشْرَبُ ولا يكون إِلا رقيقاً ؛ قال : تَصْفِرُ في أَعْظُمِه المَخِيخَه، تَجَشُّؤَ الشَّيْخِ على الأَخِيخَه شبَّه صوت مصه العظامَ التي فيها المخ بجُشاءِ الشيخ لأَنه مسترخي الحنك واللَّهَواتِ ، فليس لجُشائِه صوت ؛
ومن طرائف البدو عن تقسيم الزواج عُمُرِيّاً يخاطبون فيه امرأة ما :
ابن عشرين يا خيار ما تضمين ، وابن اربعين يمشي مع الغانمين ،،
وابن خمسين حكيم من أثـــر السنين ،،،
وابن سبعين هُـوَّا هين وانتِ هين ( أي لا خير يُرجى من نومه عند زوجه فهو في مكان وهي في مكان آخـر بعيد اً عنها ) ! قلتُ :ويلتقي الشيخ الكبير مع الطفل الصغير في عدة أمور مشتركة بينهما أهمها :
-1 - مشي الاثنين تسميه العرب " درجاً " ودرجانا .
-2 - الضعف العام وحاجة المساعدة ممن حوله .
3 - رقة المشاعر والتأثر لأقلّ الاسباب قاسم مشترك بينهما ايضا ، لذلك قال تعالى مخاطباً الولد عن والديه : (( و قضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه و بالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ و لا تنهرهما و قل لهما قولا كريما )) سورة الاسراء \ 23 . خص حالة الكبر لأنها الحالة التي يحتاجان فيها إلى بر الولد ، لتغير الحال عليهما بالضعف والكبر ورقة مشاعرهما بعد ما نالهما من الشيخوخة وكبر السن ، فألزم في هذه الحالة بين مراعاة أحوالهما أكثر مما ألزمه من قبل ، لأنهما في هذه الحالة قد صارا كَلاًّ عليه وعالة بتصوّره هو ، يحتاجان أن يلي منهما في الكبر ، ما كان يحتاج في صغره أن يليا منه ، فلذلك خص هذه الحالة بالذكر ، وكذلك طول المكث للمرء يوجب الاستثقال للمرء عادة ، ويحصل الملل ، ويكثر الضجر ، فيظهر غضبه على أبويه ، وتنتفخ لهما أوداجه ، وأقل المكروه ما يظهره بتنفسه المتردد من الضجر ، وقد أمر أن يقابلهما بالقول الموصوف بالكرامة ، وهو السالم من كل عيب ، فقال : "فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما ً" . ومن هذا الباب قالوا : إنَّ ابنَ آدمَ أوّلُـهُ طفلٌ وآخـرُهُ طفلٌ ، ونسأل الله ألا يردنا إلى أرذل العمر ، ونسأله أن يرزقنا حُسن الختام !! والحمد لله رب العالمين .
حاشـــــــيــة (1) وقال الإمام أحمد في المسند (5/132) : ثنا خلف بن هشام، ثنا حماد بن زيد، عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن أبي كعب قال: كانت سورة الأحزاب توازي سورة البقرة، فكان فيها : (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة). وإسناده حسن ورجاله معروفون مشهورون، قال ابن حزم في «المحلى» (11/235): «هذا إسناد صحيح كالشمس لا مغمز فيه». اهـ. وقال ابن كثير في تفسيره (3/465): «وهذا إسناد حسن». اهـ .
وتابع حماد بن زيد في روايته عن عاصم به كل من :
1- منصور بن المعتمر؛ كما في «السنن الكبرى» للنسائي (4/271)، وصحيح ابن حبان (6/302).
2- وحماد بن سلمة كما في صحيح ابن حبان (6/302) ومستدرك الحاكم (2/415).
3- وسفيان الثوري كما في «المحلى» (11/234).
4- وابن فضالة كما في مسند الطيالسي (ص 73).
قال ابن حزم في «المحلى» (11/235): «فهذا سفيان الثوري، ومنصور شهدا على عاصم ما كذبا، فهما الثقتان الإمامان البدران، وما كذب عاصم على زر، ولا كذب زر على أبي». اهـ.
وقال الإمام أحمد في المسند (5/183): ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة عن قتادة عن يونس بن جبير، عن كثير بن الصلت قال: كان ابن العاص وزيد بن ثابت يكتبان المصحف، فمروا على هذه الآية، فقال زيد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة)، فقال عمر: لما أنزلت هذه أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أكتبنها. قال شعبة: فكأنه كره ذلك .
فقال عمر: ألا ترى أن الشيخ إذا لم يحصن جلد، وأن الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم.
ويرى كثير من علماء الاصول والعقيدة والتفسير ،وعلى رأسهم أستاذنا د\محمد فتحي الدريني ،عميد كلية الشريعة بدمشق سابقاً ، أنه لايوجد آيات منسوخة التلاوة وباقية الحكم ، ومكان ذلك المطولات البحثية الاسلامية.


وكالة اخبار المراة