في بداية حياة محمد بعد البعثه كان هو والصحابه يصومون يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من شهر محرم وذلك تماشياً مع ما كانت عليه قريش في مكه حيث جاء في حديث عائشة : "كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه ، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه" (البخاري 4504). ويعود السبب في صيامه لدى قريش على حسب كلام الطبراني في معجمه الكبير إلى سترة الكعبة وقتها. فنحن نرى هنا ان محمداً مشى او وافق قريش في فعلها وعليه فهي من الممارسات التي وافق الاسلام عليها الجاهليه على حسب التعبير الإستحيائي لابن الجوزي.

وكان النبي والصحابه بالإضافة إلى ذلك يصومون أيام البيض وهو اليوم 13، 14 و 15 من كل شهر فقد جاء في الحديث عن عبدالله بن العباس : "أن رسول الله كان لا يفطر أيام البيض في حضر و لا سفر" (الألباني 580). ولا استبعد بأن صيام هذه الأيام كان بسبب شرف تلك اليالي لدى العرب وذلك من ظهور القمر فيها كاملاً واليوم لدى العرب بشرف ليله.

وأستمر الوضع حتى هاجر محمد للمدينة في شهر ربيع الأول. ثم ان محمد عندها وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فقال : "ما هذا اليوم الذي تصومونه ؟ فقالوا : هذا يوم عظيم . أنجى الله فيه موسى وقومه . وغرق فرعون وقومه . فصامه موسى شكرا . فنحن نصومه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فنحن أحق وأولى بموسى منكم ، فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأمر بصيامه" (صحيح مسلم 1130). والعقده التي تستطيع أن تفكها يد اليقين هنا هو أن جميع أيام صيام وأعياد اليهود ليس فيها يوم يخص إنقاذ موسى وقومه وإغراق فرعون. والبعض يعتقد بأنه كان يوم الغفران Yom Kippur حيث صامه محمد لكي يستميل اليهود للإسلام وقتها وأنه ليس له علاقه بعاشوراء المسلمين. والحديث عن عاشوراء يطول وهو ليس محل مقالنا.

فبذلك يكون الصوم قبل رمضان هو يوم عاشوراء وأيام البيض ولم ينزل فيهما وحي من السماء. غير أن البعض يذهب إلى أن آية : "يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون * أياماً معدودات" (البقره 184- 183). "معدودات" يقصد بها يوم عاشوراء وأيام البيض. غير أن أبو حيان الأندلسي في قمة التفاسير البحر المحيط ومع ابن كثير والقرطبي في تفسيرهما يذهبون إلى ان الايه مدنيه نزلت في السنه الثانيه للهجره ونسخت ما قبلها من صيام عاشوراء والبيض.

وكان الصيام في بداية فرضه يكون في النهار حتى مغيب الشمس وللناس الإفطار ومباشرة زوجاتهم فإن دخل وقت العشاء الأخير أو ناموا وجب عليهم الإمساك حتى اليوم الثاني. فمن لم يباشر اهله او يفطر خلال فترة ما بين العشاءين فليس له بعدها إلا أن يمسك حتى اليوم الثاني. غير أن هذا شق على بعض الصحابة. ففي تفسير الزمخشري أن عمر جامع أهله بعد العشاء وجاء للرسول نادماً فقال له الرسول "ما كنت جدير بذلك يا عمر". عندها نزلت : "أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله" (البقره 187). ثم أن احد الصحابه كان يعمل في حرثه نهاراً فتعب فنام في بيته حتى بعد غروب الشمس فلم يحل له الافطار، فلما عمل في حرثه في اليوم الثاني سقط مغشياً عليه من الجوع فعلم النبي بذلك فنزلت : "وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ثم اتموا الصيام الى الليل" (البقره 187). ينظر تفسير أبن كثير للأيه.

فتأمل عزيزي القارئ كيف ان الصيام لم يكن إلا تماشياً على ما كانت عليه قريش أولاً ومن ثم تتطور ليكون فرضاً لا يستطيع الصحابه القيام به. وكيف عدل عليه وذلك على حسب ما تقتضيه المصلحه والحاجه. وأن فرضه والتعديل عليه لم يكن إلا إجتهادات لم يرجع فيها لا إلى جبريل ولا لإله.
منقول