من الأمة الفاعلة .. إلى الكيانات العاجزة
=======================
بسم الله الرحمن الرحيم :
[ كنتم خير أمة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر .. ]
إقرار إلهي ( مشروط ) .
خير أمة .. ليس وصفآ تقريريآ مطلقآ مرتبطآ بإثنية أو دين أو شعب أو قبيلة وعشيرة ..
الأمة بكل معانيها ومضامينها : الدينية واللغوية والتمثيلية والوجودية ، يرتبط تميزها وتفضيلها " بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " .
العرب .. المسلمون .. ليسوا خير أمة إن " لم " يأمروا بالمعروف وينهون عن المنكر بالرأي واللسان والممارسة .
وهذا يقودنا إلى ذلك الفرد والشعب والجماهير التي عليها أن تُغَيب ، ولا تجهل ، ولا تخمل ولا تنخدع ، فتكون واعية لكتلتها الجماهيرية التي كلما كبرت ، إزدادت : تأثيرآ وفعلآ ومنعة وقوة .
هذا الأساس ( المنطلق ) ، نستند إليه في مقاربة التفسيرات والنظريات والعلوم الإجتماعية وخاصة المرتبط منها : ( بالإجتماع السياسي ) .
وبداية .. فإن هؤلاء القوم ، هم بكل المفاهيم والمضامين والمقومات والتشكلات التاريخية ، يشكلون ( أمة قومية عربية ) . ودائمآ ما أرجو أن لانخلط بين مصطلحين : " الأمة القومية العربية " ، وبين " حركة القومية العربية " . الأول يعبر عن " وجود كياني " ، والثاني يعبر عن " أداة برامجية " تسعى بقناعتها لتحقيق مصالح وأمن هذا الوجود الكياني .
والأمة القومية العربية تتميز " بهوية " يطلق عليها : ( الهوية القومية ) تمييزآ لها – وليس تمايزآ - عن هويات قومية مجتمعية أخرى في العالم .
الهوية القومية العربية :
------------------------
ومنعآ للتكرار والإسترسال والإعادة حول ماقدم وطرح من أبحاث وعلوم ، وما إستقر عليه الفكر العلمي النظري ، والواقع المتمثل ( لمفهوم الأمة ) ، ومنه "الأمة العربية " ، فإن إنطلاقي سيكون من تلك " المعرفة " لمن تابعها وعرفها .
وبداية تلك المعرفة ، تستند على ان الثقافة هي من المكونات الأساسية للهوية . بإعتبار أن المعرفة إنسانية ،
وأن الثقافة قومية .
وتم الوصول إلى اسها ومرتكزها الأساسي وهو : ( اللغة / السان ) . وأقول تحديدآ : اللغة / اللسان حتى نميزها عن لغات عديدة منها : الإشارة ، الإبتسامة ، العبوس ، الرائحة ، الحركة ..الخ . وهي لغات موجودة عند : الإنسان ، الحيوان ، النبات ، الجماد ، ولا بد من ذكر ما يدّعيه أنصار /مدرسة دمشق للمنطق الحيوي / بوجود : لغة كونية واحدة .
جميع تلك اللغات هي : ( أدوات تعبير وتواصل ) حتى في اللغة / اللسان . لكن اللغة / اللسان عدا عن كونها أداة تعبير وتواصل كما غيرها من اللغات ، فهي ذات " وظيفة " أخرى . وتحمل تمايزها عن باقي اللغات بإعتبارها ( أداة تفكير ) . وبدون هذه الوظيفة والدور في الحياة الإنسانية تفقد هي والإنسانية تمايزها .
وهنا سأنطلق من هذا المفهوم للغة / اللسان ، بإعتبارها ( أداة تفكير ) بإمتياز . وبإعتبارها أداة تفكير ، فلابد من ترابط تفاعلي جدلي بين كونها أداة تستخدم وتؤثر بحد ذاتها كلغة على أنماط التفكير للأمة المُستخدِمة لها ، وبين الوقائع والتجارب والإحتكاك التي تعيشها أمة ما ، فتمارس بذلك تأثيرها المباشر أو غير المباشر على اللغة / اللسان ، وبالتالي على أنماط التفكير ، وعلى مفاهيم ومضامين الثقافة .
وهذا يعني ويوصل إلى أن الثقافة خاصة – بدون إنغلاق – بأمة ما ، لها لغتها ، وأنماط تفكيرها ، متمايزة عن أمة أخرى ، بذات المضامين والتأثرات الخاصة . وقد بسط البعض بشكل مخل في رؤيته لأثر اللغة في التكوين القومي . فلم ينظروا إلى اللغة بإعتبارها : ( وعاء ثقافي حضاري تشريعي إجتماعي عقيدي ) ، فذهبوا مشيرين إلى أن هناك شعوبآ تتكلم لغة واحدة ولا تمثل أمة واحدة . وذهب آخرون في التبسيط إلى القول أن هناك مستشرقين يعرفون اللغة العربية وعلومها ، أكثر من كثير من العرب دون أن يصبح هؤلاء عربآ .. وهذا الرأي التبسيطي المعزول ، لاقيمة علمية له ، لأنه ينطلق من " خلل " في ( مفهوم اللغة ووظيفتها ) . وحصروا اللغة بمعناها الواسع " كأداة تعبير وتواصل " بين الأمم ، بعيدآ عن المفهوم المحدد بإعتبارها :
" أداة تفكير " و " أداة تعبير إجتماعي ثقافي " . فلكل أمة من الأمم لغتها الخاصة بها مجتمعيآ: [[ وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا امم أمثالكم مافرطنا في الكتاب من شيئ ثم إلى الله تحشرون ]] : الأنعام – 38 .
فالياباني حتى لو تكلم وعبر وتواصل بلغة أخرى ، إلا أن له خصوصيته الثقافية .
والإنكليزي حتى لو تكلم وعبر وتواصل بلغة عربية مثلآ ، إلا أن له خصوصيته الثقافية .
والعربي حتى لو تكلم وعبر وتواصل بلغة إنكليزية مثلآ ، إلا أن له خصوصيته الثقافية .
وفي ابسط مثال : فإن نكتة شعبية تضحك العربي ، لكنها لن تكون " مفهومة " – مع ترجمتها – وغير مضحكة للإنكليزي .. والعكس صحيح .
اللغة / اللسان هي حامل ومعبر للثقافة ولأنماط التفكير والإستيعاب الحقيقي حتى الباطني والنفسي والعقلي .
فإذا كان هذا مفهومآ مشتركآ ومتفقآ عليه بيننا ، أستطيع الإستمرار وأتساءل :
( هل تكفي اللغة كحامل للهوية ؟ ) .. وهو سؤال طرحه الأستاذ الصحفي / أبيّ حسن / وأجاب عنه بمقال ، أختلف معه كليآ في مضمونه ، بأنها لا تكفي ، بينما أزعم أنها أول أساس حامل للهوية .
أجيب وأقول :
طالما وصلنا إلى قول أن : اللغة / اللسان هي أداة تفكير ، وأنها وعاء ثقافي حضاري وتشريعي وإجتماعي وعقيدي ، فإن اللغة / اللسان تعتبر ضمن هذا المفهوم ، وضمن " وظيفتها " ، حامل بالوعي للمرتكز الأساس في القومية .
وهذا المرتكز الأساس يشكل عامل بناء وجذب وتشابك مع عوامل أخرى هي : الجغرافيا ، التاريخ المشترك الناتج عن الجغرافيا ، المصالح المشتركة : إقتصادية - سياسية - أمنية ، التراث ، الرابطة الوجدانية ، ويتمثلون جميعهم ( بالثقافة ) التي تربط وتجدل هذه العوامل والأسس ليظهر المضمون والمفهوم والتمايز لكل أمة .
والثقافة : اسلوب حياة سائد ومتطور في كل مجتمع من المجتمعات ، ينبع من صفات أخلاقية وقيم إجتماعية وروحية وعقيدية ، يتم التعبير عنها كنواتج للمارسة ولأنماط التفكير ، باللغة . اللغة / اللسان التي تصبغ وتحدد ملامح الأمة .
وقد قال / كارل ماركس / يومآ .. ( إن دلالة تمكّن أي إنسان من لغة أجنبية ، هو تمكنه من "التفكير" بها مباشرة ) . وطالما ظل المرء " يفكر " بلغته الأم ، ثم يترجم هذا " التفكير " إلى اللغة الأخرى ، فهذا يعني أنه لم يتمكن منها وليس من نسيجها .
حتى أن مفكرين ومثقفين وعلماء لسانيات ، طالما طرحوا تصوراتهم عن كل لغة / لسان وبالتالي عن بعض مواصفات الأمم .. فالأديب الألماني / غوته / كان يشكو من أنه كُتب عليه أن " يفكر " ويكتب بالألمانية .. [ أسوأ لغة في العالم ] .. وكذلك يتكلمون عن : الإنطباع لعذوبة اللغة الفرنسية ، مع أن / بورخيس / يرى أنها تبدو له قبيحة . وأن الإسبانية أفضل منها رغم أن كلماتها أطول وأثقل ، حتى من موقعه ككاتب أرجنتيني عليه ان يفكر ويتعامل مع الإسبانية التي يقول أنه يعي نقائصها .
وهذا يوصلنا إلى نتيجة : أنه تظل اللغة الأم هي : المنطلق والمصير والتشكل الذي لامفر منه .. وهذا ما " وعاه " / بورخيس / تجاه الإسبانية وكل لغات العالم .
وهذا يوصلنا أيضآ إلى : لغتنا الجميلة .. العربية .. ودورها في الثقافة والتطور الثقافي والمعرفي ..
وفي اللغة العربية ، ودورها في الثقافة والتطور والمعرفة ..
فإن ضرورة تنمية وتقوية وتصاعدية تأثير هويتنا القومية العربية من خلال إرتباطها بالثقافة وتطورها المعرفي ، لابد له من تفعيل إبداعات أبنائنا في جميع العلوم والآداب الإنسانية ، ومن تفعيل التفاعل الحضاري الثقافي بالأخذ والعطاء من خلال : الترجمة .. والتعريب .
وقد أتى علينا حينآ من الدهر كأمة ، تألقت في وجودها نهضة علمية زاهرة إمتدت قرونآ – عهد المأمون خاصة - . فأخذ المسلمون ينهلون من مواد العلم ، و " يترجمون " الكتب الإغريقية والسريانية والهندية والفارسية ، فينقلون إلى اللغة العربية الكثير من العلم والثقافة ، و " يتفاعلون " مع المنقول ..
وكانت الترجمة هي الدائرة الثقافية الواسعة التي تتضمن في أحد أركانها الأساس ، عملية " التعريب " ، بشكل علمي وتطبيقي ، وفتحت بالتعريب دروب واقعية وملبية للحاجات : المترجمون ، أدوات الترجمة ، جمهور المتلقي للنتائج .
واليوم ومع مشاريع طموحه ( للترجمة ) ، فإنها قد إكتشفت وجود مأزق حقيقي تعاني منه " اللغة العربية " . وظهرت بوضوح أزمة حقيقية تتعلق بقضية ( التعريب ) .. التي تشكل أوضح الأزمات الثقافية والعلمية العربية في جميع مناحي الحياة الثقافية والمعيشية والعلمية .
ويجب الإنتباه بشدة على أن : ( التعريب .. عكس التغريب ) . فهو في جوهره إما أن يكون : إختراقآ .. أو إحتراقآ . فإن إستطعنا أن نصل إلى درجة " التعريب " الكامل ، فسوف " نخترق"الثقافات الأجنبية المتسارعة التطور يومآ بعد يوم . وإن لم نستطع ذلك ، فسوف "نحترق" بتفوق الأجانب علينا علميآ وثقافيآ ، وهو ما سيؤدي بالحتمية إلى تفوقهم العلمي والثقافي والتكنولوجي والعسكري والإقتصادي ، بدرجة تجعلنا كأمة عربية في عداد الدول الدائمة التخلف . وهذا ماذهب إليه بشكل عام ومفصل الدكتور / محمود المناوي / في كتابه ( أزمة التعريب ) .
وعن التعريب .. في بعض محاوره الأساسية ، يقول الدكتور ، محمد بلاسي / في ( التعريب بين النظرية والتطبيق ) ، أن :
[ تبادل التأثير والتأثر بين اللغات ، قانون إجتماعي إنساني ، وأن " إقتراض " بعض اللغات من بعضها البعض ، هو ظاهرة إنسانية أقام عليها فقهاء اللغة المحدثون أدلة لاتحصى . والعربية في هذا المضمار ، ليست بدعآ من اللغات الإنسانية ، غير أنها " تفرق " عنها : ببراعتها في تمثلها الكلام الأجنبي عن طريق صياغته على أوزانها ، وإنزاله على أحكامها ، وجعله جزءآ لايتجزأ من عناصر " التعبير " فيها ] .
وهو وإن حض بقوة على "التعريب " ، فإنه يرى أن الطريقة المثلى في نقل مدلولات المكتشفات الأجنبية والإختراعات العلمية ، والإصطلاحات في شتى المجالات ، هي في :
[ أن لا نلجأ إلى التعريب وهو أشد خطرآ على لغتنا ، إلا بعد ..أن نكون بذلنا الجهد في كل وسيلة قبلها . فالترجمة أولآ .. فإذا لم يوجد للفظ الأجنبي مقابل عربي ، فالإشتقاق ثانيآ .. فإن عجزنا ، فالمجاز ثالثآ .. وإن عجزنا ، ننحت للكلمة لفظآ مركبآ من كلمتين يؤدي معناهما بمدلول الشيئ المسمى .. فإن عجزنا ، " نعرب " اللفظ الأجنبي تعريبآ مطابقآ لقواعد اللغة العربية ، وصقله وفق أوزان لغتنا ومنطق " لساننا " ، حتى يشبه اللفظ العربي الفصيح . وبذلك نترك اللغة العربية للخَلَف من بعدنا ، كما تركها لنا آباؤنا الأولون ] ..
إننا في الواقع .. نريد تعريبآ وترجمة أكثر حيوية وحياة وإستجابة لمتطلبات مجتمع المعرفة ، الذي إن لم نسارع بدخوله ، فلن يكون لنا مكانآ بين الأمم ، وتضعف هويتنا العربية القومية ، حتى أقصى درجات الضعف .. لا الزوال .
وفي الهوية واللغة والثقافة ، تكون :
الهوية القومية حقيقة : لغوية في الأصل لها سماتها وملامحها الشخصية الظاهرة والباطنة ، والخصائص المادية والمعنوية والثقافية . وهي أيضآ مكونة من عناصر وخبرات ثقافية وإجتماعية وتاريخية ، فردية وجماعية على مدى " تراكم زمني " = الإستقرار والإستمرار = . والأمة العربية إمتزجت بالعديد من الأمم ، وإستوعبت أعراق أخرى ، بحيث أصبحت الحصيلة الثقافية والحضارية أبعد وأعمق بكثير من علاقة عرقية محدودة .
وإن كان للعرب قبل الإسلام وجود ، فقد صار لهم في ظل الإسلام وجود متغير آخر ، وتعددت دوائرهم .. لكن مع بقائهم عربآ .. وإن قلنا أن القومية العربية ليست عرقآ ولا عرقية ، فهذا بنتيجته أنها : ليست عدوانية إستئثارية إستعمارية . إنها ذات ( نمط حضاري متميز ممتد وعميق في المجالين المادي والمعنوي ) . فهي ممتدة أفقيآ على رقعة المجتمع العربي كله / جغرافيآ . وهي ايضآ ذات خصائص عميقة رأسيآ .. " متغلغلة " في الحياة الإجتماعية – النفسية ، أي : في السيكولوجيا الإجتماعية ، تنعكس على هيئة سجايا نفسية مشتركة منبعثة مما يسمى العادات والتقاليد والقيم المشتركة ، أو بما هي عليه من " أعراف قومية " ، أو " ثقافة شعبية " ، ضمن مضمون نمطيها الحضاريين : المادي – والمعنوي .
وقبل الخروج مما قدمنا ، وولوج هوية متلازمة – الإسلامية - ، لابد من تحديد أهم الأسس التي نتوخى نتائجها :
1- ان القومية العربية ،" كحركة ": هي تسييس " للإنتماء " الثقافي والجغرافي واللغوي والإستيعابي ، وليست إقصائية مغلقة .
2- انه وبالتطلع للهدف من ذلك .. لابد من طرح مشروع سياسي جديد منتمي إلى : ( تاريخ الحركة الوطنية والتيار القومي ) كإستمرارية له . إذ أن التجديد والإصلاح " بأدوات قديمة " ، لايمكن أن يصلح . كما لم يعد " الحنين والإجترار " مقبولين .
إن المشروع الذي يقنع الجماهير فيما وراء ( الديماغوجيا ) الدينية أو القومية ، هو الذي يطرح: كيف سيدير هذا المشروع .. الدولة . ولماذا ؟ وما سوف يكسب الناس من وراء تحقيق هذا المشروع ؟
إنه يجب أن يكون مشروعآ : جديدآ شاملآ لأهم التساؤلات وهموم الشعوب العربية والمواطنين العرب . تحمله " قوى سياسية " قادرة على حشد الجماهير والنخب العربية ..
في الهوية العربية الإسلامية :
------------------------------
الأديان السماوية أتت متوجهة للبشرية جمعاء وليست خصيصآ لشعب بذاته ، وإن كان شعب ما حاملها للآخرين .
فاليهودية : كان شعب بني إسرائيل ، العبرية ، هو الحامل للديانة .
والمسيحية : كان الشعب الفلسطيني ، وجموعه من : عرب ، آراميين ، يونان ، رومان ، حامل للديانة المسيحية التي أتت على لسان سيدنا المسيح ، بالآرامية ، إلى العالم أجمع [ ملكوت الله ليس مفتوحآ أمام اليهود فقط ، لقد أتيت لكي اقول هذا : لغير اليهود أيضآ مكانهم هناك ] ..
والإسلام : كان الشعب العربي / اللسان ، حامل الدين للعالم أجمع . والإسلام بهذا هو " دين عربي " : اللغة / اللسان ، أنماط التفكير ، الحامل ، الجغرافيا ..
أي أستطيع القول ، أن : الإسلام هويته عربية .
فقد كان للعرب كأمة وشعوب وجود . فكانوا " الحامل والناشر " للإسلام . واللغة العربية حتى بحملها اللغة الدينية لها دور اساسي وهام في تشكيل الثقافة العربية الإسلامية والهوية . حيث يمكن القول أن هناك : ( ثقافة الإسلام ) كتدليل على المحتوى الإجتماعي والحضاري بوساعة أكبر من مجرد القول : الدين الإسلامي كديانة .
وحتى مع المفهوم النظري العام " للأمة " ، وتجدده النوعي ، يستقر في الذهن وفي الواقع بأن الأمة العربية هي ( أمة اللغة والتاريخ ) مع إستقرار وتثبيت الدور المركزي للغة والتاريخ في تكوين الأمة العربية ، من " الماضي " ، وإستمرارآ إلى الحاضر والمستقبل : بالمصالح المشتركة ، والأمن المشترك ، والعلم ، والثورة والتقدم .
فالإنسان المسلم .. الذي لايحمل جذور إنتماء عربية ، لايمكن إلا أن " يتأثر " بالثقافة العربية لأنها متضمنة في اللغة العربية ، وفي مفردات حياته اليومية في أسلوب حياته وملبسه ومأكله ، وفي تصرفاته وردود أفعاله الواعية والغير واعية ، وفي طقوسه الإجتماعية .
فالإنسان المسلم الغير عربي .. يعيش أنماط سلوكية عربية ، عربي الثقافة والروح . مع ضرورة التوضيح أنني لم نقصد نسيانه لهويته الثقافية الغير عربية ، أو تخليه عنها ..
والتدين بالعموم .. يهوديآ ، مسيحيآ ، إسلاميآ .. بوجوده في البيئة والمنطقة العربية ، فإن أصحابه يحملون الروح العربية وإنتماءآ كبيرآ للعربية . فما قبل " الصهيونية / إسرائيل " وجد اليهود في اليمن والجزيرة العربية وسوريا ومصر والعراق والمغرب .. وفي المنطقة العربية . وفي فلسطين لاتزال حتى الآن عائلات يهودية عربية مثل : عائلة صهيون الحيفاوية العريقة ، عائلة الخمرة العريقة . وجميعهم متأثرين في نمط عيشهم وأسلوب حياتهم وتعاملاتهم اليومية بمجمل مجتمعهم العربي . وكان الجميع يعيشون واقعآ طبيعيآ في مثال راقي للتعايش المدني الحضاري . ولهذا كان على " الصهاينة " مع إنشاء دولتهم اليهودية !! على أرض فلسطين العربية ، القضاء على " الثقافة الأصلية " للسكان ، وإحداث ( تغريب ) للمنطقة العربية ، بزرع ( كيان غربي الثقافة ) .
والإنسان الغير مسلم في الوطن العربي : - هو إنسان عربي أصيل صاحب الركائز الوجودية والمعيشية كصاحب أرض ، وصاحب الثقافة العربية في بيئته الجغرافية بجميع منتجاتها الإجتماعية والوطنية والسياسية والإقتصادية والتاريخية .
فإعتناق العربي لأي دين من الأديان ، لاينزع عنه الهوية والإنتماء العربي . وهو الذي عاش في إستقرار وإستمرار كفرد من أمة عبر تاريخها الطويل . أي : أن الدين .. أي دين ليس له أن يثبت أو ينزع الهوية والإنتماء والمواطنة عن الإنسان العربي في الوطن العربي . وليس لإعتناق الإسلام كدين ، تفضيل بين المواطنين العرب . بل أن التفضيل يأتي على الجميع بقدر :
مشاعر وإرادة الإنتماء ، وبقوة التمسك والدفاع عن هذا الوطن ، وبالتمسك بالأرض وبالهوية الثقافية التي يعرّف بها نفسه ، والتي يعرفُه الآخرون بها ، والتي هي المعبرة عن عناصر وخبرات ثقافية وإجتماعية وتاريخية جماعية وفردية ، على مدى تراكم وإستمرار زمني يحدد هذه السمات والملامح ، وإذ يصطبغ ويتحوى وُيشمل في هذه الثقافة .. الثقافة والحضارة العربية الإسلامية ، فإن هذه الثقافة بمجملها تصبح حامل شمولي حضاري ومواطني إنساني ضمن هذا التاريخ وضمن هذه الجغرافيا .. منتسبآ لها هذا المواطن الإنسان لتشكل هويته الإنسانية المتميزة ، بوعي أو من دون وعي .
من كل ماسبق وتقدم حتى الآن .. أكاد أجزم بأن : ( الهوية الوطنية القومية الإسلامية ) هي هوية مرتكزية ، مركبة من عناصر متلاحمة يصعب تفكيكها ، تتجاوز رقيآ وحضاريآ وتصاعديآ تلك الهويات الأدنى في مسار التطور المجتمعي الإنساني من هويات : قطرية ، عشائرية ، قبلية ، عائلية ، دينية ، طائفية ، إثنية . فتكون البوتقة الواسعة لتحقيق الكتلة المجتمعية التاريخية العربية ، والأساس القوي والناضج على طريق التفاعل الحضاري والإنساني مع الهويات العالمية الإنسانية الأخرى .
إن هويتنا الوطنية القومية الإسلامية ، بل يمكن القول بشكل أدق : أن ثقافتنا ومناهجنا وخطابنا الديني وخطابنا القومي ، بحاجة ماسة للمراجعة ، لتحريرهما من تراكمات عصور الإنحطاط ، ومن ثقافة الهزيمة المسكون بها المطبعون والمشككون بهويتنا وثقافتنا ، وضرورة تصويب مقولات الغلاة ، في ضوء قراءة عصرية للقرآن والسنة وتراث السلف ، ولمضمون الفكر القومي ، بحيث تستعيد ثقافتنا العربية الإسلامية قدرتها الفذة على التفاعل مع الثقافات الأخرى ، كما كانت عليه زمن كانت المدن والحواضر العربية مراكز العلم والمعرفة والتعايش والإشعاع الحضاري .
======================
فائز البرازي
3/8/2009