أقوال وأحوال

[عبد الله راتب نفاخ]

عظمة الكاتب أن يقدم أدق دقائق بيئته فيجذب إليها أنظار الخافقين، بذا ارتفع الكتاب الذين أمسوا عالميين، لا بتنكرهم لجذورهم.
قال لي طالب علم داغستاني في دمشق يوما: عظمة رسول حمزاتوف أنه حمل داغستان إلى العالم كله في كتاب

[عبد الله راتب نفاخ]

مرة قال لي أحد المتنطعين: العلوم التجريبية تصنع الآلات، فما تصنع الآداب غير الكلام؟!!
فأجبته: الآداب تصنع الإنسان الذي يصنع الآلات، والآنسان غير المبني على نحو صحيح لن تنفعه ألف آلة وألف مصنع.
فبهت الذي تحذلق

[عبد الله راتب نفاخ]

مرة طلب إلينا أحد أساتذتنا في النحو في السنة الثالثة بجامعة دمشق إعراب بضعة أبيات فيها فعل (كان) لازما، ورغب أن يرى ما ستتفتق عنه أذهان الطلبة في الإعراب، فراح يجوس خلال المدرج الأول بين المقاعد، فيرقب أوراق الإجابة.
فلما فرغ وفرغنا، اتخذ مقعده وسرد لنا الأخطاء التي صادفها ولا سيما في إعراب (كان)، ثم ختم كلامه بقوله: لكن هنالك إجابة لفتت نظري، إذ كتبت إحدى الطالبات في الإعراب: كان: فعل عادي .
وغص المدرج بالضحكات، فلا أدري كيف باتت حال الطالبة صاحبة الإجابة

[عبد الله راتب نفاخ]

للأول من رمضان عندي ذكرى عزيزة خاصة
ففي غرة رمضان، الموافقة الرابع والعشرين من أيلول عام ٢٠٠٦ بدأت رحلتي الحقيقية مع حرفة الأدب.
وقعت لي حادثة هشمت زجاج نفسي، كأنما هوت بها آجرة بحجم الأكوان على أم رأسي، فعدت إلى البيت ذاهلا، وارتميت على سريري.
وحين رفع أذان المغرب أفقت من سكرتي، لا لأنهض إلى مائدة الطعام، بل لأخط نصي النثري المتكامل الأول: (هكذا قدري).
سبع عشرة سنة تقضت، تغير فيّ خلالها الكثير، لكني ما أزال أحن إلى نصي الأول، وإلى نفسي البريئة الشفافة التي كتبته.

[عبد الله راتب نفاخ]

في رمضان ٢٠٠٧، أيام سنتي الجامعية الرابعة، وخلال تعلقي المفرط بأدباء عصر النهضة العربية كالرافعي والزيات والعقاد والمنفلوطي وشوقي وحافظ وجيل تلك المرحلة، عرضت قناة mbc مسلسل الملك فاروق، ليكون المقابل المناسب لحالتي ودراستي.
كان المسلسل عجائبيا بمعاييرنا اليوم بعد ست عشرة سنة، فما بالك بمعايير توقيت عرضه، الديكورات، المكياج، أنماط الحياة التي التقط تفاصيلها الراحل حاتم علي، وسلبت المشاهد لبه فجعلته يعيش في ذلك العصر، بل يتشهى عودة الزمن به القهقرى في حنين عميق إلى عصر الملكية رغم سلبياته.
ولقد بلغ من نجاح المسلسل وتأثيره في تجميل صورة تلك المرحلة وصورة فاروق شخصيا، أن ضاقت به الأحزاب الناصرية وجموع أنصار ثورة ٢٣ يوليو، وثار بشأنه لغط كبير، دفع تلك الفئات إلى تبني صناعة مسلسل عن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في رمضان التالي، لكنه لم يحقق أثر مسلسل فاروق، لا لتفضيل الملك المخلوع على الرئيس الثائر، بل لأن السيناريو الإبداعي وبهرجة الإخراج المرتبطة بالإمكانيات، ولمسات حاتم علي السحرية قد غابت عن مسلسل ناصر.
وما بين mbc العملاقة وشركات إنتاج متواضعة الإمكانات بون واسع.
فعل حاتم علي بنا الكثير ... لهذا يستحق التحية لمقدرته الفنية الاستثنائية في يوم رحيله، وفي كل رمضان

[عبد الله راتب نفاخ]

كنت قد سمعت من الأستاذ عبد المعين الملوحي رحمه الله أنه لا يعترف بمجلة تراثية في الوطن العربي كله إلا مجلة المورد العراقية الرصينة.
هذا الكلام على مرحلة الثمانينيات والتسعينيات، لكن أحسبه ما يزال ممتدا إلى اليوم بوجه ما

[عبد الله راتب نفاخ]

حدثني أستاذنا الدكتور أيمن الشوا قبل سنين طويلة، أنه أعد مشروع كتاب مع صديقين عزيزين، ثم اضطر إلى الذهاب في سفر مفاجئ، فاتفق معهما على أن يتربصا حتى يؤوب من سفره.
فما راعه حين عاد إلا أنهما أخرجا الكتاب مع المواضع التي عمل بها دون إشارة إليه.
فكانت ردة فعله أن صنع كتابا عن الوفاء، سرد فيه ما استطاع جمعه من آيات قرآنية وأحاديث نبوية وأبيات شعر وأقوال أدبية وحكم عن الوفاء.

[عبد الله راتب نفاخ]

لقد درس ابن رشد العلاقة بين العقل والشريعة دراسة عميقة استقى مصادرها من ثقافته العميقة ومن علمه الدقيق بالشرع الإسلامي وبالفلسفة اليونانية كليهما، فمن المؤكد أنه لم يقل كلاما سطحيا كهذا أولا، ولم يعبر عنه بهذه الصيغة الحديثة التي تناسب النصف الثاني من القرن العشرين لا عصره
وليت مصممها احترم على الأقل علم الرجل بالعربية فلم يرسم الهمزة في كلمة (ابن)، وهذا دليل آخر على نحله الكلام نحلا

[عبد الله راتب نفاخ]

عبارة قاسية صادمة، لكنها واقعية

(إن مهلك نفسه في طلب صلاح غيره سفيه)

ابن قدامة المقدسي

[عبد الله راتب نفاخ]

كان لطيفا جدا أن أجد اليوم شخصا يقول لي بلهجة الواثق: سلّم على والدك الأستاذ محمد راتب النفاخ، مستدعيا ذهول زوجتي وأمها.
ولم أشأ أن أخيّبه، فقصدت قبر والدي المتوفى قبل واحد وثلاثين عاما لأقرئه سلامه.