-
فلْيَتنافَسِ المُتنافِسُون ..
فلْيَتنافَسِ المُتنافِسُون ..
أن تبحث عن مصالحك المشروعة بالطرق المشروعة فذاك يعني أنك تستغل الدين لصالح الدنيا أو بمعنى أدق : أنك أصبحت متدينا ً بحق !
وواقعنا يقول : أن وضعنا السيئ يحفزنا أن نجعله أقل سوءا ً ، أما أن نتحول من وضع سيئ إلى وضع حسن بضربة لازب فذاك شيئ من حديث الخرافات .
على أرض الواقع نشاهد من لبسوا الأقنعة.. لا شغل لهم سوى التنافس .. لا على أساس أن يمد أحدنا يده لأيادي من حوله ليسّخِر بعضنا البعض ويبحث الجميع عن مصالحهم ومنافعهم بل تراهم يستغلون الآخرين بكل أنانية بطرق الحقد والحسد والجشع .... والمنصت لخطاب التناصح عليه أن يباشر بإجراء عملية لوجهه فينزع قناعه طوعا ً لا كرها ً ، لعله يدرك أن من جردته الحياة من مشاعره وحضوره مع الآخرين فقد أنعم عليه بنعمة الحياة الحقيقية حياة الإيمان .. أليس فاقدا ً حياته كل من عاشها بالضلال ؟
قال تعالى : {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }الأنعام122 .
فليستمع إلى شروط ولادته الجديدة وهي أربعة :
1\ يذكرنا أي طبيب قبل إجراء أي عملية أن نهيأ له الدم قبل أن يباشر هو بالتنفيذ وينبهنا ( مالك بن نبي) رحمة الله عليه المفكر الجزائري أن الدم هذا له شرطان ، أن يكون من نفس الصنف وأن يكون طازجا ً ، وهكذا فالدم في عمليتنا هنا لا بد أن يأتينا من نفس الصنف الفكري والعقائدي وأن يكون ملائم لروح العصر والزمان الذي نعيشه .
2\ ولابد ونحن ننزع أقنعتنا من أدوات تيسر لنا تلك الإجراءات وينبهنا الجراح والمفكر
السوري الدكتور( خالص جلبي) إلى صعوبة إجراء أية عملية اليوم بأدوات ومشارط
وسكاكين وخيوط فرعونية .
3\ والمكان المعقم والذي نجحنا في طرد الجراثيم الفكرية عنه هو وحده المؤهل أن نجري فيه نزع قناعنا لئلا نتعرض إلى التسمم الثقافي .
4\ وأخيرا ً وربما الأهم أن نعثر على طبيب يلائم اختصاصه أمراضنا فمن العسير أن يذهب المتألم من وجع أسنانه إلى طبيب العيون ومن العقم الفكري أن يذهب صاحب هذا السن إلى أشهر الأطباء البيطريين .
والله تعالى من فوق سبع سماوات كفيل برعاية جراحنا وهو- جل في علاه - يطلب منا المسارعة والمسابقة والمنافسة للفوز بجنة الأرض قبل جنة السماء
قال تعالى :{وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }آل عمران133 وقال جل في علاه{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }الحديد21
ففي غرب الأرض وقد وصلت درجات المنافسة ذروتها ... ولو قابلت أي إنسان هناك لقال لسان حاله : أنه يواصل كنز المال واقتناص اللهو وحب النساء فهذه هي تفاصيل سعيه التنافسي وقد جعل هذا الإنسان ( ذاته ) محور كل نشاطات التنافس مستغلا ً (الطبيعة) وهو يحاول السيطرة عليها فبعد أن كانت قدم الإنسان والحمير والبغال هي وسيلته في السفر أصبحت السيارة والطيارة والصاروخ أدواته التي سخرها ولا زال يسخر كون الله في رحلة تنافسية مثيرة نسي عندها الإنسان نفسه وغدا الإنسان سلعة كأي سلعة وشئ كأي الأشياء .
أما نحن في شرق الأرض فلم ننتج بل نستهلك ( سلع ) الرفاهية .. الناظر بعين الحقيقة لمجتمعاتنا الإسلامية اليوم سيلحظ تنافسا ً على الدنيا وزخارفها فتارة نلحظ الإنسان وقد وهبته السماء الغيث فتخضر حقوله وتزداد خيرات أرضه وفرة فيطرب بالحصاد كريما ً ضاحكا ً مسرورا ً وينال الناس من حوله بركات الخيرات ، وما نلبث أن نجد نفس الإنسان وقد تحول كرمه وهو نعمة إلى نقمة حين لا تشمله السماء برعايتها فينقلب هذا ( الوهاب ) إلى ( نهاب) على حد عبارة الدكتور علي الوردي فينال من حوله الأذى والعداوة والبغضاء والعقاب كثواب والمصيبة هنا أن هذا الإنسان كأخيه الذي يعيش في غرب الأرض قد جعل من (ذاته) محور كل نشاطات التنافس وهو لا يعترف بهذه الحقيقة بل يخدع نفسه ويخدع الآخرين أنه قد جعل ( الله تعالى ) غايته ومحور حياته وملاذه.
والمشكلة ليست في السماء وانقطاع خيراتها أو هباتها التي لا تنقطع بل المشكلة بعلاقة الإنسان بمن حوله من البشر و ( التنافس) هو سمة هذه العلاقة قال تعالى :
{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ }الحديد20
لقد نسي الإنسان وهو يريد التقدم في هذه الحياة الدنيا أن من أول شروط التقدم هو القضاء على عوامل التأخر قال تعالى :{لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ }المدثر37
{لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ }التكوير28
ليس المهم أن أعرف من أنا بل الأهم أن أعرف ما لست ُ أنا فكلنا يعرف ذاته ، وأنا مثلا ً متأكد أنني إنسان ولكني أخشى أن لا أكون كالشيطان أو أكون كالحيوان حين أقف موقف العداء للقيم التي جاءنا بها رسولنا الرحيم محمد عليه الصلاة والسلام في رسالة الإسلام قال تعالى :{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ }الأنعام112
وأنا لست متأكدا ً أنني قد أتورط في لحظة من لحظات عمري وفي ظرف قاهر أن أتحول إلى ما دون البهائم فيرتفع البلبل والهدهد والنحلة والنملة في مرتبتهم على مرتبتي ، لحظة أن أسيئ استخدام حواسي فقلبي لم يعد يتحسس لنبضه الإنساني حين يتعلق هذا القلب بالمكاسب من الدر والدرهم ويتناسى ويتغافل عن مكاسب تنقذني من العقاب والعذاب ونارهما ، والله الجليل يوصي رسوله الرحيم أن يتزود بمكاسب العلم حصرا ً قال تعالى [وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً ] طه114 ولم يخبره عن مكاسب المال أنها لا تزيدنا إلا بعدا ً عن الله والجنة .
وعيني تجعلني أرى ظاهر الأشياء فلا أدرك ببصيرتي ما أشاهد فأرى الجياع ولا أدرك أن ثمة قراصنة - قد أكون أنا أو أنتم أحدهم - هجروا البحار واستقروا فوق أرضنا الجميلة يسرقون منها مواردنا ومائنا وطعامنا بل وأحلامنا وغدنا.
وسمعي حين تصله أصوات تصدح .. (حيّ على الفلاح ) حيّ على أجدى عمل ولكن هذه الأذن لا تجعلني أستمع منصتا ً ومتدبرا ً الخيرية فيما أعمل والنجاح والفلاح ، ويبدو أن حظوظ الإنسان في حياتنا وكما يقول مالك بن نبي (متعلقة بالمجتمع الذي نعيش فيه)؟؟ قال الله تعالى منبها ً أولي النهي منا :
{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }الأعراف179وعندما أقول أنني إنسان فذلك يعني أني حددت هويتي التي خلقني بها ربي وأمامي مهمة نبيلة أن أتخلص مما وصفه لنا رسولنا الرحيم محمد فقال (اتركوها فإنها نتنة) وهو يعني أن نترك التشبث بالحمية والعصبية والعرقية والمذهبية و
( الأنانية الشيطانية ) حينما نقدمها على هويتنا الإسلامية الإنسانية وما أحتاجه للوصول إلى هويتي هذه فقط شيئان :
1\ الهمة ...
2\ الأمل بالوصول
وما يعيقني أمران
1\ الخوف ...
2\ النقد الهدام
فأنا أتفاعل مع المجتمع وأعيش في كون الله وناتج هذا التفاعل هو الذي سيحدد موقفي وأنا أطارد شيطنتي وحيوانيتي ، المجتمع قد يكون هو السبب في فقداني للهمة والأمل قال تعالى :
{وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ }الأعراف202
خصوصا ً إذا كان من يحيطني يقدم المنفعة والتزاحم والتخاصم على التعاون ويقدم الجدال على النقد المجدي ويقدم الرغبات والشهوات على التراحم والتكافل ويقدم
( العيب ) على ( الحرام ) ويقدم الجشع على القناعة . وهذه السلوكيات جعلت الجميع يشعر بخطورة فقدان (الأمن المجتمعي الكامن) وجعلت الجميع يشعر بفقدان طاقة كامنة في قلوبنا هي - الطاقة الأخلاقية - حينما استبدلتها بعض مجتمعاتنا بطاقة القوة والتغالب وها نحن جميعا ً ندفع الثمن غاليا ً حينما جعلنا معايير التنافس فيما بيننا يتدنى إلى مستوى الحيوانية في معايير تنافسها في أي غابة أو تتلوث رؤانا بالأنانية الشيطانية فجعلتنا مخلوقات من نار نحرق مساكننا بأيدينا ... فاعتبروا يا أولي الأبصار. يورد علي الوردي ما قاله أحد علماء الاجتماع حين قال ( أنظر إلى الأشخاص الذين يقدرهم المجتمع ... تعرف الاتجاه الحضاري السائد في ذلك المجتمع ومصيره) .فمجتمع يقدم للصلاة أقرؤهم للقرآن ممن حفظ رسمه وقيمه فلا خوف على هذا المجتمع ولا هم من المحزونين ، ومجتمع يقيم ويقدم رجل المال ورجل القوة على رجل العلم فلا تنتظر من هذا المجتمع أية صحوة فهم في الظلم متآلفون
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى