أثر اللغة العربية في اللغة الإسبانيةاستمر الوجود العربي في إسبانيا لفترة طويلة من الزمن تقارب (800) عام، وترك هذا الوجود تأثيراً كبيراً في مختلف نواحي الحياة، ويظهر هذا بشكل جلي في مجال اللغة. فالعربية تمثل عنصراً مهماً في اللغة الإسبانية كما يرى د. يسام رشيد في محاضرته التي ألقاها في معهد ثربانتس، تحت عنوان العنصر العربي في اللغة الإسبانية،وهذا الأمر صحيح وغير صحيح في الوقت نفسه، صحيح عندما نتحدث عن الماضي، أما في الحاضر، فهو غير صحيح.

وتشكل العربية العنصر الثاني، الذي تتألف منه اللغة الإسبانية بعد اللاتينية ، كما يرى المؤلف والمؤرخ لافيسا، الذي يحدد هذا التأثير بنحو (4000) كلمة مع مشتقاتها، ولا يوجد كتاب في تأريخ الإسبانية يستطيع في فصوله تجاوز الفترة العربية في إسبانيا وتأثيرات تلك الفترة، كما هو الحال بالنسبة لنا، حيث لا نستطيع تجاوز أي فصل من فصول التأريخ العربي، لقد نشأت اللغة القشتالية وانتشرت في أنحاء إسبانيا، وكانت في البداية لغة مملكة قشتالة ، والتي لظروف سياسية وعسكرية واقتصادية استطاعت فرض لغتها على إسبانيا، ونواة الإسبانية كانت اللغة اللاتينية التي حملها الرومان معهم عندما قاموا بغزو إسبانيا في القرن الثالث قبل الميلاد، واللاتينية بحكم مرور الوقت وتدهورها، أدت لنشوء لهجات متنوعة استطاعت الاستقلال لتصبح لغات: فرنسية - إسبانية-برتغالية...أي أن هذه اللغات كانت نتيجة لتفتت وتراجع اللاتينية ، وتطور هذه اللهجات المحلية في كل منطقة من المناطق لتصبح فيما بعد لغة مستقلة. وإسبانيا كانت ممراً لكثير من الشعوب والأقوام ومنهم الإيبيريون- الفينيقيون- الرومان، وبعدهم أتى الجرما نيون والقوط، وكان العرب آخر من حط الرحال في إسبانيا قبل أن تتوحد إسبانيا في القرن 15-16 ، حيث لم تكن في المرحلة السابقة دولة، بل عبارة عن ممالك، وفي القرن الثامن وصل إلى إسبانية مسلمون لم يكونوا عرباً ، بل خليطاً: شاميين وأغلبهم كانوا بربراً، وخلال الفترة بين 711-718 تمكن المسلمون من السيطرة على كامل التراب الإسباني أي كامل شبه الجزيرة الإيبيرية تقريباً، ومن أهم العوامل التي ساعدت على انتشار العربية بعد أن بدأت عملية التفاعل الحضاري أن المستعربين تزوجوا من الإسبانيات والقوطيات وبعضهم حصل على نوع من الحكم الذاتي وعانى مثيرو الفتن من الاضطهاد والقتل، واعتنق آخرون الإسلام وجميعهم أثروا في الأندلس، وفي تلك الفترة استخدمت اللغة الرومانثية، الإسبانية البدائية في القرن 9-10 للتخاطب ، شأنها في ذلك شأن العربية لكن العربية والرومانثية لم تكونا متناصرتين، بل كانتا متعايشتين أي لم يكن هناك حلول للغة مكان أخرى، ومن الطبيعي أن يكون المستعربون أول من أحس بالمد الثقافي للعربية، حيث اتخذوا أسماء عربية وقلدهم في ذلك مسيحيو الشمال، الذين كانوا يتلقون المهاجرين من المستعربين في ممالكهم ،وفي عصر المرابطين والموحدين، الذين كانوا متزمتين دينياً اضطُهد المستعربون الذين لجؤوا إلى الشمال، وبانتقالهم حملوا معهم عاداتهم وتقاليدهم ومفرداتهم التي شاعت في مملكتي ليون وقشتالة، ولابد من الإشارة إلى أن العربية لم تحل مكان القشتالية لأن القشتالية عند دخول المسلمين خلال القرن الثامن كانت قد قطعت شوطاً كبيراً في عملية التكوين والاستقلالية عن أصولها التي تربطها باللاتينية الأم، أي أن العربية الأندلسية أصبحت لغة موازية استخدمها الإسبان لأنها لغة الدولة والإدارة والتعامل دون أن يهجروا لغتهم القشتالية، التي استخدموها في بيوتهم وتجمعاتهم الخاصة، ويظهر تأثير العربية في الإسبانية في ثلاث مراحل :
الأولى منذ عام 1085، حيث اكتسب المستعربوت الكثير من المفردات العربية الجديدة لحاجتهم إليها أو لإعجابهم بها، وهي مفردات تخص النواحي العسكرية والإدارية، ومنها ما يشير إلى الملابس أو أنواع الأقمشة الفاخرة، والمجوهرات الثمينة، أما المرحلة الثانية، فكانت في بداية القرن (13) بداية مملكة المرابطين والموحدين ومملكة الطوائف، وفي تلك الفترة انعكس الوضع السياسي على اللغة وشاعت المفردات التي تدل على التفاعل الحضاري في مجالات الزراعة - البناء... كمفردات acegua الساقية....... alberca البركة.
في حين كانت المرحلة الثالثة في عام 1492 ، حيث استمر التأثير وأضيفت للقائمة كلمات جديدة، أما بالنسبة لجوانب التأثير، فإن التأثير العربي في الإسبانية كان سمانثي، في مجال المفردات فقط، لأن الإسبانية كانت قد تشكلت قواعدياً وصرفياً والمدن التي أسسها العرب في إسبانيا على سبيل المثال، أعطوها أسماء عربية أما المدن التي كانت لها أسماء إسبانية، فقد حولها العرب كما تُنطق معهم ،أما التأثير الصرفي والنحوي كان قليلاً لم يتجاوز أداة التعريف العربية، ومما يشار إليه أن الإسبان احترموا واهتموا بما يتعلق بالحروف القمرية والشمسية، وهذا كان واضحاً في لغتهم، والبعض يقول إن الصفات التي تدل على النسبة: دمشقي- عراقي - إسباني- إنما كانت بتأثير عربي وكذلك الأمر بالنسبة للأفعال المتعدية وبعض الجموع، أما بالنسبة لليوم، فلم يبق من العربية في الإسبانية سوى أسماء متفرقة تذكر، كما الآثار التي تدل على أن شعباً عريقاً وحضارة مزدهرة قامت في تلك الربوع ، وزوال بعض المفردات، كان لأسباب متعددة، إما لزوال مداولاتها- وحقائقها- أو لحلول كلمات لاتينية ويونانية مكانها، ومنها ما انحسر استخدامه، فما عاد يستعمل إلا في تسمية الآثار أو للدلالة على أصلها العربي، وما بقي من المفردات قليل جداً يتصل بعضه بمجالات محدودة الاستعمال كمصطلحات الزراعة، أما النصف الآخر فهو شائع ومتداول .

متابعة: جلال صالح

http://www.albaath.news.sy/user/?id=885&a=79699