ومضة من : ألزهايمر : غازي القصيبي (المراهقة)
يبدو الأمر شبيها بالإحساس بالذنب! سبق أن كتبت متعجبا من حديث الدكتور غازي القصيبي – رحم الله والديّ ورحمه – عن التعامل مع أصحاب الاحتياجات الخاصة،نقلا عن كتابه (ألزهايمر) .. وقد رأيت أن من واجبي،إذ تعجبت من مدى تأثر الدكتور بالحضارة الغربية المادية،أن أنقل بسعادة تميزه – كمثقف أصيل - حين يفكر خارج سطوة حضارة المستعمر - السابق ،وربما المستقبلي - ،حسب تعبيره!!
كتب الدكتور :
(فجأة جاءت ذكرى البلوغ (..) جاء البلوغ وانتقلت من مرحلة إلى مرحلة. هل انتقلت من الطفولة إلى الرجولة؟ هذا ما كان يجب أن يحدث. هذا ما كان يحدث في الحضارات القديمة كلها،ما تنص عليه القوانين القديمة كلها،ما تنص عليه الأعراف القديمة كلها،إلا أن هذا لم يحدث. ولماذا لم يحدث؟ لأن سادتنا سابقا،وربما لاحقا،المستعمرين الغربيين ابتدعوا مفهوم المراهقة الذي ما أنزل الله به من سلطان،,نقلناه عنهم،حسب العادة. نظرية المراهقة من أسوأ النظريات التي تمخضت عنها العصور الحديثة.أن لا تكون صبيا ولا تكون رجلا.أن تبقى معلقا،بضع سنين،في تلك المنطقة الرمادية حيث يكفّ الصغار عن اللعب معك ويرفض الكبار أن يعتبروك واحدا منهم. سنوات المراهقة في حياة كل إنسان"وإنسانة"هي سنوات ضائعة لا معنى لها مسروقة من الطفولة والرجولة معا.فجأة،يبدأ نساء الحي يحتجبن منك،لأنك أصبحت رجلا،ولكن ماذا عن الرجال؟ أنت ما زلت في نظرهم ذلك الصبي الذي لا يُسمح له بممارسة أي مسؤولية من مسؤوليات الرجال. أريتِ،يا عزيزتي أسخف من هذا المنطق؟تتحول البنت مع البلوغ إلى امرأة تستطيع أن تتزوج وأن تُنجب وأن تربي أولادها"كما فعلت أمهاتنا وأمهاتهن وجداتهن". والولد،بدوره،يستطيع أن يتزوج وأن يجنب وان يعتني بأولاده"كما فعل أجدادنا وأجدادهم".كانت الأمور تسير على هذا النحو خلال فترة التاريخ غير المكتوب كلها،ومعظم فترة التاريخ المكتوب. ثم ظهرت نظرية المراهقة فأفسدت حياة الجميع : حياة المراهق والمراهقة،وحياة الوالدين،وحياة المجتمع بأكمله. ظهرت مشاكل لم تُعرف من قبل عبر التاريخ : طيش المراهقة وجنون المراهقة،وعُقد المراهقة،إلى آخر القاموس الذي يتضخم كل يوم. في باديتنا،عبر تاريخها،لم يوجد مراهق واحد أو مراهقة واحدة.كان الصبي،مع البلوغ،يتحول إلى رجل : يحمل البندقية ويقاتل مع الرجال. وكانت البنت،فور البلوغ،تصبح امرأة كاملة الأنوثة "فلندع الاستثناءات الآن،فلكل قاعدة استثناء". وفي جنوب بلادنا،كما هو الحال في مناطق عديدة من العالم قبل قدوم المكتشفين ورسل الحضارة الحديثة،كانت هناك طقوس معروفة للبلوغ"أو العبور حسب أدبيات الأنثروبولوجيا" وكان الهدف منها إعلان ميلاد الرجل على الملأ {هكذا .. ولعل صوابها : على الملئ - محمود }
أعتذر،يا عزيزتي،فأنا لا أنوي محاضرتك ولكنها،كما يقول"سيرة وانفتحت"،والذي فتحها هو أن فترة المراهقة كانت أتعس فترة في حياتي ولعلها أتعس فترة في حياة كل إنسان){ص 64 – 66 "ألزهايمر" : غازي القصيبي / بيروت / بيسان للنشر / الطبعة الرابعة 2014 }.
استومضها لكم : س/ محمود المختار الشنقيطي المدني
س : سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب