هل يستطيع الأدب الملتزم إلا أن يكون مقاوماً، ورافعاً للثقافات الوطنية.؟
الأدب هو الناطق الرسمي لمفهوم وروح ثقافة الشعوب، وانتمائها الوطني والقومي أيضاً، وقد استطاع «أدبنا» أن يحمل بجدارة مسؤولية التأريخ وإغناء الذاكرة، وأن يواكب مراحل النضال، ويكرّس علاقة الناس بالمكان «أي الوطن»، ويتكئ في الأحوال كلها «فيما يخصّ أدبنا العربي» على المخزون التاريخي الثري، وعلى القناعة بحق امتلاكه لأرضه ووجوده، على عكس ما ينشده المحتل «الصهيوني» في أدبياته حيث يجهد، في محاولة تبرير وجوده كمحتل على أرض لا تخصه، بموروثات خيالية تقود على الغالب إلى الموروث الديني التلفيقي، أو إلى حجم الظلم الذي تعرض له، مثل مقولة اليهودي التائه، ومحارق الهولوكست، ليقع في حبائل العرقية، وشعب الله المختار، واعتبار أن الله يسكن في شخص كلّ يهودي، ولعل كتاب «موسى والتوحيد» الذي كتبه فرويد، ورواية «الأرض القديمة الجديدة» لهرتزل يعطيان بجلاء فكرة عن تلك الصورة المشوّهة.
نستطيع تلمّس بدايات الحركة «الإصلاحية» اليهودية في ألمانيا منذ العام 1811 متأثرة بالأفكار التي زرعها نابليون بونابرت، لتبدأ بعدها هجرة أعداد من اليهود نحو غرب أوروبا والولايات المتحدة، حيث حقق هؤلاء في إنكلترا بشكل خاص مستوى من الامتيازات والصلاحيات.
إن الصهيونية المعاصرة تنظر إلى رواية «دانييل ديروندا» سياسياً وأدبياً على أنها أضافت إلى أسطورة اليهود التاريخية المتمثلة بالدراسات الدينية، والاقتصاد، والرومنطيقية، والواقعية، قاعدة خامسة هي «البطولية»، وأرست من خلال هذه الرواية أسطورة بعث (إسرائيل).
لقد اعتُبر كتاب دانييل ديروندا بما جاء فيه، الحل الأمثل للمعضلة اليهودية لدرجة أن كبار الكتّاب اليهود قرروا تبني الكتاب، وترجموه إلى العبرية واليديش، وألحقوا به وجهات نظرهم السياسية الخاصة حول استعمار فلسطين، وما أن تُرجم للعبرية حتى أضحى إنجيلاً صهيونياً، وقبل أن يذوب دخان الكارثة الفلسطينية في عام 1948 أطلقت (إسرائيل) اسم «جورج آليوت» «مؤلف الكتاب» على أحد شوارع تل أبيب.
لقد اشتغل الأدب الصهيوني بعد الاحتلال على الوتيرة ذاتها، وأضاف إليها تلفيقات أخرى تمثّلت في محاولة مستميتة لتهميش الشخصية العربية الفلسطينية بشكل خاص، واقتلاعها من تاريخها وتراثها، ومسح ذاكرتها.
وفي مراجعة للنصوص التي قدمها بعض أدبائهم أمثال «يائيل دايان، س. يزهار، موشيه شامير، يهودا اميهاي، بنيامين تموز، وغيرهم. نستطيع أن نتلمّس هذه الحقيقة.
لقد استطاع أدب المقاومة التصدي بوسائله المتواضعة للأدب المضاد من خلال مسارب عديدة، كان أهمها في مراحل سابقة جداً الأهزوجة الشعبية، وقصائد القوّالين، والحكايات المتناقلة، وهذا واقع متواضع فرضته المراحل التي مرت فيها بلادنا من استعمارات واحتلالات متلاحقة، وحصارات ثقافية، ومن موجات التجهيل المقصودة التي عاشتها شعوبنا.
ورغم ذلك كله استطاع أدب المقاومة أن يخترق الحصارات الثقافية التي عانى منها تحت الاحتلال في حقبة الخمسينات والستينات من القرن الفائت، واستطاع أن يلتقي مع أدب المقاومة في المنافي، حافظ على الهوية، وأبقى الذاكرة طازجة، وتمسّك بالمكان.
إننا نعيش في هذه المرحلة واقعاً جديداً وخطراً يفرض على الأدب أن يكون مقاوماً في كلّ الأحوال، وأن نمارس التصدي بقوة للحرب المعلنة على الذاكرة الوطنية والقومية.
وهذا يفرض علينا، من منطلق الأمانة الوطنية والقومية، أن نصبّ كل إبداعاتنا لإذكاء شعلة الأدب المقاوم، لنرقى إلى إدراكات شعبنا المبكّرة، وإلى قامة دمه الهاطل بغزارة في سبيل ترسيخ هذه المدركات.