بقلم : بتول صادق
من المسلم به ان التغيير ليس فقط سنة ثابتة ليس لنا امامها اي اعتراض، ولكنه مطلب حضاري واجتماعي… وقبل هذا وذاك، هو مطلب شرعي دعانا الية القرآن الكريم والسنة المطهرة، اذ يقول تعالى: «ان الله لا يغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» وهنا يرد التغيير في الايةنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي الكريمة، على اساس انه فعل ايجابي … بل وشرط اساسي لآي تغيير للآمام… وللآفضل…. ويؤكد على السنة الكونية في التغيير والتطوير من اجل مصلحة المجتمع وحفاظه على حيويته وعطائه ومنزلته بين المجتمعات، ويكون قويا من داخله ويعيش عصره مع الحفاظ على هويته وشخصيته، وهناك الكثير من النصوص والاحاديث تحث على هذا النهج، وكذلك مسيرة التأريخ الاسلامي في البحث والابداع والمصداقية في القول والعمل.
ان الخوف من التغيير الاجتماعي ، امر لا مبرر له في زمن متسارع ، وفي عصر لم يعد مجديا فيه الاختباء خلف الآمس لعدم اصلاح اليوم والغد، خلف مبررات لم تعد مبررة او مقبولة، ونحن لدينا من قيمنا ومبادئنا مايساعدنا على التغيير والتقدم الى الامام بخطوات اسرع من غيرنا لاننا في منافسة على البقاء في دائرة العطاء الاجتماعي والحضاري مع سائر المجتمعات، مما يضاعف مسؤولياتنا تجاه انفسنا وتجاه مجتمعاتنا وتجاه ديننا الذي حملنا شرف رسالته عن طريق الوعي الكامل بالعصر الذي نعيشه والمجتمعات التي نقتسم معها ارضنا المعطاءة.

من أسس التغيير الاجتماعي

من الحقائق التي ينبغي التسليم بها ان منهج التغيير الاجتماعي، يقوم على الاسرة القوية التي قوامها الام المربية المصلحة، اذ لا يمكن ان ننشد تغييرا بدونها، وذلك للعوامل التالية:
- اذا ما عدنا الى التغيير في القرآن الكريم، فاننا نجده يقوم على اساس تغيير مافي النفس اولا، يقول تعالى« ان الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» الرعد 11، ولعل من الاجحاف ان نقصر (مابقوم) على الرجال فقط ، لان ذلك تحريف لكلام الله عزوجل.
- وتغيير مابالنفس يقوم على اساسين، تربوي وتعليمي:
1 - اساس تربوي ايماني:
ان سلوك طر يق الايمان والاحسان ليس محصورا في الرجال فقط بل المرأة مدعوة اليه ايضا، ولنا في السيدة مريم (عليها السلام) خير مثال، يقول الله تعالى: «اذ قالت الملائكة يا مريم ان الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين. يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين» آل عمران 42 - 43.
2 - أساس تعليمي:
ان خطاب الله عزوجل لرسوله (ص) «إقرأ باسم ربك الذي خلق» لم يكن خاصا به، وانما كان موجها الى سائر أمته بدون استثناء او فصل بين رجل وأمرأة، كما لم يكن عبثا منه تعالى ان يجعل هذا الخطاب اول كلامه الى رسوله (ص).
هذا الآمر بالقراءة والتعلم، غاية الدلالة على الله عزوجل وشرعه العظيم ، فتحقيقا لهذه الغاية كان لابد للمرأة من تخصيص جزء من يومها لتحصيل العلم الذي يعينها على اداء وظيفتها الاستخلافية والتغييرية، وكانت النساء يحضرن مجالس المسلمين وتجمعاتهم لهذا الغرض.
ولعل آفة المسلمين في التعليم اليوم اكبر من أية آفة اخرى ، بل قد تكون مصدر الافات، ومن اولويات مجالات التعلم بالنسبة للمرأة ، كيفية اقامة الفرائض والعبادات وتتبع فنون التربية الصالحة، فضلا عن تعلم القرآن الكريم والاحاديث الشريفة والمفاهيم الاسلامية الشاملة.
فهذه المجالات تطرق باب المرأة بالحاح شديد ، ولا تستقيم أمة ، بل أسرة من دونها..
ان العلم الذي تتزود به المرأة ، تستفيد منه هي في سيرها الى الله تعالى وكسب رضائه ، وفي توجيه اولادها التوجيه الاسلامي الرشيد وهذا هو الشق الثاني في منهاج التغيير، بعد تغيير النفس .
فبعد أن تغير المرأة نفسها، تنطلق الى تربية الآجيال بعد زواجها، وهنا تبدو المهمة جليلة وخطيرة، فالولد الصالح من فعل الانسان وبالتحديد من صنع المرأة اكثر مما هو من صنع الرجل، فاعداد الولد الصالح او البنت الصالحة، ذخر للمرأة المسلمة ومساهمة منها في التغيير.
ولكن كيف تؤدي المرأة المسلمة مهمتها كاعداد الرجال وتربيتهم؟ اول ماينبغي ان يلفت اليه الانتباه، ان الانسان يولد على الفطرة فأبواه يهودانه او ينصرانه او يمجسانه.
من هنا تبدأ المهمة وهي حفظ هذه الفطرة من كل ما قد تتعرض له من تشويه او انحراف، وما الفطرة الا الاسلام في نقائه وصفائه… هكذا نجد انفسنا امام مقصد من مقاصد الشريعة الاسلامية، الا وهو حفظ الدين وتتولاه المرأة.
وما أكثر العوامل التي تغير الفطرة وتشوهها وتنحرف بها عن جادة الصواب، فالشارع يغيرها، بل حتى المدرسة، وهي محضن تربوي تعليمي، لا تتورع عن تشويه هذه الفطرة ودس ما يصادمها، ناهيك عن المظاهر الاباحية في وسائل الاعلام، ودعوات التحلل من الدين ، وهذا مايضاعف من واجب المرأة ومهمتها التغييرية.
ولذا يجب على المرأة غرس الفضائل في نفوس اطفالها وتربيتهم على الصدق والسجايا النبيلة السامية.وكم تكون المرأة ناجحة في التغيير وفاعلة فيه ان هي استطاعت التغلب في محيطها على الامور العبثية وبعثت في النفوس ، العزة والهمة.

مالك بن نبي والحركة التغييرية الاجتماعية
واذا عدنا الى نظرية المفكر الجزائري المسلم مالك بن نبي حول التغيير الاجتماعي، ووازنا بين تحليله لسمات القائم بالتغيير الاجتماعي ومهامه الحضارية، لآدركنا أن المهمة التغييرية عند هذا المفكر ترتبط بالذي سوف يقوم بها، ولهذا حدد سمات من سوف يقوم بالعملية التغييرية، مستمدا من الواقع التاريخي امثلته، اولئك الذين قاموا بعمليات التغيير الاجتماعي من الانبياء ومن المصلحين ، وتبين نوع الفكرة التي تحرك المجموع في اتجاه التغيير المطلوب.
يرى الاستاذ مالك ان الكلمة المقدسة تسهم الى حد بعيد في ايجاد الظاهرة الاجتماعية، وهي ذات وقع شديد في ضمير الفرد، اذ تدخل في اعماق قلبه، فتستقر معانيها فيه، لتحوله الى انسان ذي مبدأ ورسالة، فالكلمة تستطيع ان تكون عاملا من العوامل الاجتماعية وتثير عواصف في النفوس الى درجة تغيير الاوضاع العالمية.
ويستمد مالك امثلته لهذا الدور، والمهمة التي تقوم بها الفئة التغييرية في المجتمع من تأريخ الحركات الاصلاحية التي مرت بالعالم الاسلامي، فمن بلاد الافغان وايران انبعث صوت جمال الدين الاسد آبادي المعروف بالافغاني، ينادي (حي على الفلاح) فكان صداه في كل مكان، ويرى ان هذه الكلمة شقت طريقها كالمحراث في الجموع النائمة، فاحيت امواتها، ثم القت وراءها بذور الفكرة بسيطة ، فكرة النهوض التي سرعان ما اصبحت قوية فعالة، وغيرت مافي النفوس من تقاليد، وبعثتهم الى اسلوب جديد في الحياة.
ركز مالك ايضا على الحركة التغييرية، انطلاقا من قانون التغيير المتضمن الانطلاق من النفس الى المجتمع، وكذلك من خلال القرآن الكريم الذي يحرك الحياة، ويجعل من آياته أمرا حيا يملي على الفرد سلوكا جديدا ، ويجذبه جذبا الى حياة العمل والنشاط.
وبهذا يبدو ان القيمة القرآنية في ذاتها، اصبحت قيما نشطة ووسيلة رائعة لتغيير الانسان .
ولاغرو ان قادة حركة التغيير التربوي والاجتماعي من المصلحين والتربويين ، وهم ينادون بالفكرة الدينية، يحاولون الخروج من التخلف والتبعية، وتحقيق النهضة، وكان ابن نبي يستشرف، الصورة الجديدة للحياة الفاعلة المشتركة التي قد تبدأ بفرد واحد يمثل في هذه الحالة نواة المجتمع الوليد، وهو يرى ان هذا المعنى المقصود من كلمة «أمة» عندما يطلقها القرآن الكريم على ابراهيم (عليه السلام) في قوله: «ان ابراهيم كان امة قانتا لله حنيفا» النحل 120.
في هذه الحالة نجد ان المجتمع «الامة» يتلخص في «انسان واحد» أي انه يتلخص في مجرد احتمال حدوث تغيير في المستقبل ، مازال في حيز القوة ممثلا في فكرة يحملها هذا «الانسان».

الدور التغييري للقيادات الاصلاحية
نستطيع ان نستنتج ان مالكا كان يعتقد ان الذين يقومون بالدور التغييري الاجتماعي هم القادة المصلحون او زعماء الاصلاح الذين يحملون الكلمة الصادقة والفكرة النظيفة، ويجسدونها، وعند ذلك يكون هؤلاء القادة سببا لتحول نطاق التغيير من نطاق القوة الى الفكرة الفعالة التي لا تعمل وحدها وانما عبر وسيط هو الانسان، وهو «المنقذ» فالشعوب يهزها الشعور بحالة الانقاذ فتسير وراء خطوات منقذ ليشخص لها الغايات ، حتى تصبح كأنها تراها وتلمسها.
ولنسترجع مع هذا المفكر المسلم واقعة تاريخيةخاصة ببني اسرائيل عندما رأوا في النبي موسى (ع) ذلك المنقذ الذي يستطيع ان يقوم بهذه المهمات، أي (الانقاذ) ثم (التغيير) ، فارتفع صوت النبي موسى اولا في بني اسرائيل ليصور لهم حالة الانقاذ، التي لم يكونوا يشعرون بها من قبل، فأثر صوته في الجموع الساكنة المستسلمة، فحركها واشاع فيها القلق، ثم صور لهم ضرورة السير معه في الطريق الذي شقه امامهم بعصاه حيث المرحلة التغييرية الجديدة.
ان المجتمعات عندما تغمرها موجه القلق، ويهزها الشعور بحالة انقاذ ، تتضح امامها الغايات، وتتبين لها المصاعب، وهكذا ينطلق الفرد الذي كان من قبل خاملا كسولا، فينطلق لانه يشعر بانفجار ذاتي في نفسه، انفجار يطلق طاقاته المكبوتة، فيغير وجه التأريخ.
فالشروط لاحداث هذه الحالة، اي ظهور المنقذ الذي سيقوم بالتغيير، هي الشروط النفسية الاجتماعية التي تحرك المجتمعات، وتفرض على الافراد الانسجام مع قانون تلك الحركة، بما لديهم من المؤهلات المكتسبة التي تكون المعادلة الاجتماعية التي تحدد فعاليتهم التي تحدد امام المشاكل، وتعطيهم قيمتهم في المجتمع وفي التاريخ.
كان مالك بن نبي يعتقد في نظريته حول التغيير الاجتماعي ان نقطة التغيير الاولى هي تغيير هذا الانسان من خلال تغيير عالمه الثقافي ومحيطه الاجتماعي.
وكما بدأت عملية البناء في المجتمع الاسلامي الاول بتغيير نفسية الانسان، من خلال تأثير العقيدة الدينية في شبكة علاقاته الاجتماعية وتشكيل بنائه الثقافي، ليس من الزاوية النظرية فحسب. بل لابد ان يضاف اليها وجهة النظر العملية والتربوية كي تكون أداة للتغيير الاجتماعي والحضاري للمجتمع.
دور الثقافة التغييري
ان الثقافة في اي مجتمع، تسعى للتغيير، ولابد ان ترتبط ببناء ذاتي لها، هذا البناء الذاتي ينبغي ان يكون للافكار فيه دور البناء والتجديد ، لتمد الفرد بحالة من التوتر تحيل امكاناته الى طاقات خلاقة في جميع المستويات، فالثقافة اذن اذا ما رددنا الامور الى مستوى اجتماعي ، هي حياة المجتمع التي من دونها يصبح المجتمع ميتا.
هكذا نجد ان الثقافة تؤثر وتتأثر بما ينتاب المجتمع من تغييرات نفسية واجتماعية تعود في الاساس الى قوة تأثير الفكرة الدينية أضعفها، والثقافة ترمي الى تغيير الانماط السلوكية والحضارية تبقى مجرد ترف فكري ، لهذا من المهم ان يكون تعريفنا لها ولا نشطتها من زاوية وظيتها التغييرية، بصفتها من آليات التغيير النفسي ثم الاجتماعي والحضاري.
المصادر
1 - تنوير المؤمنات - بيروت - الجلد الثاني.
2 - (المرأة والتغيير) - احمد بوعود.
3 - (الرسالة الحضارية) - نوره خالد السعد.

الرابط:
http://www.binnabi.net/?p=99