سألت نفسي سؤالا غريبا مفاده:
ما الذي تعاديه أميركا في سوريا حتى تتآمر عليها هي وعملاؤها المنتشرون في الإقليم، هل هو مساندتها لإيران، أم هو معاداتها لإسرائيل، أم أن الأمرين لا ينفصلان أحدهما عن الآخر، بحيث أن مساندةَ سوريا لإيران تقتضي معاداتِها لإسرائيل، وأن معاداتِها لهذه الأخيرة، تقتضي مساندتَها لإيران، وبالتالي فمعاداة أميركا لسوريا هي بسبب الأمرين معا حتما وبالضرورة؟!
جرَّني هذا السؤال إلى سؤال آخر تالٍ له، مفادُه:
إذا كانت مساندة سوريا لإيران هي سبب معاداة أميركا لها، فإيران الراهنة، هي "إيران الثورة الإسلامية"، وهذه لم يكن لها وجود قبل بدء عقد الثمانينيات، وبالتالي فهذا الجانب من معاداة أميركا لسوريا إن كان حقيقيا، فهو جانب لا يفسر معاداة أميركا لها قبل ظهور "الجمهورية الإسلامية". وبالتالي فهل أن معاداة أميركا لسوريا تأسست أصلا على معاداتها لإسرائيل، وهي المعاداة القائمة قبل ظهور إيران الإسلامية المعاصرة، لتتواصلَ هذه المعاداة بسبب مساندة سوريا لإيران من منطلق معاداة هذه الأخيرة لإسرائيل؟! أم أن معاداتها لها – أي معاداة أميركا لسوريا – تأسست أصلا على حلفها مع إيران، ما يستوجب أن تكون معاداة حديثة نشأت بعد نشأة "الجمهورية الإسلامية" في إيران؟!
الأغرب في المسألة كلِّها، هو أنني وجدت نفسي بعد هذا السؤال مدفوعا إلى سؤال آخر مفاده:
هل هناك دليل فعلي وملموس على أن سوريا خلال الفترة التي سبقت ظهور "الجمهورية الإسلامية" في إيران، كانت معادية لإسرائيل على نحوٍ يبرر معادةً أميركية لها على النحو الذي يقول به الكثيرون؟! ومن ثمَّ إن كانت سوريا معادية فعلا لإسرائيل، فما هي أوجه هذه المعاداة، وكيف تجلَّت وتجسَّدت؟!
دعونا أولا وقبل كل شيءٍ نُثَبِّت أهم المحطات التي مرت بها السياسة السورية منذ استلم "آل الأسد" السلطة في سوريا، فيما يتعلق بإسرائيل وبالمواجهات ضدَّها، كي نؤسِّسَ بناءً على هذه المحطات لمضمون المعاداة السورية لإسرائيل، ومن ثمَّ لمضمون المعاداة الأميركية لسوريا، لنعرف إن كان مُؤَسَّسا على معاداتها لإسرائيل، أم على تحالفها مع إيران؟!
المحطة الأولى..
في عام 1970 حصل الانقلاب التاريخي الذي قاده "حافظ الأسد" وزير الدفاع في حكومة "نور الدين الأتاسي"، والذي عُرف فيما بعد بالحركة التصحيحية.. ونشير هنا للاستئناس إلى واقعةِ أن اتفافا كان قد عُقِد بين قادة المقاومة في الأردن وحكومة "نور الدين الأتاسي" في سوريا، يقضي بالتدخل العسكري لحماية المقاومة من النظام إذا أصبح مصيرُها في خطر.. إلا أن الانقلاب الذي حصل في ذلك التوقيت الحرج، حال دون هذا التدخل، فحصل للمقاومة ما حصل بعد أيلول في كل من عجلون وجرش، حيث تمت تصفيتها تماما.. ولا يمكن لعاقل أن يمر على الانقلاب "الأسدي" مرورَ الكرام، مادام المنقلبون لم يلتزموا بوعد حكومة "الأتاسي" لقادة المقاومة، وتركوها تواجه مصيرها المحتوم، وكأن المنقلبون ما انقلبوا إلا للحيلولة دون تنفيذ النظام الذي انقلبوا عليه لهذا الوعد.. وهذه في تصورنا أول مؤامرة على ثورةٍ تقاوم إسرائيل من قبل نظام "آل الأسد".. ثورة كانت في حينها تمثل ظاهرة غبر مسبوقة في مواجهة المشروع الإمبريالي الصهيوني.. ونحن هنا نناقش الموضوع من هذه الزاوية فقط، وليس من زاوية واقع وهوية وأخطاء وممارسات المقاومة على الساحة الأردنية من حيث المبدأ، فهذا موضوع آخر مختلف، ليس هذا مكان مناقشته..
المحطة الثانية..
في عام 1976 حصل التدخل السوري في لبنان تحت غطاء الموافقة العربية لإعادة التوازن إلى لبنان الذي أصبح تحت سيطرة التحالف بين فصائل المقاومة الفلسطينية وفصائل القوى الوطنية اللبنانية المناهضة للصهيونية وللاستعمار، ولتوظيف لبنان في الاتجاه المعادي لقضايا الأمة العربية.. وارتكبت القوات السورية المجزرة التاريخية المعروفة في مخيم "تل الزعتر" الذي كان معقلا يُعَبِّر تدميرُه عن كسرِ شوكةِ الرفض الفلسطيني اللبناني للتدخل السوري.. وبالفعل فقد عاد التوازن إلى البُنية السياسية والعسكرية في لبنان، بأن تم إنقاذ القوى المناهضة للمقاومة والمساندة للحلول التصفوية، والمعروفة بعلاقاتها مع إسرائيل وعلى رأسها "حزب الكتائب" وميليشياته المعروفة بـ "القوات".. أي أن التدخل السوري في لبنان في ذلك التاريخ، كان يُعبِّر عن دورٍ على الأرض، يتعارض مع أيِّ مبدإ من مبادئ مقاومة إسرائيل، مادام قد صب في خانة تحجيم وحصار من قاوموها، وإعادة الحياة إلى من ساندوها وحالفوها..
وهنا نجد أنفسنا مدفوعين إلى التَّذكير بانقلاب عام 1970 من جديد، متسائلين بمنتهى البراءة:
"أليسَ من المحتمل أن يكون الانقلاب "الأسدي" الذي أسقط نظاما وطنيا في ذلك العام، كي لا يحمي المقاومة في الأردن من مصيرها المحتوم هناك، انقلابا بدأ يُعِدُّ العُدَّة لاحتواء الساحة اللبنانية من التداعيات التي ستشهدها بعد انتقال المقاومة إليها من الأردن عقب أحداث أيلول عام 1970، وهو الانتقال الذي بدأت بنتظيم أعمال المقاومة في ضوء حيثياته ومنذ وقت مبكرٍ اتفاقية القاهرة المعقودة عام 1968"؟!
المحطة الثالثة..
جاء الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، في ظل التوازن النسبي الذي حققته القوات السورية في لبنان منذ تدخلها بغطاء عربي عام 1976، وبعد تحييد مصر وتكبيلها باتفاقيات "كامب ديفيد" عام 1979.. إسرائيل أنجزت مهمتها وأخرجت المقاومة الفلسطينية من لبنان بعد أن حاصرت بيروت واحتلت الجنوب اللباني كاملا، وكانت قد احتلت شريطا منه في وقت سابق، دون أن تفعل القوات السورية شئيا لمنع ذلك، أو لمساندة القوى المقاومة المدافعة عن لبنان.. إلخ، لا في المرة الأولى، ولا في هذه المرة الأكثر تدميرا وإهلاكا وتغييرا للمسارات السياسية في الإقليم..
وهنا نتساءل:
هل يمكن أن نَتَفَّهَم أو أن يتفهم أيُّ وطني متوازن وعاقل ومحايد وموضوعي، تدخلَ سوريا في لبنان لحماية القوى الرجعية المتحالفة مع الصهيونية فيه من أن تبتلعَها القوى التقدمية المقاومة والثائرة عام 1976، ووقوفَها موقف المتفرج وإسرائيل المحتلة لأرضه والمحاصرة لعاصمته، والمدمرة تدميرا ممنهجا لكل مخيمات اللاجئين ومعاقل اللمقاومة فيه، تعمل عام 1982 على قلب كل المعادلات والتوازنات لصالح تلك القوى المتحالفة معها؟!
ونتساءل أيضا:
هل يعقل أن إسرائيل التي لم تتجرأ على اجتياح لبنان إلا بعد أن ضمنت الحياد الحقيقي لمصر، رغم أن دور مصر في دعم المقاومة في لبنان حتى لو حصل، ما كان سيكون ذا مردود شبيه بذلك الذي كان يمكن لسوريا أن تقدمه إن قدمته، لأكثر من سبب ليس بأقلها أهمية، التواجد السوري المباشر على الساحة اللبنانية بكثافة عسكرية وبقوات وأسلحة تشكل ترسانة حقيقية.. نقول.. هل يعقل لإسرائيل التي تدرك ذلك قطعا، أن تجتاج لبنان لو لم تكن موقنةً أن اجتياحها لن يستفز سوريا ولن يدفعها إلى التدخل لحماية المقاومة وللدفاع عن لبنان؟! وهو ما حصل فعلا..
ونتساءل أيضا:
هل من الصعب علينا التأكيد على أن موقف الجيش السوري في لبنان عام 1982، حقق الأهداف السياسية نفسها التي حققها تدخله عام 1976، والتي كان قد حققها النظام نفسه في الأردن بانقلاب عام 1970، بلا أدنى اختلاف في جوهر تلك الأهداف؟!
ورغم أنوفنا نتساءل قبل الانتقال إلى المحطة التالية:
لماذا يدعم النظام السوري حركة مقاومة لبنانية مثل "حزب الله"، بل ويسعى إلى إنشائها ودعمها منذ البدايات، بينما هو كان يواجه بشكل دموي لا يرحم ولا يلين، حركة مقاومةٍ أكثر أهمية وعالمية وقوة وتعبيرا عما يمكنه أن يكون طموحا قوميا يتناسب مع العباءة القومية العروبية التي يطرحها هذا النظام نفسه، مثل "المقاومة الفلسطينية"؟!
المحطة الرابعة..
النظام السوري، يدعم في عام 1983 أكبر وأوسع عملية انشقاق في حركة فتح، كبرى فصائل المقاومة الفلسطينية، في أوقات حرجة كانت فيها المقاومة أحوج ما تكون إلى من يلملم جراحَها ويساعدها على امتصاص صدمة الشتات الجديد، لا بل قد أعقب النظام السوري مساندته لذلك الانشقاق الذي ما كان ليحدث لولا دفعه باتجاهه قطعا، بمساندته الكاملة لاقتتالٍ فلسطيني داخلي أدى إلى فقدان المقاومة لآخر معاقلها في مخيمي "البداوي" و"نهر البارد"، برعايةٍ كاملة منه للفصائل التي كانت تتبنى مواقفه وسياساته في هذا الاقتتال الذي ذهب ضحيته المئات من أبناء المخيمات.. مع تأكيدنا على أن هذا الاقتتال ما كان ليحدث لولا دفع النظام السوري باتجاهه لتتحقَّق من خلاله الأهداف التي أرادها فتحقَّقت.. لا أحد يستطيع تصديق أن الجيش السوري ومن ورائه النظام نفسه كانا محايدين في صراع داخلي ما كان ليتم بدون الموافقة والرعاية، بل والدفع السوري باتجاهه!! وهكذا تفقد المقاومة مجددا آخر المعاقل اللبنانية عام 1983، بالطريقة نفسها التي فقدت بها آخر المعاقل الأردنية في جرش وعجلون عام 1971..
المحطة الخامسة..
النظام السوري، ومنذ ظهرت بوادر خلوِّ الساحة اللبنانية من المقاومة الفلسطينية، وفصائل القوى الوطنية اللبنانية المتحالفة معها، وبعد سلسلة من الاغتيالات طالت الرموز الوطنية اللبنانية، بدءا بمعروف سعد "الحزب الناصري"، ومرورا بالزعيم الكبير "كمال جنبلاط"، رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي"، وليس انتهاء بـالزعيم الشيوعي "جورج حاوي"، وبعد أن أصبحت هناك قوة إقليمية جديدة هي "الجمهورية الإسلامية" في إيران، التي بدا أنها متحالفة مع سوريا منذ اللحظة الأولى، حتى ضد الشق البعثي الآخر في بغداد، في مفارقة غير مفهومة إلا للسياسيين السَّحَرة.. نقول.. بعد كل ذلك، ظهر "حزب الله" بصفته حركة مقاومة لبنانية إسلامية على ولاء تام لإيران، وتطرح برنامجا معاديا لإسرائيل يتضمن رؤية واضحة لتحرير الأرض اللبنانية المحتلة من قبل إسرائيل، ليحظى بكل الدعم من سوريا التي بحكم وضعها الجيوسياسي بالنسبة للدولة اللبنانية، كانت أقدر من إيران على خلق حالة التماس النضالي معه بشكل مباشر.. واستمر حزب الله منذ ظهوره في تلك المرحلة الانتقالية الحرجة التي تم استبدال المعادلة الوطنية المقاومة في لبنان به تحديدا، باعتباره معادلة مقاومة جديدة، وإن كانت مختلفة الأهداف والإستراتيجيات، هو "بيضة الكشك" بالنسبة لسوريا، وهو الورقة الرابحة لها ولإيران معا في أيِّ مواجهات تخوضانها، وفي أيِّ سياساتٍ تريدان تمريرها في الإقليم..
وإننا استهلالا منا لعرض تحليلنا الخاص لتلك الصيرورة بعد العرض السابق، نُثَبِّت المبادئَ التالية..
1 – نتجاوز بعد حقبة ظهور الجمهورية الإسلامية ولغايات النقاش في لب الموضوع الذي نحن بصدده، كافة المواقف التي اتخذها النظام السوري ضد العراق، سواء في صراع هذا الأخير مع إيران، أو في صراعه مع التحالف الغربي عقب احتلاله للكويت.. إلخ.
2 – إن كافة الذين يعتبرون النظام السوري نظاما ممانعا، يأخذون في الاعتبار جانبا من سياساته بعد دخول الجمهورية الإسلامية وحزب الله على خط سياساته عقب خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان وانهيار القوى الوطنية اللبنانية بفعل سياسات النظام السوري، ولا يستطيعون أخذ مرحلة ما قبل عام 1982 بعين الاعتبار للتدليل على تلك الممانعة بأيِّ حال، فسجل هذا النظام في ممانعة الممانعة حافل بما لا يحتمل التأويل.
3 – ومن هنا فإننا نتساءل عن السِّر الحقيقي الكامن وراء استبدال مقاومةٍ بأخرى، ووراء الدعم المطلق لحزب الله كنموذج للمقاومة، ومعاداة المقاومة الفلسطينية والقوى الوطنية اللبنانية كنموذج آخر للمقاومة أكثر تجذرا وأصالة وآفاقا من حزب الله بكل المعايير؟!
فإذا كانت القضية قضية دعم مقاومة تواجه إسرائيل كما هو حال دعم النظام السوري لحزب الله، فإن المقاومة الفلسطينية والقوى الوطنية اللبنانية هي أيضا كانت تقاوم إسرائيل، فلماذا تُعادَى وتُحارَب، ولماذا يتم دخول الجيش السوري إلى لبنان بغرض تحجيمها، ولماذا يتم السكوت على محاولات إسرائيل لطردها من لبنان وعلى تمزيق لبنان بغيابها؟!
هل أن مقاومة حزب الله لإسرائيل أكثر جدوى وفعالية وإخلاصا وشمولا ونقاء من مقاومة هؤلاء، أم أن هناك سرا آخر هو وحده القادر على تفسير الأمر، وفكِّ طلاسمه السِّحريَّة؟!
هذا ما دفعتنا إلى التفكير فيه، تلك المحطات التي نعتبرها أخطر ما في السيرة الذاتية للنظام السوري من مثالب تدفع إلى الوقوف مطولا عند مقولة أنه "نظام ممانع"، وأن التآمر عليه إنما هو بسبب ممانعته، بمعنى معادته التاريخية لإسرائيل ودعمه المطلق لمقاومتها..
وهذا ما سنحاول فهمه في هذا التحليل..
لن ننطلق من التشكيك في دواعي انقلاب عام 1970، وفي قومية وعروبية ووطنية من نفذوه وقادوه حتى الآن، بل سنحرص على ألا نستنتج من تتابع الأحداث إلا استنتاجات منطقية ومحايدة، ونترك للقارئ والمتابع أن يبنى السيناريوهات التي يراها تتناسب مع الحدث من جهة، ومع دلالاته من جهة أخرى.
فقد جاء ذلك الانقلاب إلى قمة هرم السلطة في سوريا بفئةٍ من حزب البعث الحاكم آنذاك، قادها "آل الأسد" وأقرباؤهم ومقربوهم، أدخلَت أجندةَ النظام في سوريا إلى برنامج قومي عروبي مختَزَل ومُوَجَّه، لا يتناسب مع الفضاءات القومية والعروبية والوطنية التي جسَّدتها الحقبة الناصرية، التي كان من مفارقات القدر أن يحدث ذلك التوافق التزامني والتوقيتي العجيب بين غياب رمزها – أي الزعيم الراحل جمال عبد الناصر – وبين ظهور رمز الانقلاب الذي ورثها في سوريا، أي الزعيم الجديد "حافظ الأسد". فالمدة الزمنية التي فصلت بين وفاة الأول وتولي الثاني رئاسة الدولة السورية من خلال الانقلاب لا تزيد عن أسابيع قليلة.
ولقد عبَّرت عن اختزال البرنامج القومي العروبي الناصري وتوجيه فضاءاته نحو أضيقها، سياساتُ النظام السوري منذ عام 1970 وحتى الآن.. ولكن ما الذي نقصده بالاختزال والتوجيه؟!
إن الرؤية القومية للنظام السوري البعثي بقيادة "آل الأسد"، قامت في جانب مواجهة الصهيونية بعد حرب أكتوبر عام 1973 على ست ركائز أساسية، مثلت مجتمعةً "أيديولوجية البعث الأسدي" في هذا الصدد، وهذه الركائز الست هي..
1 – لا مواجهة عسكرية مع إسرائيل قبل إحداث التوازن الإستراتيجي معها من الناحية العسكرية..
2 - ومع ذلك فالمواجهة مع إسرائيل ليست حتمية، وقد يتم حل الصراع معها بوسائل غير عسكرية..
3 – خلال مرحلة انعدام التوازن الإستراتيجي، لا مواجهات مباشرة مع إسرائيل من أيِّ نوع، والاكتفاء بسياسة الحرب والقتال بالوكالة، لا بهدف التحرير بل بهدف تلجيم الأطماع الإسرائيلية وتمرير المواقف الإقليمية..
4 – لا مكان في مواجهة إسرائيل، لأيِّ أجندة مقاومة لا تتحرك ضمن الخطة السورية، وترفض أن تكون جزءا لا يتجزأ منها..
5 – رفض الحل المنفرد مع إسرائيل، لأن من سياسة هذه الأخيرة الانفراد بأطراف الصراع العربية، للحصول من كل واحد منفردا على مكتسبات أكبر وأوسع من تلك المقدور على تحصيلها من العرب لو كانوا مجتمعين..
6 – حل الصراع في نهاية المطاف تحسمه الأنظمة العربية القومية، إما بالحرب النظامية إذا كان الحل عسكريا، وإما بالتفاوض الجماعي إذا كان الحل غير عسكري، ولن يكون حله شعبيا تخوضه الجماهير بكفاحها المسلح..
بسبب الركيزة الأولى، لم تخض سوريا منذ حرب أكتوبر وحتى الآن أيَّ حرب، ولم تصطدم أيَّ صدام، ولا هي دافعت عن نفسها ضد أيَّ هجوم، أو واجهت أيَّ اعتداءٍ إسرائيلي من أي نوع، بما في ذلك الاعتداءات التي كانت تتعرض لها قواعدها العسكرية والصاروخية في لبنان، بل ومنشآتها العسكرية داخل سوريا ذاتها..
وبسبب الركيزة الثانية، وافقت سوريا على مرجعية مؤتمر مدريد، وشاركت في فعالياته وجلساته، وما تزال مستعدة لقبول حل الصراع مع إسرائيل في ضوء مبادئه وقواعده، حتى وهي تعلم أنها قائمة على الاعتراف المتبادل بين إسرائيل وكل الأطراف العربية المشاركة فيه..
وبسبب الركيزة الثالثة، أبقى النظام السوري على جبهة الجولان مغلقة في وجه كل أشكال المقاومة الممكنة والمحتملة، ولم يسمح بإطلاق رصاصة واحدة من سوريا تجاهَ إسرائيل على مدى أكثر من أربعين سنة، هي مدة حكم "آل الأسد"، وخاض النظام ما يريده من مناوشات و"طوشٍ" ضد إسرائيل عبر المقاومة الإسلامية اللبنانية ممثلة في "حزب الله"..
وبسبب الركيزة الرابعة، واجه النظام السوري بكل ما أوتي من قوة، "فصائل المقاومة الفلسطينية" و"القوى الوطنية اللبنانية"، ومنعها من التعبير عن نفسها ثوريا ووطنيا، ومن تجسيد مشروعها للمقاومة والتحرير، وتسبَّب في طرد الأولى وتشتيتها، وفي تمزيق الثانية وإضعافها، مع أنها كانت من الناحية العملية أكثر تعبيرا عن تَقَمُّص المشروع القومي العروبي من حزب الله، وأكثر قدرة على التمدد العالمي باتجاه مناجزة الإمبريالية والصهيونية من حزب الله الذي يمثل حالة مقاومة منكمشة قطريا بلبنانيتها التي جسَّدها وعبَّر عنها باستمرار في كل المناسبات..
وبسبب الركيزة الخامسة، رفض اتفاقيات كامب ديفيد، وعادى الرئيس السادات في توجهه للصلح المنفرد مع إسرائيل، ومحاولته فرض منهج تفاوضي على العرب بدون مشاروتهم أو التنسيق معهم، فيما قَبِلَ الذهاب إلى مدريد بصفته مرجعية جماعية بالنسبة للطرف العربي..
وبسبب الركيزة السادسة، لم يسمح النظام السوري بالتعامل مع حركات المقاومة أيا كانت، وعلى رأسها "حزب الله" الأكثر التصاقا بالأجندة السورية، خارج هذا الاعتبار التَّبَعي، الذي ليس من حقه أن يفكر أو يخطط خارج فضاءات أجندة النظام السوري، ولا من حقه أن يتصور أيَّ أفق للشعوب قابل للتحقق والتجسُّد، حتى وهي تبدعُ ثوراتها، خارج نطاق الحاضنة السورية النظامية..
عندما نكون بصدد نظام سوري وقف ضد مقاومةٍ وحاربها وناجزها بكل ما أوتي من قوة في لبنان ومنها، فيما دعمَ مقاومةً أخرى وساندها ونماَّها وقواَّها في الساحة اللبنانية نفسِها، فمن الحماقة والرعونة أن نتجاوز هذا التناقض الظاهر بين الموقفين، بذلك القدر من التسطيح الذي يريد أن يفرض علينا أن النظام السوري ممانع فقط لأنه يدعم "حزب الله"، دون الولوج في أعماق التباين القائم بين المقاومتين شكلا ومضمونا، لنتعرف على الأسباب التي جعلت ذلك النظام يقف ضد ذاك بالأمس، ومع هذا اليوم..
إن من يريد أن يفرض علينا أيديولوجيةَ أن النظام البعثي السوري "الأسدي"، نظامٌ ممانعٌ لأنه يدعم المقاومة ممثلة في "حزب الله" في لبنان وممثلةً في "حماس" في فلسطين، فإنه سيقف عاجزا عن إثبات هذه الممانعة من هذا الوجه، عندما نواجهه بتاريخِ موقفه من المقاومة الفلسطينية واللبنانية قبل حزب الله وقبل حماس!!
كما أن من يريد أن يفرض علينا أيديولوجية أن هذا النظامَ ممانعٌ، لأنه النظام العربي الوحيد من أنظمة الطوق الذي رفض حتى الآن توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل، حاميا حتى لبنان من الوقوع في هذا المستنقع الآسن، فإنه سيكون تسطيحيا إلى أبعد الحدود، إذا ساق لنا هذه الواقعة في معرض الحديث عن بطولات النظام السوري الأسدي وعن مواقفه المبدئية، دون أن يذكر لنا معها أن سوريا "البعثية الأسدية"، التي عجزت عن أن تقود العرب إلى حرب 1973 كما فعلت "مصر الساداتية" التي أثبتت أنها السباقة، ما كانت لتقبل بأن تكون تابعة لمصر السادات في الحرب وتابعة لها في السلام أيضا.. فإذا كانت كاريزما "عبد الناصر" من جهة أولى، والظروف الموضوعية التي تجسَّدت حياته السياسية من خلالها من جهة ثانية، أكبر من أن تتيح لأحدٍ منازعته على الريادة حربا وسلاما، فإن السادات يختلف.. وبالتالي فمصر السادات تختلف عن مصر عبد الناصر، ولقد كانت الحقبة الساداتية فرصة للضباع كي تتنازع على ريادة الغابة في ظل غياب الأسد الملك..
لقد كانت سوريا "الأسدية" تريد أن تفرض على العرب أن يسيروا إلى سلام مع إسرائيل تكون هي رائدته، وليس مصر السادات التي كانت رائدةً في خوض الحرب.. ولهذا السبب كانت ضد التسوية الساداتية، وتهافتت على التسوية المدريدية، لأن الأولى جاءت ولسان حالها يقول: السادات بطل الحرب والسلام معا، وهو ما لا تحتمله الأيديولوجية السورية الأسدية التي ناضلت كي ترث التركة الناصرية.. بينما جاءت الثانية ولسان حالها يقول: صحيح أن الحرب بدون مصر ما كانت لتُخاض، لكن السلام بدون سوريا ما كان ليبدأ.. فتحققت لها معادلة الريادة في الحل السلمي الذي لن يتم عربيا على صعيد المجموع بدونها، بعد أن فقدت الريادة في الحرب التي لم تخطط لها، ولا كانت ستخوضها أصلا..
والخلاصة، أن إتحافَنا بجعجعةٍ لا يتجاوز طَحْنُها القولَ بأن ممانعة سوريا تتجلى في الامتناع عن توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل حتى الآن خلافا لكل انبطاحيي العرب، دون أخذ حيثيات التحليل السابق في الاعتبار، هو قول لا قيمة له، ولا هو يؤسِسُ لفكرة متماسكة، لأنه يفصل الأحداث عن سياقاتها الموضوعية، فلا يمكنها من ثمَّ – أي تلك الأحداث – أن تُفْهَمَ فهما صحيحا يؤصِّل لأيديولوجية حرب أو سلام من حيث المبدأ.. والأجدى بهؤلاء أن يصمتوا وأن يتعلموا قبل أيِّ جعجعة أبجديات الصيرورة التي حدثت وما تزال تحدث في الإقليم..
إذن فحجم التناقضات في الممارسة السياسية للنظام السوري البعثي الأسدي، أكبر وأوضح من أن ينجحَ المطبلون للنظام ولممانعته في القفز عليها لإثبات أوهامِ تلك الممانعة بشكل موضوعي ومتماسك..
وهنا نجد أنفسنا مدفوعين قسرا إلى البحث في طبيعة الاختلافات بين مقاومتين، هما "حزب الله" منذ عام 1982 و"حماس" حاليا من جهة، و"فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية" قبل عام 1982 من جهة أخرى، لنضع أيدينا على السِّرِ الذي جعل النظام السوري الأسدي يدعم اليوم ما عاداه بالأمس، علَّنا نفهم سِرَّ ما يحدث في هذه الأيام في الساحة السورية وحولها إقليميا ودوليا..
بالتدقيق نستطيع أن نتبين الفروق الجوهرية التالية بين مدرستي المقاومة اللتين دعم النظام السوري إحداهما وعادى وحارب الأخرى..
1 – برنامج مقاومة "حزب الله" لبناني فقط.. بينما برنامج المقاومة الفلسطينية واللبنانية قبل عام 1982، لبناني فلسطيني قومي إنساني إلى حدِّ بعيد..
2 – برنامج مقاومة "حماس" وإن كان يشترك مع برنامج مقاومة ما قبل عام 1982 في أنه فلسطيني.. إلا أنه يختلف معها في مسألة هامة، هي أنه برنامج يفتقد إلى أيِّ عمق إستراتيجي يُمَكِّنُه من خلق القاعدة الآمنة التي تحرره من سطوةِ الغول السوري الأسدي وأجنداته الاحتوائية التحكميَّة، حتى بعد إثبات جدارته في مقاومة الحملة الصهيونية على قطاع غزة في شتاء عام 2008.. بينما المقاومة ما قبل عام 1982، كانت تمتاز بالتحرك فيما يشبه مشروعَ قاعدةٍ آمنة قيدَ التَّحَقُّق، ما يجعلها مقاومةً قادرة على خلف عناصر تحررها من ذلك الغول ومن أجنداته الخاصة.. وحتى رغم فشلها في تخليق هذه القاعدة بسبب الجهدين المتوازيين السوري الأسدي والإسرائيلي، فإن منبع قوتها وخطورتها بالنسبة للأجندة السورية الأسدية والصهيونية أيضا، هو سعيها لتحقيق هذا الأمر وإنجازه..
3 – برنامج مقاومة "حزب الله" برنامج تابع وليس برنامجا أصيلا.. ولا يغير من هذه الحقيقة أيُّ شيء، بما في ذلك صموده الأسطوري في مواجهة الآلة العسكرية الإسرائيلية في تموز عام 2006، بل ودحره لها إلى ما وراء الحدود اللبنانية الفلسطينية.. فهو قد نشأ تابعا في قلب أجندة النظام السوري الأسدي، وبالتالي فهو "برنامج ورقة" قد يكون بمثابة "جوكر" أحيانا، ولا يمكنه أن يكون "برنامجا حليفا" يشارك في صنع الأجندات والسياسات التي لا يريدها النظام السوري حتى داخل الساحة اللبنانية، على اعتبار أن ما يقع خارج تلك الساحة لا يقع أصلا ضمن برنامج مقاومة "حزب الله".. بينما برنامج المقاومة ما قبل 1982، هو برنامج مستقل وأصيل من حيث حرصه الدائم والدؤوب على التحرر من عباءة كل الأجندات العربية، التي لم يخضع لها ولا هو استسلم لبعضها إلا مجبرا بعد هز أركانه وخلحلة أساساته في لبنان من قبل النظام السوري نفسه..
في ظل هذه الفروق بين المقاومة التي دعمها النظام السوري وغذاها وقواها، وتلك التي حاربها وعاداها، نستطيع أن نفهمَ وجهة الممانعة التي يقف على أعتابها ذلك النظام، كي نضعَه في المربع الذي يستحقه، وكي يدرك المطبلون لممانعته المفروضة علينا مفهوما هلاميا مائعا لا يفهمونه حتى هم أنفسهم، أن أوان التوقف عن التهويش والتطبيل والتزمير قد هلَّ، وعلى الجميع أن يضع الأمور في نصابها والنقاط على حروفها..
النظام السوري الأسدي عندما دعم المقاومة "حزب الله" وعادى "مقاومة ما قبل عام 1982"، إنما عبَّر عن جوهر أجندته المتمثل في رغبته في مقاومةٍ شعبية قُطْرِيَّة لا تتجاوز حدود لبنان، كي تتيح له اللعب بها كورقة في ساحةٍ هي ساحته.. وإذا كان لابد من أن تظهر بعض جوانب "فلسطين" في المقاومة التي يدعمها، فلتكن من النوع العاجز عن تحويل هذه الفلسطينية إلى قاعدة آمنة، فكانت "حماس"..
أي أننا عندما نورد القُطْرِيَّة اللبنانية كمبرر لدعم النظام لحزب الله، فإن الرد علينا بدعم حماس لا يفي بالغرض المضاد، لأن دعم حماس هنا يُكْسِبُ النظامَ نقاطا على محور الإحداثيات الفلسطيني، دون السماح لهذا المحور بالخروج عن الأجندة الخاصة به، مادامت حماس شأنها شأن حزب الله ستبقى عاجزة عن اتخاذ القرار المقاوم الحر بعيدا عن عباءة النظام السوري..
في ظل يقينٍ إسرائيلي ومن ورائه يقين أميركي بأن حزب الله ليس أكثر من ورقة سورية محصورة في البعد اللبناني ومُحَرَّرَة من أيّ برامجية أقليمية أو قومية أو إنسانية، تهدد أمنَ إسرائيل في هذه الأبعاد، خلافا لما كان عليه حال المقاومة الفلسطينية واللبنانية قبل عام 1982، فإن حزب الله كذراع لبناني مقاوم ومسلح بغرض المقاومة، ليس بذي أهمية في ذاته من هذا الباب، مادامت مبررات الإبقاء على حزب الله أو إنهائه بصفته تلك الورقة، في يد إسرائيل عندما تقرر حل مشكلة "مزارع شبعا" كأرض لبنانية..
لا أحد يستطيع تخيُّلَ أن حزب الله قد يبقى قادرا على التماسك الأخلاقي والبنيوي والقانوني والسياسي، لو أن إسرائيل قررت أن تنسحب من مزارع شبعا.. أي إذا قررت ألا تبقي على أرضٍ لبنانية محتلة.. إن هذا الحل يربك حزب الله داخليا، فلا يعود يجد له مبررات للتواجد كقوة مسلحة خارج نطاق الجيش اللبناني النظامي، ولا يجد أمامه إلا أن يتحول إلى حزب سياسي لبناني.. وفي حال رفضه التجاوب مع متطلبات هذا الحل، فلن يكون أمامه إلا أن يعلن – كي يبرر لنفسه الإبقاء على نفسه تنظيما مسلحا ومقاتلا – أنه أعاد بناء مشروعه المقاوم على أسس قومية وإنسانية، وهذا ما يتعارض مع الأجندة السورية، وهو ما يجعل النظام السوري الأسدي يفقد القيمة الأخلاقية التاريخية لدعم لتنظيم لبناني مقاوم..
هذا إذا افترضنا أن حزب الله قادر أصلا على تبني مشروع المقاومة الإقليمية والقومية التي ما أُعِدَّ ليتبناها أساسا!!!
في ظل حقيقة سايكولوجية يعرفها كل المختصين عن طبيعة البناء النفسي للإنسان الإسرائيلي، والقائم على ازدواجية غريبة وهشة مفادها، أن المجتمع الإسرائيلي لا يمكنه أن يتماسك أو أن يحس بكونه مجتمعا واحدا، إلا إذا تعرض بشكل دائم لتهديدٍ خارجي يخيفه على أمنه ولا يهدد مصيرَه ووجودَه، وفي الوقت نفسه، إلا إذا هاجم أعداءَه بشكل مستمر وهزمهم في معارك محدودة دون الإجهاز عليهم، ليمثلوا بالنسبة إليه على الدوام صورة العدو الأبدي الذي يهدده ولا يقدر على إفنائه، فيحاربه هو ولا يقدر على التخلص منه.. نقول.. في ظل هذا البناء التفسي للإنسان الإسرائيلي، كان من الطبيعي أن يبقى هناك تهديد خارجي يحقِّق هذه المعادلة، وفي ظل حقيقة أن النظام السوري لم يمثل هذا التهديد منذ أكثر من أربعين عاما، ولن يمثله بحسب طبيعته وبنيته وإستراتيجياته التي أسهبنا في شرحها سابقا.. فقد كان لابد من وجود عناصر مُهَدِّدَة تُحَقِّق هذه الغاية السايكولوجية، فكان "حزب الله" في الشمال وكانت "حماس" في الجنوب..
وإلا فمن حقنا أن نتساءل بمنتهى الجدِّيَّة والبراءة في الوقت ذاته:
لماذا تنسحب إسرائيل في عام 2000 من كامل الجنوب اللبناني وتُبقي على مزارع شبعا محتلة، مع أنها منطقة عديمة القيمة بعد الانسحاب من كامل الشريط الحدودي اللبناني؟!
إن حزب الله، وهو فصيل مقاوم لا يشكِّكُ أحد في وطنيته وفي وطنية برنامجه، كان من الضروري في المنظور الإسرائيلي من أن يبقى، كي يكون بمثابة صمام الأمان الذي تستخدمه القيادة الصهيونية في إسرائيل لإحداث التوازنات في النفسية الإسرائيلية عندما تتعرض هذه النفسية للشرخ المهدد للتماسك المجتمعي..
ورغم أن إسرائيل تعلم جيدا أن حزبَ الله لن يطلقَ عليها رصاصةً واحدة لو هي انسحبت من مزارع شبعا، لأن ذلك سيعطيها كلَّ المبررات لاستخدام أشد أنواع الثأر ضد لبنان، بما يعني أنها لو كانت تقلق فعلا على أمن الإسرائيليين من وجوده المسلح، لانسحبت من تلك المزارع عديمة القيمة لينتهيَ الأمر.. ورغم أنها تعلم أيضا أن حزبَ الله سيواجه أزمةَ مشروعية داخل الساحة السياسية اللبنانية لو هي فعلت ذلك، أي لو انسحبت من شبعا.. أزمة يمكنها أن تهدد وجودَه وبقاءَه بشكله الحالي، مادام لا يستطيع تبرير انفصال ترسانته العسكرية عن الجيش اللبناني النظامي إلا بمقاومة عدو ما يزال يحتل الأرض، بما يعني أن انسحابَها من تلك المزارع سيحاصر الحزب بالشرعية اللبنانية الداخلية ذاتها ما يسبِّب له مأزقا ليس من السهل تجاوزه بدون حل الحزب عسكريا.. ورغم أن إسرائيل تعلم جيدا أيضا، أن سوريا الأسد لن تحاربَها، ولن تستطيع بالتالي الاستفادة من وجود حزب الله ومن ترسانته، كقوات أنصار مفترضة تدعم القوات السورية من خلف قوات العدو في حربٍ بين الدولتين لن تنشب.. لأن إسرائيل هذه تعلم أن النظام السوري لن يكون بحاجة لهذا الوكيل القتالي، إلا من خلال قيامه بدور الوكالة عبر حيثيات صراع تتعلق بالساحة اللبنانية ذاتها، بحيث تفقد هذه الوكالة أيَّ قيمة لها في حال الانسحاب مما تبقى من الأراضي اللبنانية المحتلة..
رغم كل ذلك فإن عدم تعريض حزب الله لمخاطر الانتهاء كقوة مُهَدِّدة للأمن الإسرائيلي، دون أن تكون قادرة على تهديد الوجود والمصير الإسرائيلي ذاته، كان هو الأولى في الإستراتيجيات الإسرائيلية..
ومن هنا فإننا ندعو إلى عدم المبالغة في تصوير أهمية وإستراتيجية وقدسية المقاومة "حزب الله"، بشكلٍ يتمُّ معه تزوير الحقيقة وافتراض الممانعة في النظام السوري لمجرد أنه يدعم مقاومةً، ما تزال إسرائيل نفسها غير حريصة على تغييبها عن الساحة بشكل نهائي، لاعتبارات علمية لا يفهمها إلا علماء النفس والفلاسفة وخبراء السايكولوجيا.. فيما لا يفهم منها المطبلون والمزمرون شيئا على الإطلاق..
وبالتالي وبعيدا عن التصريحات والتحليلات الجوفاء التي نسمعها ممن يظنون أنفسَهم سياسيين ومحللين، وهم في الواقع مجرد مضللين للرأي العام العربي في كل مكان، نستطيع التأكيد على أن حزب الله الذي تستطيع شطبه من الساحة السياسية كلها مبادرة إسرائيلية تتعلق بما تبقى من الأراضي اللبنانية المحتلة، لا يمكنه أن يكون ولا بأيِّ حال بندا من بنود الأجندات والتحولات التي تحدث في سوريا وفي الإقليم..
ولا قيمة حقيقية لذلك الردِّ الذي ينطوي على مزعم أن إسرائيل لا تريد الخروجَ من مزارع شبعا، كي لا تفقد المناورة على الجبهة السورية، لأنها تريد أن يكون الحل على الجبهتين اللبنانية والسورية ضمن حزمة واحدة.. لأن سياسة إسرائيل هي في الأصل عقد الاتفاقيات المنفردة مع كل دولة على حده..
كما أنه لا قيمة لذلك الردِّ الذي ينطوي على مزعم أن اللبنانيين حتى لو انسحبت إسرائيل من شبعا، لن يتبرعوا بعقد اتفاقية سلام منفردة مع إسرائيل تكون منفصلة عن الحل على الجبهة السورية.. لأن اللبنانيين ليس لهم رأي في هذا الموضوع من حيث المبدأ، ولأن الرأي هو رأي سوريا أولا وآخرا.. وبالتالي فإن إسرائيل عندما تقرر البتَّ في مزارع شبعا، فإنها تعرف أن الصفقة بهذا الشأن يجب أن تعقد مع سوريا لا مع لبنان، وبالتالي لترتيب وضع الترسانة السورية وليس ترسانة حزب الله..
إن على هؤلاء الذين يظنون أن العالم قام ولم يقعد ضد سوريا، وأن الصهيونية والإمبريالية تتآمران عليها، لأنها تدعم "حزب الله" ذلك الدعم الذي لا يخرجه عن كونه ورقة سورية، في الوقت الذي تثبت كل الوقائع أن حزب الله يمكن التخلص منه سياسيا دونما حاجة إلى عمليات عسكرية تدرك إسرائيل قبل غيرها أنها لن تؤدي إلى القضاء عليه.. نقول.. إن على هؤلاء أن يتعلموا ألف باء السياسة، وأبجديات ما يحدث في المنطقة، قبل التصدي لمسائل مصيرية وحساسة كالذي يحدث في سوريا، بتلك الآراء والمواقف والرؤى العاجزة عن تقديم تفسير متماسك حتى للمصطلحات والمفاهيم التي يستخدمونها وعلى رأسها مفهوم "الممانعة" ذاته..
والآن، بعد كل هذا التحليل..
فما لا شك فيه أن الممانعة التي تعادَى لأجلها سوريا من قبلِ الصهيونية والإمبريالية ومن ورائهما الوظيفية العربية، ليست هي تلك المتعلقة بالشأن الإسرائيلي في بعده التقليدي الذي نعرفه جميعا، والمتمثل في مقاومة الاحتلال، والعمل على تحرير الأرض المحتلة، ورفد مشروع التحرير بعناصر القوة، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وتجسيد هوية الشعب الفلسطيني.. إلخ.. فكل ما أوردناه من معلومات وحقائق وتحليلات يثبت ذلك بلا أدنى شك..
وإذن، فما هو جوهر هذه الممانعة التي تُعادَى لأجلها سوريا؟!
مادام الصلح بين سوريا وإسرائيل، ومادامت مقاومة إسرائيل بسبب احتلالها للجولان ولجنوب لبنان، ومادام حزب الله كنموذج من نماذج المقاومة، ومادامت حماس كنموذج آخر من نماذجها، أمورا ليست هي التي تقف وراء جوهر السيرورة في سوريا أو في الإقليم بسبب تداعيات الحالة السورية، وهو ما تبين لنا بوضوح في تحليلنا السابق.. فما هو على وجه الحقيقة جوهر تلك السيرورة؟!
إن الإقليم بدأ يشهد تحولات عميقةً منذ سقوط نظام الشاه في إيران، وتجلِّي النهج الإيراني الجديد متمثلا في إستراتيجية الاستقلال عن الفضاء الإمبراطوري الأميركي، وفي العمل على تقاسم النفوذ فعليا في الإقليم مع القوى النافذة فيه، والتي على رأسها "إسرائيل"، والتي من بينها "العراق" سابقا و"تركيا" حاليا، والتي لم تكن "سوريا" من بينها على الإطلاق، بسبب افتقارها رغم حساسية ودقة وضعها الجيوسياسي لمواصفات الدولة النافذة إقليميا..
وجد رواد النزعة الإمبراطورية الأميركية ممثلين بالدرجة الأولى بالمحافظين الجدد الذين تجسَّدوا سياسيا في أول إدارة فاعلة على هذا الصعيد، هي إدارة الرئيس الجمهوري "رونالد ريغن".. وجد هؤلاء أنفسهم أمام واقع إقليمي تدور من مكوناته دولتان قويتان في فلك الفضاء الإمبراطوري الأميركي، هما "تركيا" و"إسرائيل"، فيما تدور من مكوناته دولتان أخريان خارج أفلاك ذلك الفضاء الإمبراطوري، دولتان إن لم تكونا قويتين بالفعل مع بداية تلك الحقبة، فهما مشروع دولتين أكثر من قويتين، هما "إيران" و"العراق"..
المفارقة العجيبة التي ساعدت المشروع الإمبراطوري الأميركي على عدم التضرر كثيرا من هذا الوضع المربك الذي فرضته على ذلك المشروع كلٌّ من "إيران" والعراق"، أن هاتين الدولتين كانتا متنافرتين، فبدأت كل منهما مشروعَها الإقليمي وهي على تناقض تام وكامل مع الدولة الأخرى، فكان صراع كلُّ واحدة منهما مع الأخرى جزءا من مشروعها الإقليمي الخاص بها، خلافا للدولتين الأخريين "تركيا" و"إسرائيل" اللتين لم تطفُ على سطح واقعهما وعلاقاتهما أيُّ منغصات من النوع الذي قد يضر بكونهما تدوران في فلك فضاء المشروع الإمبراطوري الأميركي ككل..
كانت القضية الفلسطينية، وكان الموقف الراديكالي من المشروع الصهيوني، هما الحاضنتين السياسيتين اللتين استخدمهما الطرفان لتقوية مواقفهما أمام كل القوى الداخلية والإقليمية في الصراع الدامي الذي نشب بينهما واستمر 8 سنوات، للتغطية على المبررات القومية "الفارسية" من جهة، و"العربية" من جهة أخرى كجوهر أعمق لذلك الصراع..
وبالتالي، وأمام عدم الخلاف بين أيِّ عربيين أو مسلمين على القضية الفلسطينية، وعلى الموقف من المشروع الصهيوني، غدا الموقف من هذه الدولة أو من تلك، في هذا الصراع أو في ذاك، يتحدد بناء على بوصلة القرب أو البعد، من تلك القضية ومن هذا المشروع.. ولهذه الأسباب تحديدا، فقد النظام السوري البعثي الأسدي مزاياه التي كان يتاجر بها على صعيد "فلسطين" و"إسرائيل" و"المقاومة".. إلخ.. لأنه أصبح معنيا بتحديد موقفه من الصراع الدائر على الجبهة الشرقية بين دولتين قويتين جدا تتاجر كل منها – صدقا أو كذبا – بما كان مساحة خاصة به وحده يلعب فيها كيف يشاء.. وهو – أي النظام السوري الأسدي – كان معنيا بتحديد مواقفه بشكل لا يتناقض مع ادعاءاته القومية من جهة، ومع ادعاءاته بشأن إسرائيل وفلسطين من جهة أخرى..
راحت مواقع النظام السوري الأسدي في الأوساط الشعبية العربية تتآكل مع كل يوم يمر في عمر الصراع.. لأن الشعوب العربية إذا كانت قد التبست عليها الأمور من الموقف السوري المعادي للعراق في بداية الأمر بسبب البريق الإسلامي الذي كانت تحظى به إيران في بداية عهدها، وبسبب ظهور الحرب وكأنها بسبب اعتداء عراقي على إيران، فتفهمت تلك الشعوب موقف البعث السوري المتناقض مع البعث العراقي، فإن تطور الموقف الشعبي العربي خاصة بعد إبداء العراق استعداده لإنهاء الحرب وبدء التفاوض فورا رغم أنه كان هو المنتصر، ورفض إيران لذلك، ليصبح موقفا أكثر تعاطفا مع الجانب العراقي، أفقد الموقف السوري الذي أصر على البقاء مساندا لإيران رغم كل شيء، كل مواقعه الشعبية العربية..
انتهت الحرب بين الدولتين بواقعٍ كشف عن تضخمٍ في الجانب العراقي عسكريا، وما يكاد يكون شبه انهيار عسكري في الجانب الإيراني.. أي أن المشروع الإمبراطوري الأميركي بدا له أنه تخلص من إحدى الدولتين وما بقي عليه إلا أن يعمل على التخلص من الدولة الثانية، كي تُرسَم خرائط الإقليم وفق ما تفرضه متطلبات الفضاء الإمبراطوري الأميركي المستهدف.. فكانت السنوات الخمس عشرة التي تلت انتهاء تلك الحرب هي سنوات التفرغ للعراق حتى انهارت ودارت في فلك الفضاء الأميركي نهائيا..
استفاد الذكاء الإيراني مما يدور حوله، فتعاملت إيران سياسيا بشكل براجماتي بالغ الدهاء، لتتمكن من فرض نفسها مجددا طرفا إقليميا فاعلا فرض أجنداته على الولايات المتحدة، لتعود من جديد القوة الإقليمية الثالثة التي ما فتئت تبعث برسائل إلى الغول الأميركي مفادها: أن الإقليم الشرق أوسطي لا يمكن لأحد أن يرسم مستقبله، أو يعيد تلوين خرائطه بدون اللمسة الإيرانية المتناغمة مع مصالح إيران، التي تصر على أن يكون الإقليم أقليما ثلاثي النفوذ يقوم على القوائم الثلاث "إيران" و"تركيا" و"إسرائيل"، وليس على قائمتين فقط هما "تركيا" و"إسرائيل"..
أثبت النظام السوري الأسدي بمشاركته في مؤتمر مدريد بعد حرب الخليج الثانية أو ما سمي بـ "حرب الكويت"، عقب مشاركته في التحالف الدولي ضد العراق، وإن يكن صوريا، أنه لا يعترض على أن يكون الفضاء الأميركي هو حاضنة الخرائط المقبلة لهذا الإقليم فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي..
لكن العشرين سنة الأخيرة التي تلت تلك الحرب ومن ثمَّ ذلك المؤتمر بمختلف تطوراتها، جعلت ذلك النظام يتحول إلى ورقة مهمة في الأجندة الإيرانية الإقليمية التي راح جميع المتنافسين فيها يتاجرون بالقضية الفلسطينية ومكوناتها للحظوة بمواقع متقدمة في خرائط الإقليم المرتقبة.. ومن هذه النقطة المركزية تنطلق الأهمية الجيوسياسية الإقليمية لسوريا تحت حكم النظام البعثي الأسدي..
إن إيران بتحالفها مع سوريا بكل الثقل الطبيعي لسوريا في الإقليم العربي المشرقي، يجعلها قادرة على عدم التنازل عن مطالبها الإقليمية في ولائم تقاسم النفوذ في الإقليم مع كلٍّ من إسرائيل وتركيا.. أي أن الممانعة التي تجسِّدها "سوريا البعث الأسدي" تتمثل في قدرتها على تقوية الموقف الإيراني أو إضعافه في معركة تقاسم النفوذ الإقليمي..
لم تعد الولايات المتحدة معنية بالقضاء على إيران وتحطيمها بالصورة التي حدثت مع العراق، لأن هذا أمر غير مقدور عليه من النواحي الإستراتيجية، ولأن أيَّ عمل عسكري من أيِّ نوع في ظل الطبيعة الحساسة لإيران نفطيا وعسكريا.. إلخ،. لن يحقق أهدافه، ولن يخرج منه الأميركيون إلا بتخفيف المطالب الإيرانية في معادلات الهيمنة المقبلة على الإقليم، دون ضمان نتائجه، وليس بإخراج إيران من اللعبة نهائيا كما تم إخراج العراق سابقا، بسبب اختلاف الظروف والملابسات بين الحالتين..
ومن هنا، ومادام المُرْتَجى من أيِّ تغييرات إقليمية يتم السعي إليها، في اتجاه تحجيم إيران، لن يحققَ إلا في اتجاه تحجيم مطالبها وليس في اتجاه إلغاء تلك المطالب وإزاحتها نهائيا، فإن أنجع الطرق لتحقيق المراد هو إضعاف الحلقة السورية "الممانعة إيرانيا"، لضمان معادلة إقليمية لن تحصل فيها إيران على أكثر مما يحتمله الفضاء الإمبراطوري الإقليمي، ضمانا لبقاء كل من تركيا وإسرائيل في وضعيهما الطبيعيين في بنية ذلك الفضاء..
ولأن إضعاف الحلقة السورية بمواجهاتٍ مباشرة من قبل إسرائيل مع القوة العسكرية السورية ما كان ليتم، مادامت سوريا الأسد أصلا لا تقاتل إلا بالوكالة عبر كل من "حزب الله" و"حماس"، ومادامت سياساتها لا تمثل خطرا على جبهة الجولان بحكم إستراتيجيتها في توجيه الصراع عبر الركائز الست التي أشرنا إليها فيما مضى، ومادامت تقاليد وأعراف الأربعين سنة الماضية، جعلت إسرائيل نفسَها لا تملك أيَّ مبررات لخوض صراع آمن ضد سوريا، لا بسبب قوة سوريا ذاتها، وإن كانت هذه القوة عنصرا مهما، ولكن بسبب أن سوريا هي المحطة الأخيرة المتبقية في مسار الصراع العربي الإسرائيلي، والتي لو انفرطَ عقدُها بشكل تراجيدي خارج نطاق الأطر السياسية، فإن كل شيء سينقلب في الإقليم، ما يستدعي الحفاظ على عناصر الإستراتيجية السورية التاريخية ذاتها في إدارة الصراع قائمة كما هي دون المساس بها.. نقول.. بسبب أن اللجوء إلى إضعاف الحلقة السورية، بالشكل الصدامي، يعدُّ أمرا غير صائب إستراتيجيا من المنظورين الأميركي والإسرائيلي على حد سواء.. فقد كانت هذه الحلقة، عقدةً مفصلية في مواجهة تلك الأجندة في ظل قناعة الولايات المتحدة بضرورة التفكير ألف مرة قبل اتخاذ أيِّ قرار بالحسم مع إيران عسكريا.. وهو ما أوقع السياسة الأميركية والإسرائيلية في مأزق حقيقي.. فلا هما قادرتان على إضعاف الأجندة الإيرانية بمواجهةٍ مباشرة مع إيران، في ظل تقلص الهيمنة الأميركية على مجلس الأمن بشأن القرارات المتعلقة بخوض الحروب الإقليمية والتدخلات العسكرية هنا وهناك.. وفي ظل عدم قدرتها على المبادرة بصدامات عسكرية غير مسنودة عالميا بعد تجارب كل من أفغانستان والعراق المريرتين.. ولا هما قادرتان على إضعاف سوريا بالصدام المباشر معها لانعدام كل المبررات الدافعة باتجاه ذلك، فضلا عن الأسباب ذاتها المتعلقة بعجزهما عن الفعل إزاء إيران نفسها..
كانت الثورة السورية التي لا يشكك في شرعيتها أحد، والتي لا يقبل بمقايضتها بالممانعة السورية إيرانيا أيٌّ كان، هي البوابة التي حاولت الولايات المتحدة وما تزال تحاول العبور من خلالها إلى إضعاف الأجندة الإيرانية، بسحب حلقتها السورية – التي أصبحت حلقة رخوة في ملف الأجندة الإيرانية الإقليمية – من خندق تلك الأجندة إلى خندق الأجندات الإقليمية الأخرى تركية وإسرائيلية وعربية وظيفية..
القفز الأميركي الإسرائيلي التركي العربي الوظيفي على الثورة السورية، ومحاولة مصادرة مستقبلها ومنجزاتها المرتقبة وتجييرها لصالح الفضاء الأميركي، جاء عبر هذه البوابة..
شعبٌ يُقتل ويموت ليل نهار بهمجية غير مسبوقة في تاريخ الدكتاتوريات، تتخلى عنه المقاومة "حزب الله"، التي يفترض أنها انطلقت لتحرير أرض وشعب، ليصبح تحرير الشعب السوري كارثة تعاديها المقاومة ذاتها.. وتتخلى عنه القوة الإقليمية الصاعدة الشابة "إيران"، لتصبحَ ثورة الشعب السوري مجرد معارضة عميلة ومرتبطة – رغم يقيننا بوجود مثل هذه المعارضة في صفوف الشعب السوري الثائر – مع أن هاتين الجهتين حصلتا
- المهندس محمد البعول من المؤكد ان الاعمال المناهضة للنظام في سوريا لم تكن غايتها اسقاط بشار الاسد او نظام حزب البعث ولا احداث ثورة من اجل نظام حكم ديمقراطي في سوريا او في منطقة الشرق الاوسط . لقد كان ذلك مفهوما منذ البداية .
الاسباب كثيرة وواضح...ة:
الجهات العربية التي اوكلت اليها مبادرة (قيادة ثورة) ، تدير أنظمة حكم لا تمتّ بصلة الى الحكم الديمقراطي .
تركيا عضو في حلف الاطلسي وتمارس ضد الاكراد ادارة بعيدة عن الديمقراطية .
الدول الغربية وامريكا لديها خطط معلنة لتغيير خارطة الشرق الاوسط لمصلحة تعزيز وادامة سيطرتها على المصادر الطبيعية في المنطقة
ولتحقيق مطالب اسرائيل التوسعية وطمس القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني.
من ذلك صار من المؤكد ان اهداف (الثورة) في سوريا هي تدمير وتفكيك الدولة السورية وتحطيم بنيتها التحتية لإيقاف نموها الاقتصادي وقوتها السياسية في مواجهة اسرائيل خصوصا ، ومنع تكوين جبهة قوية مع ايران ضد النفوذ الغربي في الشرق الاوسط ووسط آسيا .
لقد تغيرت خارطة وسط آسيا كثيرا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ووصلت القواعد العسكرية الغربية الى مسافات قريبة جدا من الحدود الصينية. هذا التطور في امتداد النفوذ الغربي على الارض والسيطرة التي تحققت بالغزو الغربي لأفغانستان والعراق وتغيير المعطيات السياسية المعادية للغرب فيهما...كل ذلك جعل السيطرة الغربية على سوريا ضرورة استراتيجية ملحَّة ووضعت الخطط لذلك في وقت مبكر قبل الآن!
ويجري صرف النظر عن هذه الغاية اياها بالكلام الكثير عن مفاعلات ايران النووية ومخاوف اسرائيل والغرب المزعومة من امتلاك ايران القنبلة الذرية !!! وليس ذلك الا كحركات لعبة الشطرنج حيث تَصرِف همَّ اللاعب الى مكان بعيد لكي تتمكن من تنفيذ الخطة الهدف في مكان آخر .
ويجدر ههنا ان أبيّن ان معطيات الحرب والقوة العسكرية تغيرت فجأة هذين اليومين . حيث الغيت سيطرة اسلحة الجو المتمثلة في الطائرات واسلحتها ، وصارت السيطرة للقوة الصاروخية وتقدم مداها ودقة توجيهها ، وذلك بعد ثورة في الرقميات (ديجيتال) في البرمجة وفي صناعة الرقائق الالكترونية ، وصار من الممكن لدولة صغيرة مثل سوريا ان تواجه اسلحة حلف الاطلسي الجوية (ذاتيا) بامتلاكها تكنولوجيا سلاح الصواريخ بجهود مؤسساتها البحثية وقدرات ابنائها وبَناتها ومساعدت الاصدقاء العلمية