(عموه) ارفع ذراعيك لفوق
كان مرعي يهتم بقطيع (العَجَال: أبقار القرية) يأخذه للبراري، في الصباح ليقتات على ما تنتبه الأرض من كلأ، ثم يعيده في المساء ليأخذ كل صاحب بقرة أو أكثر بقراته لبيته.
حل القحط في سنتين متواليتين، فرأى أهل القرية أن يأخذ مرعي القطيع الى منطقة لم يحل بها القحط، فاقتاد قطيعه لمنطقة تبعد سيرا على أقدام أو قوائم الأبقار مسير ثلاثة أيام.
كانت المنطقة جبلية ومساحتها ضيقة وفيها من البساتين المملوكة لفلاحي تلك المنطقة الكثير، وكانت تلك البساتين غير محاطة بأسيجة مانعة، فبدت المنطقة خضراء مغرية لمرعي وأبقاره، فنصب خيمته في ساحة خالية بعيدة قليلا عن تلك البساتين وجمع من الحطب والأعواد ما يكفي لعمل حظيرة تمنع هروب الأبقار، كان يتسلح ببندقية (خرطوش) و (شبرية: خنجر أعوج)، ليتقي شر الذئاب والضباع.
في الصباح الباكر لليوم التالي خرج مرعي بأبقاره لتتناول ما تجده في طريقها، وبينما هي تسير ورؤوسها متجهة الى الأرض، كأنها فرقة تبحث عن ألغام، تطاولت إحدى البقرات فرفعت رأسها لتقضم بعض أوراق من شجرة (تين)، لم يخطر ببال مرعي أن يفاجأ بأحد الكمائن المكونة من فتية القرية الخضراء.
كانوا يحملون بأيديهم عصيا متفاوتة السماكة، وانهالوا على مرعي بالضرب. لكنهم نبهوه بأن يرفع ذراعيه حتى لا تنكسر إحدى عظمات ساعديه، فالضرب موجه الى جنبيه وهو رافع يديه ويتأوه، وكان شيخا في العقد السادس من عمره. وكلما أراد اتقاء ضربهم بمحاولة تنزيل يديه، صاحوا في وجهه (عموه خليك رافع ذراعيك) وهو يصيح ألما، وهم يقولون له (بدها مجابصة: أي أن الموقف يحتاج الى صبر).
تذكرت تلك القصة التي مر عليها أكثر من أربعين عاما، بعدما رأيت القانون الدولي أو الإرادة الدولية الراهنة، تسير حسب هذا القانون، فهي تمنع حماس من التسلح وقد أجازت غزو العراق لأنهم ظنوا أنه يتسلح. ويتطلعون الى ضرب السكان بأن أمر عادي، وقد يقومون بالتبرع لهؤلاء السكان بعد ضربهم!