اليوم المشهود يوم عرفة


إنَّ يومَ عرفةَ يومٌ عظَّمَهُ اللهُ جلَّ جلالُهُ، ورفعَ قدْرَهُ، وأقسَمَ بِهِ فِي كتابِهِ العظيمِ، فقال سبحانه وتعالى : (وَالْفَجْرِ. وَلَيَالٍ عَشْرٍ ) سورة الفجر:1ـ2.

وهُوَ اليومُ المشهودُ كمَا قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:« الْيَوْمُ الْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ » رواه الترمذي.

وفتَحَ اللهُ فيهِ بابَ الخيرِ لعبادِهِ، وهُوَ مِنْ أعظمِ أيَّامِ العشْرِ التِي يُضَاعَفُ فيهَا ثوابُ العملِ الصَّالِحِ، قالَ صلى الله عليه وسلم :« أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَيَّامُ الْعَشْرِ» رواه البزار.

وقَدْ رَغَّبَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فِي اغتنامِهَا بِمَا ينفعُنَا فِي الدُّنيَا والآخرةِ، قالَ صلى الله عليه وسلم :« مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمَ عِنْدَ اللَّهِ وَلاَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ » رواه أحمد .

وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إِذَا دَخَلَ أَيَّامُ الْعَشْرِ اجْتَهَدَ اجْتِهَاداً شَدِيداً حَتَّى مَا يَكَادُ يَقْدِرُ عَلَيْه ( الدارمي).

وفِي هذَا اليومِ العظيمِ يتجلَّى اللهُ علَى عبادِهِ فيستجيبَ لَهُمُ الدُّعاءَ، ويغفرَ لَهُمُ الذُّنوبَ، ويُعتقَهُم منَ النَّارِ، قالَ صلى الله عليه وسلم:« مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ» رواه مسلم .
وقال صلى الله عليه وسلم: « أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ» رواه مالك في الموطأ.

ومِنْ عظيمِ فضلِ اللهِ علينَا أنَّهُ سبحانَهُ شملَنَا جميعاً: مَنْ كانَ فِي الحجِّ ومَنْ لَمْ يكُنْ فِي الحجِّ ببركاتِ هذَا اليومِ العظيمِ، فقَدْ بيَّنَ رسولُ اللهِ  الجزاءَ العظيمَ فِي هذَا اليومِ المباركِ لغيْرِ الحجاجِ فقالَ صلى الله عليه وسلم:« صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ » رواه مسلم، فيومٌ يكفِّرُ اللهُ بِهِ سنتيْنِ لاَ شكَّ أنَّهُ يومٌ عظيمٌ.

فعلينَا أنْ نغتنمَ هذَا اليومَ العظيمَ فنحفظَ فيهِ جوارحَنَا ونصومَهُ ونكثِرَ فيهِ منَ الدعاءِ والاستغفارِ والذكْرِ والأعمالِ الصالحةِ.

والحديثَ عنْ فضلِ يومِ عرفةَ يذكرُنَا بخطبةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فِي هذَا اليومِ التِي بيَّنَ صلى الله عليه وسلم الأُسُسَ الثابتةَ فِي هذَا الدِّينِ العظيمِ والَّتِي لاَ تتغيَّرُ ولاَ تتبدَّلُ ومِنْ أهمِّهَا حرمةُ الدِّماءِ والأعراضِ والأموالِ، قالَ صلى الله عليه وسلم :« إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا» رواه مسلم .
مَا أعظمَ هذهِ المبادئَ فِي حفْظِ الإنسانِ ومالِهِ وعِرْضِهِ، فإذَا كانَ المسلمُ يعظِّمُ يومَ عرفةَ والشَّهرَ الحرامَ والبلدَ الحرامَ فحرِيٌّ بنَا أنْ نُحافِظَ علَى أرواحِنَا وأعراضِنَا وأموالِنَا، وقدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِى فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَماً حَرَاماً» رواه البخاري.

اللهمَّ أَعِنَّا علَى عملِ الصَّالحاتِ وصيامِ يومِ عرفاتٍ وتقبَّلْ منَّا الطاعات، اللهمَّ أعْتِقْ رقابَنَا مِنَ النَّارِ، يا عزيز يا غفار.