من عادتي أن أمر بمكتبة الأستاذ حكمت هلال صاحب دار نشر "هلال" وصاحب مكتبة بذات الاسم في حي "الحلبوني " العريق بدمشق.
وهو حي حشدت فيه جل مكاتب دمشق العريقة,وكما عودني من إحضار ثمين الكتب النقدية والأدبية التي ابحث قديمها وجديدها,وفاجأني بهديته القيمة التي قام بكتابتها منذ فترة وهو:
" ديوان كعب بن جعيل" وهو كتاب لا يتجاوز الـ 98 صفحة من القطع الكبير.
وحقيقة هو كتاب تعريفي بشاعر مغمور في العصر الأموي عاصر الأخطل ويعد من نفس قبيلته النصرانية "تغلب" وقبله جيلا ولم يفز بالشهرة التي فاز بها "الأخطل".
ويعتبر التنقيب عن البعيد عن الأضواء مغامرة وتحدٍ,مصيرة وممتعة بآن,تروي عامل الفضول وخاصة لأمثالي,وخطوة جديدة لإزاحة الغبار عمن لم يحظى بحقه من التعريف.
*********
من هو الأستاذ "حكمت إبراهيم هلال"؟
هو عربي سوري من قرية "تبنة من قضاء حوران 1943 عضو في اتحاد الكتاب الفلسطينيين وحاصل على شهادة الرابطة العربية للثقافة والفكر والأدب.
حقق كتاب "انجلاء ليل الاستبداد الدامس في جلوس السلطان محمد الخامس ,للشيخ عبد الرحمن الخطيب.
حقق كتاب تفضيل الأتراك على سائر الأجناد تأليف الوزير "أبي العلاء بن حسول" قيد الطبع.
له عشرات المقالات في التاريخ والتراجم في العالم العربي.
*****
لقد استطاع الأستاذ حكمت في هذا الكتاب:تقديم رؤية بانورامية لعالم الشاعر تاريخيا وشعريا واجتماعيا وبيئيا.
قدم خصوصيات شخصيته من خلال علاقته بالشعراء والأمراء والأحداث في عصره,وقد شهد صفين وما بعدها وكان أمويا بامتياز.
ومما جعل الدراسة ممتعة مقارنته بأقرانه من الشعراء في عصره كالفرزدق وغيره حيث كان الأخطل صغيرا وفي أول نشأته,حيث حاول تحويل الأنظار له هجاء وغيرة فنال شهرة دونه!.
ا يمكن أن نؤمن به جيدا من خلال قراءة هذا الكتاب وغيره ربما,ان ليس كل مشهور يستحق الشهرة ولا كل مغمور ظلمه العصر في عدم شهرته!
فقد لمست أن كل من حوله كان يملك عذوبة في شعره تفوقه ويبقى هذا الرأي مجرد انطباع وتذوق خاص,فالصور الشعرية وكثرتها تقدم صورة وافية عن خيال خصب وعمق نظرة وإبداع حقيقي,فالإجادة تختلف عن كنه الإبداع مؤكد.
يمكننا هنا تقديم عدة أبيات لكلا الأخطل وكعب لأنهما شربا من نفس النبع (ص 24 -25)
يقول الأخطل:
ذهبت قريش بالمكارم والعلا=واللؤم تحت عمائم الأنصار
فدعوا المكارم لستم من أهلها=وخذوا مساحيكم بني النجار
(الوافر)
وقد غضب النعمان بن بشير الأنصاري وكان ممن حارب مع معاوية عليا وقد ولاه معاوية الولايات وأكرمه ,فجاء يشكو له هجاء الأخطل لقومه,ونزع عمامته عن رأسه قائلا:
-هل ترى لؤما تحتها يا أمير المؤمنين؟
فقال:
-لا ولله ,أرى كرما وحسبا ,ما حاجتك ؟قال:
-لسان الأخطل .
قال:
-ذلك لك.
وعلم الأخطل فاستغاث بيزيد فدخل على أبيه ,وقال له:
-إني جعلت له ذمتك وذمتي إذ رد عني ,
فقال معاوية للنعمان:
-لا سبيل إلى ذمة يزيد.
ورد النعمان على الأخطل ,ولكن الأخطل انسحب من المعركة خوفا على نفسه,ومنذ هذا التاريخ يصبح الأخطل شاعر بني أمية,يمدحهم ويهجو خصومهم ,وهم يغدقون عليه.
وكان كعب ينتقل بين الشام والحجاز والعراق ,وفي العراق كان يقضي بين الشعراء في سوق المربد بالبصرة,ويفضل بعضهم على بعض وقد تنافر النابغة الجعدي وأوس بن مغراء في المربد وتهاجيا
بحضور العجاج والأخطل وكعب بن جعيل وقال كعب في ذلك:
إني لقاض قضاء سوف يتبعه=من أم قصدا ولم يعدل إلى أود
فصلا من القول تأتم القضاء به=ولا أجور ولا أبغي على أحد
نالت بنو عامر جعدا وشاعرها=كما تنيل بنو عبس بني أسد
(البسيط) وقد هجا كعب النابغة وغلبه كما هجا أبو جهمة الأسدي تغلب وبنيها ورد على ذلك ص 25
ولعلنا نقدم مداخلة بسيطة عن التكسب في الشعر وانتشاره آنذاك فهل نرى فيه سيئة وإساءة للشعر؟ وهل انحسر هذا الأمر وبات الشعر ترفا وتحذلقا وفذلكة بعد أن مر بحقبة كان حماسيا محركا للنضال في الحقب اللاحقة؟.
يتبع
ريمه الخاني 15-1-2013