السجينُ ٣٤٥
-١-
أكلما كسرْتِ كُوبا
لعنتِ " كُوبا " !
أيا ابنتي لتصبري
ما ذنبُهُ من كُوبِ ؟!
لا تُكْثري من البكاء والنحيبِ
فربما غداً يعُودْ
بدفئهِ المعهُودْ
......
-2-
وليتهُ غداً يجيءُ باسمًا كما عَهـِـدتُ
أو نراه يا ابنتي " أسماءُ "
عن قريبِ
يطرُقُ بابنا علينا
ولدي الحبيبُ
" سامي الحاجُ " يا حبيبي
فيرتمي في حضن أمه العجوزِ
يحتمي بأضلعي الضعافِ
والمشيب ِ
بركنيَ المهيض ِ
من أذى الحياة ِ
والكروبِ
نشمُّ طِيبَهُ الجميلَ
يا ابنتي فطيبي
لتُطعمي " مُحمداً "
مُر الصُمات والوُعُودْ
وعلليه كلما بكى
من الجُوع الشديد ْ
بحَفنةٍ من الحصَى
فالقهْرُ والحَصَى كثيرٌ ... ...
يا ابنتي
موجودْ !!
قولي لهُ : أبوك في غدٍ يعُودْ !
{ أبوه في غدٍ يعود ...
مُحمَّلاً ...
بصُرَّة التعويض والنقودْ !! }
-3-
حين سألتُ عنه قائد العسسْ
أوْمَأ واجفاً بوجههِ القَطوبِ :
" احترسي يا أمُّ جيداً
– إنني كما ترين أحترسْ –
ما لابنك الوديع ِ ؟
حتى إنه يُحاكُ باسمهِ تآمرٌ مثيرْ!
في غُرفةٍ حالكة ٍ
من غُرُفات الكُـونْـغـِرسْ !! "
فما عقـِلتُ من كلامهِ المُريبِ
أيا ابنتي " أسماءُ "
غيرَ أنني شعرتُ لما قال
ويْكأنَّ حربة ً ...
بصدري تنغرسْ!


-4-
{ ويظلمُ المكانْ ...
أكثرَ مما كانْ ... !
هناك في خليج " كُوبا "
رأسٌ ... أبــــيٌّ ينْحني غـَـضُوبا
وحينَ يرفعُ السجينُ طرْفـَــهْ
يلقـَى بذاك .. حَـْتفـَهْ
يرى الذئاب
والذبابَ فوقهُ وخلفـَهْ
من شدة التنكيل والهوانْ !
وحين يمسح السجينْ
جبينه من الدماءِ ...
خِلسَة ً وأنفـَهْ
يلمحُ فوقَ الجندِ قسوةً مليئةَ برجفة ْ
تدبُّ في جسم العلمْ
مرفرفاً ...
مبتسماً ...
مُلطخاً بدمْ
مُضرّجَ الخُطوط والنجومِ
شاحباً كئيبا
ويسمع السجينُ في المساء
وسط جُرعة التعذيب ِعَزْفـَــهْ
فينحني من الألم
وينحني!
مما يزيدُ حزنَهُ ونزْفـَـــهْ
لأنه قد صار
بينه وبين الخزي في النجومِ ...
رغمَ البُغضِ ذِلَّة ٌ وأُلفـَــة ْ!
خمسونَ نـَجْمةً تجورُ أيَّ جور ٍ ... !!
ما تُلامُ
فدافعو الضرائبِ الكرامُ
ليسوا يُبَالون بشيءٍ
غيرِ سِعْر الخمْر والبِنزينْ
من أجل ذاك أيها السجينْ
تُنتهك الحريةُ المزعومةُ الحرامُ
وتُذبحُ الأحلامُ
على يدِ الجنودْ
وتُقتلُ الدمعةُ
قبلَ أنْ تمسَّها الخُدودْ
ويُحفرُ الأخدودْ
وراءَ أسْوار غـُــوَانـْـتانامُو}
-5-
ُيحرِّكُ السجانْ
في الظُلمة المِزْلاجْ
مِزلاجَ زنزانتكَ الكبيرْ
يصْرُخُ في امتهانْ :
" أينَ هُوَ الأسْودُ ...
سَامي الحاجْ ؟
قم يا مُهانْ
قم يا أسيرْ "
يقولُ في اغتياظهِ الجبانْ :
" قد صدرَ الحُكْمُ ...
أيا خسيسُ بالإفراجْ "
لأنَّ ضابطي المخابراتِ في " شامانْ "
وحابكي التلفيق والتزويرْ
وحائكي المونتاج والإخراجْ
وزُمْرةَ َ الذئابِ والشيطانْ
لم يُفْلحوا ( جميعُهمْ ) ...
خِلالَ حِقبةٍ مَريرةٍ من الزمانْ
أنْ يُثبتوا في وَصْفِهمْ لآلةِ التصويرْ
على اعتبار أنها حِيازةٌ ممنوعةٌ
لمِدْفع ٍ... صغيرْ
وأن سِـنَّاً في يَراعِكَ القصيرْ
( تُراكَ ...
تستخدمهُ وقتَ اللزوم ِ ... يا لئيمُ
في الطِعانْ ؟! )
وأن دِفترا مُزينا حَمَلْتَ ....
يحتوي الكثيرْ
( لأنهُ ما كان غير بضْع ِ ...
آياتٍ من القرأنْ !! )
-6-
ويفتحُ السجانْ
بابَ زنزانتك الكبيرْ
وأنتَ باسمٌ كَسِيرْ
بحُبِّ أمتي أيا ( زُولُ ) جَديرْ
وفي شُرُودْ
تَخْرُجُ يا ابنَ مُحي الدينْ
بجسمِكَ المَكْدُودْ
وقلبك المكلومْ
ووجهِك الحزينْ
تُوَدِّعُ الأصحابَ والجُدْرانْ
بدفئك المعهودْ
وترتخي ...
من حزنك اليدانْ
ثم تعودْ
فيرتمي النخيلُ في الأحضانْ
يَنْكبُّ فوق رأسِكَ الكريم ِ
ضوءُ الصبح ِ
طعمُ الشوق ِ
نهرُ النيل والشطآنْ
ويدمعُ السودانْ
ووجهُ أمتي الشحيبُ والمدان ْ
-8-
وبينما يجلسُ " سامي الحاجُ "
يحكي ما رآهُ في عَشية ْ
يكتمُ ما رآهُ في عَشية ْ
تروغ ُ ... من وجوهنا الملامحُ الشرقية ْ
في ساعةٍ قتامْ
تنكسرُ النخوةُ في أسِـنَّةِ الأقلامْ
وتُذبحُ الحُرية ْ
لكنما في لحظةٍ بارعة ٍ
ولفتة ٍ رائعةٍ ذكية ْ
يلْتقط ُ المصوِّرُ البذيُّ
صورةً لصدر ِ امرأةٍ ... سائحةٍ طرية ْ !
تسيرُ ...
فوق هضْبة الأهرامْ
... ... ...


شعر / محمد علي مصطفى