الباحثة والكاتبة الجزائرية غزلان هاشمي للشاهد:
النقد كما الإبداع إنساني لا يفرّق بين رجل وامرأة،وقد تحرّر من المعيارية السابقة.
من مواليد مدينة سوق أهراس أستاذة جامعية ورئيسة تحرير المجلة الأكاديمية الدولية المحكمة جيل الدّراسات الأدبية والفكرية،قاصة وباحثة في مجال الفكر والأدب والقانون والشريعة الاسلامية،كتبت في عديد المجلات والجرائد والمواقع الجزائرية والعربية ،عضو في اتحاد الكتاب الجزائريين.
بداية من هي غزلان هاشمي؟.
غالبا إذا سألت هذا السؤال أجيب بأن خير ما يعرف به المرء حرفه.لذلك أقول غزلان هاشمي مشروع إنسان يحاول أن يعلي من إنسانية الإنسان ويكشف عن أبعاده المركبة، ومشروع باحث في مجال الفكر والأدب والقانون يحاول أن يقول كلمته،وقاصة تحاول أن تكون....رئيسة تحرير المجلة الدولية المحكمة"جيل الدراسات الأدبية والفكرية" .صدرت لها العديد من المؤلفات:تعالقات النص وانفراط الهوية بدمشق،تعارضات المركز والهامش في الفكر المعاصر بالعراق،هواجس فكرية وكذلك "لك أهدي عودتي" بالسعودية....إضافة إلى الإسهام في عدد من الكتب الجماعية...........
يرى الكثير من النقاد والباحثين أنّ النقد النسوي استطاع أن ينفتح على جميع النصوص الإبداعية ولم يحصر نفسه في النصوص التي تكتبها المرأة ما الذي قدّمه هذا النقد تحديدا؟.
يطرح السؤال بداية إشكالية تحديد مصطلح "الأدب النسوي"وما يندرج تحت مسماه،إذ التعارض ماثل في الخطابات النقدية حول النصوص التي تتسمى به ،ناهيك عن الاختلاف بين من يعتبر النقد النسوي خاصا بما تنتجه المرأة كناقدة لنصوص أنتجتها المرأة في حد ذاتها،ومن يعممه ليصل إلى مقاربة النصوص الإبداعية من قبل المرأة مهما كان جنس المبدع ،والمصطلح ذو حمولة أيديولوجية لأنه يضمر تحيزا واضحا ويحمل انتقائية مغالية،وإن كان سياق ظهوره ـ ما بعد الحداثة والتفكيكية ـ يتجه نحو تشكيل وعي جمالي مغاير مفككا الأنساق المضمرة ومهدما لها،ولذلك أفضل الحديث عما قدمه النقد بشكل عام دون اعتبار للجنس فالنقد كما الإبداع إنساني لا يفرق بين رجل وامرأة.
انطلاقا من ذلك يمكن القول أن النقد المقدم من قبل نساء ناقدات استطاع تأسيس وعي نقدي مغاير يماثل في إمكاناته النقد المقدم من قبل الرجل،وإن كان تركيز بعض الناقدات على ما تنتجه المرأة بحثا عن موضعية مركزية لهامشية مفترضة أو تكاد تكون مصطنعة وموهومة حاليا قد أضعف من المقدرة النقدية لديهن.ومع هامش الحرية الذي أتاحته العوالم الافتراضية زاد المنجز النقدي النسائي في تعميق الإحساس بالمغايرة والتخفيف من حدة المركزية المقابلة وذلك بفرض معايير نقدية جديدة ،وإن ظل رهين التماثل مع التقاليد النقدية السائدة وإن ادعى غير ذلك .
النقد المعاصر يزداد توسعا لكن هل ترين انّه يقرب فعلا المسافة بين الإبداع وبين المتلقي؟
الحقيقة التي لا مهرب منها هو أن النقد آنيا تحرر من المعيارية السابقة مشكلا معاييره الخاصة أو هويته المتجهة نحو الانفراد والتمايز،وهذا ما أدى إلى ظهور النقد النخبوي المرتكز على آلية الانتقاء ناهيك عن المرجعيات والرؤى الفكرية التي تم استعارتها من الخطاب النقدي الغربي المعاصر،هذه الرؤى في مجملها تنعكس في حمولات لفظية وعدة مفاهيمية مستعارة تعبر عن مأزق التعقيد ،وهذا ما زاد من العزوف عن قراءة الخطاب النقدي المعاصر وخلق مسافة بين المبدع والناقد وكذلك بين الناقد والمتلقي .كما أن تغير مهمة النقد من محاكمة العمل الإبداعي ورصد إيجابياته وسلبياته إلى قراءات تتعمد الكشف عن أنماط التفكير المضمرة أو البحث في المسافات المعتمة وربما ذلك نتيجة سيولة معيارية أفرزتها فترة ما بعد الحداثة ومختلف الثورات الفكرية والسياسية هي التي أغرقت النقد المعاصر فيما أسميه التكثيف المعياري،لأنه حتى ولو ادعينا العمل بهذه السيولة إلا أن كل ناقد سينحو نحو تشكيل وعي نقدي ذاتي ومن ثمة يقع الملتقي والمبدع بشكل خاص في دهشة التخير مع تعدد القراءات المقدمة.
النقد المعاصر يفترض قارئا من نوع خاص يمتلك عدة فكرية وأدبية،وربما المبدع ساهم بشكل كبير في تعميم هذا الوضع بسبب كتاباته المرتكزة على عنصر التكثيف والخرق والانتهاك،لذلك يجوز لنا الحديث عن الناقد السوبرمان المقابل للمبدع السوبرمان الذي يعلي من شأن القوة النقدية والإبداعية...
لا تخلو الحالة الإبداعية من بعض مشكلات تتعلق بالتفاوت بين المستويات هل هناك مقاييس محددة لأي مبدع؟.
أعتقد أن المقاييس غير موحدة لكون المرجعية النقدية تختلف من مبدع إلى آخر،بل قد يجاوزها من أجل خلق معاييره ومقاييسه الخاصة إما ثورة على السلطة الأدبية والنقدية وإما بحثا عن إمكان مغاير مستكشفا لاعتبارات الذات واختلاقاتها الأصيلة إيمانا أن لكل زمن إبداعي خصوصيته ومن ثمة معاييره المنفردة.لذلك لم يعد الحديث عن المؤسسة النقدية فقط،بل تجاوزه للحديث عن إسهام المبدعين في خلق اعتباراتهم الفنية الذاتية وفرضها على المؤسسة الثقافية.
برأيك كيف يمكن الفصل بين التعددية في المعنى، والتعددية في الرؤى وأيضاً في القيم والسياسة؟ .
نحن نعاني من أزمة معنى بسبب غياب مرجعية متجاوزة خارج حدود الزمان والمكان،إذ التجاوز يفترض الثبات لذلك تحاول كل ذات التعبير عن أكبر قسط منها وإن لم تستطع التعبير عنها بشكل كلي بسبب مسافة الحرية الممنوحة،لذلك فالتعدد في الرؤى يقدم حقائق مغايرة ومفترضة أو معاني متعددة مما يؤسس تعددا في القيم والاتجاهات الفكرية والسياسة،وهذا ما يعمق من الخلاف إن لم يوجه التعدد وجهته الصحيحة .تجاوز هذا المأزق لا يكون بنفي التحيز واحتفاظ الذات بمعانيها الخاصة(إذ هو كامن ومن صميم المعطى الإنساني ولا يمكن القضاء عليه) وإنما بالتخفيف من حدته من خلال مفاهيم الحوار أو التأصيل لمفهوم التعارف الثقافي والتكامل الثقافي المؤسس على معاني مختلفة كالتحرر الثقافي من المطابقة والتماثل ،والتكافؤ الثقافي مع إتقان الإعداد الثقافي منعا لكل تخريب ثقافي ـ على حد تعبير د.طه عبد الرحمن رحمة الله عليه ـ وكذا مفاهيم الاختلاف والاشتراك والوعي بحدود الحرية ـ فهي حرية ذاتية تتحول إلى حد احتراما للكينونات الأخرى والمتجاورة معها زمكنيا ـ ،وذلك انطلاقا من هذه المرجعية المتجاوزة التي تساهم في تنظيم حياتنا وتحفظها من التشويش والانتهاك.
تقاليد النقد العربي هل تستند كما يرى البعض إلى أحكام بسيطة سطحية؟
أعتبر السؤال مفخخا ـ مع الابتسام طبعا ـ إذ لا يمكن تجاهل السياق في توجيه المدرك العام والخاص،وما كان يعتد به قديما تم تجاهله حديثا بسبب ظهور قيم نقدية ومعايير خاصة تساير السياق المفروض،إذ لكل زمن معاييره وأحكامه وكونه الإبداعي والنقدي معا المؤسس على المرحلة القبلية ـ إن تواصلا أو تجاوزا ـ والآنية .لذلك أرفض محاكمة القدماء انطلاقا من زمننا المتقدم وتسطيح منجزهم بدعوى المعاصرة،كما أرفض الأصوات الداعية إلى الانحسار في المنحى النقدي القديم بدعوى التقليد،فكلاهما لا يقدمان جديدا للساحة النقدية العربية وإنما يركزان على الصيغة الخلافية فقط.
الحداثة الأصالة ..التراث الغرب، الهوية الانفتاح ،ماذا تقولين عن هذه المقولات الثنائية هل توحي بمدى الإعجاب بما يقدمه الغرب؟
الوعي الإنساني وعي مركب يستوعب الثنائيات الضدية،وهذا الاستيعاب قد يأخذ شكل التجاور مما يؤسس للحوارية والاشتراك أو شكل تضارب قيمي فيستثمرها في حروب خطابية ووجودية ،ومن ثمة هذه الثنائيات لا توحي بالصيغة الانبهارية بالمعطى الغربي بقدر ما تعكس مسار الواقع وتركيبيته ومن ثمة الرغبة في تجاوز الصراع بين الطرفين،إذ كل طرف ينادي برأي يعبر عن واحد من خياري الثنائية .أما إلغاء الثنائيات فهي الدعوة إلى الواحدية المؤسسة لقتل المعنى والتعدد والحوارية وإنكار لصفة المجاوزة التي تفترضها المرجعيات الثابتة ومن ثمة الغرق في الفوضى والعدمية ،انطلاقا من ذلك وحسب اعتقادي هذه الثنائيات وإن عبر طرف من أطرافها على العقلية الانبهارية والتطابقية مع الآخر/الغرب ،والطرف الآخر على العقلية التسجيلية المنغلقة ،فإنها تعكس غنى التجارب وكل ما ينقص هو معرفة كيفية استثمارها ،فنحن لا ننكر أن الحضارات الإنسانية تتأسس على آلية التجاور والتراكم فأما التجاور فيفترض الاستفادة البينية في حدود المكان(الحضارات والدول المتجاورة مكانيا) وأما التراكم فيفترض الاستفادة البينية من تجارب حضارية سابقة زمنيا .
من هنا علينا استثمار الصراع القائم لا في تعميق الخلاف وإطلاق الاتهامات ،وإنما في تجاوز التطابق الكلي سواء مع التراث أم مع الآخر/الغرب بالإفادة منهما دون تلفيقية غير مجدية من أجل تحقيق زمننا الخاص وإنجازاتنا الذاتية.
علاقة الثقافة بالسياسة كيف تصفينها؟
علاقة تأثير وتأثر عكسي فالخطاب السياسي يوجه الخطاب الثقافي بشكل واع أو غير واع،لذلك كثيرا ما يعكس الخطاب الثقافي التغيرات السياسية ويستوعبها في شكل أنساق مضمرة،لتتحدد العلاقة البينية في ثنائية تقليدية (السلطة والمثقف) إما في شكلها التبريري أو في شكلها الثوري المعارض،كما أن المعايير كما الآليات الخطابية الثقافية تتغير وفقا للمنظور السياسي السائد.
وأما الخطاب الثقافي فبدوره يؤثر في الخطاب السياسي إذ كثيرا ما يهيئ المجتمع لمجاوزة الواقع السائد وذلك بتعميم قيم ثورية تهدف إلى هدم المرتكزات القبلية والمرجعيات السابقة المتوارثة،أو يجعله يعيش زمنا ثابتا بترويج القيم السائدة والمتوارثة.إذن كل خطاب ثقافي يحمل موقفا سياسيا وإن بشكل مضمر ومن ثمة يقدم حقيقته التي تهدف إلى تنميط الوعي وتوجيه السياسة الداخلية أو الخارجية نحو منحى محدد.
أنت تكتبين في مجال القصة أيضا وصدر لك مؤخرا مجموعة قصصية بعنوان "لك أهدي عودتي" حدثينا عن تجربتك القصصية؟.
تجربتي القصصية على تواضعها تساير المنحى العام لتوجهي الفكري والنقدي ،فما أكتبه يرتكز إلى رؤية تنحو نحو المغايرة والاختلاف لا بوصفه حضورا يهدف إلى التمايز والانفراد،وإنما بوصفه اعتبارا باحثا عن مثول إبداعي يؤسس مفاهيم الحوار والتعدد والحرية ويرفض التماثل والانقياد إلى كل إكراه سلطوي ظالم ومستبد،من هنا قصصي تتخفف من المعايير الفنية التقليدية لتنفتح على عوالم أكثر انفراجا ،ولتقدم النضالية في توصيفها الإيجابي الذي يبتعد عن التشويش والانفلات غير الممنهج .وربما عناوين القصص المقدمة في هذه المجموعة "السيد ليت ـ النبي سيف بن يزن ـ حديث الطواف ـ طفلي الذي لن يعود ....." توحي ببعض ما قلته .
من المعلوم أن الكاتب ينبغي عليه أن يكون أمينا في نقل الواقع لكن بالمقابل لابد من توظيفه لعنصر الخيال لما له من دور في إعادة البناء... كيف ترين العلاقة بين الكتابة و الواقع و الخيال ؟
الكاتب ليس مطلوبا منه أن يكون أمينا في نقل الواقع وإلا تحول إلى مؤرخ يعول على آلية الرصد المباشر،وإنما المطلوب منه هو أن يمتلك رؤية وموقفا يمكن تمريرهما من خلال التخييل ،فالواقع الإبداعي مهما تبدت ملامحه وانكشفت عن تطابق إلا أنه لا يمثل الواقع بكل تعقيداته.إذن العلاقة بين الكتابة والواقع والخيال مركبة إذ الأولى تتبدى فيها عناصر واقعية وتخييلية وكذا عناصر واقعية متخيلة وأخرى تخييلية واقعية .
كلمة أخيرة
أشكر لك أستاذ وليد كرم الاستضافة والشكر موصول إلى جريدة "الشاهد" والقائمين عليها،تمنياتي أن توفقوا وأن تستمر تجربتكم من أجل خلق وعي ثقافي أصيل.