المرأة .. بين الوحي والتقول
=================
لقد قرر الإسلام في نص الوحي للمرأة حقوقها الكثيرة تحريرآ لها من " ذكورية الجاهلية " ، كحق الصداق ، وحق التملك والتصرف فيما تملك ، والعدل، وإختيار الزوج بالموافقة أو الرفض ، والنفقة ، وحسن المعاشرة والمساواة الإنسانية في الدين والدنيا بينها وبين الرجل .
قال تعالى :
[[ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله اولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم . وعد الله المؤمنون والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم ]] .. سورة التوبة : 71-72 ..
بينما .. في التقول : جاء في صحيح البخاري : كتاب الحيض – حديث 298 ، وروي في باب النكاح أيضآ :
( عن ابي سعيد الخُدري قال : خرج رسول الله " ص " في أضحى !! أو فطر !! إلى المصلى ، فمر على النساء فقال : " يامعشر النساء تصدّقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار " فقلن : وبم يارسول الله ؟ قال : " تكثرن اللًعن وتُكفرن العشير ، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن " قُلن : وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله ؟ قال : " أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل " قُلن : بلى . قال : " فذلك من نقصان عقلها ، اليس إذا حاضت لم تُصلِ ولم تصم " قُلن : بلى ، قال : " فذلك من نقصان دينها " ) ..
فأين هذا " التقول " نقلآ عن رسول الله ، مقارنة ( بالنص القرآني ) وفي مواقع متعددة ، وبنصوص خاصة بالمرأة ، إضافة إلى النصوص العامة التي تشمل الرجال والنساء ، اكد على أهلية المرأة التامة لجميع الواجبات والتكاليف والحقوق المتنوعة من : إيمان وعمل وتعلم وتدبر وتفكر وتذكر وجهاد وإنفاق في سبيل الله وزكاة وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر وهجرة في سبيل الله إسوة بالرجل سواء بسواء ؟
هل المطلوب منّا .. أن نصدق " التقول الذكوري " بإعتماد روايته عن رسول الله – حاشاه وتناقضه مع الوحي - ؟ ام نعلن تمسكنا بالنصوص الإلهية ، رافضين ومنكرين " التقول وتزوير حديث الرسول " ؟؟ . ثم .. ماهذا " الرجل الحازم " الذي تأخذ لبه ودينه إمرأة ؟؟
قال الله تعالى :
[[ إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات أعد الله لهم مغفرة وأجرآ عظيمآ ]] الأحزاب:35 .
[[ من عمل سيئة فلا يُجزى إلا مثلها ومن عمل صالحآ من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب ]] سورة غافر – 40 .
ونلاحظ من النصوص القرآنية ، أن النص رتّب على المرأة كما رتّب على الرجل ثوابآ وعقابآ في الدنيا والآخرة لكل عمل يقومان به دون أي تمييز . فهل يمكن أن تكون " مسؤولية ناقص العقل والدين " في الواجبات والتكاليف والذنوب ، مثل " تام العقل والدين " في الثواب والعقاب ؟؟ وهل نعت " جميع النساء " على إختلاف أوضاعهن وهن أمهات النصف الأول من المجتمع الإنساني ومرضعاته ومربياته وراعياته ، بل هُنّ نصف أمة محمد التي وعدها النص القرآني بالجنة وقرة العين ، بأن يَكُنّ أكثر أهل النار واقعآ ، وناقصات عقل ودين ؟؟ لا لشيئ .. إلا لأنهن – كما يقول منطوق الحديث " المنسوب " للرسول : لايصمن ولا يصلين عند حيضهن ، مع انه " رخصة " اقرها النص القرآني لهن ، كما " رَخّص " للمؤمن من ذكر وأنثى بكلمة " الكفر " عند الإكراه إذا كان مطمئن بالإيمان : [[ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان ]] النحل : 106 ... كما " رخّص" له اكل المحرمات وفعلها حين " الإضطرار " ..
فإذا كان الله قد حمى المرأة وحقوقها ، فكيف يتسنى للبعض أن يوجه عنفآ وتشددآ وهيمنة وإستعبادآ لها ، وفي مخالفة صريحة ( للتوجهات والتوجيهات الإلهية ) ؟؟
المرأة .. الأم والأخت والزوجة والإبنة ، " حاضنة الرسل وداعمتهم ومؤيدتهم وناصحتهم " ، ولولا المرأة ماكان الرجل ، ولولا الرجل لما كانت المرأة ، فهما ( مكملان ) لبعضهما ولا يستغني أحدهما عن الآخر .
1- عن : القوامة
-----------------
في اللغة .. ( القَوّام ) : - بفتح القاف ، وتشديد الواو - تعني " العدل " . و أيضآ : حسن القيام بالأمور . . . = ومنها ( القَوّامون ) =
و منعآ للخلط والإلتباس : ( القِوامة ) – بكسر القاف – تعني : القيام والإشراف على الأمر او المال أو ولاية الأمر .
قال الله تعالى :
[[ الرجال قَوّامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم . ]] النساء : 34 .
[[ ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم ]] البقرة : 228 .
[[ والوالدات يُرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المَولود له له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لاتكلف نفس إلا وسعها لاتضار والدة بولدها ولا مَولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فِصالآ عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما ]] البقرة:233 .
من المستغرب تمامآ أن يتبنى كثرة من علماء وفقهاء الفكر الديني الإسلامي ، وهم من المتخصصين أصلآ " باللغة " وأصول " التأويل " ، والكثير من المتكلمين وأتباع الفكر الديني " الشعبي " ، أن يتبنوا " مفهوم القِوامة " ومعناه ، ليستبدلوا به ، "مفهوم القَوامة " ، الكلمة العربية الواردة في النص القرآني : [ قَوّامون ] .. هذا الإستبدال وتعميم النشر والتفسير فيه ، هو " السبب الرئيسي " لشذوذ الوعي والفهم عند الكثير من أبناء الأمة . ولا يمكن منح الأعذار .. بل الممكن الوصول إلى نتيجة واضحة في معظم تلك الحالات ، وهي : الرغبة الأهوائية في هيمنة الفكر الذكوري ، وتصديقه بخاتم الدين .
وهذا الشذوذ .. يرفضه ويقف ضده أيضآ علماء وفقهاء وباحثين ، ويعيدون الأمر إلى موضعه الصحيح . ومنهم / الشيخ الشعراوي / رحمه الله . فقد سئل :
" ما معنى القوامة للرجل على المرأة ؟ وهل ذلك "تفضيل" من الله للرجل على المرأة ؟؟
أجاب رحمه الله :
( إذا قيل : ان فلانآ قائم على أمر فلان ، فما معنى ذلك ؟ هذا يوحي بأن هناك شخصآ جالسآ والآخر قائمآ .. فمعنى " قوامون على النساء " أنهم مكلفون برعايتهن والسعي من أجلهن وخدمتهن ، إلى كل ماتفرض القَوامة من تكليفات . إذن فالقوامة تكليف للرجل . ومعنى : "مافضل الله بعضهم على بعض " ليس تفضيلآ من الله عز وجل للرجل على المرأة كما يعتقد الناس . ولو أراد الله هذا لقال : " بما فضل الله الرجال على النساء " ، ولكنه قال : " بما فضل الله بعضهم على بعض " . فأتى ب" بعض " مبهمة هنا وهناك .. ذلك معناه : أن القَوامة تحتاج إلى فضل مجهود وحركة وكدح من ناحية الرجل ليأتي بالأموال ، يقابلها فضل من ناحية أخرى ، وهو أن للمرأة مهمة لايقدر الرجل عليها ، فهي "مفضلة " عليه .. فالرجل لايحمل ولا يلد ولا يحيض ، ولذلك قال تعالى في آية اخرى : [ ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض] فلمن الخطاب هنا ؟ للجميع .. وأتى بكلمة "البعض" هنا أيضآ ليكون " البعض مفضلآ " في ناحية ، و " مفضولآ عليه " من ناحية أخرى .. فللرجل " فضل القَوامة " بالسعي والكدح . أما الحنان والرعاية والعطف فهي ناحية مفقودة عند الرجل لإشتغاله بمتطلبات القَوامة .. على ان مهمة المرأة كبيرة ، وعلى الرجل أن يعاونها، وكان الرسول "ص" إذا دخل البيت ووجد أهله منشغلين بعمل فيساعدهم . إن المرأة تتعامل مع أكمل الأجناس على الإطلاق .. مع الإنسان . فهي تربي سيد الوجود ، بينما الرجل يتعامل مع الجماد والتراب مع النبات والحجر والحيوان ).
وهذا الذي تفضل به الشيخ / الشعراوي / رحمه الله ، يذكرني بالآية الكريمة ، فأربطها بما قاله الشعراوي :
قال الله تعالى :
[ فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يُخرجنكما من الجنة فتشقى ] سورة طه .
فنسق الآية الكريمة واضح .. لم يقل عز وجل : " فلا يُخرجنكما من الجنة فتشقيان " .. بل قال: [ فتشقى ] .. فلماذا يشقى آدم وحده فقط ؟ لكي يوفر على حواء عدم الشقاء والكدح . يتحمل آدم الشقاء لكي يوفره على حواء .
فالذكورة في خدمة الأنوثة هنا : ( الرجال قَوّامون على النساء ) . واللغة العربية كما ذكرت أعلاه هي " الفيصل " .. قَوّام ، قائم : يقوم على خدمة الآخر .. وليس معناها : الآمر الناهي .. وإلا لقلنا : ولاة ، من : الولاية ..
ويمكنني القول .. أن إجتهادات الفقهاء وتفسيراتهم حول " ولاية الرجل المطلقة " على المرأة – إن كان زوجها أو أقاربه لأقرب رجل عصبة بعد موته ، وعلى أولادها - ، وتقريرهم بعدم حقها في الولاية على نفسها وعلى أولادها وبناتها ، على أن ذلك " تشريع إسلامي " ، وينسجم مع ما جاء في " النص القرآني "!!! ، ماهي في الواقع إلا ( تشريع أعراف ) .. تشريع أعراف كانت سائدة في مجتمع العرب الذكوري " ما قبل البعثة " فألبسه الفقهاء ثوب الإسلام ..
فمعظم مايطرحونه هو إمتداد لعصر الجاهلية في المجتمع العربي . ويقول هذا الدكتور / جواد علي / في كتابه : " المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام " ، ويشرح ويقدم للعادات تلك ولهيمنة الرجل على المرأة بكل الأمور ، حتى التي تصل على حد : بيعها وشرائها ، ومبادلة الزوجات ، والإستيلاء على أموالهن ، والتحكم بحياتهن وأيضآ في موضوع " الإرث والتوارث". حيث كانت " الولاية " تفرض على الصغار قبل إدراكهم سن الرشد ، وعلى القاصرين عن إدارة شؤونهم بأنفسهم كفاقدي العقل . فإذا أدرك الفتى وبلغ سن الرشد ، زالت عنه الولاية وأصبح كامل الأهلية يتمتع بجميع حقوقه كإنسان حر . بينما تبقى " الفتاة " خاضعة " للولاية " مدى حياتها . فلا يعلوها من هو دونها ، ولا تستطيع الزواج بمن تريد ولا أن ترفض الزواج من الرجل الذي إختاره لها " وليها " ، وغالبآ ما تكون محرومة أو بمرتبة أدنى في حقوقها بالميراث .
=========================
فائز البرازي
4/9/2009