اخترت لكم :

لقد حان موعد نهاية الامبراطورية الأمريكية
يمكن للمؤرخين الذين يؤكدون أن الإمبراطوريات تنهار من الداخل بعد أن تتآكل وتفلس بسبب حروبها وغزواتها وسياستها الاقتصادية الأنانية والعمياء، أن يطمئنوا مع نهاية سنة 2008م لصدقية وجهة نظرهم، وهم يسجلون مسلسل الأزمات الاقتصادية الذي تواجهها الولايات المتحدة.
في 22 يناير الماضي، كتبت وول ستريت جورنال: "إن ثمة أسبابا وجيهة للخوف من أن الكساد الذي يلوح في الأفق، يمكن أن يكون أسوأ من الكسادين الوحيدين اللذين أصيبت بهما الولايات المتحدة في الربع الأخير من القرن الماضي".
وكتب كنيث روغوف، أستاذ الاقتصاد بجامعة هارفارد، أن الأزمة الحالية تبدو على الطريق لن تصبح على أقل تقدير على الدرجة ذاتها من السوء الذي كانت عليه أسوأ خمس أزمات مالية ضربت البلدان الصناعية منذ الحرب العالمية الثانية.
وفي منتصف شهر فبراير 2008م أيضا، كتب باترك بيوكانان، المعلق اليميني المحافظ، يقول: "بينما نحن لا نوفر شيئا، يتعين علينا أن نقترض لكي ندفع ثمن النفط الذي نستورده والمصنوعات الأجنبية التي أصبحنا نعتمد عليها. وهكذا، فإننا في وضع يضطرنا لأن نقترض من أوروبا لندفع ثمن الدفاع عن أوروبا، وأن نقترض من الصين واليابان لندافع عن حق الصين واليابان في الحصول على نفط الخليج".
وينتهي بيوكانان إلى أن "الجيل الأمريكي المنغمس في ذاته قد اقترض إلى حد أن ديونه أصبحت غير قابلة للسداد. والآن، فإن الناس الذين اقترضنا منهم لنشتري النفط وكل ما نملك من سيارات والكترونيات وملابس، آتون ليشتروا البلد الذي ورثناه. نحن أبناء عاقون ويوم الحساب يقترب".
بيوكانان نسي في تحليله أن الحرب الأمريكية الاستعمارية في العراق وأفغانستان، كلفت واشنطن ما يزيد على 3000 مليار دولار حتى الآن.
يوم الأحد 15 سبتمبر 2008م، اعتبر "آلان غرينسبن"، الرئيس السابق للاحتياطي الفدرالي الأمريكي وطوال 19 عاما، أن الأزمة المالية الراهنة هي الأخطر منذ 50 عاما، وعلى الأرجح منذ قرن، موضحا أن حل هذه المشكلة ما زال بعيدا.
الأزمة أخطر مما يريد أن يعترف بها المسؤولون في الغرب، ولكنَ الخبراء المستقلين يرجحون أن الأزمة ستفرز وضعا جديدا، إن لم يكن هزة خطيرة للنظام الاقتصادي الدولي، فستكون الأفول الكامل للاقتصاد الأمريكي، كالقاطرة الدافعة والمتحكمة في الاقتصاد الدولي، وكذلك للدولار كعملة أساسية. محاولات وقف القاطرة الاقتصادية الأمريكية قبل أن تصل إلى الهاوية كثيرة، ولكنها كلها عمليات تسكين مؤقتة. وفي إطار التسكين، أعلنت عشرة مصارف دولية أمريكية وأوروبية كبيرة تأسيس صندوق يحتوي سبعين مليار دولار تستطيع الاستعانة به إذا ما واجهت خطر الحاجة إلى سيولة. ويفترض أن يزيد حجم هذا الصندوق مع انضمام أعضاء جدد إليه.
ويشير الاقتصاديون إلى أن هذا الإجراء يشابه محاولة إطفاء حريق غابة بكوب من الماء، فالمؤسسات المفلسة أو التي في طريقها إلى الإفلاس تواجه كل على حدة ديونا بمئات ملايير الدولارات.
إذا كان البيت الأبيض يدرك أن المؤسسات الأوروبية والغربية عامة، لا تستطيع أو لا تريد المخاطرة بضخ أموال أكثر لوقف ولو مؤقت لتدهور الوضع الاقتصادي الأمريكي، فإن إدارة بوش تراهن على قدرتها على إجبار دول الخليج العربي على المخاطرة بأموالها. وقد كشف مسؤول مصرفي بارز لصحيفة "الاقتصادية" عن احتمال استجابة مؤسسات مالية ومصرفية واستثمارية خليجية لشراء 1000 مليار دولار من أصول مخاطر القروض العقارية الأمريكية لمؤسستي "فاني ماي" و"فريدي ماك"، التي يتجاوز إجماليها خمسة آلاف مليار دولار على شكل قروض سكنية
وأفاد إلياس القصير المدير التنفيذي لشؤون الخزانة ومسؤول أسواق المال في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في بنك كاليون "كريدي أغريكول" الفرنسي، أن الحكومة الأمريكية تبحث عن تمويل هذه الخسائر في دول الشرق الأوسط ومنطقة آسيا. ولفت إلى أن بنوك المنطقة المتورطة في هذه الأزمة لم تتمكن من بيع كل أصول الرهن العقاري "فليس هناك مشترون لنحو 20 في المائة من قيمة خسائر الرهن لدى تلك البنوك"
في بداية القرن الحالي خسرت دول الخليج العربي أكثر من 620 مليار دولار من استثماراتها وتوظيفاتها المالية التي سعت بها لمساعدة الاقتصاد الأمريكي، ولكن دعوات الإنقاذ لم تتوقف وكل ما ضُيع من أموال العرب لم ينفع سوى في كسب أشهر للاقتصاد الأمريكي العليل. إن إلقاء مزيد من الأموال العربية في هوة الإفلاس الأمريكي، لن تنفع سوى في تأخير السقوط لفترة قصيرة، فقد حان موعد النهاية للامبراطورية.
كتب المؤرخ الأمريكي الشهير بول كنيدي: "إن القوة لدى امبراطورية ما ليست مطلقة أو متفردة بذاتها، وإنما هي مسألة نسبية، فلا يمكن قياس قوة أو ضعف دولة ما إلا بالنسبة إلى الدول الأخرى من ناحية، وبالنسبة إلى قوتها هي ذاتها في فترات مختلفة من تاريخها من ناحية أخرى". ويضيف: "إن الانتشار الزائد لامبراطورية خارج حدودها مع إنفاقها الزائد على قواها العسكرية للاحتفاظ بهذا الانتشار، بشكل يفوق معدل إنفاقها على الجوانب الداخلية الأخرى، من اقتصادية واجتماعية وعلمية وتعليمية، يؤدي مع الوقت إلى تفاقم الحالة الاقتصادية، ثم إلى انحسار القوة العظمى واضمحلالها وعودة الدولة إلى حجم الدولة الأصلي، أي نهاية وجودها الإمبراطوري".قال المقاول الكبير في المدينة الأمريكية‏: "أعتقد أن لدينا أرضية جديدة ونظيفة لنبدأ من جديد".‏ هذه الخطة تكمن في إزالة مجتمعات بأكملها واستبدالها بمساكن غالية الثمن ومشاريع أخرى تعود بالأرباح الكثيرة مثل بناء مدارس خاصة بدلا من إعادة بناء المدارس العامة المجانية وكل ذلك على حساب الفقراء الذين أجبروا على مغادرة المكان وترفض الحكومة عودتهم إليه‏.‏
تلك السياسة تقوم على نظرية رجل الاقتصاد الأمريكي ميلتون فريدمان الذي توفي عن عمر يناهز التسعينات وهي النظرية التي طرحها في كتابه "الرأسمالية والحرية‏"‏ ونشره عام‏1962‏ ويؤكد فيه أن "فقط الأزمات سواء حقيقية أو مصطنعة يمكنها أن تحقق تغييرا حقيقيا‏'.‏ المحافظون الجدد يقومون بهذا الدور اليوم وينفذون أجندة الشركات الكبرى والتي تقوم على ثلاث خطوات تعكس الجشع‏:‏
أولا: إزالة كل ما يتعلق بالقطاع العام
ثانيا: تحرير كامل لعمل الشركات
وثالثا‏:‏ خفض الإنفاق العام إلى أدنى مستوى بل واستبعاده تماما إن كان ممكنا‏.‏
تلك السياسة تؤدي بالضرورة إلى خلق طبقة قوية من رجال الأعمال الذين يشاركون طبقة من السياسيين الفاسدين. بين الطبقتين يمر خطوط هلامية وغير واضحة ففي روسيا ظهرت طبقة المليارديرات وفي الصين الأمراء وفي تشيلي‏ "البيرانهاس‏"‏ وفي أمريكا هناك الموالون لبوش وتشيني‏.‏
وفي كل تلك الدول تتشابه الخريطة‏:‏ فيتم تحويل ثروات ضخمة من المال العام إلى أياد خاصة ثم يتزايد الدين العام ليصل إلى مستويات غير مسبوقة فتوسع الفجوة بين الأثرياء ثراء فاحشا والفقراء المهددين بالاستغناء عنهم ثم تبدأ حملة للمزايدة على الشعور القومي مثل الدعوة إلى الحرب ضد الإرهاب والعالم التي أطلقها الرئيس الأمريكي بوش من أجل تبرير الإنفاق بلا حدود على الأمن‏.
التوقعات التي قدمتها نعومي كلاين كاتبة صحفية كندية ومخرجة أفلام وثائقية في كتاب نشرته قبل أشهر قليلة بعنوان "عقيدة الصدمة‏..‏ الرأسمالية الكارثة"‏ تصف فيه كيف يسيطر الليبراليون الجدد في واشنطن على العالم وكيف يفرضون رغباتهم على الدول من خلال استغلال التهديدات الإرهابية الموجهة ضد الأمن ومن خلال اختلاق الإضطرابات السياسية والاقتصادية أو مواكبة الكوارث الطبيعية وذلك بهدف نشر وتوسيع الخصخصة وتطبيق المزيد من السياسات التي تدعم حرية الأسواق تلك الأزمات من شأنها أن تترك المنطقة في حالة دمار كامل فتدخل الشركات في قلب المنطقة المنكوبة وتأخذ الأمور في يدها وتحولها إلى أحد كبرى المشاريع لحساب الأثرياء على حساب الفقراء‏.‏
أو أن تختلق الرأسمالية الكبري الأزمات مثلما حدث في بعض دول أمريكا اللاتينية فتثير الاضطرابات أو التمرد أو تؤجج الحروب ووسط الفوضي وبينما الشعوب في حالة عدم توازن تبدأ الشركات والمؤسسات الكبرى تتدخل لتسيطر وتحول الوضع لصالحها وصالح الرأسمالية بدون أية معارضة من الشعب‏.‏ تلك الرأسمالية تصفها كلاين بالكارثة لأنها تضحي بالشعوب من أجل الربح وتذكر كلاين مارجريت ثاتشر التي دعمت تلك السياسة في الثمانينات بقولها إنه‏:‏ ليس هناك بديل آخر‏.‏ ‏ المقال مقتبس : لحازم البيلاوي
لا تعليق بعدما كتب بالمقال وعلينا الانتظار ...الكاتبة وفاء عبد الكريم الزاغة