هَيْتَ لَكَ
... إلا أنه أصمَّ أذنيه، وأعمى ناظريه، وحال بجوره وجبروته بينه وبين بصيرته، فأعرض عن سبيل الخير ونهج المعروف، وأقبل على مسالك الشر واقتفاء أثر كل صنيع منكر يطلبه حثيثاً، ثم ما إن أغرق في غيه وطغيانه، حتى زين له عدوه سوء أقواله وخبث أفعاله ...
غير بعيد من هذا اليوم، كان قد أخذته العزة بالإثم، إذ جاء أمراً شنيعاً، وبالأمس سعى ظلماً وعدواناً في هدم وإتلاف ما جدَّ غيره بدمه وكدَّ بعرقه من أجل إرساء أساسه، وبقصد تشييده، واليوم أخذ ما ليس له بحق غصباً وقهراً ...
ثم ما إن حلَّ الليل، وقد انتهى كعادته خائباً بنفسه، التي دسَّاها، إلى جني ما اقترف وحصاد له فظيع، حتى صار جليساً لأم الخبائث وصاحبتها، هائماً بهما معاً ومتغزلاً، فتارة يحدث في ذروة سكره من هي في قنينة على يمينه مسكوبة، ويخاطب في سحابة من دخان كثيف تارة من هي في علبة على يساره مسحوبة ...
بعد أن سفك دم الساعة والساعتين، وأجهز على ما بقي من الزمن الذي يفصل العتمة عن الصبح، وبعد أن جاد على الغرفة، التي ضاقت به ذرعاً منذ أن احتلها غصباً، بحظ يومي أكرهها عليه من رائحة تزكم الأنوف، ودخان يعمي العيون، غادر مجلسه مترنحاً وقد عبثت المدامة برأسه، فأخذ يهذي بصوت مخمور إلى أن ألقى بنفسه على سرير عافه ومقته ...
في منامه رأى من تدعوه إليها مشتاقة بشهيق من نار، وبزفير من لهب تغريه بنفسها، ورأى نفسه يحث الخطى نحوها لاهثاً ليرتمي في حضنها، فانتهى به الحلم إلى أن أصبح من وقودها وهي تفور ...
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com