الأديبة والقاصة السورية لبنى ياسين: كل نص كتبته كان يشبهني
الأربعاء, 17 شباط 2010 00:2
تقف الكاتبة والقاصة السورية المعروفة لبنى ياسين بثقة لتكون بين الأسماء المعروفة في الوطن العربي .. تم اختيارها في قائمة نور الأدب لأفضل عشرة قاصين في القصة العربية..
أخذت قصتها «شارب زوجتي» شهرة عجيبة في كل مكان .. قال عنها الأديب أسامة أنور عكاشة :«القاصة لبنى محمود ياسين أدهشتني في أول مجموعة قصصية لها، تلك التي صدرت بعنوان «ضد الـتيـار»، والدهشة هي الانطباع الوحيد الذي يؤكد الجـدارة، فالأدب الجيـد هو الذي يدهش ويثير ذلك المزيج الساحر من التجاوب بالعقـل مع ما يلمس أوتار القلب، وهذا ما لمسته في قصص...» .. وقالت الكاتبة فتحية العسال : «تؤكـد لبنى أنها كاتـبة وأديـبة، صاحبة قــلم لـها أسلوب بارع، وأهم ما يميّـز هـذه الكاتبة هو انحيـازها إلى طبقـة البســطاء.. لذلك هي تأخذ من رحيـق الإنسان البسيط الطيـب وتغـزل فنـّـاً ..».. وقال الكاتب محفوظ عبد الرحمن: «التجربة الأولى دائما مأزق، فهي تعرّفنا إلى الناس، لكنها في الوقت ذاته تورطنا بصورة دائمة، ومن الصعب معرفة الكاتب من تجربته الأولى، إلا إذا كان مبدعاً حقا مثل لبنى ياسين».. وبالفعل، شكّل اسم لبنى ياسين علامة بارزة لأديبة واثقة تعرف طريقها وماذا تريد.. فماذا تقول هذه القاصة حول أدبها وكتاباتها وقصصها ..
> أبدأ من العناوين لمجموعاتك «ضد التيار» .. «طقوس متوحشة» ..«أنثى في قفص» .. هناك امتياز الانتقاء من جهة، والإخلاص للعنوان من جهة ثانية .. ربما الأقرب إلى ذهني الآن «طقوس متوحشة» فأنت فعلا تتنقلين بين طقوس متعددة .. العنوان ماذا يعني بالنسبة لك .. رغم تركيزك على ذلك في مقالاتك أيضا ، فهنا أنا أعني مجموعاتك؟؟..
>> العنوان هو البوابة التي قد تغري القارئ بالدخول إلى عالمي، وقد تنفّره إن لم أَهَبْ ذلك العنوان الاهتمام الكافي، لذلك أحاول ما استطعت أن يكون العنوان ملفتاً ومناسباً وجذاباً، وأن تكون بينه وبين المضمون علاقة قوية لا انفصال فيها. قد لا تصدق أن بعض قصصي تبقى دون عنوان لعدة أيام أحياناً، رغم أنني أكون قد أنهيت النص، وقد أغير العنوان في آخر لحظة قبل النشر. وكون عنوان مجموعتي الأخيرة لفت نظر كاتب مبدع مثلك، ودفعك للتساؤل، فهذا يجعلني أقول إنني نجحت إلى حد ما في ذلك، وأعتبر سؤالك شهادة لعنوان “طقوس متوحشة” بأنه كان جيداً بما فيه الكفاية ليشدك إليه.
> لن أسأل بشكل نمطي متدرج، لذلك أنتقل فوراً للقول: تعرفين أنّ فن القصة القصيرة جدا صار فنا قائما بذاته ، فلماذا أشعر وكأنك تُبقين هذا الفن تابعا للقصة القصيرة، حتى عندما تنشرين قصصك القصيرة جدا.. ما موقفك من القصة القصيرة جدا؟؟..
لا أستطيع تقبّل قصة من سطرين
>> أصبت تماماً، فرغم إعجابي بتلك الومضات المكثفة جداً التي تبرز الفكرة المطروحة في سطور، وتبرز قدرة كاتبها في تكثيف فكرته دون الإخلال فيها، إلا أنني ما زلت لا أستطيع أن أتقبل القصة القصيرة جداً على أنها فن مستقل عن القصة القصيرة، ذلك أنني- ولفترة قريبة - لم أقرأ كتاباً يحتوي قصصاً قصيرة جداً فقط لكاتب واحد، بينما حظيت بقراءة كــمّ كبير من جمل أقل من عادية أراد أصحابها الدخول إلى عالم الأدب من خلالها، معتقدين أنه فن سهل لا يتجاوز ترتيب جملتين وراء بعضهما ولعل هذا مما يحتسب على عيوب الشبكة العنكبوتية. ولأنني لا أستطيع أن أتقبل قصة من سطرين تقف وحدها في فضاء صفحة بيضاء كاملة، كطفل رضيع ينام وحده على سرير مَلَكِي واسع، فتبدأ القراءة في اللحظة نفسها التي تنهيها بها، وقبل أن تتمكن من التوغل في ذلك الطقس الجميل، ودون أن تغادر مكانك إلى تلك العوالم الساحرة، بينما أتقبلها أكثر إن كانت ضمن مجموعة من القصص القصيرة جداً التي تؤلف وحدة في الموضوع مثلاً ، «وهو الأسلوب الذي أتبعه أنا وبعض المبدعين في القصة القصيرة جداً»، أو كما في إحدى مجموعات الأديبة كوليت خوري، حيث كانت كل قصة من القصص القصيرة مسبوقة بقصة قصيرة جداً تحمل الفكرة نفسها، وتبدو كمقدمة منفصلة للقصة القصيرة التي تليها.. قد يختلف البعض معي، إلا أنه رأي شخصي لا يلزم أحداً غيري.
* في قصتك - إرهاب- تقولين :«سألت الأم، التي كانت تؤمن بالتطبيع كثيراً وبالسلام المبطن بالاستسلام، طفلها: ماذا ستصبح عندما تغدو كبيرا؟ أجاب : سأصبح إرهابيا» وفي قصتك - الله معي- تقولين «صرخ الطفل فزعا إذ قطع التيار الكهربائي في المنزل .. و غرق البيت في ظلام دامس ... هرعت الأم نحو مصدر صوته إذ تعذرت الرؤية قائلة : لا تخف يا صغيري .. اقرأ المعوذات .. أجاب الطفل : لا أتذكرها ... لكني أعرف أن الله معي». تكتبين القصة القصيرة جدا بتقنية مدهشة دون افتراق عن جو قصتك القصيرة دون «جدا» حيث المحافظة على الشاعرية والإيحاء والومض والأسلوب الأدبي العالي .. بصراحة قد يصعب هذا أحيانا ، فكيف وفّقت بين هذين الفنين في إطار المحافظة على السمات الفنية ذاتها ؟؟..
** لا أظن أن الأمر صعب دائماً، فكما تعلم كل ما يلزم هو استحضار الأدوات اللازمة لكل نوع.. التخلي عن التفاصيل والتركيز في الفكرة، والتجرد من المكان حيناً ومن الزمان أحياناً أخرى، والبقاء في الحدود الدنيا من الإمكانيات المتاحة للحوار المكثف في القصة القصيرة جداً. بينما يتطلب الأمر استحضار تلك التفاصيل وملاحقتها وإجادة استخدامها في خدمة النص عندما يتعلق الأمر بكتابة القصة القصيرة. وبأي حال، فالفكرة عندما تباغتك تحضر أدواتها معها، ونادراً ما تترك لك القرار، ذلك أن الديمقراطية ليست من طبع الأفكار الخلاقة التي تفرض حضورها وأدواتها ومفرداتها وأدق تفاصيلها على صاحبها.
* تقولين «أتبنى نظرية الكاتب الكبير توفيق الحكيم - الابتكار هو أن تكون أنت، أن تحقق نفسك، أن تسمعنا صوتك ونبرتك، أنت أعظم معجزة في الكون للخالق جل شأنه - ومن هنا أنا أحاول أن أكون نفسي فقط»... أسألك أيتها المبدعة المتألقة ، قلت هذا بعد صدور مجموعتك الأولى «ضد التيار» .. إجابة ذكية لماحة، الآن وبعد أن أضفت الجديد إلى مجموعتك الأولى، ماذا تقولين عن جوابك، وهل هناك جديد يعبر عن خطواتك الواثقة في عالم الأدب ....؟؟
>> كل نص كتبته بعدها، كان خطوة نحو رسم تفصيل آخر لقلمي يشبهني حد التطابق. والحقيقة أنني بدأت أشعر فعلاً بأن ملامحي في الكتابة أخذت لها شكلاً يستطيع من قرأ لي مسبقاً أن يحدد نصوصي، فرسائل القراء التي تردني تشي بذلك، وتمنحني شعوراً بأن صوتي الأدبي صارت له نبرة يستطيع تمييزها من قرأ شيئاً من نصوصي، هذا لا يعني أنني أكتب جزءاً من سيرتي الذاتية مثلاً، أو أنه يتسرب جزء مني عبر النص، إلا أنني - ربما - أعتني باللغة، وبالعوالم الداخلية للأبطال، وبالصراع الداخلي، بصورة أصبحت بعدها عاملا مشتركاً في أغلب ما أكتب.
> حبك للكاتبة الاستثنائية أحلام مستغانمي حب مبرر لأدب رفيع .. لكنك تتميزين بخصوصية التقسيم المقطعي، مع المحافظة على الشاعرية، وعلوّ السرد، مع فتح القصة على الاحتمال الدائم.. طبعا الكاتبة مستغانمي في رواياتها تمشي مع الحدث حتى آخره وبواقعيته.. لذلك هناك اختلاف بين أسلوبك وأسلوب مستغانمي... كان السؤال قد وجه لك في إحدى المقابلات عن التشابه.. أجد ذلك بعيدا عن واقع الحال.. طبعا كلا الأسلوبين رائع، لكن لكل خصوصيته.. ما رأيك؟؟..
لا أريد أن أقلد أحداً
>> هذا صحيح، كان السؤال يومها عن التشابه، ولم أرَ – رغم محبتي وإعجابي بقلم المبدعة أحلام مستغانمي- شبهاً بين قلمي وقلمها، لكنني لم أخفِ يومها، ولا حتى اليوم، إعجابي برواياتها وقلمها المبدع، ولغتها الساحرة التي تسرقك إلى عوالم تلك الروايات بأزمنتها وأمكنتها المختلفة، وتجعلك تشارك في أحداثها.. رغم ذلك، فأنا لا أريد أن أقلد أحداً، ولا أن أشبه آخر أو أخرى، أريد أن أكون نفسي فقط، وأن تكون لقلمي بصمة تميزه عن الأقلام الأخرى التي أحبها وأحترمها، وأظنني نجحت في ذلك إلى حد بعيد.
> قرأت قصة «خواطر» بل أصررتُ على قراءتها بتمعن ، فوقفت على قصة غاية في الروعة أسلوبا وهدفا ومحمولا وتوجها ودخولا في العمق الإنساني.. حين توضع هذه القصة ضمن منهاج دراسي أو أن يطرح السؤال حولها، فهي قصة راقية بكل المضامين.. سؤالي: لماذا نحرف الأدب عن طريقه ونجعله يبتعد عن حقيقته السامية، وليتك تحدثيننا عما أثارته هذه القصة الرائعة..؟؟..
>> سؤال جميل ويستحق الوقوف عنده، إلا أنني أعيد توجيه سؤالك هذا إلى الصحفي الذي كتب المقال واصفاً قصتي بأنها لا أخلاقية. وأظنه أولى مني بالإجابة عن ذلك.. وما حدث بخصوص ذلك أنني وجدت رسالة في البريد الإلكتروني من صديقة لي، تركت لي رابطاً لجريدة البيان الإماراتية، الرسالة مذيلة بسؤال عن الموضوع. ولما فتحت الرابط فوجئت بأن مفتش اللغة العربية، الذي لم أعرف اسمه حتى الآن، والذي يعمل في وزارة التربية في الإمارات العربية، معرّض للطرد بسبب قصة «خواطر» للكاتبة لبنى ياسين، التي أوردها في امتحان اللغة العربية للمرحلة الثانوية، وذلك من خلال ما نشرته جريدة البيان لصحفي لا أعرفه حول قصتي هذه التي كتبتها في بداياتي ككاتبة وقاصة، ووصفها بأنها غير أخلاقية!... وطبعاً كان بعض القراء يكتبون تعليقاتهم بناء على الوصف الوارد في ذلك المقال بأنها غير أخلاقية، مهاجمين مفتش اللغة العربية، وكاتبة القصة دون أي تحرٍّ لمصداقية الوصف، ومن ثم يكملون هجومهم على منهاج اللغة العربية الذي يتضمن قصة شجرة الدر، وفيها مواقف غير مناسبة، من وصل وغزل لا يناسب الفئة العمرية.
إزاء ذلك ما كان مني إلا أن راسلت الجريدة مطالبة بوضع القصة كما هي على أقل تقدير، لأن كلمة «لا أخلاقية» تحمل مفهوماً مسيئاً لي دون حق في ذلك، إلا أن الجريدة – للأسف - لم ترد عليّ وقتها.. بل – ومما يؤسف له - أنه لم يمض ِ وقت طويل حتى أوردت جريدة البيان نفسها مرة أخرى مقالاً ثانياً كان الحديث فيه عن المناهج غير المدروسة للغة العربية، معيدة ذكر حادثة المفتش وقصة «خواطر»، لتوصف مرة أخرى بأنها «غير أخلاقية».
وللحقيقة، فإن كثيراً من الإخوة الكتاب والمبدعين وقفوا معي، حتى أن منهم من اقترح عليّ رفع دعوى قضائية على الجريدة متعهداً بالوقوف معي حتى آخر لحظة، لكنني وجدت في وقوف الزملاء وتصديهم للجريدة رداً كافياً، فأنا أعلم بأخلاقية قلمي، ومن يشكك به ليس عليه سوى أن يضع اسمي في أي محرك بحث ، أو يدخل إلى موقعي الشخصي، وليختر نصوصاً عشوائية، ومن بينها تلك القصة التي وصفت بأنها غير أخلاقية، ثم ليحكم بنفسه.
> نعيش اعوجاجا في التقييم .. صرنا في هذا العصر بين المطرقة والسندان، والغريب أن تلجأ هذه الصحيفة أو تلك إلى الهجوم على الكاتب دون الوقوف على أبعاد الموضوع.. هل يشي ذلك بانهيار ما، أم أن الأنثى المبدعة تبدو مقلقة في وطننا العربي؟؟.
لا تشكل الأنثى قلقاً أو تهديداً
>> لا أعتقد أن الأنثى المبدعة تشكل تهديداً أو قلقاً، الأمر أننا انتقاديون بطبعنا، نحب أن نبحث في الجوانب المظلمة، وإن لم نجدها نخترعها اختراعاً، فأنا مثلاً لو أن أحداً سألني رأيي، أو طلب مني ترشيح قصة لتلك الفئة العمرية التي ما زالت في المرحلة الثانوية، لما رشحت «خواطر»... ولكن لسبب مختلف، فقصة «خواطر» تتحدث عن عجوز متصابٍ ينتقد زوجته بينه وبين نفسه، كأنما السنون مرت عليها وحدها، ونسيته في غمرة انشغالها فبقي شاباً، إلا أنه في النهاية يكتشف أنه عجوز أيضاً، وذلك عندما يتشنج ظهره فتهرع زوجته الطيبة لمساعدته بمحبة.. ولأن مرحلة الشيخوخة ما تزال بعيدة عن طلاب الثانوية فإنني لم أكن لأرشحها لهم . بينما هناك قصص أخرى تلامس اهتماماتهم بشكل أكبر، ولو انتقدت القصة من هذا الجانب لكنت أول الموافقات على ذلك النقد، لكن الملفت للنظر، والمؤسف، أن أحداً من القراء لم يفكر في قراءة القصة.. فقط كل واحد منهم هاجمها هكذا دون معرفة أو علم بمحتوياتها، بناء على الوصف الذي جاء في المقال.
> قصصك متأثرة، بل معجونة، بأريج الشعر، حتى مقالاتك تأبى أن تبرح الشعر، هنا أحب أن أسأل عن تأثير والدك الشاعر محمود ياسين على حركة القلم والإبداع والذات ؟؟..
>> لا شك أن لوالدي - حفظه الله - تأثيراً كبيراً عليّ، وفضلاً عظيماً، فهو من رعاني ووجهني، وهو من ساعدني على اكتشاف موهبتي، وهو من وجهني للقراءة واختار لي، هو أيضا أول من قرأ نصوصي وأعطاني ثقة بقلمي، وكان يعطيني أشعاره وكتاباته فأقرؤها، ويسألني عن رأيي فيها، إمعاناً منه في توجيهي إلى تذوقٍ متميز للكلمة... وأهم من كل ذلك أنه كان يطلب مني ألا أقيد قلمي بأي شيء لا أؤمن به، وأن خطوطي الحمراء أضعها أنا، ولا يفرضها أحد عليّ لكي تكون الكلمة صادقة بما يكفي للوصول إلى قلب القارئ.وما زال أبي حتى الآن أول من يقرأ نصوصي.
> دعيني أدخل هنا في جو آخر يتعلق بالنجومية، أنت معروفة بشكل واسع في الوطن العربي، وقد تم اختيارك ضمن قائمة نور الأدب للكتاب العشر الأفضل في الوطن العربي.. رغم ذلك ومع أنك كاتبة سورية فأنت غير معروفة في سورية كما أنت معروفة في بقية بلدان الوطن العربي.. لماذا وماذا عن اختيارك؟؟..
>> اختياري ضمن قائمة «نجوم الثقافة العربية لعام 2009» كان مفاجأة جميلة، أسعدتني كثيراً، خاصة مع اقتران اسمي بأسماء أدباء هم في طليعة الأدباء العرب، وكان ذلك شرفاً كبيراً لي... لكن بالفعل كما قلت، لست معروفة تماماً في سورية لعدة أسباب، أولها أن مجموعاتي القصصية الثلاث طبعت ونشرت خارج سورية، وثانيها: أنني أعمل عضو هيئة تحرير في مجلة سعودية، وليست سورية، وهي لا تصل إلى سورية، وثالثها أن الأدباء والكتاب السوريين المقيمين في سورية لا يدخلون الشبكة العنكبوتية بنفس الحجم الذي ندخله نحن الذين نسكن خارج حدود الوطن، أو على الأقل الشبكة العنكبوتية لا تعتبر بالنسبة لهم مصدراً هاماً للقراءة، بقدر ما هي للنشر، فهم على تواصل مباشر مع الوسط الأدبي، يجتمعون في أمسيات قصصية، ومناسبات أدبية، على خلاف ما يحدث مع الأقلام المهاجرة. أخطط الآن لطباعة مجموعتي القصصية الرابعة وروايتي - وهما جاهزتان تقريباً - في سورية لردم هذه الهوّة بيني وبين القراء والأدباء في وطني.
> أقترب من مجموعتك «أنثى في قفص» الصادرة عام 2006 .. في قصة «أنثى في قفص» مقاطع شعرية وتفتيت للحدث وتداخل مع «يحكى أنّ» و«قالوا» ثم تنقّل سريع بين حالات متعددة ونهاية تقول «وقالوا إنني عندما جاء دوري لأمثّل دور سندريلا ... لبست حذائي بإحكام... و حرصت على ألا أفقده... وهكذا... لم يبحث عني أحد....أي أحد».. ماذا عن هذه الأجواء المتعددة، هنا انزياح عن النمط المتعارف عليه لكن ببراعة، جعل الصور المبعثرة زمنيا تاريخا صحيحا، حين نؤلف في الذهن ترتيبا افتراضيا للسرد، الإدهاش من خلال إفراغ ما علق بالذهن، والمثال إضافة إلى ما سبقه، المقطع الخاص بسندريلا في كسره للمتوقع حسب الموروث الذهني، فسندريلا هنا لم يبحث عنها لا الأمير ولا الخفير !!.. ؟؟..
>> كنت - من خلال تلك النصوص المجهرية المتلاحقة - أبحث عن طريقة أوجز فيها خيبات المرأة، فهي تولد كما أي إنسان معجونة بحرية خالصة، إلا أنها تتساقط منها شيئاً فشيئاً، لترتدي بدلاً منها في كل مرة قيداً آخر يضاف إلى مجموعة قيودها.
وأرى أن نصوص «أنثى في قفص» هي سيرة ذاتية مكثفة لكل امرأة، سيرة لا تُعنى بالتفاصيل والملامح، ولا بأشكال الخيبات التي تتوالى، ولا بتفاصيل الزمان والمكان، ولا بالأسماء... إنما هي سيرة من سطور لامرأة تشبه كل النساء.
> مجموعتك الأولى «ضدّ التيار» صدرت في العام 2004 .. والثانية «أنثى في قفص» 2006 .. والثالثة «طقوس متوحشة» 2007.... لا أستطيع هنا أن أدخل في صلب المجموعة الأخيرة فلم أقرأها.. لكن من العنوان : هل كانت الطقوس طقوس كتابة، أم كانت طقوسا متناغمة مع الموروث وفي أجواء سحرية ؟؟..
>> الحقيقة أنها كانت طقوساً قصصية، بمعنى، أنها تخص القصص التي في المجموعة، فكلمة «طقوس» أوردتها في عدة قصص من تلك المجموعة، كما قال الناقد والكاتب السعودي محمد البشير في دراسة عنها، و عنوان إحدى تلك القصص كان «طقوس متوحشة»..
/وصلتني المجموعة من الأديبة لبنى ياسين حديثا وسأحاول الكتابة عنها بعد قراءتها /..
> أنت خريجة كلية العلوم، ولك دراسات علمية.. لكنك تجمحين بل تحلقين بخيالك قصصيا، ما يجعل شخصياتك ذات حركة دائبة عالية الوتيرة.. هل استفادت القصة بشيء من أجواء دراستك..؟؟.. كيف جمعت بين متناقضين؟؟.
>> سأبدأ بالإجابة عن الجزء الثاني من سؤالك، تفترض بعض الدراسات أنّ لنصفي الدماغ في الإنسان وظائف مختلفة ومتشابكة في آن واحد، حيث يختص جزء بالخيال والصفات التي تصحبه، بينما يختص الآخر بالتفكير المنطقي والرياضي وما يصاحب. وتتغلب صفات النصف الذي يستخدمه الإنسان أكثر من الآخر على صاحبه، وفي اختبارات لمعرفة أي نصف أستخدمه تبين أنني استخدم النصفين بشكل متساوٍ، وهناك الكثير من الأشخاص يتمتعون بالميزة نفسها إن صح تسميتها كذلك، مما يفسر حبي للرياضيات والفيزياء، والرسم والنحت والكتابة في آن واحد، ومما يفسر وجود أطباء مثلاً اشُتهروا في الفن التشكيلي والشعر وغيره.
أما عن إفادة القصة من دراستي، فكما تعرف الدراسات العلمية تحثّ العقل على التحليل والتركيب والربط والتفسير والبحث عن النتائج أكثر من غيرها من الدراسات، وربما خدم ذلك صيرورة القصة بطريقة أو بأخرى، وربما لا، وبصراحة.. أنا نفسي لا أستطيع أن أحدد ذلك.
> قصتك «موت صابر» تخرج قليلا عن تلك الريشة التي كثيرا ما تضربين بها اللوحة بهذا اللون أو ذاك ، ضربات سريعة مؤثرة شديدة التنقل.. في هذه القصة تمشين مع نمط السرد المتعارف عليه، طبعا، دون التخلي عن أسلوبك المميز.. كأنك تكتبين مرثاة لكل شيء حتى ليشعر المرء بقشعريرة تسري في بدنه وهو يرى عائلة صابر من أم وزوجة وبنات.. هناك أنسنة حتى للجدران التي تكاد تحتضنه وهي تسنده.. هناك أحلام مهزومة.. وسيارة تكون حلما وسكينا يذبح صابر والنهاية تقول : «بعدها أمسك صابر بيد أبيه و سار معه في اتجاه ما ليس من الاتجاهات الأربعة التي نعرفها... فتح أبوه باباً فإذا وراءه نور شديد أعمى عيني صابر فلم يعد يرى أو يسمع ولم يعد يشعر بأي شيء.. وهكذا مات صابر».. أرجو أن تحدثينا عن هوية هذه القصة الجميلة ؟؟.
جربت التورط في حب البطل والتعاطف معه
>> القصة من قصص البدايات.. عندما كتبت هذه القصة كنت مستغرقة تماماً في طقوس الكتابة، وكانت تملي نفسها دون عناء، وأظنني يومها – وبعد أن انتهيت من كتابة القصة وقرأتها - عرفت تماماً أنني سأكون قاصة، رغم أنها لم تكن أولى قصصي، ويومها أيضاً جربت التورط في حب البطل والتعاطف معه، والرثاء له كما لو كان شخصاً حقيقياً من لحم ودم، وجربت ملازمة البطل لي بعد انتهاء القصة..
> هل تتورطين عادة مع أبطالك معايشة ومشاعر أم تبقين على مسافة ما..؟؟
>> ليس تماماً عندما أتحدث عن القصة القصيرة، باستثناء قصة «موت صابر»، أما عندما كتبت الرواية، فقد تحول البطل إلى شخص ملازم لي، يفكر معي، ويأكل ويشرب معي، ويشاكسني، ويعاتبني، وأظنه ظل عاتباً حتى اليوم، وتورطت أنا في مشاعره، فكانت خيباته وأحزانه تعشش في قلبي، وحتى عندما عدت إلى مراجعة الرواية بعد غيبة عنها، شعرت به كما لو كان يقفز من بين السطور مرحباً بعودتي.
> كنتِ قد أخبرتني عن هذه الرواية التي ستصدر بعد حين .. هل تحبين الحديث عنها..؟؟
>> كل ما أستطيع قوله - بعد ما سبق وقلته في أجوبة سابقة - أنني بدأت بكتابة ثلاث روايات في أوقات متباينة، أولاها قبل صدور مجموعتي الأولى، لكنني تركتها جميعاً في منتصف الطريق، بعد أن أنهيت ما يقارب الأربعين صفحة في إحداها، وما يزيد عن الخمسين في أخرى، والثالثة لم أعد أذكر، ذلك أنني شعرت أثناء كتابتي بأنها ليست ما أفكر فيه كرواية أولى تحمل اسمي، وقد أعيد النظر في تلك الروايات وأكملها لاحقاً، لكن الآن أنا مشغولة فقط بأمر روايتي الأولى التي ستنشر قريبا بإذن الله.
> تواصلك مع القراء واسع وشديد الثراء.. قلة هم الكتاب الذين يحظون بهذا، أقصد عربيا. برأيك: لماذا ينصرف القارئ العربي عن متابعة ما ينشر، وكيف كسرت هذه القاعدة، وماذا شكّل لك هذا؟؟..
>> القارئ عادة يهتم بما يجذبه، فمحبو السرد يبحثون عن القصة، والرواية، ومحبو الشعر يبحثون عنه، وربما ما شد القارئ في القصة اهتمامي بالحالات الإنسانية، والصراع الداخلي، وتوصيف المشاعر بشكل يصبح القارئ قادراً على الشعور بها، بينما مقالاتي الساخرة تحظى بجمهور واسع لأنها تترجم وتدغدغ مشاعرهم المكبوتة غالباً لأكثر من سبب، وتلامس واقعهم بشكل كبير، وهو ما تؤكده كثرة رسائلهم التي تردني من كل مكان رداً على هذا المقال أو ذاك.
فعلى سبيل المثال، «شارب زوجتي» وهو مقال قصصي ساخر، خرجت ملكيته من يدي، وإن وضعت اسمه على جوجل لهالك عدد المواقع التي نشر بها سواء باسمي، أو دون اسم، أو حتى باسم آخر لا يمت لي بصلة.
كما أن قصة «تجيء ويغضي القمر»، أرسل لي الكثيرون رسائل تعازي ومواساة، وكانوا يصابون بالدهشة ويعتذرون عندما أرد بأن والدتي -حفظها الله - على قيد الحياة وتنعم بالصحة والعافية، وجزم أكثر من قرأ « وأزهر الياسمين» أنها سيرة ذاتية، وأيضا انتشرت في المواقع بطريقة غريبة، وبأسماء مختلفة، والأطرف عندما أرسلت لي إحدى القارئات أنها كانت قد قرأت القصة في مكان آخر، وباسم كاتبة أخرى واحتفظت بها، وتذكرتها يوم أن رأتها ثانية باسمي.
> الكاتبة الأنثى عربيا تكون في قمة العطاء قبل الزواج، ثم تتراجع كتاباتها ونتاجها بعد الزواج ، وهذا يختلف بالنسبة للرجل عندنا.. كيف استطعت أن تحافظي على حضورك وألقك دون تراخٍ؟؟
كان اللون شغفي الأول
>> ما حدث معي كان مختلفاً تماماً، فقبل الزواج كنت أركز على الرسم والنحت، وحضور المعارض، وكان اللون شغفي، والقلم يقبع خلف الريشة لأتذكره بين الفينة والأخرى، رغم أنني لم أتوقف يوماً عن الكتابة أو النشر، ثم صار صعباً عليّ أن أتابع ممارسة الفن التشكيلي بعد الزواج، فالرسم يحتاج إلى مكان مخصص، وكذلك النحت، فكان أن ظهر القلم جلياً في تلك الفترة، ولا بد أن أذكر أن شخصية زوجي الإيجابية، ومساندته لي لعبت دوراً هاماً في نجاحي.
ومع ذلك، فمجموعتي الأولى تأخرت خمس سنوات عن موعد ولادتها الحقيقية، ومجموعتي التي أنوي طباعتها الآن متأخرة حوالي سنتين.
والحقيقة أنني كثيراً ما أخجل لكثرة ما أعتذر عن لقاء، أو قراءة، أو مشاركة، بسبب ضيق الوقت... كيف يتوقع لزوجة، وأم، وصحفية، تحاول جهدها أن تلتزم بكل مسؤولياتها، أن تجد وقتاً للتواصل، والقراءة، والتعليق، والنشر، والتقييم وغيرها، وأحياناً يسبب اعتذاري فهماً خاطئاً لدى الآخر، فيرجعه للغرور والترفع.
> أخيرا، ماذا تقول لبنى ياسين عن لبنى ياسين حاضرا ومستقبلا..؟
>> لبنى ياسين ما زالت تبحث عن ملامح أخرى لقلمها، وتبحث عن مكان صغير فوق سطح هذا الكون الكبير، بينما يحلم قلمها بمكان كبير يحاول جاهداً أن يستحقه.
حوار: طلعت سقيرق
http://www.albaathmedia.sy/index.php...-11&Itemid=174