النبي شعيب عليه السلامبقلم الأستاذ مجد طرودي
هو ابن ضاغثون بن عيقا بن يافت بن مدين بن ابراهيم الخليل بن برثيا إبنة لوط عليه السلام. ومنها نشأت قبيلة العمالقة وقبيلة مدين وأصحاب الأيكة.
أما تسميته "شعيباً" فقد ورد في القرآن الكريم، وفي كتاب عمدة العارفين للأشرفاني وإنما سُمي شعيباً لأن والده سلام الله عليه لما رزقه كان يدعو لربه: إلهي وسيدي إنك قد اكثرت عليّ الشعوب والقبائل بأرض مدين، فبارك لي في شعبي هذا "يعني ولده"، فرأى في منامه "أن الله عز وجل بارك لك في شعبك هذا"، ومن هنا جاء الإسم تصغيراً لكلمة شعب العربية.
ولقد ذُكر النبي شعيب (ع) في الكتب المنزلة، وجاء على لسان الأنبياء والمرسلين، وذُكر في القرآن عشر مرّات : في سورة الأعراف في الأيات 92-90-88-85. وفي سورة هود في الآيات: 95-90-87-84 وفي الآية 177 من سورة الشعراء وفي الآية 36 من سورة العنكبوت.
كذلك جاء ذكر النبي الكريم شعيب (ع) في التوراة في سفر الخروج (שמות) الإصحاح الثاني (فصول 19-16) ولكن دعي بإسم آخر هو يترو او يترون حيث جاء :"وكان لكاهن مدين سبع بنات، فلما أتين الى رعوئيل أبيهن (ولكن هذا الإسم يتغيّر في الإصحاح الثالث 6-2): أما موسى فكان يرعى غنم يترو... ومن هنا نرى ان الإسم رعوئيل أصبح يترو وتفسير ذلك كما جاء في مجلة الهدى العدد الرابع سنة 1972 ان الإسم رعوئيل هو اسم مركب من רע-אל ويعني صديق الله... أما الاسم يترو فقد لُقب به نبي الله شعيب عندما أجار موسى الهارب من وجه فرعون مصر، وقام بتزويجه من تسبورة مما زاد من قدره وسُمي يترو او يترون وكلا الإسمين جاء יותר او יתרון اي ذو الفضل او صاحب الفضل.
وقد ورد اسم شعيب في التوراة وتحت عدة أسماء منها حوباب، حبير القيني ويتيئيل الى رعوئيل ويترو ويترون أما في السريانية فيدعى ثابور.
جاء في كتاب عمدة العارفين للمرحوم الشيخ محمد الأشرفاني :"وكان قومه كفّاراً يعبثون بالميزان والكيل، ولهم عشرون صنماً من الفضة والنحاس والحديد والحجر والخشب، وكانوا يعبدونها من دون الله عز وجل، وكان أهل مدين اصحاب تجارات يشترون الحنطة وغيرها من الحبوب وقومه هم شعب مدين بن ابراهيم الخليل (ع)، ويعبّر عنهم في التوراة "بمديان" وأما مكانهم فقد كان نزولاً في بلاد الحجاز مما يلي الشام.
كان أهل مدين في عيش رغيد، وكيف لا وهم أهل تجارة، وكانوا يعبدون غير الله تعالى يفعلون الشرور ولا يكفّون. فكانوا يطففون الكيل والميزان، ويماكسون الناس في سلعهم إرادة شرائها بثمن بخس. وكان شعيب (ع) ينهاهم عن كل ذلك ويحذرهم باسم الله تعالى فأنكروا عليه ما جاء به أشد الإنكار، وهو دائب على نصحهم وهدايتهم.
ويسمّيه المفسّرون:" خطيب الأنبياء"وذلك لحسن مراجعة قومه وبراعته في إقامة الحجة عليهم ودحض حججهم، وقد جاء ببيّنة من ربه على صدقه فيما يدعو إليه، غير ان الله تعالى لم يذكر في الكتاب (القرآن" هذه البينة.
وقد تنوّعت أقوال المفسّرين فيها بما لا برهان لهم به – فالأولى التسليم لعلم الله تعالى. وقد كان أهل مدين يقعدون على الطرق يرصدون الذين يأتون الى شعيب(ع) ليصدّوهم عن الدين ويعيبون طريقته، ويتهددون ويتوعّدون من آمن بشعيب. ويبغون سبيل الله عوجاء... ولعل البيّنة المقصودة هي الطريق الواضحة المقبولة في العقل وهي شريعة من الله أتاهم بها. وقد جهدوا جهدهم في إبطال دعوى شعيب فقد كانوا يقولون (يا شعيب لا نفقه كثيراً مما تقول) ويحتقرون شأنه بقولهم (وإنا لنراك فينا ضعيفاً) ظناً أن القوة ميزان الصدق في القول، وهو ضلال منهم لم يتهددونه بقولهم (ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز).
ولما أحرج شعيب قومه بدعائهم إلى ما لا يريدون من الإيمان بالله، وحسن المعاملة والإستقامة على الجادة. اجتمع ملأ قومه وهددوه هو والذين آمنوا، بإخراجهم من القرية اذا لم يدخلوا في دين قومهم.
فراجعهم بقوله :"أو لو كنا كارهون؟إنّا نكون قد افترينا على الله كذباً إن عدنا في ملتكم ودينكم بعد ان نجّانا الله منها بالهداية الى اقوم السبل، وأن نعود الى ملتكم ليس بملكنا، ولكن ذلك يكون اذا أراد الله خذلاننا وإبعادنا عمّا جاءنا به من الحق، وهذا ما لا سبيل لنا الى علمه، وإنما يعلمه الله الذي وسع كل شيء علماً وهو الذي نتوكّل عليه. وقال الملأ من قوم شعيب يحذرون الجمهور الوقوع في دين شعيب قائلين :"لئن اتبعتم شعيباً إنكم اذاً خاسرون".. لأنه يمنعكم من التطفيف في الكيل والميزان وهذا مما يزيد في ثروتكم، وعجبوا كيف كان ينهاهم عن عبادة ما كان أباؤهم يعبدونه؟ وكيف يأمرهم بالعدل في الكيل والميزان وينهاهم ان يفعلوا في أموالهم بحسب أهوائهم وما يشتهون. وعابوا عليه صلاته التي تأمره بذلك وتهكّموا به قائلين :" أئنك لأنت الحليم الرشيد".
ورغم كل ذلك بقي يراجعهم ويقيم الحجة عليهم إلى ان أذن الله بهلاكهم فأخذتهم الرجفة وهي الزلزال فبادوا عن بكرة أبيهم كأنهم ما كانوا في تلك الأرض.
وبعد ان فرغ الله من أهل مدين ونجّى شعيبا والذين آمنوا معه، أرسله الله الى أصحاب الأيكة – وهي غيضة (مجتمع الشجر في قليل من الماء) تنبت ناعم الشجر، كانت بقرب مدين تسكنها طائفة من عباد الله. قيل كانوا بادية مدين، وكان شعيب أجنبياً منهم. وكانوا على طريقة أهل مدين فلما نهاهم عمّا هم فيه قالوا :"إنما انت من المسحرين وما أنت إلا بشر مثلنا وإنا نظنك لمن الكافرين: ظناً منهم ان الله لا يرسل الى البشر هداة منهم، جهلا بأن الله أعلم حيث يجعل رسالته. وكان من شدة حماقتهم ان طلبوا من شعيب (ع) ان يسقط عليهم كسفاً من الماء- اي قطعة منها- ان كان من الصادقين. ولشدّة جهلهم لم يطلبوا الهداية الحق، فأخذهم عذاب يوم الظلة (ما يستظل به من الحر والبرد) بأن سلط عليهم الحر سبعة ايام حتى غلت مياههم، ثم ساق اليهم غمامة فاجتمعوا للإستظلال بها من وهج الشمس، فأمطرت عليهم ناراً فاحترقوا. وإلى ذلك الإشارة في قوله تعالى (إنه كان عذاب يوم عظيم)، ونجى الله شعيباً ومن معه من هول ذلك اليوم.
وسار شعيب (ع) بأتباعه شمالاً مستمراً في نشر رسالة التوحيد حتى وصل الى قرية حطين وهناك دعا أهلها الى الخير والصلاح والايمان بالله الواحد، لكنهم أبوا واستكبروا، فخرج من بينهم فزلزلت الأرض وتفجّر بركان هائل دمّر عليهم بيوتهم فماتوا أجمعين ولا تزال فوهة البركان ظاهرة للعيان في الجهة الجنوبية من المقام المدعوة اليوم بقرون حطين (קרני חטים) . وقد توفي نبي الله شعيب ودُفن في سفح الجبل الجنوبي بالقرب من مجرى الوادي الذي يصبّ في سهل حطين نحو طبريا.
والله اعلم