السلام عليكم
اسم لاح من فترة غير قليلة عبر المواقع العربية على معظمها :
أبو شامة المغربي
ليتحول بعدها للاسم الحقيقي: عبد الفتاح افكوح.
لقد ترك ظلا كبيرا لايستهان به,ظهر بطلته الحازمة الهادئة الرصينة , يفتح الآفاق بلقاءاته للأدباء , وأسئلة مطروحة غاية في العمق والدراية في فكر وأدب من يحاور, وكانه غاص فعلا وعن قرب في عقل وقلب الأديب, إنما هي مهارة وموهبة فذة حقيقة, تفرد بها وحده.
اسم لم نعرف منه سوى إنتاجه ولم نتعرف إلا على حروفه اللافتة ,يأتي متعجلا , ويمضي مجهول القسمات والتفاصيل , ليس له آثار خلافية ولا مشاكسات .ياتي بهدوء ويمضي كذلك.
قلم متفرد وبصمة مؤثرة بقوة. والغريب أن أحدا ما لم يحدث نفسه بدراسة لنصوصه او الاقتراب من سياج جهده بجهد مقابل ! على الأقل عرفانا بما قدم ويقدم ! وبرغم ما يتميز به من خصوصية تفتح الشهية لولوجها بشكل ما .
وأنا لاأضع نفسي مكان النقد إنما نظرة موضوعية لقارئ عادي وماذا يرى من خلال تلك النافذة اللافتة.
*******
نصوص الأديب عبد الفتاح أفكوح خاصة جداجدا ذلك انها تبدأ مفتوحة وتنتهي بشبه مقفلة وهي هنا تخالف معظم إن لم نقل جميع مسارات أدباء القصة ,والتي تبدأ بتحديد ملامح النص تدريجيا حتى نصل للنهاية المفتوحة وهذا خط سير اتبعه معظم الكتاب ورواد القص الحديث.
نستعرض آخر نص للأستاذ عبد الفتاح لنرى الكيفية التي يلح بها إلى ذهن القارئ:
صَفَاءٌ
... وأخيراً خلص إليها وخلصت إليه، ثم إنها بقدر ما جدت في السعي إليه مذ خبرته، لم يكن هو الآخر أقل شوقاً منها إلى ما بادرت إليه قاصدة، إذ ألمت جيداً بالذي أحاط به، وفقِه بوضوح تامٍّ ما ألمَّ بها عندما كانت تعد الأيام عدَّا، وتحصي الليالي جمعاً وفرداً ...
لم يكن نأي أحدهما عن الثاني بالأمر الهين، بل إنه لم يكن من قبيل ما يُنسى أو يُمحى من الذاكرة، ولا هو من طينة ما يرمى بحركة بسيطة وراء الظهر، وإنما كان تجربة قاهرة، ووشماً ظل يلوح لهما معاً من بعيد، وزفرة يتيمة متبادلة بين الإثنين تخالط أنفاسهما، وعلى رثاء حالهما تبعثهما بعثاً شديداً ...
اتخذا الشجن العميق جليساً لهما وأنيساً في غربتهما العنيدة القاسية، حتى إذا لقيها ولقيته، نظر كل منهما إلى صاحبه في ذهول، فلفهما السكون من كل جانب، وما عادت مسامعهما تلتقط سوى نبضات فؤادهما السريعة المتلاحقة، فسال الدمع غزيراً على خديهما، وشاد اللقاء فوق جبينهما إشراقة، سرعان ما أضاءت ما حولهما،
فإذا بذكرياتهما تنبعث من مرقدها مباركة مهنئة،
وتحلق رشيقة كالفراشات في سماء مقامتهما الباهرة ... :
http://www.omferas.com/vb/showthread.php?t=23487
************
هنا يبدأ ببداية محددة على غرار نصوصه المعتادة والتي تبدأ وكأن النص اقتطع من رواية كاملة ليقدم لنا نتفا منها ك
مثا قصة سرطان:
سَرَطَانٌ
... حتى إذا تمكن من إسقاط أحدهم في حبائله القذرة، نكل به، ومثل بجثته بعد الإجهاز عليه بدم له يغلي في عروقه حقداً وكرهاً، وبأنفاس تفور عداوة وبغضاً، فهذه غاية يتيمة في حياته لا ثانية لها ولا نظير، وهي منتهى ما يطمح إليه منذ أن شبَّ،
وغاية ما يحلم به في اليقظة والمنام كلما أصبح وأمسى، بل إنه لم يعد يميز بينها وبين نبضات قلبه الأقسى من الحجارة، وقد خالطت ما يجري في ذهنه من شرور، وأخذت تباري حركاته الغادرة وسكناته المتربصة، وتسابق أنفاسه النتنة عند كل شهيق له وزفير ...
الطفل الرضيع في عرفه مقتول لا محالة حتى يثبت قتل الشيخ الكبير أمام عينيه، والطفلة الرضيعة موءودة في حكمه حتى يعاين بنفسه المرأة العجوز جسداً هامداً بلا حراك، وكل حيٍّ سواه لا يستحق الحياة في رأيه، ولا يجدر به غير التلاشي والفناء ...
كثيراً ما نظر إلى وجهه المعتم الدامس في المرآة طلباً لما عز عليه الظفر به، ورغبة في الذي شق عليه إدراكه والفوز به، ثمَّ إنه لم يدَّخر جهداً طوال حياته لبث الرعب والرهبة في القلوب المطمئنة الآمنة، ولم يبخل في السعي إلى تحقيق مآربه الخبيثة الدنيئة ...
لا أحد ممن خبروه بالأمس أقام له وزناً، ولا أحد ممن يعرفونه حق المعرفة اليوم يحفظ له اسماً، وليس فيهم جميعاً إلاَّ من استعجل الخلاص منه إلى الأبد، وسأل القاهر الجبار بإلحاح أن يختم له بسوء المصرع، ويريه فيه وفي أمثال أمثاله يوماً أسوداً ...
*********
http://www.omferas.com/vb/showthread.php?t=23489
*******
بدات القصة الثانية بكلمة حتى إذا...ليتساءل القارئ ماذا قبل حتى؟ ولم بدأناها هكذا؟ فإذا هو يتعمد أسلوب إثارة القارئ من البداية لجذبه عنوة للنص ,وشده ليدخل ويقرأ ولكن ماذا يريد ان يقول بعدها؟؟؟
هنا يجسد الأديب عبد الفتاح /قصة/السرطان/ مخلوقا شرسا عنيدا متوحشا يريد ان يجهز على الضحية مهما كانت وكيفما كانت, ويرواح بين محسوسية مرض السرطان وكانه كائن حقيقي , وضمنية الفكرة حتى يصل إلى النهاية والتي هي ليست نهاية بقدر ماهي بداية ومتوالية لضحايا من جديد.
ختمت القصة بطريقة مفتوحة ,كما بدأت ولكن السؤال هنا:
ماذا يريد أن يقدم لنا الأديب عبد الفتاحوماذا يريد ان يقول سوى انه مرض لايرحم؟ لم نجد نصحا ولا فكرة جديدة إنما ألجأنا للوصف وتجسيده بالوحشية الغادرة والدموية , دوما حركية نصه ودفقها الشعوري الساخن يدفعنا للأعمق والبحث عنه ولكن أين سيكون؟, متى سينعطف الأديب عبد الفتاح ليلج عالم القصة من اوسع أبوابه؟؟؟ ويكتب لنا نصا طويلا يحكي فيها معاناة عامة او امر يخصنا نحن كمتفرجين أن بشر نعاني فعلا وبصوت مكتوم؟فأنت تشعر وكانه جالس على مكتبه يعاين ويكتب ولايمسه من كل هذا سوى الحرف والتسجيل.
متى سيرسل عبر نصه روحا جديدة ورساله عامة يمكنها أن تعد مبدأ لديه او عقيدة أو فكرة؟ فاديبنا يملك من ناصية الحرف مايكفيه ليقول الكثير,وما زلنا نخوض ضبابية أفكاره, دونما دليل واضح يؤدي بنا لفتح البوابة المغلقة لديه.
لغة نصوصه بسيطة جزله بقدر ماهي فريدة بسبكها الخاص يمكننا استقطاع بعض شذرات لشرح وجهة نظرنا:
وأخيراً خلص إليها وخلصت إليه
وتحصي الليالي جمعاً وفرداً
****
تباري حركاته الغادرة وسكناته المتربصة
والطفلة الرضيعة موءودة
*****
جمل قوية ربما لاتتحمل فكرة النص البسيطة هذا الحمل الكبير الذي تنوء به...
**********
تبقى وجهة نظر من بعيد لقارئه ليس إلا.
وأتمنى ان نتابع ونقرأ للأديب عبد الفتاح افكوح نقلة نوعية تدهشنا من جديد.
للمزيد من الاطلاع على مواضيع الأديب:
http://www.omferas.com/vb/search.php?searchid=495517
ريمه الخاني
12-6-2010