بسم الله الرحمن الرحيم :


{ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
ومن سيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحثكم على طاعته وأستفتح بالذي هو خير :
أما بعد :أيها الناس : اسمعوا مني أبين لكم ، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا


أيها الناس : إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم ، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ، ألا هل بلغت ؟ اللهم فاشهد !
فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى الذي ائتمنه عليها
وإن ربا الجاهلية موضوعٌ ، وإن أول رباً أبدأ به ربا عمي العباس بن عبد المطلب
وإن دماء الجاهلية موضوعةٌ ، وإن أول دم نبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب
وإن مآثر الجاهلية موضوعةٌ غير السّدانة والسّقاية ، والعمد قَودٌ وشبه العمَد ما قُتل بالعصا والحجر وفيه مئة بعيرٍ فمن زاد فهو من أهل الجاهلية


أيها الناس : إن النسيء زيادةٌ في الكفر يُضلّ به الذين كفروا ، يحلّونه عاماً ويحرّمونه عاماً ليواطئوا عدّة ما حرّم الله
إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض وإن عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم : ثلاثة متواليات وواحدٌ فرد : ذو القعدة وذو الحجة والمحرّم ورجب الذي بين جمادى وشعبان ، ألا هل بلغت ؟ اللهم اشهد ...


أيها الناس : إن لنسائكم عليكم حقاً ولكم عليهنّ حقٌّ : لكم عليهنّ ألا يوطئن فرشكم غيركم ولا يُدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم
ولا يأتين بفاحشة مبيّنة ..


أيها الناس : إنما المؤمنون إخوة ولا يحلّ لامرئٍ مسلم مال أخيه المسلم إلا عن طيب نفسٍ منه ، فلا ترجعُنّ بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا بعده كتاب الله ، ألا هل بلغّت ؟ اللهم اشهد


أيها الناس : إنّ ربكم واحد ، كلكم لآدم وآدم من تراب ، وإن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ، وليس لعربيّ على أعجميّ فضلٌ إلا بالتّقوى ، ألا هل بلّغت ؟ اللهم فاشهد !
قالوا : نعم


قال : فليبلّغ الشاهد الغائب : أيها الناس :
إن الله قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ، فلا تجوز وصيّةٌ في أكثر من الثّلث والولد للفراش وللعاهر الحجر ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .}


أخي القارئ : أختي القارئة :
إن إلقاء نظرة متفحّصة على خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع تدل على أنها مثال حيّ على الدور الذي أدته الخطابة لا في تبليغ الدعوة وحسب :
بل وفي شرح التشريع الذي أمر به الإسلام ولا سيما التشريعات التي توضح علاقة المسلمين بعضهم مع بعضهم الآخر وما يجب عليهم
أن يسلكوه في القضايا الاجتماعية الكبرى


إن قراءة المعاني الكبرى وما تفرع عنها من معانٍ تدل على وجه الحقيقة واليقين على أنها جزء من الوحي الإلهي لنبيّه المكلف بتبليغ الرسالة وتأدية الأمانة ، غير أنها يمكن أن تصرف على أنها تستهدف في النهاية إلى بناء سلطة التوحيد الإيمانية الإسلامية ولن تقوم تلك السلطة في ظلال ما تواضع عليه المجتمع الجاهلي من موروثات تعيق بناء الدولة وتعيد حالات الفوضى التي كانت سائدة


من هذا النص يخرج القارئ ببرهان عملي يقيني بأن النثر سبيل العقل كما الشعر سبيل العاطفة والوجدان فالميزات التي اختصت بها البلاغة النبوية من عفوية في الإلقاء والابتعاد عن غريب الألفاظ زادت الأسلوب رونقاً وأضافت إليه بهاءاً وصرفت ذهن المتلقي إلى إدراك المعاني لتخاطب العقل وتبني الإنسان الجديد


أرجو أن أكون قد وفقت بنقل تلك الصفحة المشرقة من تاريخ الدعوة إلى الله
لكم خالص محبتي


اخيكم فى الله

كرم المصرى