الأُمّة: بضم الهمزة وثقلِ الميم في تفصيل الكتاب المنزل هي القطعة من الزمن متصلةٌ لم يتخللها فاصل كما في قوله ﴿وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ يوسف، أي بعد مضيِّ زمن متصل لم يتذكر خلاله وصيةَ يوسف، وهي المجموعة المجتمعة المتفقة المؤتلفة التي لا شذوذ فيها عما اجتمعوا عليه فألِفوه وعظّموه وقدّسوه ولو كان باطلا ظاهر الفساد والقصور كما في قوله ﴿كذلك زيّـــنّا لكل أمّة عملَهم﴾ الأنعام، واختار الكفار الذين عاصروا تنزل القرآن أن يتبعوا آباءَهم الذين وجدوهم على أمّة أي مجتمعين على الضلال لم يشذ منهم أحد عن عبادة الأصنام.
ويعني قوله ﴿وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون﴾ الأنعام، أن جميع الدواب في الأرض والطيور الطائرة بجناحيها أمم أمثال بني آدم ستخاطب بالآيات الخارقة للتخويف والقضاء قبل انقضاء الحياة الدنيا وسيتم في يوم البعث حشر جميع الأمم أمّة بني آدم جماعة مجتمعة يومئذ وحشر أمم الطيور وأمم الدوابّ في الأرض.
وكذلك قوله ﴿قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك﴾ هود، ومن البركات على نوح التي نُـبِّئَ بها وهو في السفينة بعد إغراق قومه قولَه ﴿وجعلنا ذرِّيّـــتَه هم الباقين﴾ الصافات، ومن البركات من ربِّـــنا على أمم ممن معه أن الزوجين من كل أنواع الطيور ومن كل أنواع الدواب في الأرض هم الباقية ذريتهم إلى انقضاء الدنيا.
ووجد موسى على ماء مَدين أمّةً من الناس يسقون مزدحمين وشذّت من دونهم امرأتان خافتا الاختلاط والازدحام، واجتمعت أمّة من بني إسرائيل لم يعتدوا في السبت واعتزلوا المعتدين.
وتقطع بنو إسرائيل اثنتي عشرة أسباطا، وتقطعوا بعد موسى فكان منهم الصالحون أمّةٌ ومنهم دون ذلك أمم.
وإنما القرن من الناس من اتفق وجودهم في عصر ومصر واحد، وكما يتضح في قوله تعالى ﴿ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين ما تسبق من أمّة أجلها وما يستأخرون ثم أرسلنا رسلنا تترا كل ما جاء أمّةً رسولُـها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون﴾ الفلاح، ويعني أن قرونا من الناس قد نشأوا بعد ثمود وإنما وقع تدمير كل أمّة اجتمعت وأجمعت على الكفر بعد ما جاءهم رسولهم بالآيات الخارقة للتخويف والقضاء.
ولم يشأ ربنا أن يجمع بني آدم على الإيمان وهم كارهون كما في قوله:
ـ ﴿ولو شاء الله لجعلكم أمّة واحدة﴾ المائدة والنحل
ـ ﴿ولو شاء ربك لجعل الناس أمّة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربُّك ولذلك خلقهم﴾ هود
ـ ﴿ولو شاء الله لجعلهم أمّة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير﴾ الشورى
ويفسّره قوله تعالى:
ـ ﴿ولو شاء ربك لآمن في الأرض كلهم جميعا﴾ يونس
ـ ﴿أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا﴾ الرعد
ـ ﴿قل لله الـحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين﴾ الأنعام
ومن رحمة الله أن لم يعذب الأمم المجتمعة على الكفر قبل أن يبعث فيهم النبيين والرسل كما في قوله:
ـ ﴿كان الناس أمّة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين﴾ البقرة
ـ ﴿وما كان الناس إلا أمّة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم في ما فيه يختلفون﴾ يونس
ـ ﴿ولولا أن يكون الناس أمّة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمان لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين﴾ الزخرف
ويعني أن الله بعث النبيين مبشرين ومنذرين بعد اجتماع الناس على الشرك، وأن الناس لم يجتمعوا بعد إرسال الرسل على الإيمان بل آمن بعضهم واختلف بعضهم عن الحق أي لم يتفق معه، وإنما الدنيا بلاغ يُتوصل بها إلى النار وإلى الجنة في اليوم الآخر وليست خالصة لمن يكفر بالرحمان وإذن لأوتـِيَ كل منهم الموصوف من الزخرف والمتاع في سورة الزخرف.
وكان إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط أمّة أي عصبة مؤمنة قد خلت ولم يشذّ منهم أحد إلى الشرك والكفر.
وأما قوله ﴿إن إبراهيم كان أمَّةً قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه﴾ النحل، فيعني تحقيقه عبوديته بجوارجه وتصوراته وتفكيره وهواه وسعيه إجماعا لا تثبيط فيه ولا كسل ولا شكّ.
وكان من دعاء إبراهيم وإسماعيل أن دعوا ربهما ﴿ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذرريتنا أمّة مسلمة لك﴾ البقرة.
وجعل الله المخاطبين بكل كتاب منزل أمّة وقع تكليفها مجتمعة بالعمل بتكاليفه ومنها تدبره ليهتدوا به إلى الرشد، وهكذا كانت اليهود أمّة التوراة وكان النصارى أمّة الإنجيل وكان الناس جميعا منذ أن بعث النبيّ الأمّيّ صلى الله عليه وسلم أمّة القرآن.
وأما قوله ﴿وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم﴾ فاطر، فيعني العرب الأميين كانوا يغارون من أمّة التوراة وأمّة الإنجيل، وقد جاءهم نذير بكتاب منزل وجعلهم الله أمّة وسطا. وجعل الله لكل أمّة من الأمم الثلاث منسكا هم ناسكوه.
وجعل الله لكل أمّة من الأمم تمكينا في الأرض ابتلاء وتمحيصا للممكنين وللمستضعفين كما في قوله ﴿أن تكون أمّة هي أربـى من أمّة إنما يبلوكم الله به﴾ النحل، ولتقعن الموعظة به حين ظهور السامري الدجال المنتظر قبل أن يحاصره صالح المؤمنين إمام المتقين قبيل نزول ابن مريم.
ووقعت تزكية السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم في قوله﴿كنتم خير أمّة أخرجت للناس﴾ آل عمران، إذ هم مجتمعون على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى الإيمان لم يشذ منكم أحد.
ولا يزال الغيب يغيّب أمّة مسلمة مجتمعة على الإيمان لا شذوذ فيه كما في قوله:
ـ ﴿ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون﴾ آل عمران
ـ ﴿ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين وما يفعلوا من خير فلن كفروه والله عليم بالمتقين ﴾ آل عمران
ـ ﴿منهم أمّة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون﴾
ـ ﴿وممن خلقنا أمّة يهدون بالحق وبه يعدلون﴾ الأعراف
ـ ﴿ومن قوم موسى أمّة يهدون بالحق وبه يعدلون﴾ الأعراف
ـ ﴿إن هذه أمّتكم أمّة واحدة وأنا ربكم فاعبدون﴾ الأنبياء
ـ ﴿وإن هذه أمّتكم أمّة واحدة وأنا ربكم فاتقون﴾ الفلاح
تلك الأمّة هي الموعودة بالنصر والتمكين والاستخلاف كما استخلف مَن قَبلَنا يعبدون الله لا يشركون به شيئا.
وإن من الذكر من الأولين أن قد دمَّر الله الأمم المكذبة قبل التوراة كما في قوله:
ـ ﴿كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمّت كل أمّة برسولهم ليأخذوه﴾ غافر
ـ ﴿وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم ما تسبق من أمّة أجلها وما يستأخرون﴾ الحجر
ـ ﴿ولقد بعثنا في كل أمّة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين﴾ النحل
ـ ﴿ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون﴾ الأنعام
ـ ﴿تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمَــــالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم﴾ النحل
ـ ﴿وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين﴾ العنكبوت
ـ ﴿وإن من أمّة إلا خلا فيها نذير﴾ فاطر
وأُلـحِق بالمجرمين المكذِّبين المعذَّبين من قبل الـمُلحدون المكذبون بالغيب ومنه البعث كما في قوله:
ـ ﴿وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين﴾ فصلت
ـ ﴿والذي قال لوالديْه أفٍّ لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك آمِنْ إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين﴾ الأحقاف
وحرف فصلت صريح في أعداء الله الذين يظنون أن الله لا يعلم كثيرا مما يعملون أي لن يحاسبهم عليها لفرط تكذيبهم بالغيب ومنه البعث والحساب والجزاء ودلالة حرف الأحقاف ظاهرة.
ومن المثاني وعدا في الآخرين أن سيدمِّر الله المكذبين المجرمين من الأمم الثلاث في الدنيا كما في قوله:
ـ ﴿وأمم سنمتِّعُهم ثم يمسُّهم منا عذاب أليم تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين﴾ هود
ـ ﴿ولكل أمّة أجل فإذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون﴾ الأعراف
ـ ﴿لكل أمّة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون﴾ يونس
ـ ﴿ولكل أمّة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط﴾ يونس
ـ ﴿كذلك أرسلناك في أمّة قد خلت من قبلها أمم﴾ الرعد
ـ ﴿ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمّة معدودة ليقولن ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون﴾ هود
ومن الوعد في الكتاب المنزل وسيصبح شهادة في اليوم الآخر قوله:
ـ ﴿وترى كل أمّة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها﴾ الجاثية
ـ ﴿قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار كلما دخلت أمة لعنت أختها﴾ الأعراف
ـ ﴿ويوم نبعث من كل أمّة شهيدا ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون﴾ النحل
ـ ﴿ويوم نبعث في كل أمّة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء﴾ النحل
ـ ﴿فكيف إذا جئنا من أمّة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا﴾ النساء
ـ ﴿ويوم نحشر من كل أمّة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون حتى إذا جاءوا قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما أم ماذا كنتم تعملون﴾ النمل
ـ ﴿ونزعنا من كل أمّة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون﴾ القصص