-
الوزن الزائد وسورنة العالم
مغترب سوري يكتب عن *الوزن الزائد ...*
الثلاثة الذين ناقشوا و جادلوا موظفة شركة الطيران في الوزن الزائد لحقابئهم ، كانوا سوريين . لكنتهم و طريقتهم في التفاوض واحدة ،* حتى صرت أتوقع بدون مهارة خارقة جنسيةَ المسافر السورية من بعيد من حجم ما يحمل من أمتعة .
أما الأجنبي و بشكل لا يمكن فهمه ، يسافر خفيفاً بحقيبة خفيفة لطيفة ، و في ذلك حديث طويل يتعلق بطبيعة المجتمع نفسه .
شاهدتهم جميعاً و أنا أقف جانباً بانتظار أن تحل الموظفة* " أزمة" الوزن الزائد جداً جداً في حقائب الصديق الذي رافقته إلى المطار .
في كل زيارة لي لسورية أو عودة منها ، تكون حكاية الوزن الزائد و الألاعيب التي استخدمتها لتمريره بالحد الأدنى من "الخسائر"، هي إحدى أهم الحكايات الممتعة التي أفخر بها و أستمتع باستعادتها .
في كل زيارة لسورية أو عودة منها يتشكل و بدون رغبة مني في اليومين الأخيرين قبل السفر نموذجاً غريباً من القلق يتمحور تماماً حول الوزن ، و حول طريقة تمريره و حول الشخص الممكن له مساعدتي في ذلك ، و حول الأعذار التي سأقدمها لم سيطلب مني أن أحمل له كيلو غراماً أو اثنين من التقليد السوري التاريخي ك : الكشك أو المكدوس أو العدس الأحمر أو العوجة و الجانرك أو* " عدة أجواز" من الجرابات و قميص أو قميصين ، و يمكن أن يُضاف إلى هذه القائمة التي لا تموت عدداً لا نهائياً من المفاجآت التي لا يمكن تفسيرها أو فهم ضرورتها .
هل يستطيع السوري أن يتحرك إلى خارج أو إلى داخل بلده بدون وزن زائد ؟ ... لا أظن .
الوزن الزائد هو فائض القلق الممكن ، فائض الخوف ، و فائض المحبة . تراه يغيب شهراً عن بلده* ليعود بحقيبة محملة بالهدايا لأهله و أصدقاءه و جيرانه ، فهناك و هو على مسافة الشوق من بلده ، يتحرك في داخله مزيج غريب من الحنين و الشوق و تأنيب الضمير و المحبة غير المفهومة ، يتحرك فيه كل شيء ، من أسفل* جذرٍ من جذوره حتى أعلى ورقة في شجرة حياته . و كأن الغربة هي قطعة القماش التي ستمسح الغبار عن كل شيء و تعيد تلميعه و إحضاره و تقديمه .
و هذا الوزن الزائد قد يكون أيضاً طريقة من طرقه في* " سورنة العالم" ( جعله سورياً) فموهبة " الحواضر"* التي أنقذته في أكثر محن حياته ضراوة لابد أن يبقى مخلصاً لها أينما حلّ ، حتى تجد في إحدى زوايا بيت المغترب كبيته في سورية رفوفاً متعددة من الزيت " الأقرب طعماً للزيت السوري" و الطحين الذي يشبه ذاك الذي كانت تصنع منه أمه خبز الحياة ، ستجد نفس المواد و نفس طريقة الترتيب و نفس طريقة العناية و الصناعة .
يخاف السوري أن يخسر بلده سورية مهما تصرف عكس ذلك في آخر سنوات .
يبتعد فيزداد وزن حقائبه خوفاً من أن ينسى شيئاً حنوناً لا قدرة له بدونه . يعود فيزداد الوزن بالهدايا تكفيراً عن فراق قسري و قهرٍ لا يد َله فيه .
نحن شعب الوزن الزائد ، و الحب الزائد ، و الكراهية الزائدة ، و الاهتمام الزائد ، و القرب الزائد و البعد الزائد ، و القهوة " الزائدة"، و السكر الزائد .
نحن شعب المبالغات و التناقضات ، المبالغات في كل شيء ، فليس عن عبث أن يكون نصفنا شعراء و الباقي منا دائمو البكاء ... و الحسرة .💚
مرة تانية صباح الخير
منقول
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى