جيل التغيير ...وأيقونة الثورة
إلى من لبت نداء التغيير وكانت من طلائع المعتصمين بميدان التحرير
إلى من ضحت بشبابها ..
وامتزج دمها الطاهر مع تراب الوطن ، ليكون قرباناً على مذبح الحرية
إلى الشهيدة سالي بدران
أهدي قصتي القصيرة هذه..
بسرعة البرق ، ارتدت بنطالها الجينز ، ووقفت أمام المرآة تنظر إلى وجهها وتتساءل هل من الممكن أن أكحل عيناي وألون شفاهي .. ترددت وتركت ما بيدها من وسائل التجميل والتقطت مسرعة دفتراً صغيراً حملته مع جهازها الحاسوب واتجهت نحو الباب الخارجي ابنة العشرين لتجد أمها بانتظارها حاملة معطفها وتقول لها : ـ بنيتي الجو بارد وممطر .. أخذته منها وانصرفت دون أن تطبع قبلة على جبين أمها تعودت أن تودعها بها كل يوم وهي تهم بالذهاب إلى الجامعة .
وقفت الأم مذهولة وأخذت تضرب كفاَ بكف وتراودها أفكار وأفكار ترى ما أصاب ابنتي هل وقعت في شراك نصب لها من أهل السوء وأبعدها عن دراستها ؟ أم أنها أضحت فريسة قصص الحب والغرام ... ؟
أمضت طوال نهارها تفكر بابنتها ومصيرها وتضرب أخماسها بأسداسها إلى أن طرقت الباب ودخلت ،عندها تنفست الصعداء وحمدت الله على رؤيتها سالمة ، وقالت في نفسها سأكلمها قبل أن يحضر والدها لأعرف ما يدور في نفسها ؟
جلست سالي أمام طاولة الدراسة ، أبعدت الكتب والدفاتر فتحت حاسوبها وأحذت تتنقل بيــــن صفحاته الملونة ، وأمها بجنبها تراقبها علها تستطيع ان تتعرف على مكونات هذا العصر ، فشاهدت حركات ابنتها ومع كل حركة كانت تراقب تقاسيم وجهها وانعكاساته ، ولكن دون جدوى .
سألتها ما هذه الألوان ؟
وما هذه الأيقونات ؟
وتابعت لقد ابتعدتِ عنا وانعزلتِ أمام هذه الشاشة الخلابة .. ؟
رفعت رأسها وقالت نعم إنه عصر الألوان ، ليس للأبيض والأسود مكان فيه ، وأشارت بإصبعها أنظري يا أمي : ـ
هذه الأيقونة إنها أيقونة الثورة .
الثورة .. أين الثورة ؟ لقد توقفت منذ زمن بعيد .. أيام كانت الصورة أسود وأبيض ، كانت تعطي رونقاً خاصاً ومؤثراً.
انظري إلى صور جيفارا ـ عبد الناصر ـ كاسترو .. وأكملت منذ أن أصحبت آلة التصوير ( الكاميرا ) تظهر صوراً ملونة توقف قلب الشباب عن التغيير !
تغير شكل وجه سالي وكأنها أمام تحد كبير من أمها ، وردت بكل حماسة الشباب : ـ
أنت عندما تواجهين ملايين الوجوه يصعب عليك أن تجدي لها مكاناً في الكادر المصمم مسبقاً لكي يوصل رسالة جاهزة .
أدركت الأم كم هي الفجوة كبيرة بين هذا الجيل ومن سبقه ورسمت ابتسامـــة عريضة على شفتيها وكأنها تقول في نفسها غداً نرى ماذا يفعل هذا الجيل وأدواته ؟ .
وفي يوم الخامس والعشرين من شهر يناير ، خرجت سالي بدون جهاز حاسوبها وبلا دفترها ، خرجت كعادتها مسرعة وكأنها على موعد مع من تحب .
سمعت الأم بالمظاهرات تعم الشوارع وتنضم إليها الجماهير من كل حدب وصوب، وما هي إلا ساعات حتى امتلأت الميادين ، فركت عينيها لترى هل هذه حقيقة أم وهم ، لم تصدق كيف حدث ذلك وبدون مقدمات ولا ترفع صوراً ولا شعارات ، تذكرت ما قالته لها ابنتها بالأمس القريب ، فتشت في الوجوه الغاضبة التي تشاهدها أمام التلفاز ، علها ترى وجه سالي بينهم . عندها علمت بان هذه الملايين لا يمكن أن توضع بإطار أو يرمز لهم بأيقونة .
ما سمعته من صرخات الناس وشعاراتهم ـ حقاً إنها شعارات تختلف عن زمن الماضي، بالماضي كنا نهتف لزعيم أو لقائد ، اليوم الشعب يهتف كله انه ضد الفساد وأدواته .. تمنت لو كانت في وسطهم وتهتف معهم لتعيد مجد الماضي وشعاراته ، لتهتف للزعماء .. ولكنها شعرت بخيبة الأمل ، حيث لا شعار لزعيم أو لقائد كل الشعارات كانت تتجـــه لهدف واحــد هو ( إسقاط النظام ) .
وبينما هي شاردة الذهن بهذه الجماهير الغفيرة وشعاراتها ، سمعت أصـــوات بكــــاء مزقت وحدتها وشرودها لترى ابنها يزف لها بشرى لم تكـــن تراودها ، كان خبر استشهاد سالي ، خبراً مفرحاً محزناً بنفس الوقت ، استفاقت بعد الصدمة لتعرف بأن ابنتها كانت أيقونة الثورة التي لبت النداء عاجلاً ونزلت إلى ساحة ميدان التحرير ومنه إلى جنة الخلد .
رحمك الله يا سالي ... يا أيقونة الثورة .
/
/
هيام صبحي نجار
20/4/2011
[/SIZE[/COLOR]]