الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ... صلى الله عليه وسلم ... ختمت الكُليمة الماضية بالقول :
(إلى هنا يقف القلم ... على أمل أن نلتفت في حلقة قادمة إلى جزء آخر من (الحب : العشق)،بعيدا عن السيدة أسماء وزواجها من الشيخ... إن شاء الله.).
وها نحن نسعى لتحقيق ذلك الوعد،مذكرا بقول الدكتورة الكريمة نعيمة الغنام،في مقالتها التي أنتجت كُليمتي ("الحب" بين "عسى أن يؤدم بينكما" و"الحب101") قالت أختنا :
(غصت معكم كثيرا في أسرار الحب ومعادلاته الغامضة،ولكنه هو السر الأكبر الذي لا يكف عن إبهارنا كلما وقفنا أمامه لنحاول الفهم.){جريدة اليوم عدد يوم الأربعاء 11/12/1431هـ}.
بعيدا عن انبهارنا بــ"السر الأكبر"نقول :
نحن "ضيوف"على هذه الدنيا،وذلك يقتضي منا أن نرى كيف ينظر الإسلام إلى قضية "الحب".
في مقالة نشرت قريبا،كتب الشيخ فؤاد أبو الغيث،تحت عنوان : (قصة حب الشيخ القرضاوي ليست من عمله المشكور)،ومما جاء فيها قوله :
(وأصح ما ورد في هذا { أي "الحب" أو"العشق"} الحديث الوارد عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفا : (من عشق فعف فمات دخل الجنة)،وإن كان فيه نظر أيضا من جهة إسناده،كما قال ابن القيم في الداء والدواء : (وحسب قتيل العشق أن يصح له هذا الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما،على أنه لا يدخل الجنة حتى يصبر لله،ويعف لله،ويكتم لله،وهذا لا يكون إلا مع القدرة على معشوقه،وإيثار محبة الله وخوفه ورضاه،وهذا أحق من دخل تحت قوله تعالى : (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى) ..){رسائل مجموعة الدكتور عبد العزيز قاسم البريدية،الرسالة رقم(2272)}.
من اللافت أيضا – عبر الزاوية الإسلامية – ما نقلناه سابقا :
(فقد روى البخاري في صحيحه من قصة"بريرة"أن زوجها كان يمشي خلفها بعد فراقها له،وقد صارت أجنبية منه،ودموعه تسيل على خديه. فقال النبي {صلى الله عليه وسلم} : "يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثا؟"ثم قال لها :"لو راجعته" فقالت : أتأمرني؟ فقال : "إنما أنا شفيع". قالت : لا حاجة لي فيه!).
إن "محيطا"من علامات التعجب لا يفي الموقف حقه. أن يأتي الشافع المشفع – بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم – متشفعا عند "بريرة" فتقول : لا حاجة لي فيه. رغم أن العبارة الشائعة : ليست كل البيوت قائمة على الحب ... ولكنها لا يمكن – أيضا – أن تقوم على "البغض" فذلك باب ضخم لـ"الفتنة"وسد عظيم في وجه تحول الزوجة إلى "سكن"
تلك لمحة أولى،أما اللمحة الثانية : فتتعلق بالموقف نفسه ... رجل يسير خلف امرأة (وقد صارت أجنبية عنه) – كما جاء في الخبر – يبكي .. فيتعجب الحبيب صلى الله عليه وسلم من الموقف ... ولا يزجر "مغيثا" .... بل يتشفع له عند "بريرة".
اللمحة الثالثة : هذا الحب قادم من "الزواج" وراغب – من طرف "مغيث" – إلى العودة إلى "الزواج" أيضا ... فهو إذا من باب "عسى أن يؤدم بينكما" إلا أنه تعرض للوثة من (فيروس الحب)،نتيجة انقطاع "الوصل".
اللمحة الرابعة : تعود بنا إلى المشكل الأكبر في "الحب"أعني احتمال أن يكون مجرد "رغبة جسدية" ... أو ما هو أسوا ... "قناع"للوصول إلى الجسد بعيدا عن مظلة الحلال ... هنا نجد أن "الباكي" من "الحب"كان زوجا للمحبوبة ... ولو كان الأمر مجرد (رغبة جسدية) لكانت قد انقضت بالزواج.
يبدو الأمر وكأننا أمام نوعين من "الحب" :
النوع الأول : "عسى أن يؤدم بينكما" :
هذا النوع من الحب هو الذي تحدثت عنه بعض الدراسات الغربية وأثبتت أن أسهمه تظل متصاعدة ... لكنه – في مجتمعاتنا المسلمة!!!!!!!!! – يكون ضحية لمنعطفين :
المنعطف الأول : "جرثومة"تبثها المسلسلات والأفلام .. أي (الوقع في الحب) قبل الزواج .. ويا حبذا لو أن الزواج نتاج (قصة حب عنيفة) ... تلك "الجرثومة"تولد نوعا من "مركب النقص"لدى الزوجة – بالذات – لأنها لم تتزوج (عن حب) ..أو لم تتزوج بعد "قصة حب عنيفة".
المنعطف الثاني : هذا النوع من "الحب"مثل "الطفل"في حاجة إلى أن ينمى ويعتنى به ... وأوضح "الأدلة" .. "الحنين" إلى فترة الخطوبة،وما كان فيها من "حب" و"تودد"ورفض كل طرف أن ينهي المكالمة قبل الآخر .. إلخ.
النوع الثاني : "الحب الفيروسي" : لسنا في حاجة إلى إعادة الأثر المروي عن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما ... إذا تجاوزنا ذلك الأثر،وتجاوزنا أيضا قصة بريرة ومغيث .. فإننا نشير إلى عدة نقاط :
النقطة الأولى : وصف الحب بأنه"فيروس" استعرته من حوار في أحد الأفلام الأجنبية ... حيث قال "رجل"لـ"امرأة" وهو في حالة من الانكسار،وتسبيل العينين ... بأنه "يحبها" فأخبرته أن الحب ليس"فيروسا" يصيبها ولكنه "خيار".
النقطة الثانية : هذا النوع من "الحب"يصعب علينا - كمسلمين – أن نضعه على طاولة التشريح ... لأننا – بفضل الله سبحانه وتعالى – لسنا من "أحفاد جان جاك رسو" وبالتالي فنحن لا نجد (اعترافات) يقول صاحبها لمحبوبته،وكما كتبت إحدى السيدات أن علما من أفاضل علمائنا،قد كتب لها : (يقول في احدى رسائله "أنت معي في حركاتي وسكناتي وغدواتي
وروحاتي، في سفري وفي إقامتي في البيت وفي المكتب، في الجامع وفي الجامعة وحدي
ومع الناس، أكلم الناس وأنت معي وأكتب وأنت معي وأخطب وأنت معي وأصلي وأنت
معي"،) .. ثم يعترف لنا أنه بعد أن تزوجها تلاشى ذلك الحب .. كما لا نجد اعترافا بعكس ذلك .. أي أن صاحب الرسالة حين تزوج من محبوبته زادت لواعجه وأحبها أكثر من ذي قبل ... إذا فهذا النوع من "الحب" والذي يستحيل تشريحه،أقرب إلى القضية الشخصية ... فصاحبه يعلم – بينه وبين نفسه – إن كان طالب "جسد" أو "لابس قناع" أو "مبتلى" يستحق أن ندعو له بالشفاء ... أي الزواج ممن أحب ... أو يعود لقراءة الأثر المروي عن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما.{ على أنه لا يدخل الجنة حتى يصبر لله،ويعف لله،ويكتم لله،}.
بقيت قضايا عدة مثل ... علاقة الحب بالجمال ...أو "سطوة الجمال" والذي تمت (شرعنته) – إن صح التعبير – فنحن نجد بعض الأمور التي لا ينظر إليها الإسلام بالرضا،حين تضعها مستفتية في إطار "التجمل للزوج"يتم التساهل في الأمر،لتكون "أجمل" أمام زوجها... من القضايا – أيضا - دور المرأة فيه ... أهي جانية (عليك عقلي فإن السهم قد قتلا) .. أم مجني عليها ؟ ثم هل يجتمع حبان في قلب رجل واحد؟ ... وهل لابد أن يزيل أحدهما الآخر؟ ثم ما قصة أن الرجل إذا كان على علاقة بغير زوجته،كان من انعكاس ذلك أن يقدم لزوجته الهدايا،وربما كان أكثر حنانا وألفة ... - وهذه فكرة موجودة في أكثر من (ثقافة)،حتى أصبح،لدى بعض الزوجات أن تقديم الزوج لهدية بدون مناسبة،أو على غير العادة،أو ظهور السعادة المفاجئة عليه نذير"شؤم"!!!!! - ... أي أن سعادته انعكست على من حوله!!!!!! فلماذا لا يحصل ذلك – مثلا – مع المتزوج بأكثر من واحدة؟!
ختاما : هذه "دعابة" حاولت أن تتلاعب بالكلمات – أو الأحرف – بآمل ألا تكون ثقيلة أكثر مما ينبغي :

حين يتحول الـ"حب" إلى "جن" : حرف الـ(س) يضرب بقوة !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

(((( قال ابن المختار فلما كثر الحديث،وتواترت الأسئلة عن "الحب" أنشدت مع الشاعر قوله :
يقول أناس هلا وصفت لنا الهوى **** لعل الذي لا يعرف الحب يعرف
فقلت لهم لقد ذقت الهوى ثم ذقته ***** فوالله ما أدري الهوى كيف يوصف
ثم سكت برهة،أفكر في هذا الذي يسمونه "حب" وقد جردته من (ال) التعريف،محاولا إظهاره على حقيقته،دون زيف .. .. "حب"!!!!!!!! يقولون (كل قصير مكير)،وحين تتكون الكلمة من حرفين – أي أنها قصيرة – فإنها تبدو (مكيرة)!!!
"حب" حرفين (ح) : حرف "مهمل" – الحرف الفقير!! فهو الوحيد بين أخويه (ج /خ) الذي لا يملك "نقطة" – ثم "ب" حرف"معجم" ولكنه أيضا أفقر إخوته – ت / ث – والحرفان (ح/ب) يمثلان (الذكر ) و(الأنثى) أحسن تمثيل،فهما بانتمائهما لحروف الأبجدية،يشبهان انتماء الذكر والأنثى لــ(البشر)،ولكن ذلك الانتماء لا يلغي الفروق الشخصية.
إلى هنا و(الأمن مستتب)،مع ذينك الحرفين (المسالمين)
فاصل :
يقول د. محمد :
(ومع الإقرار بذاتية التجربة في الحب،فإن هذه التجربة تصير شيئا جديدا يتجاوز حاصل جمع مفرداتها (المحب والمحبوب والعاطفة الناشبة بينهما) فتكتسب قدرا من الاستقلال حتى عن أطرافها الثلاثة ،بمعنى أنها قد تسوق – بقوة منطقها الخاص،أو لنقل : قانونها الخاص – قد تسوق الرجل والمرأة إلى ما لم يكونا يقصدان إليه قصدا متعمدا.){ ص 118(الحب في التراث العربي) / د. محمد حسن عبد الله / عالم المعرفة}.
عدنا :
يظل (الأمن مستتبا)،إلا أن يقوم الــ(ج)،بحركة انقلابية،فيحتل مكان شقيقه الـ(ح)!! ويتدخل طرف (أجنبي)،فيحل في موقع الـ(ب)،وذلك الدخيل هو حرف الـ(ن)!!!!!
هنا تتحول الكلمة الساحرة "حب" إلى كلمة أخرى – من حرفين أيضا – وهي (جن)،وذلك عالم نعرف – يقينا – أنه موجود ولكنه عالم (غامض) لا نعرف تفاصيله،,فهو (عالم خفي).
قنبلة ... "قوة عظمى تتدخل"
لا يخبرنا الرواة،ولا يجود علينا الخبراء بالسر!!!!!!! ولكننا نعلم أن (المعادلة) تغيرت بسبب تدخل خارجي،ربما كان من (قوة عظمى)!!! ذلكم هو دخول حرف الــ(س) والذي قلب الطاولة،فتحولت العبارة محل البحث،من "حب" إلى "جن"،وهاهي تصبح "جسد"!! ولا يخفى أن هذا أيضا تلاعب بالحروف.
بطبيعة الحال يحصل تغير كبير،بسبب تلك الـ(س) التي أصبحت ذيلا لحرفي (ج /ن) .. فإن كان ذلك (الجسد) تحت مظلة (كلمة الله) {واستحللتم ".." بكلمة الله} ... نبتت للسعادة أجنحة،لا لتطير بعيدا ولكن لترفرف حول (الزوجين) .. نعم تكون السعادة وتكون اللذة التي لا يتبعها ندم ... ويكون الثواب {قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر قال أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر رواه مسلم} ..
من العجيب أننا نجد حرب الـ(س) هو الآخر يمثل الطرف الأكثر فقرا،رغم (ثراء) شقيقه الـ(ش)!! ولا نستبعد أن يكون الأخير قد استولى – في ليلة ظلماء – على كامل التركة!!!!!! على كل حال ..
في كل الأحوال .. لا يخفى أن حرف الـ(س) له أسنان .. دققوا : (س)
تلك الأسنان،تمثل ما ينتج عن عمليات الـ"جسد" فإن كان اللقاء تحت مظلة (كلمة الله)،كان (النتاج) تدعيما للعلاقة ودعما لها،ورصيدا عند التقدم في العمر {يتلاشى ذلك الرصيد يوما بعد آخر،في ظل ثقافة "التغريب"} .. أما إن كان ذلك (النتاج) فاقدا لبركة (كلمة الله) فذلك (السقوط) في الهاوية التي تنتهي ينتهي بها حرف الـ(س).
وربما صدقت ملاحظة الجاحظ،حين قال :
(وأما أنا فقد رأيت الجفاء للأولاد شائعا في اللواتي حملن من الحرام،ولربما ولدت من زوجها،فيكون عطفها وتحننها كتحنن العفيفات الستيرات،فما هو إلا أن تزني أو(..) فكان الله لم يضرب بينها وبين ذلك الولد بشبكة رحم،وكأنها لم تلده.){ ص 103}.أفهم أن يبتلى الإنسان ب(الحب) ولكن أن يبتلى بالكتابة عن(الحب) فهذه من العجائب!!!!!!!!!!
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة في 1/1/1432هـ
--