وجهة نظر مهمة حول المزاعم بوجود آثار لليورانيوم في سوريا

بقلم الباحث : عبدالوهاب محمد الجبوري

تداولت وكالات الأنباء مؤخرا معلومات حول ما سمي بوجود آثارا من اليورانيوم عُثر عليها في مجمع يُشتبه أنه نووي في سوريا ، وذكر وليد المعلم وزير خارجية سوريا بان هذه المزاعم مدفوعة بدوافع سياسية ، وقال للصحفيين عقب اجتماعه مع نظيره العراقي هوشيار زيباري( ان اليورانيوم ربما يكون قد جاء من الذخيرة التي استخدمتها إسرائيل في قصف الموقع في أيلول العام الماضي ( ..
ومن جهتها قالت صحيفة ( الديلى تليغراف) البريطانية في تقرير لها أن (مفتشي الوكالة الدولية عثروا على يورانيوم في سوريا) ، وفي سوريا استغربت أوساط سياسية سورية قيام وكالة الطاقة الذرية الدولية بتحريك ملف (البرنامج النووي السوري) المزعوم، وشددت على أن هذه التصريحات تأتى في توقيت مشبوه ذي دلالات كثيرة ، حيث تعتقد دمشق أن موقف الوكالة الدولية لم يكن بمنأى عن التوتر الأخير بين دمشق وواشنطن، ورأت أنه جاء ممالئا للموقف الأمريكي الذي عبر عن الانزعاج من الرد السوري على الغارة العدوانية الأمريكية التي استهدفت الشهر الماضي بلدة البوكمال القريبة من حدود العراق، وخلفت مقتل نحو ثمانية مدنيين من نساء وأطفال .. .

تعليق الباحث عبدالوهاب محمد الجبوري


بصفة الباحث له خبرة في متابعة موضوع اليورانيوم المنضب في العراق لمدة تزيد عن 12 عاما ومن خلال تجاربه ومعايشته للحالات الميدانية واطلاعه على أسلحة اليورانيوم التي تم العثور عليها بحضوره شخصيا لأول مرة في العراق ومعرفته بخصائصها وأنواعها وتأثيراتها على الإنسان والبيئة والحيوان فانه يطرح الرأي الأتي حول الموضوع أعلاه بحسب معلوماته ووجهة نظره الشخصية :

1 . إن مفتشي الطاقة الذرية لم يعلنوا أي نوع من اليورانيوم تم العثور عليه في المجمع السوري المزعوم ، هل هو يورانيوم مخصب أم يورانيوم منضب لان هناك فرقا بين الاثنين كما سنرى ؟

2 . فإذا كان المقصود هو اليورانيوم المخصب فان هذا مستبعد بسبب عدم تأكيد الطاقة الذرية في أي وقت وصول سوريا إلى مرحلة تخصيب اليورانيوم 234 أو 235 وهي مرحلة علمية متطورة في سعي الدول لامتلاك قدرات نووية للأغراض السلمية أو العسكرية ... كما لم يتأكد حصول سوريا حسب معلوماتي على اليورانيوم المخصب من أي جهة أخرى خارجية وثالثا لو كان المقصود هو اليورانيوم المخصب لأحدث تأثيرات كبيرة وخطيرة في المنطقة التي وقعت فيها الغارة الإسرائيلية نتيجة انتشار الإشعاعات الناتجة عن القصف الإسرائيلي ..

3 . المعتقد أن المقصود باليورانيوم الذي أعلن عنه مفتشو الطاقة الذرية هو اليورانيوم المنضب أو كما يسمى اليورانيوم المستنفد .. وهو ما أشار إليه ضمنا السيد المعلم عندما قال بان هذا اليورانيوم قد جاء من الذخيرة التي استخدمتها إسرائيل في قصف الموقع وهذا يؤكد امتلاك واستخدام إسرائيل لهذا النوع من الأسلحة الفتاكة والخطيرة والمحرمة دوليا والتي سبق أن استخدمتها ضد أبناء شعبنا الفلسطيني أكثر من مرة ..

ومعروف أن أسلحة اليورانيوم المنضب هي إحدى فضلات الأسلحة النووية ولها تأثيرات إشعاعية محدودة إلا إذا استخدمت بكميات كبيرة جدا كما حدث في العراق عندما استخدمت القوات الأمريكية حوالي مليون أطلاقة يورانيوم من عيار 30 ملم جو ارض وبضعة آلاف من مقذوفات اليورانيوم التي استخدمت من قبل الدروع الأمريكية ضد أهداف مدنية وعسكرية عراقية حيث بلغ الحجم الكلي لهذه الأسلحة بين 335 طنا و700 طنا من مادة اليورانيوم والتي أحدثت تأثيرات خطيرة على الصحة والبيئة في العراق ما زالت أثارها باقية لحد الآن وما زالت تظهر بين الحين والآخر على المواطنين الأبرياء من سكان جنوب العراق بشكل أمراض سرطانية مختلفة ، هذا عدا عن الاستخدام المكثف لهذه الأسلحة خلال حرب احتلال العراق عام 2003 بحسب اعتراف مسئولين عراقيين ..

4 . إن الدول التي تصنع هذه الأسلحة هي الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا ومحتمل فرنسا لكنه بعد العام 1991 وبسبب مساعدة دول في المنطقة للتحالف الأمريكي الأطلسي ضد العراق في حربي عام 1991 و 2003 ومنها إسرائيل وتركيا ودول في الخليج العربي ، فقد قامت الولايات المتحدة بحسب مصادر المعلومات الصحفية بتزويد هذه الدول بأسلحة اليورانيوم المنضب بكميات كبيرة نظرا لرخص هذه الأسلحة وسهولة استخدامها ونقلها وكبر تأثيرها ..

5 . المعتقد أن إسرائيل تمتلك نفس أنواع أسلحة اليورانيوم المنضب التي تمتلكها الولايات المتحدة وهو ما نصت عليه اتفاقيات التعاون الاستراتيجي بين البلدين منذ ثمانينات القرن الماضي والفترة التي تلتها والخاصة بتعهد الولايات المتحدة بحماية إسرائيل وتزويدها بمختلف أنواع الأسلحة التي تمنحها تفوقا نوعيا على الأقطار العربية ، وهذا قد يفسر وجود أثار لليورانيوم الذي استخدمته إسرائيل في قصف الموقع السوري ، كما ذكر السيد المعلم ، وليس هذا بمستبعد عنها ، حيث سبق لها أن استخدمت هذه الأسلحة ضد الشعب الفلسطيني أكثر من مرة ومن زوارق بحرية وطائرات ســــمتية كما ورد في مصادر المعلومات في حينه ..

6 . من المحتمل أن يكون هناك دوافع سياسية وراء افتعال هذه الضجة ضد سوريا بسبب الأحداث التي وقعت مؤخرا في المنطقة وكذلك بسبب مرور العلاقات الأمريكية السورية بحالة من الفتور والتوتر ..

7 . أنا شخصيا مع مبدأ سعي الدول العربية إلى امتلاك ناصية العلم والقوة للدفاع عن نفسها وتحقيق الردع الاستراتيجي مع إسرائيل بدل أن يقتصر الأمر على هذه الأخيرة وان من حق العرب أن يمتلكوا أي سلاح يمكنهم من الدفاع عن أوطانهم وعن سيادتهم واستقلالهم واسترداد حقوقهم المغتصبة وفي الطليعة منها تحرير فلسطين ، بدل أن يبقى الأمر محصورا بإسرائيل لإرهاب العرب وتهديدهم وفرض أملاءاتها عليهم أنى ومتى شاءت ، وأدعو الله أيضا أن يأخذ بأيدي العرب لما فيه خيرهم وان يمتلكوا القرارات الشجاعة والمسؤولية التاريخية بالتخلص من سيطرة الأجنبي والتوجه توجها جادا لإزالة خلافاتهم وتوحيد موقفهم ورؤاهم الإستراتيجية وان هذا ليس مستحيلا على امة علمت العالم الحضارة والمعرفة وكانت تمتلك كل مقومات القوة والسمو والعز والكرامة والشجاعة والعقل والحكمة والبصيرة ..