نينا بوراوي: كاتبة عصية على الترويض
February 8, 2014 at 10:54pm


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



في روايتها "المسترجلة" قدمت شهادة روائية وحياتية بعدما حكت بصراحة عن قصتها الشخصية والأسرية كاشفة بذلك عن مثليتها الجنسية...

نينا بوراوي كاتبة فرنسية من أصل مغاربي، ازدادت، بمدينة رين، عام 1967 ، من أب جزائري يعمل موظفا بارزا في منظمة الأمم المتحدة وأم فرنسية. عاشت سنواتها الأربع عشرة الأولى بالجزائر، ولما بلغت الرابعة عشرة من عمرها، رحلت رفقة والدها إلى سويسرا، وبعدها إلى أبو ظبي، ثم فرنسا وهي، حاليا، تعيش بباريس.
تقول عن هذه التجربة: "من أنت؟ فرنسية أم جزائرية؟ أمكث مع أمي. أمكث مع أبي. آخذ الاثنين معا. أخسر الاثنين معا. كل جزء يمتزج بالآخر ثم ينفصل عنه. كل جزء يعانق الآخر ثم ينفجر الخصام بينهما. إنها الحرب مرة، والوحدة مرة أخرى. إنه الرفض مرة، والغواية مرة أخرى. أنا لا أختار، أن أروح وأجيء».
وهذه التنقلات أثرت على شخصية هذه المبدعة، بعدما وجدت كيانها مبعثرا بين ضفتين لاتلتقيان: إفريقيا وأوربا، الجزائر وفرنسا، هنا وهناك، الذاكرة والنسيان، الحاضر والماضي، ما جعلها تحتار. ووسط هذه الحيرة، اختارت نينا بوراوي (واسمها الحقيقي ياسمينة بوراوي) أن تكون فتى تهبه اسم أحمد، وتتخلى عن ثياب الفتاة وترتدي ثياب الفتيان في مثل سنها، وتقص شعرها، وتختفي وراء القناع الذي اختارته لنفسها. غيرأنها لما بلغت سن الرشد، جعلت من كل هذا المزيج ثراء انتمت به إلى بني الإنسانية... لا للغة معينة أو لجهة بذاتها أو لثقافة خاصة. سيما أنها، وفي سن التاسعة، كتبت أولى قصصها، بعدما اكتشفت موهبتها ورغبتها في الكتابة، التي قالت عنها، في وقت لاحق: "الكتابة هي وطني الحقيقي، والمكان الذي أعيش فيه حقا، والأرض الوحيدة التي أسيطر فيها..." فكتبت روايات لفتت إليها الأنظار، كصوت من الأصوات الشابة الباحثة عن موقع لها في فضاء تشتبك فيه الأصول واللغات والثقافات والميول العاطفية. فنالت تقدير النقاد وإعجابهم. ومن أهم رواياتها: الرائية المحظورة (1991)، وقبضة الموت (1992) والعمر الجريح (1998) ويوم زلزال (1999) والمسترجلة (2000) والحياة السعيدة (2002) والدمية بيلا (2004) وأفكاري السيئة (2005) وقبل الرجال (2007) ونادوني باسمي الشخصي (2008)...
وفي هذه الروايات، أظهرت الكاتبة نضجا أدبيا وفنيا كبيرا، فحصدت الجماهيرية ومحبة القراء،ومتابعتهم الدائمة لأعمالها، إضافة إلى العديد من الجوائز الأدبية المرموقة.
ومعلوم أنها في جل رواياتها تطرح أسئلة الهوية والرغبة والذاكرة والكتابة والطفولة والاقتلاع من الجذور، والحب... ناقلة إيانا إلى عمق الأحاسيس النبيلة بلغة بسيطة وأسلوب كلاسيكي يلائم الموضوع المختار...
وفي روايتها "المسترجلة" قدمت شهادة روائية وحياتية بعدما حكت بصراحة عن قصتها الشخصية والأسرية كاشفة بذلك عن مثليتها الجنسية، وذلك من خلال عرضها قصص خوف وحب وصراعبين المثليات والمجتمع، وأيضا بعض تفاصيل سنوات مراهقتها، في بلدها الأصلي،الجزائر، والأمر نفسه اعترفت به مباشرة أمام الصحافة، قائلة: "في روايتي الجديدة، اخترت أن أواجه القارئ، وأقول له من أنا".
أما في روايتها "الدمية بيلا"، فإن الكاتبة تستحضر فترة حاسمة في تحقيق هويتها كمثلية جنسيا: "المراهقة التي ترى حبها يزهر لماريون، الصديقة التي تبعث إليها برسائل، والتي تتوصل منها بأجوبة قصيرة ومخيبة للآمال."
وتقول"هناك قبيلة حقيقية من مثليي الجنس، برموزها واستعمالاتها. ثمة ازدراء حقيقي للآخرين. إنها الحماية. أنا، أحيانا، من هذه القبيلة، أي أنني ضمن هذا الازدراء نفسه".

وأكد نقاد كثيرون أن الكاتبة في كلامها عن الحب بشكل عام، وعن المثليات بشكل خاص، لم تنزل أبدا إلى مستوى الابتذال والإفراط، كما اعتبروا أنها تمثل نموذجا ناضجا لأديبة مثلية معاصرة، تحظى بكثير من التقدير والاحترام في الأوساط الثقافية الفرنسية والأوربية. ما جعل وسائل الإعلام تصفها بأنها من ”الكاتبات العصيات على الترويض”، وشبهتها بالروائية البريطانية دوريس ليسنغ والفرنسية كامي لورانس...
تقول نينا بوراوي في روايتها "أفكاري السيئة": “لقد جئت لأن أفكارا سيئة أخرى تحاصرني، تلتهم روحي. داخل رأسي شخص آخر، لا أعرفه، يحمل بيده مطرقة تزعجني طوالالوقت... أود خنقه بيدي. اكتشفت أن أفكاري السيئة هي التي تطارد من أحبهم. أراهافي أجسادهم ووجوههم وكلامهم وكل ما يفعلونه. هكذا، يا عزيزتي يبدأ تاريخ القتلة. استغرقت الليل، حتى الصباح، أحاول التخلص مما في ذهني، أعاهد نفسي، ثم أتراجع، خائفة جدا مما أتحول إليه، تماما مثل الفيلسوف الذي طعن زوجته وظل معتقدا أنه كانيحلم. فأنا لم أعد أسيطر على شيء، وأخشى أن تصبح جرائمي أنصاف أحلام وأنصاف أشباح.

علي بنساعود