جولة انطباعية مع ديوان/بدأت مع البحر

[ريمه الخاني]

إن الاتجاه نحو الكمال ليس بالأمر السهل بل هو هاجس عام تتفاوت إرهاصاته وشجونه وكوابيسه بحجم الحلم الذي يتبناه الطموح.
ولعل القارئ النهم لنمط معين من الإبداع يملك حسا عاليا في التقييم والتقويم.[1]
ولعل الناقد العراقي سالم وريوش الحميد وضع يده على أول الخيط في مشوار الرحلة نحو الكمال ، ذاك المشوار المضني، قائلا[2]:
الكمال نسبي لا يمكن ان يصل إليه الإنسان مهما بلغ من القدرات سواء أكانت تلك القدرات مكتسبة أو فطرية ، من يملك مثل هذه الفوبيا فهم مرضى فحتى الأخلاق والمثل والقيم تجدها نسبية لذا فالوصول إليها لايعني الوصول إلى الكمال ، أما من ناحية القدرات الخارقة في أي مجال تجد هؤلاء الخوارق متميزين في أشياء محددة دون أخرى ، وعلى سبيل المثال هيلين كيلر الفتاة الصماء والعمياء كانت تعتبر معجزة إنسانية واستطاعت أن تتغلب على إعاقتها وتتعلم القراءة والكتابة والنطق والحصول على البكلوريوس في العلوم واستطاعت أن تؤلف 18 كتابا ، والدكتور ستيفن هوكينغ الذي أصيب بمرض التصلب الجانبي لكنه قاوم المرض لمدة تقارب الخمسين عاما ويعتبر من أهم علماء العصر بعد أنشتاين في علوم الكون علما أنه يتحكم بحركته عن طريق حاسوب مبرمج على حركة رأسه وحركة عيناه ويلقي محاضراته العلمية بواسطة جهاز نطق آلي مبرمج على الحاسوب .. هذان الشخصان تحديا إعاقتهما وحققا ما لم يحققه الكثير من الناس العاديين الذين يتمتعون بالكمال البدني ..
لذا وفي عالم الشعر حصرا،لا يتفوق الشاعر إلا بما حققه من نقاط تأثيرية، بمعنى أن يكون جل شعره جزلا، محركا للمشاعر متواصلا مع الجمهور ومحققا تلك النقطة التواصلية الإيجابية.
ربما تكون تلك المقاييس عالية كذلك تنحو للكمال، لكنها لن تكون أكثر ظلما من تلك المسابقات التي نراها عبر الرائي والتي كما نرى والله اعلم لا تحابي أحدا..
ما دعاني لذلك ديوانا سمي باسم: بدأت مع البحر.. للشاعر " محمد عبد الله البريكي.[3]
هو عنوان ذاتي خاص بمؤلفه ، هذا أول ما يخطر في الذهن،أما إن تصفحت الديوان فتراه هواجس نفسية تظهر مدى إجادة الشاعر للنظم لكن قصائده ليست على نفس المستوى الشعوري، ونقول الشعوري وليس الإجادة الشعرية، فالشعر شعور ، وإن لم يحقق تواصلا مع القارئ فعليه أن يقدم تجربة أخرى تثبت شاعريته.
من أجمل ما قرأناه في الديوان : خلوة الصوفي، على شفاهك الماء، استويت على الجودي، اساقطت شعرا،لتضيء حولك،الظل يطرده الضياء
براءة.
لا يهمنا في هذا المقام ما حصد صاحبه من جوائز(فهو مدير بيت الشعر بالشارقه ومكاتب ومقدم برامج) نحن نحكم من نافذه نظرتنا الخاصة كقراء ، قد نصيب وقد نخطئ، وبكل الأحوال، كانت تلك القصائد منظومة على البحور تقليدية، وهي سيدة الشعر والشعور.
الديوان حوى 145 قصيدة بين طويلة وقصيرة بين تفعيلية وعمودية، [4]
الغلاف كان مجيبا حرفيا للعنوان، بكل الأحوال سنورد بعضا مما قرأنا فيه:
خلوة الصوفي:
في خلوة الصوفي تحرق مدمعك
يا أيها الباكي سكوتك ضيعك
لم تلق إلا ثوب حزنك سامعا
لم تدر هل رقعته أم رقعك
شهق الرصيف وأنت تحضن ضلعه
والطير يسأل من سيحضن أضلعك؟
وطن تنام على حروفك عينه
أخبره عن سر التبتل والجوى
فلربما يحنو ويكمل مطلعك
واخرج من المحراب بعد تصومع
فلطالما احترق الحنين فصومعك
واركب على خيل القصيدة داعيا
سيكون رب الكون في المسعى معك
واطرق كيوسف بابه وشعوره
يا أيها المسجون قل ما أفزعك
سيبوح سلطان الشعور بأمره
وتبوح أنت بما شقاك وأوجعك
*************
في هذه القصيدة التي تشبه السخرية، ينفرد الشاعر بوجهة نظره نحو الزاهدين المتصوفين ، رغم أننا دوما لا نعمم.
علي شفاهك الماء:
لم العويل وهذا القلب ما كفرا
وخيمة الليل ليست للرجا حجرا
توسد الظلمة العرجاء أمنية
وتنقر الحلم حبا ناطرا مطرا
هذي السماء وهذا الليل مد يدا
حنونة تطعم الأشراف والفقرا
على شفاهك هذا الماء ترفده
أفلاج توق بها نبض الحنين جرى
وخلف ظهرك أمٌ وابتهال أب
بخافقين أمام الآه ما زفرا.
*********
اساقطت شعرا(إلى مصر وطن الأحبة)
بح لي بما شئت واسق الدمعة القمرا
لي دمعتان وحرفي يسحب الوترا
كأن أغنيتي أحضان عاشقة
تضم أهرامها فاساقطت شعرا
كأنها صورة عيناي من ولهي
مابين كراستي صارت لها أطرا
كأن خلف فمي عصفورة سجعت
وكنت ألمح قلبي قد نما شجرا
رويته من حنبن النيل فاتسعت
أفلاج عزفي لتسقي في الضلوع قرى
كأن مصر سماء تحتها دول
تمد للغيم كفا يستقي مطرا
وتحت أضلعها للوصل مئذنة
يرتل الحب في أرجائها سورا
كأن من أسر التاريخ لوعته
يضم عمرا بها أو يلتقي عمرا
في عين جالوت وحي من حكايتنا
وللرجال لهيب يقذف الشررا
وحول أزهرها نور به انطلقوا
وبلغوا عن أمانيهم كنائسها
وسفرها صافح الترتيل مختصرا.
لاشمس في الأرض إلا شمس وحدتنا
وضوءها لغد نمحو به الخطرا
يامصر ياغصن قلبي من سيمنعني
عن الغناء الذي أهديته وترا
تسوقني أغنيات لم تكن بفمي
إلا لتسكن قلبا بالحنين سرى
سأفتح الآن صدري تنظرين به
هذا هواي الذي بين الوريد جرى
كأنني قيسك المجنون يحسدني
ليلي وأحسد في أجوائك القمرا.
***********
من التفعيلي:
طاحونة الوقت:
تنوم في خدها وردتين
تعلقتا بسماء العيون
فأمطرتا ربع قرن من اليأس
في دمعتين
ومازحتها بأصابع من لمسة القطن
تمسح ما خلفته السماء
على خدها من قشور
ورطبت ساقيه الوجه.
**************
إن الشعر التفعليلي يكاد يكون عموما شيفرة تضمر معان أكثر مما تبوح،وربما كان هذا خير غرض يحويه هذا النوع من الشعر.
كانت هذه جولة سريعة في رحاب ديوان: بدأت مع البحر، حيث كنت أقلب مكتبتي للبحث عن كتاب جديد أقرأة.
د. ريمه الخاني 20-4-2015

---

راجع تقويمنا حول هذا الموضوع : صباح الخير(231)تقييم وتقويم[1]
http://omferas.com/vb/t43346/


[2] راجع رابط الدراسة: في المصطلح النقديي المصطلح النقدي:
http://omferas.com/vb/t55827/




[3] المزيد عن الشاعر:
https://www.google.com/search?q=%D9%...sm=93&ie=UTF-8


[4] (لمصطلح عمودي معنى أعمق انظر لكتابنا –خصوصية الأدب لنيل الأرب)

[عدنان كنفاني]

نشيطة ومجتهدة ومستمرة.
ع ك