عالم ابو نواس
-----------
كعادته دائما جلس " أبو نواس " يكتب احدى قصصه أثناء أوقات العمل الرسمي , عندما فاجأه المدير بالدخول عليه فى مكتبه بشكل مستنفر وغاضب ,.. فارتبك " أبو نواس " واحمرت وجنتاه وارتجفت اصابع يداه وعينا المدير تتطاير كالشرر على الاوراق المتناثرة فوق مكتب " ابو نواس " وما هى الا لحظات حتى سأله المدير :
- ماذا تفعل يا أبو نواس بهذه الاوراق المتناثرة على مكتبك ..هه … هل هى قصة أخرى ..؟؟ بالطبع انت لا تجيد شيئا غير كتابة القصص وملء الصحف والمجلات بأقذر الكلمات ..!! غضب ابو نواس على هذه الاهانة المقصودة والمتعمدة ورفع حاجبيه الى أعلى وهم بالحديث والدفاع عن نفسه وعن كرامته الشخصية ..ولم يمنحه مديره فر ررصة للكلام ومد يده ليتناول الاوراق التى يكتب عليها .. وقبل ان تصل يد المدير الى أوراق القصة التى يكتبها .
قطع ابو نواس الطريق على يد المدير ومنعه من الوصول الى اوراقه الغالية على قلبه … فثار المدير ونظر الى ابو نواس نظرة غاصبه وقال :
-هكذا اذن يا ابو نواس ..!! اعطني هذه الاوراق 000
- ابعد يديك عن الاوراق .. لا شأن لك بها ..
- سوف ترى كيف أعلمك أدب المعاملة مع رؤسائك ..
- اننى مؤدب واستطيع تخريج مدرسة كاملة من المؤدبين .
- ووقح أيضا .. لا تجيد سوى صناعة الكلام والقذف بها ..
- ارجوك 000 احفظ مركزك ولا تندفع وراء أهوائك .
- مادمت وقحا الى هذا الحد فلن اتهاون معك , وسوف يكون اليوم آخر
ايامك فى العمل معي ..!!
وكان ذلك اليوم يوم أخير فى عمل ابو نواس الاداري ..
***
لم يحزن ابو نواس كثيرا فقد كان العمل الاداري يثقل كاهله ولم يكن يحبه او يعشقه فحمل متاعه واوراقه وذهب متقدما للعمل فى احدى الصحف التى يكتب لها بين الحين والاخر , فاستقبله رئيس التحرير ببشاشة وود واعدا اياه بكل خير وكان ذلك فى وظيفة تحت الاختبار كمساعد محرر فى الصحيفة حيث يثبت جدارته وكفائته وينتقل الى درجة محرر ثم محرر اول ثم رئيس احد الاقسام التحريرية حتى يصل الى ادارة التحرير , عملية طويله وليست قصيرة وصعبة وليست بالسهلة فى عالم مبدع وحقيقي , وهو ما يبحث عنه ابو نواس ولا يريد سواه رغم ان هناك صحفا تجعل من الشيال فى بعض الاحيان رئيسا لقسم الاخبار وتعطى الجاهل صفحة القراءة , وتقدم للأمي صفحة الثقافة والفن ..!! لكن ليس هذا مناه او مراده , فهو يعلم قدراته ولا يريد ان يقفز عليها خوفا على نفسه وعلى الناس , والقفز هواية يفضلها غيره , لكنه لا يحبذها ولا يريدها لأن نظرته الى المستقبل هى التى تحكم موقف الحاضر عنده , وتؤطره فى الاحتكاك بالمبدعين الحقيقيين لكي يصل الى الابداع الحقيقي .. وبدأ عمله مع الصحيفة بحماس وشغف وقويت العلاقة بينه وبين المحررين من زملائه السابقين له لما لمسوه فيه من حب للعمل يغرقه فى التحقيقات والمتابعات والملاحقات لا يكترث بما حوله وبمن حوله ولا يهتم بأحد حتى اختلف يوما مع المحرر المسئول عن الصفحة التى يساعد فى تحريرها على موقف أدبي له من قضية سياسة واحتد بينهما الحوار والنقاش رافضا ابو نواس : ما السبب ..؟؟
- انه يوحي بتأييد طرف على آخر 000!!
- وماذا فى هذا 000؟؟
-الطرف الذي تهاجمه يؤمن لنا اجازاتنا ..
- تبا لاجازاتكم عندما تطالبني بتحييد الكلمة الحرة الصادقة .
- تبا لك ان انحيازك لطرف يثيرني ولن اسمح به 000
- وهل انحيازي على خطأ ام على صواب .. هل يستند للباطل ام يستند للحق بالدلائل والقرائن 000!!
- حتى لو كان يمثل الحق ذاته فلن تنشره الا على جثتي .
- ما دام الامر كذلك فليكن رئيس التحرير حكما بيننا 000
وقبل ان يدخل ابو نواس على رئيس التحرير كانت السكرتيرة الحسناء جدا والفاتنة جدا تخرج من مكتب رئيس التحرير وهى تبتسم , وما ان التقت عينيها بوجه ابو نواس حتى قلبت الابتسامة الى تكشيرة مخيفة ورهيبة .. وسألته عما يريده بلهجتها الناعمة المميزة , فتذكر ابو نواس ان اسمها جوزيفين وتدين بالولاء للطرف الذي يهاجمه فى الساحة السياسة فلم ينطق بحرف وأمسك ورقة وقلم كتب بها استقالته من العمل الصحفي .
***
وحمل متاعه واوراقه ليبحث لنفسه عن عمل جديد ولم يجد امامه سوى وزارة التربية والتعليم ليعمل بها مدرسا خاصة وانه يحمل شهادة فى الادب العربي وحددوا له موعد المقابلة فاستعد لها ذهنيا ونسى ان يصلح من شأنه الشخصي ومظهره الخارجي فدخل على اللجنة بهندام غير مرتب وبذقن نبت فيها الشعر , فلاحظ امتعاض الممتحنين لهيئته فحاول ان يرتب نفسه ما امكنه فى تلك الثواني القليلة لكنهم بدأوا استجوابه بجفاء شديد وهو يرد عليهم بقوة وثقة لا حدود لها جعلتهم منبهرين للتناقض بين جوهره ومظهره فسألوا : ما دمت على هذا الاجتهاد فلم يبدوا عليك الاهمال ..؟؟
فرد عليهم : تقصدون هندامي وذقني انها امور لا تمثل قيمة معنوية وضرورية عندي ما دام الاجتهاد الادبي والتربوي سبيلي ومنيتي وغايتي ..!!
فقالوا : لكن المظهر أمر تربوي ضروري وهام وسوف نضع هذه الملحوظة عليك رغم قبولنا اياك فى العمل وحياهم ثم خرج من عندهم وهو لا يعلم ان تلك الملحوظة التى لم يكترث لها ستكون حجر عثرة بينه وبين ادارة المدرسة التى عمل بها فمهما اعتنى بنفسه وبمظهره , فقد كان المدير يقول له بين الحين والاخر :
ان لون البنطلون غامق يفضل ان تأتي بلون فاتح 000
أو يقول له : لا تضع القميص تحت البنطلون بل ارفعه فوق البنطلون 000
وفى مرة ثالثة 000 لماذا تقيد نفسك بالبدلة لا داعي لها فى العمل المدرسي00
ومرة رابعة يقول : لماذا لا تتزوج فتهتم بك زوجتك وبملابسك 00
وبعد تكرار تلك الملاجظات الجوفاء المقرفة انفجر ابو نواس فى وجه مدير المدرسة قائلا : لعنة الله عليك وعلى من عينك 000!!
ولم ينتظر اكثر من اربعة وعشرين ساعة حتى وصله قرار الفصل من عمله دون تأخير 000
***
ماذا يفعل الآن 000؟؟ لقد مل هذا العالم وبعد تفكير طويل اتجه إلى إحدى شركات الطيران وقطع لنفسه تذكرة سافر بها إلى حيث يجد لنفسه متنفسا أوسع وأفضل عند أحد السياسيين الذي تتفق آراؤه مع آراء أبو نواس الأدبية واشتكى له العالم المزيف والمنافق والانتهازي فقال له السياسي :-
- لا تهتم يا بني وسوف نجد لك عندنا ما يعوضك عن النفاق 000
- بارك الله فيك 000 وكأنه نطق بشيء غير عادي حيث نظر إليه السياسي نظرة طويلة بعينين متحجرتين وسأله مستنكرا :- ماذا قلت يا أبو نواس 000؟ فارتبك المسكين وقال : لا 000 لم أقل شيئا 000 ولم يعلق السياسي ولكن تقاطيع وجهه لم تكن تبشر بخير في أي مستقبل سياسي لأبي نواس مع هذا السياسي حيث أنهى المقابلة قائلا : تستطيع أن تذهب الآن …!! فسأله أبو نواس باهتمام : إلى أين...!!
ونظر إليه السياسي مليا ثم قال له : إلى حيث تريد 000!! فاستنكر أبو نواس متسائلا : وهل أعود إليك 000 ؟؟ فقال له السياسي : ارجع إلى بعد أسبوع 000 ورغم مظهر السياسي المحبط لأي أمل فقد عاد إليه أبو نواس بعد أسبوع فاستقبله مدير مكتبه قائلا له : لقد ترك لك الباشا هذه التوصية 000 فصدقت ظنون أبو نواس وزادت خيبة أمله وهو يقرأ التوصية الموجهة لصاحب مكتبة اسمه – الشيخ عبد الكريم – الذي ما كاد ينتهي من قراءة التوصية الموجهة إليه لإيجاد عمل في مكتبته لأبي نواس موقعة باسم ذلك السياسي حتى مزق الورقة ورمى بها في وجه أبو نواس قائلا :-
هذا الفاسق ماذا يريد 000 ؟؟
- فدهش أبو نواس من هذه المقابلة وسأله بغضب : ما هذا يا سيدنا 000؟؟ إنك تصلي وتعرف الله 000!!
- فصرخ الشيخ في وجه أبو نواس قائلا : لأني أصلي وأعرف الله أقول هذا الكلام وإن لم تبتعد عني فسوف تعرف أن الله حق أيها الملحد 000 !!
- واستغرب أبو نواس قائلا ... ملحد 000 انتظر يا مولانا 000 !! إنني رجل مسلم مثلك أصلي وأصوم وأبحث عن عمل أستطيع أن أؤدي به فريضة الزكاة والحج إن شاء الله 000!!
- فكشر الشيخ عن أنيابه : إنني أعرفه ,, هكذا هو دائما يرسل إلينا بعض من أمثالك لكي ينقلوا إليه أخبار جماعتنا الإسلامية وزفر أبو نواس زفرة حادة وهو يقول : سامحك الله يا مولانا سامحك الله والسلام عليكم وبدا على الشيخ الصدق والتأثر فنادى أبو نواس الذي رفض الاستجابة لندائه ومضى في طريقه لاعنا الدكاكين السياسية التي انتشرت كالنار في الحطب مبتعدا عنها إلى أحقر غرفة في أحقر فنادق تلك المدينة ..!! عازلا نفسه عن باعة السياسة المتجولين داخلها