الشبكة العنكبوتية، وتأثيراتها الاجتماعية


الكاتب والباحث احمد محمود القاسم

خلق عصرنا الحالي، عصر العلم والتكنولوجيا والمعلومات، وظهور الاتصالات المتقدمة الحديثة، خاصة، ما يعرف بالانترنت أو الشبكة العنكبوتية، والموبايل أو الهاتف النقال أو الخلوي وظهور الساتالايت وخلافه، ثورة كبرى في انتقال الصوت والصورة، وفي المحادثات، وتبادل المعلومات، وفي العلاقات الاجتماعية والثقافية بين البشر، على مستوى الكرة الأرضية، فانتقلت الثقافات والحضارات والعادات والتقاليد، من مجتمع لآخر، وتفاعلت وتصارعت بين معظم دول العالم، من اقصى شرقها الى اقصى غربها، ومن اقصى شمالها الى اقصى جنوبها، واصبحنا كقرية صغيرة واحدة بحق وحقيقة، نعرف بعضنا بعضا، ونعرف كل صغيرة وكبيرة، تحوم من حولنا، وما يحدث تقريبا في كل بلاد العالم، من تغيرات واحداث، سواء جيولوجية او مناخية اوسياسية أو اجتماعية أو علمية وغيرها، بكافة اشكالها والوانها ومضامينها، كما انتشرت الصداقات وعلاقات التعارف بين الأفراد، من كلا الجنسين، بشكل لم يسبق له مثيل، وانتقلت المعلومة والكلمة، بأقصى سرعة من مكان لآخر، وانتقلت الأحداث وتفاعلاتها، من ساحة لأخرى، وقت حدوثها، باسرع من البرق، فكان الحدث يتفاعل مع عامة الناس في لحظته، ويتأثرون به، ويبدون انطباعاتهم عليه، بشكل فوري، باحاسيسهم ومشاعرهم وانفعالاتهم، والتعبير عنه كتابة، على الشبكة العنكبوتية، او بالاتصال عبر الهواتف الخلوية وخلافه، من وسائل اتصالات مختلفة.
كما اصبحنا نسمع ونقرأ التعبير الحر، عن خوالج المرأة في كافة انحاء العالم، وخاصة المرأة العربية، بكل جرأة وشجاعة وصراحة، واصبحت المرأة العربية، تعبر وتعلن عن مكنونات نفسها، ولا ترهب بقول كلمة الحق لومة لائم.
انتشرت ظاهرة التسويق التجاري للبضائع والسلع والخدمات عبر الشبكة العنكبوتية، من الشركات الكبرى الى الأفراد مباشرة، فاصبح بامكانك الحصول على السلعة او الخدمة المطلوبة، حسب المواصفات التي ترتأيها مناسبة، وتصلك الى مكان تواجدك، وحسب وقتك المناسب، كما ساعد التقدم العلمي بالشبكة العنكبوتية والاتصالات، الى انتاج الكثير من الأجهزة العلمية والطبية والصناعية والفلكية، التي من خلالها، تستطيع الوصول الى اي مكان تشاؤه.
تقدمت العلوم الطبية والصناعية، واصبح بمقدور الطب الحديث، سبر اغوار جسم الانسان بشكل كبير جدا، وبأدق التفاصيل الممكنة، والوصول الى مكان المرض، ومعرفته ومعرفة اسبابه، وكيفية علاجه الى حد كبير جدا، من خلال ادخال اجهزة علمية دقيقة الصنع، وصغيرة الحجم، قد يصل حجمها رأس الدبوس، او خرم الابرة، الى دم الانسان، وتسير مع الدم، وتنقل للطبيب معلومات مذهلة عن جسمه من الداخل، كل هذا ادى الى خلق ثورة علمية عميقة جدا، وعريضة في شتى العلوم الانسانية والفلكية، غيرت، وستغير وجه الطبيعة والروح الانسانية، على مدى السنين القادمة، بحيث اصبح هناك اختصار للزمن، في شتى الصناعات والمجالات والرحلات العلمية او الفلكية، في ارجاء الكون.
البيليفون او الهاتف الخلوي النقال، كما يحلو للبعض تسميته، صورة مذهلة للتقدم العلمي في مجال الاتصالات الالكترونية، حيث من خلاله، يمكن ان يتحدد مكان تواجدك بالضبط، واصبح بمقدور اي شخص، الاتصال والتحادث مع من يشاء من البشر، في اي مكان من العالم وأي زمان، ويستطيع من خلاله ايضا، تبادل الصور والمعلومات، وتسجيل الاحداث بالصوت والصورة، وقت حدوثها بالضبط، وارسالها لمن يشاء، واصبح به امكانية توثيق الحدث اوالمعلومات، ومن خلاله ايضا، ممكن التزود بالنشرات الاخبارية، وسماع الأغاني والموسيقى، ومتابعة كل ما يدور حولك من احداث، او تغيرات طارئة، ومتابعتها في الوقت المناسب دون تأخير، وبهذا يكون جهاز الموبايل، او الجهاز الخلوي، قد اوجد طفرة نوعية، في الاتصال والتواصل بين البشر، في شتى انحاء الأرض، كذلك، فان جهاز البلاك بيري، والذي من خلاله يمكنك الدخول الى الشبكة العنكبوتية، وتصفح كل ما يشاء لك من المواقع الالكترونية، واجراء المناقشات والحوارات، وتبادل الصور والمعلومات كذلك، وسماع الأغاني والفيديو كليبات وخلافها من اوجه التسلية والمتع المختلفة.
ساعد انتشار الشبكة العنكبوتية في كل مكان، على خلق علاقات الحب والصداقات والزواج بين كافة البشر، من اقصى ارجاء الأرض الى اقصاها، وبذلك زادت اواصر الترابط والتعاضد بين البشر، وتداخلت الثقافات المختلفة، وانتشرت وانتقلت من مكان الى آخر، باسرع من البرق، وتبدلت الكثير من القيم والمفاهيم، في المجتمعات، في كافة المجالات، الثقافية والعلمية والعادات والتقاليد المختلفة، واصبح هناك قبول سهل بين الشعوب، للكثير من العادات والتقاليد المتباينة فيما بينها، في كافة الدول والمجتمعات المتعددة المذاهب، كما انتشرت ظاهرة التعلم عن بعد، بواسطة وسائل الاتصالات هذه.
انتشرت ظاهرة العمليات الانتخابية والدعائية عبر صفحات الشبكة العنكبوتية، من الفيس بوك الى التويتر واليوتيوب وخلافها، الى زيادة التعريف بالشخصيات المرشحة، ومعرفة كل من هو معها او ضدها، وما لها أو عليها، من ملاحظات نقدية سلبية كانت او ايجابية، واصبحت تتشكل مجموعات الضغط او التاييد، عبر الشبكة العنكبوتية ضد او مع المرشحين للانتخابات الرئاسية وخلافها، وعلى مستوى دول العالم، واصبح هناك استغلال شامل، لكل اطياف العمل السياسي من اجل اثبات الوجود، واظهار كافة الامكانيات المتاحة، للتعبير عن الوقائع والحقائق، بصفة حرة وخلاقة، ودون اي عراقيل تذكر من أحد.
رغم الايجابيات الكبيرة للثورة العلمية، في شتى المجالات المختلفة، لكن مع الأسف الشديد، فان ابناء بني البشر، لا يستفيدون منها كلية، وقد يكون السبب هو في تسارع الأحداث والطفرات العلمية، وعدم قدرة الانسان على متابعتها كل يوم، او انه سيضطر الى تغيير كل ما لديه من اجهزة علمية وتكنولوجية، سواء كان جهاز كمبيوتر او سيارة او تلفزيون او آلة تصوير ديجيتال او آلة فيديو وخلافه. فالتغير في طبيعة هذه الاجهزة وحجمها، وما بها من تكنولوجيا متطورة في تسابق مع الزمن، فالاختيارات في جهاز الموبايل او الخلوي مثلا، اصبحت بالعشرات، والتي قد لا نستعملها كلها، والبعض القليل منها ما يلزمك في حياتك العملية اليومية، ولكن البعض منا، يشتري ويرغب ان يحتفظ بكل ما هو جديد ومتطور، حتى وان لم يكن بحاجة الى استعماله الا احيانا نادرة جدا، مع انه يدفع ثمنا غاليا أحيانا، كي يشتري الجهاز المحتوي على خيارات اكثر.
سهلت الشبكة العنكبوتية كثيرا على طلبة الجامعات، ورواد الابحاث والدراسات العليا، وحتى كافة الطلبة في الدراسات الثانوية وخلافها، سهلت عليهم الحصول على كافة المعلومات الضرورية، بالصوت والصورة، وبأدق التفاصيل المطلوبة، ولكن الكثير من الطلبة بكافة فئاتهم ومستوياتهم، لا يستغلون اوقاتهم بشكل كامل للاستفادة من التقدم التكنولوجي ومن هذه المعلومات، في حياتهم التعليمية، وحتى العملية.
الشبكة العنكبوتية تحتوي كافة انواع الكتب الألكترونية، والمراجع العلمية التي يمكن لطالب العلم الاستفادة منها في الحصول على المعلومة المطلوبة بكل يسر، ويستطيع ان يحتفظ بمئات الكتب وحتى بمكتبة كاملة على قطعة الفلاشر او (يو.اس بي.) بينما هذا كان مفقودا كلية في السنين التي خلت، وكان الفرد يتصعب عليه كثيرا الحصول على المعلومة، وكيفية التاكد من صحتها.
ما يحدث في عالمنا العربي من ثورات، كما حدث في تونس ومصر ومرورا في ليبيا واليمن وسوريا وغيرها من الدول العربية، ساهم بنشرها والاسراع بحدوثها، التقدم العلمي التكنولوجي، وخاصة مجال الاتصالات والفضائيات بكافة انواعها، وكذلك انتشار الكمبيوتر والشبكة العنكبوتية، وما تفرع منها كالفيس بوك والتويتر واليوتيوب وخلافها. ولا شك انه لن يكون هناك وجود للأسرار والأمور الخفية بعد اليوم، ولن يظلم انسان على وجه الارض دون ان يسمع به كل ابناء الكرة الارضية، وسيهب الجميع لنصرته والمطالبة بحقه والدفاع عن انسانيته، ولن يطول مجيء مثل هذا اليوم في كافة ارجاء عالمنا المعاصر.

يبقى أن نقول بأن هذا التقدم العلمي المذهل في مجال التكنولوجيا الألكترونية، اذا لم نتمكن من التأقلم عليه واستيعابه بقدرة وكفاءة جيدة، سيخلق لدى الانسان المعاصر ما يعرف (بصدمة المستقبل) (Shock of Future)، و(يعود مصطلح صدمة المستقبل، الى كتاب يحمل عنوانا بنفس المصطلح، وضعة الكاتب الامريكي (الفين توفلر) في مطلع السبعينيات من القرن الماضي، حول المجتمع مابعد الصناعي. وتتركز فكرة توفلر، حول الفجوة بين معدل التغيير في البيئة، بفعل التكنولوجيا، وثورة المعلومات، وبين معدل استجابة الافراد وتكيفهم مع هذا التغيير.
يرى توفلر ان البيئة تتغير بايقاع اسرع كثيرا، من ايقاع استجابة البنى الاجتماعية والقيم الثقافية، وبازدياد هذه المشكلة حدة، تزداد الفجوة اتساعا، وما ينجم من اغتراب وخلخلة مستمرة في البنى الاجتماعية والثقافية والسياسية).