الباب الثاني
الفصل الثالث
الفرد – المجتمع – الكتاب – التلفزيون
" الإخوة والشيطان "
لا يغير التلفزيون ويقلب التوازن بين عمر الفرد ، وعمله ، ومكانه ، وتسليته وترفيهه فقط ، بل انه يغير ويقلب التوازن بين غذاء جسده وغذاء عقله وذكاءه ، وإذا غلب على الفرد عدم التوازن بين غذاء الجسد ، وغذاء الذكاء في الحياة ، أصبح ذكاء الفرد يسوده التفكير العملي ( 1) وهو أدنى أنواع التفكير ، ويغلب هذا النوع من التفكير على قارة أفريقيا بكاملها ، وعلى العالم العربي بوجه الخصوص .
ولهذا السبب الرئيس وغيره من أسباب هامشية ، يظل الذكاء الافريقى ، وذكاء الفرد والمواطن العربي ، في مؤخرة الذكاء البشرى ، ولا يرقى هذا العقل ويبدع ، ألا إذا خرج من هذه البيئة الأفريقية ، والعربية ؛ لان البيئات الاجتماعية الأخرى تجعله يخرج من تقوقع تفكيره حول التفكير العملي ، إلى أنواع أخرى من التفكير ، متقدمة ومتطورة .........
فإذا كان لكل فرد أو شخص ،زمان ومكان ، يقضى خلالهما حياته وعمره ، فإنه أثناء مرور عمر الفرد ، يحتك ويختلط بالأفراد والأشخاص الآخرين في مجتمعه ، ففي البداية ؛ يكون الفرد داخل أسرة ، والأسرة داخل عائلة ، والعائلة داخل قبيلة، والقبيلة داخل دولة ، والدولة داخل مجتمع دولي ، والمجتمع الدولي يشمل جميع أبناء ادم .وبالطبع يتعامل الفرد في تعاملاته المباشرة مع أفراد أسرته وجيرانه ، وزملاء الدراسة ، ثم زملاء العمل ، وغيرهم الكثير والكثيف .
فالفرد في كل كبيرة وصغيرة من حياته ، يتعامل مع مجتمع الزمان والمكان الذي يعيش فيه وعليه ، ومن المستحيل أن يعيش الفرد بدون مجتمع ، لدرجة أن أرسطو قديما" قال : "أما من لا يعيش في جماعة أو من يستغنى عن الجماعة، فهو إما بهيمة او اله "( 2 ) ولكن أرسطو لم يكن صائبا" إلى حد كبير، وليس هناك اله غير الخالق عز وجل .
فالفرد في المجتمع تكون لديه متطلبات حياة ومعيشة ، ومصالح ، وله تطلعات وطموحات ، وأهداف ، فلابد له من الاحتكاك بالمجتمع ، وان يقيم علاقات مع أفراده لتحقيق هذه الأهداف والطموحات ، ولتلبية متطلبات الحياة ، فالفرد لا بد له أن يشترى شيئا" من بائع ، وإذا مرض يحتاج إلى الذهاب الطبيب ، ولابد أن يكون له أصدقاء ، ولابد له من التعامل مع أصدقائه في العمل . وفى نفس الوقت له حقوق على هذا المجتمع ، وعليه واجبات والتزامات تجاهه.
ولكن خلال ممارسة الفرد لأنشطته وتعاملاته الاجتماعية ، قد تتعارض مصالحه ، وحقوقه مع أفراد آخرين في هذا المجتمع ،وهذا التعارض قد يسبب العداء الذي يولد التنافس الذي قد ينقلب إلى صراع ، والصراع بين أفراد المجتمع ، يفسد هذا المجتمع ، ويسبب له الخسارة ، ويهلك البشر والزرع ، والبهائم وكل الخدمات التي تقيم وتسهل حياة الأفراد ومعيشتهم .
وبدلا" من الدخول في صراع ، على الفرد أن يستخدم ذكاءه في التوفيق بين حقوقه الاجتماعية وواجباته ، في خلال مراعاته لمصالحه ، وعليه أن يوفق بذكائه بين إرادته ، وإرادة الآخرين ، وإرادة المجتمع ؛ بمعنى أخر على الفرد أن يستخدم ذكاءه للتوفيق بين متطلباته الشخصية ، ومصالحه ، وطموحاته ، وإرادته ، وأهدافه ، دون أن يتعارض ذلك مع أفراد المجتمع الآخرين ، أو الخروج على قوانين هذا المجتمع ، أو إفساده ، وهو الذي يعتبر مصدر من مصادر تقوية ذكاء الفرد ، وكذلك يمارس فيه ، ومن خلاله الفرد ذكاءه .
ويقوم التلفزيون بدور مزدوج في تعطيل ذكاء الفرد ، فهو من ناحية يقلل أو يكاد يلغى التفاعل الاجتماعي بين الناس ، للدرجة التي معها أن عمليات البيع والشراء تتم الآن عبر شاشة الكمبيوتر ، أو التليفون المحمول ، والتفاعل الاجتماعي هام جدا لنمو القدرات العقلية والذكاء العام للفرد " فالذكاء نشاط إنساني تغذيه الصلات الإنسانية والإحداث " ( 1 ) والتليفون يقوم بعزل الفرد اجتماعيا ، كما انه يعرض ما يتعارض مع القيم الاجتماعية والقواعد الدينية ، والسلوكيات العلمية وكأنه " يبدو الآمر انه بغير الإمكان تقديم عرض تلفزيوني يخلو من رجل وأمراه وهما يمارسان الجنس ، أو مشهد معركة أو مشاجرة ، أو قتل أو كائن شاءه من كائنات الخيال " ( 2 ) في حين أننا في الحياة الواقعية الاجتماعية لا نمارس الجنس بهذه الطريقة ولا نمارسها أمام الناس .
كما أن المجتمع لا يحبذ العنف ولا يدعو إلى العراك والتقاتل والتفجير ، ولا تقابلنا في الطرقات كائنات خياليه من كواكب أخرى ذات ثلاث عيون ... !!!، ولكن بسبب كثرة تعرضنا ومشاهدتنا ، لما تعرضه علينا القنوات والمواقع التي تهبط على شاشاتنا من كل مكان " فما كان يعتبر شذوذا" من قبل ، مثل المثلية الجنسية سيحظى بالقبول " (1 ) فالتلفزيون يغير ثوابت العقل البشرى إلى الأسوأ ، الذي يجعل معه اختلال في الحياة الإنسانية ؛ وبسبب تشويه العقل ، يتم تشويه الذكاء .
وأيضا" بسبب عزل الفرد عن المجتمع ؛ يصبح أكثر ميلا إلى المتع الجسدية ، وأكثر ميلا" إلى أتباع الهوى ، دون مراعاة للمجتمع وآدابه، وعقليته ؛ فالتلفزيون يزرع في الفرد الذاتية والأنانية ، ويجعله اقل أحساسا" بالمجتمع ، واقل تعاطفا" مع الآخرين ، ويجعله سلبيا" ، لا يميل إلى الانخراط في الشئون العامة للمجتمع ، والمشاركة فيها ، مما يجعل ذكاءه منخفضا" للغاية ....
أما من ناحية أخرى، فان التلفزيون يمنع الفرد من تغذية ذكائه ؛نعم ... فالذكاء يتغذى ، كما يتغذى الجسد ، وغذاء الذكاء المعرفة ، ويستمد الذكاء غذاءه من المجتمع المحيط ، عن طريق التعامل معه ، والاحتكاك به ، وعن طريق الكتاب ، ولكن الكتاب هو المصدر الرئيس للمعرفة ولتغذية الذكاء ، فقد يكون
للاطلاع على بقية الموضوع يرجى الرجوع الى كتاب ( الذكاء والتلفزيون ) للمفكر والاديب فؤاد سلطان e-mail : fost70@yahoo.com