أفعى
من نوع آخر


أمسك رجليه بيده وانزلق بجسده بعيدا عن وسط الزنزانة، انكمش على نفسه في الزاوية، محاولا اتقاء الماء المسكوب على أرضها الاسمنيتة الخشنة، أغلق عينيه ودفع رأسه بين ساعديه، أحنى ظهره قليلا، فأصبح كجذع زيتون ملتف على نفسه، الرطوبة تتسلل من الحائط بخبث ودهاء، إلى جسده المنهك من شدة التعذيب، كان الظلام قاسيا، يكبل مكامن النفس المتوثبة، ينشر سواده القاسي بجمجمة تخض بالأفكار والتساؤلات، هواجس تجول، تخبط في الوعي المترنح، تتشكل عقدا، نتوءات كدمامل محشية بالقيح، الجو كله مشحون بثقل الحدث، ثقل غريب تربع فوق صدره، كجلمود صوان صلب متفرع الأخاديد في نبضاته المتسارعة، تحسس بنطاله الغارق بالمياه الباردة النتنة، قرب كفه من انفه، اجتاحه قرف ممض.

ماذا يريدون مني؟ ضغط السؤال على مروج نفسه الفسيحة، هل يمكن أن يكونوا؟ هل عرفوا عني شيئا؟ لا، لا يمكن، العنقاء أكثر امكانا من ذلك، المستحيل ذاته قابل للتحول نحو الممكن، كيف سيعرفون عني؟ أنا لم أتحدث مع احد بالأمر، أنا واحد، والواحد لا يخرج سره، لم يراني احد على الأرض، حتى الليل، بعيونه المضيئة المتوهجة، لم يدرك ما حصل، تنبه للأمر بعد فوات الأوان، أصيب بالذهول، بالدهشة، بالاستغراب، بحث جوف عيونه، لم تكن تحفظ أي صورة، أي صوت، مما حدث، أرهق نفسه، وأرهق عتمته الواقبة، لكنه ظل فاغرا فمه، كمعتوه اقتحمته صحوة مفاجئة.

لحظة ضمته أمه، قبل أن يخرج مكبلا، معصوب العينين، تنشق رائحة غير رائحة ملابسها، غير رائحة عرقها، غير رائحة أمومتها المعهودة، رائحة تفوح من مساماتها لأول مرة، مميزة، ذات نكهة معهودة، لم يستطع أن يحدد نكهتها بادىء الأمر، لكن لحظة هوت البندقية على رأسه، انتشرت الرائحة لتغطيه كله، رائحة تراب معذب، يضخ شوقا، كتراب الآنية التي زرعت أمه بها ذات يوم غصنا جافا من أغصان الدوالي، غصنا ميتا، لا اثر للحياة فيه، لكن أمي ظلت تفتح التراب حوله كل يوم، وتقول:- التراب يجب أن يتحرك من فوق العود، ليدخل الهواء، لتتنفس التربة ويتنفس الغصن، التراب المتراكم، لا يخرج حياة، والغصن بدون عناية، بدون عرق، لا يقدر على النماء، حرك التراب، افتح الطريق للهواء، ونقط بعض نقط من عرق، وانتظر.

ذات يوم، وَجَدْتُ كفة يدها مسطوحة، تنز دما، فوق تراب الآنية، حاولت مساعدتها، لكنها رفضت، قلت لها:- الدماء ستقتل جذع العنب الميت، ضحكت وهي تقول:- وكيف يا فهيم؟ يا متعلم؟ الدم يذهب عميقا، يتجمع في حبات التراب، يمتزج، فلا نعود نراه، مثله مثل الماء.

نعم، فاحت رائحة التراب، تراب عود ناشف من كرمة في الجبل الذي ترتاده أمي، رائحة التراب والعود والجبل، توحدت، لكنها لم تصل انفي إلا حين ضمتني مودعة.

يمًا، يا حبيبي، أنت وحيدي، وسند أخواتك البنات، ليس لهن إلا الله، ثم أنت، أتيت إلى الدنيا بعد عناء، أنا وأبوك، كنا نقوم الليل، ندعي الله، نتوسله، أن يمنحنا ولدا، يكون سندا لأخواته حين نغادر الدنيا، البنات مكسورات الجناح يمًا، حنونات، رقيقات مثل الزجاج، أي شيء يكسرهن، دموعهن مهيأة للشكوى، وهمهن يهد الجبال، صلينا، وقدسنا في الحرم، قبلنا الصخرة التي جلس النبي محمد فوقها- عليه أفضل السلام- حججنا، شربنا ماء زمزم ونحن نبتهل إلى الله بولد، ولد يسند البنات، وحين عدنا، اندفع بطني، تحرك شيء ما بداخله، حركته غريبة، جديدة، يدفع جدار الرحم دفعا، كغاضب، حركة البنات كانت سهلة، كن يسبحن في الرحم بهدوء، لم أحس بهن، ولم اشعر بالثقل الذي اشعر به الآن، لم اشعر بشيء صلب يتكور في زاوية الرحم إلا هذه المرة.

فرحت، وأسرعت نحو والدك، قلت له:- في بطني ولد، تألق بريق عينيه، سيأتي لبناتك سند، سنموت ونحن مرتاحين، بكى، بكاء مرا، التصق بحلقي، غارت مرارته بقلبي، لم يصدق، فالحمل سر من أسرار الله، شعرت باني سأقتله لو وضعت غيرك، ولكني واثقة، نعم، واثقة، فانا اعرف بحاستي انك قادم، أنا أم، والأم تعرف كيف تتحرك الأجنة في الرحم.

أصوات المعذبين تصل أذنيه، عالية، مجروحة، صرخات محقونة بالألم، أشياء تتهاوى، تصطدم بالأرض، فيدوي صدى اصطدامها بقلب السكون والعتمة، كانفجار لغم وسط صحراء مضغوطة، ترى، من هؤلاء المعذبين؟ ومن أي المناطق؟ وكم أم تتلوى الآن على نار القلق والتحسب؟ وكم أخت تقف مشرعة يديها إلى السماء المفتوحة والدموع تنهمر من عيونهن، كانهمار الحياة في زيتون الجبال؟ وكم نفس تقع الآن تحت ضغط عذاب لا يرحم؟

تسللت برودة قاسية إلى جسده المتجلد، انتفض، كل شيء كان عاديا، جرت الأمور بطريقة سريعة، لم يكن هناك أي مخلوق، الناس والشوارع والأمكنة والأزمنة توقفت في تلك اللحظة، الليل يفرش رداءه الأسود، والبرد ينشر صفير رياحه المحملة بالسرعة والهيبة على المدينة بأسرها، لم اسمع حتى نباح كلب ضال، أو نباح كلب اضواه البرد المتمكن من كل شيء، حتى الجرذان نزلت إلى جحورها، والمطر يضرب الأرض بقوة وصخب، مطر، مطر، مطر، والأرض تحني قامتها اتقاء واحتماء من قسوته، في هذا الوقت كان ما كان، وكنت وحيدا إلا من الله الذي يكون في كل مكان، كنت اشعر بوجوده، بحمايته، ببركته، لذلك غصت في تلك الأجواء، اقتحمت هيبتها وسكونها، ومزقت غموضها، ولكني زرعت في رحمها حدثا لا يصنعه إلا الرجال، حدث اقض مضاجع من اقتادوني هنا، أربكهم، فترة طويلة من الزمن، قزمهم، طحن أسطورتهم الكاذبة بين تروسه الضخمة.

شاهد يد أمه وهي تغوص بمجرفة صغيرة في الآنية التي زرعت بها عود الدالية، سألها:- لماذا تجرفين الدالية؟ هل سئمت من انتظارها؟ نظرت إليه وهي تبتسم، وقالت:- يما، الدالية لا تسعها آنية محاطة بجدر، فهي تغوص عميقا في الأرض، تنشر جذورها بكل الاتجاهات، تلاحق المياه، وتفتح في الأرض أخاديدا مدورة، ليدخل الهواء إلى قلبها، ليتغلغل في دمها. وعادت وهي تحمل عودا آخر، فيه نتوءات شوك، عود ورد جوري، غرسته في الآنية ذاتها وغادرت.

أيام مضت عليه، لم يفتح باب الزنزانة إلا لتقديم بعض من طعام متعفن، وبعض ماء أصبح بطعم، تركوه وحيدا، هو يعلم تماما لماذا، يدرك بعمق أنهم يتركونه لهواجسه، لكوابيس الوحدة والليل، لعذاب التوقع والتحسب، تركوه ينهش ذاته، ينهش فكره، يهوي بقاع بئر مهجور، تحيطه الرطوبة، وتقتحمه الوحدة، ونجحوا، نجحوا في جعله يدور في دوامة التساؤل، يدور بأعماق موجة كاسحة، تقتحم كل ثواني أيامه ولحظات عمره، بدأ يفتش، ينبش باهاب الوقت، بجلد الأحداث، بمسامات الأيام، أحس بالإرهاق، بالتصدع، كانت الحيرة تفتك بكل قواه الذهنية، لماذا أنا هنا؟ لا بد من وجود خطأ؟ قد يكون المطلوب شخصا آخر؟ وقد يكون الأمر تشابه بالأسماء فقط، وربما هو اعتقال عشوائي؟

دار المفتاح بالقفل باكرا، قبل موعد الإفطار، نودي برقمه، خرج، الصق بالحائط، كبلت يداه إلى ظهره، وغاص رأسه بكيس اسود ذو رائحة نتنة، وسيق من رباط الكيس كحيوان يساق إلى جهة معلومة.

بدأت أمه وهي تزرع عود الورد بالآنية تتحدث، يما، الغصن فارق أمه ليس لأنه لا يريد البقاء معها، فارقها لأنه يعرف بأنه سيفتح عالما جديدا، سيبرعم، وينطلق خضاره في العيون، في النفوس، لكنه يحتاج إلى عناية، إلى صبر، إلى زمن لا بد أن يمر به ليتحول إلى شجرة كبيرة، تغص بأزار الزهر، يحتاج إلى ماء، إلى حياة، الدالية يما لا تحتاج إلى ماء، فهي ترسل جذورها وراءه، تحدد مكانه وتغوص خلفه، كذلك الزيتون، الزيتون الجيد، زيتون الجبال، لأنه يأخذ حاجته من الماء، حاجته دون أي زيادة، زيتون الجبال زيته حار، وقشرته صلبة، سعره فيه، وطعمه فيه، ولونه فيه، فهو يشبه الأرض، والجبال، فيه عزة وفيه انفه.

خطواته تتراقص مع تراقص قدميه، فحينا يصفع بحائط، وحينا يصفع بيد، وفي حين آخر يتلقى ركلة قوية بين قدميه، العرق يتفصد من جسده، والظلام الغارق بعينيه يزيد من حيرته وتوجسه، كل الأشباح والغيلان اندفعت من رأسه مرة واحدة، تصرخ بأذنيه، وتشد مخالبها على عقله، سواد ملفوف بالسواد، وغموض محاط بالغموض.

قال لأمه وهي تزرع عود الورد المتشقق:- حاذري من الأشواك، فالجوري يملك أشواكا قاسية، تمزق الجلد، وتلهب الجراح، ابتسمت:- من يبحث عن الرائحة الحلوة لا يلتفت أبدا إلى الأشواك، الجرح يندمل، تغطيه التجاعيد والأيام، تمحوه من الوجود، لكن، يوم تتفتح الأزهار، وتنتشر الرائحة بأعماقك وأنت ساجد بخشوع، ستشعر بنشوة، نشوة الأيمان، ونشوة الأرض، الشوك ليس في الورد فقط، الشوك في الناس، في الحياة، وهؤلاء، هم من لا يمحى اثر وخزهم من النفس، ولا تستطيع التجاعيد أو الأيام تغطية الندوب التي يتركوها كوشم خبيث.

تداعت أفكاره كلها مرة واحدة، تزاحمت كمياه نهر في مصب ضيق، على بعد أمتار، أمتار فقط، ينتشر الناس في الشوارع، على الأرصفة، في المقاهي، يتمتعون بالفضاء الواسع الممتد، بالحياة، بالشمس، يضحكون ملء أشداقهم، يتذوقون اللوز والخوخ والتين، يداعبون النسمات المتطايرة من البيارات المحيطة بالمدينة كسوار شديد الخضرة والنماء، والنساء تدفع رائحة الطبخ إلى الأجواء، آه، ماذا أعددت اليوم يا أمي؟ وهل بعثت كعادتك لكل أخت طبق مما أنجزته يدك الطاهرة؟ هل عانقت أولادهن؟ وتنشقت رائحتهم؟ وكيف كان صباحك بدوني؟ هل بكيت؟ هل شهقت؟ وماذا فعلت أخواتي؟ أستطيع أن أرى الحزن الذي سكن عيونهن من مكاني هذا، بل أستطيع أن اشعر بحرقته الكاوية، من هنا، من مكاني هذا، أستطيع أن ألم المخيم في قلبي، أستطيع، وببساطة مطلقة أن اشعر بعود الدالية وعود الجوري وهو يمتد في قلبي، يتوزع تحت جلدي باحثا عن الحياة، عن المرسى الآمن لجذوره وروحه.

دفع إلى داخل الغرفة، ورفع الكيس العفن عن رأسه، بدت الأشياء غائمة، متداخلة، تترجرج، نفض رأسه بقوة، أغلق عينيه وفتحهما، الضابط صغير السن، جميل المنظر، لا تبدو عليه الخشونة، ولا يبدو عليه الصلف أو القوة، مقدمة مقبولة، فكفه ضعيفة كما ساعده، حتما ستكون صفعاته محتمله.
- تفضل بالجلوس. قال الضابط مع بسمة برق زيفها.
- شكرا. وجلس.
- نحن نأسف للتأخر عليك أياما طويلة، لكنه ضغط العمل.
- أتمنى أن ننتهي بسرعة.
- الأمر متوقف عليك انت، نحن نود الانتهاء خلال دقائق، لدينا ما يكفينا من المشاق والصعوبات.
- لم افهم قصدك.
- كلكم من نفس النوع، من نفس الجنس، تأتون هنا وفي رأسكم وعلى لسانكم نفس الكلمات، تتقنون المراوغة، لكنكم في النهاية تحملون القلم وتوقعون. نحن نحاول دائما أن نجعل الأمور سهلة، دون تعقيد، دون عداء أو ضغينة، لكنكم ترفضون، تكابرون، وفي النهاية تستسلمون، تخرون أرضا، هل تود أن أحدثك عن آلاف سبقوك، جميعهم دخل إلى هنا، وجلس على نفس الكرسي الذي تجلس عليه انت، وكلهم، نعم كلهم، قالوا ما قلت، ولكن ماذا حصل؟ كلهم، نعم كلهم، امسك بالقلم ووقع. كان بامكانهم أن يختصروا الوقت، يبتعدوا عن العذاب والرعب، لكنهم ظنوا بأنهم على قدر ما من البطولة، من الصمود، وحين لمس العذاب جسدهم، انهاروا أرضا، بكوا، طلبوا الرحمة، ونحن ساعدناهم، أعطيناهم القلم، ووقعوا، وببساطة انتهى كل الألم.

فرق كبير بين مظهره حين دخلت والآن، انبثقت القساوة مرة واحدة في ملامحه، ورز من عينيه بريق حقد، حقد حيوان جائع على فريسة عصية، كان يتحدث وهو ينبش بعينيه داخل جمجمتي، داخل صدري، أغراه العرق الفائض من جسدي كجدول صغير، واستثارت شهيته طأطأة راسي نحو الأرض، شعرت بالخوف، خوف لم اعرفه من قبل، يختلف عن الخوف من رهبة الليل، أو رهبة الموت، خوف بمذاق غريب، كمذاق المجهول في صحراء نائية، لكنه خالي من الجبن، من الهزيمة، صحيح أن البرودة تسربت إلى مساماتي، برودة تحسب وتوقع، برودة هواجس لا زالت مشتعلة في كياني، انفتحت المدينة أمامي كانفتاح اللون بيد الرسام، اختلطت مشاهدها وتشابكت، ترى، ماذا تفعل أمي الآن؟ أين تجلس؟ لعلها تفكر بما حصل، بل لعلها ترفع يديها نحو السماء، أبي رحل منذ زمن، غادر المخيم وروحه معلقة كقبة ذهبية في كل أرجاء البيت، وحين خرج الناس بجثته إلى المقبرة، قالت أمي وهي تشير بإصبعها نحو قبة السماء المتوهجة كقرص نحاسي منصهر:- هنا سيقيم والدك، ستبقى روحه معلقة كسنديانة فتية حتى اصعد عنده، لا، لا تصدق انه سيغادر من دوني، أنا وإياه، سنختبىء إلى أن تأتي أمطار السماء الحية، عندها، سنخرج، لنلوح للشمس براحتينا المتعبتين، نعم، الأرض تحتاج جسده، ووالدك لم يستطع أن يؤجل نداء الأرض.

لم أسمع كثيرا مما قال المحقق، فقد كنت مستغرقا بحديث أمي، ولأول مرة خطر ببالي سؤال غريب، ما الذي عنته أمي بقولها أن والدي لم يرحل؟ وانه معلق كسنديانة فتية في وسط الأفق المزروع في الكون؟

- حسنا، حدثنا عن تلك الليلة؟ قال بلهجة الواثق.
- أية ليلة.
- ليلة المطر، والظلام، حيث كنت وحيدا، الليلة التي أقضت مضاجعنا.
- لا اعرف ماذا تقصد.
- ألا تعرف تلك الليلة، " الليلة التي نزلت الجرذان فيها إلى جحورها ".

غاصت الدنيا بمعدته، شعر بانتفاخ أحشائه، واندفع الكون من ذاكرته مرة واحدة، بشكل مفاجئ، التهبت مفاصل قدميه بنيران صخر منصهر، وانتفض جلده بقوة ملحوظة، تماما كانتفاض أفعى مطحونة الرأس، ولمعت عينا المحقق، انطلق منها بريق حار، لامس فؤاده، وانغرزت بسمته في ذاكرة اللحظة المشحونة، بسمة ماكرة، ذاقت طعم الانتصار، طعم انهياري المفاجئ، " الليلة التي نزلت الجرذان فيها إلى جحورها "، من أين أتى بهذه العبارة؟ هي عبارتي أنا، أيعقل أن تكون مصادفة؟ لم اخبر والدي بذلك، حتى حين هممت بذلك وأنا ازور قبره، تراجعت، قلت:" صدرك أوسع لسرك "، هذا سر يخصني أنا، أنا وحدي، حتى أمي الملطخة يديها بعذاب الزمن، لم تعرف ذلك، الجرذان ذاتها كانت مختبئة، لم تراني، لم تشاهدني، وحتى الليل، الليل ذاته، بكل ظلمته وعتمته، بكل سواده وهيبته، كان يختبئ من هول الحدث، من هول الخوف الذي زرعته فيه، المدينة بأسرها أغلقت أبوابها المغلقة، دعمت السكاكر والمزاليج، وجلست مقرفصة تنتظر الفجر، تنتظر النهار وما سيحمل من غضب وقسوة، كل الأشياء سقطت في الذهول وفقدان الذاكرة. نعم هي بالتأكيد ضرب من ضروب المصادفة.

نظر في وجه المحقق، أيقن انه قرأ كل أفكاره، وأدرك بحسه انه وقع بين يديه، وان المسافة الفاصلة بينه وبين الاعتراف أصبحت قصيرة، بل معدومة، عدل من جلسته، وقال:-
- نحن لا نود أن نثقل عليك، الأمور معروفة لدينا، وتفاصيل الليلة تلك تقبع في هذا الدرج، ما نريده فقط أن نسمع منك أنت، سأرسلك الآن للزنزانة، تناول إفطارك، وفكر جيدا، وحين ترتاح، سنجلس لننتهي من الأمر.

دخل الزنزانة ورأسه يكاد يطير من مكانه، لا، لا يمكن أن تكون مصادفة، فالحروف ذات الحروف، حتى النبرة التي استخدمتها بيني وبين ذاتي، هي نفس النبرة، ولماذا لا تكون مصادفة؟ محض صدفة؟ تسرب إليه إعياء شديد، نظر نحو الطعام، دفعه إلى زاوية الحائط، نهض، جلس، خطى خطوات الزنزانة، توقف، قرفص، انبطح على بطنه، على ظهره، استلقى على خصره، كوم جسده على ذاته، وقف على رجل واحدة، لكن كل ذلك لم يغير من ثورته شيئا، حاول التبول، لكن عرف بأنه أصيب بعسر حاد.

لم يشعر بالوقت إلا حين فتح باب الزنزانة من جديد، ودفع إلى التحقيق من جديد.
- أرجو أن تكون قد فكرت جيدا.
- ليس هناك ما أفكر به.
- هل تغوى التعب والعذاب؟
- لا.
- حسنا، اخبرنا عن تلك الليلة، فأنت تعرف بأننا نملك كل شيء، نعرف كل التفاصيل، ولسنا بحاجة إليك، أو إلى اعترافك، لكننا نريد أن نمنحك فرصة الاعتراف الطوعي، فهذا ينفعك أثناء المحاكمة.
- ما دمتم تعرفون كل شيء- حسب ما تقول- ما حاجتكم لاعترافي.
- حسنا، حسنا، نحن لا نريد منك أن تقول شيئا، ملفك جاهز وليس عليك سوى التوقيع.
- على ماذا؟
- على أحداث تلك الليلة.
- أي ليلة؟
- لا تحاول التحاذق، فصبري بدأ ينفد.
- وكذلك صبري.
- هل تود أن تكون بطلا؟
- هذا ليس من شأنك.
- سنرى؟

حين وجد نفسه مشبوحا في الخزانة الإسمنتية التي لا تتسع إلا لربع شخص، لم يعرف من أين تفجرت فيه تلك القوة المفاجئة، لكنه شعر بها تتفجر كما يتفجر البركان، فجأة وبشكل مدهش، وأحس بان هناك أمرا ما خفيا يدفعه للعناد والتصخر، شيء خفي يكاد يعرفه، لكنه يتفلت منه، كما يتفلت الرمل من قبضة اليد، ليس غريبا عنه أبدا، ولكنه هلامي، تماما حين تخونك الذاكرة باسم أو أمر تعرفه، تعصر دماغك، تركز، تضغط بكل قوتك الذهنية، تشعر بأنك اقتربت منه، ثم ومرة واحده، تحس انه ولى هاربا من كل تركيزك وضغطك، تحاول مرة أخرى، وأخرى، وتفشل، لكنك ودون أن تدرك كيف ولماذا، تتذكر تفاصيله كما تتذكر ملامح وجه أمك وحنانها.

أمي، ماذا تراها تفعل الآن، هل تجلس الآن كعادتها في زقاق من أزقة الحارة، ترغي مع النساء، تتحدث عن مهرها المكون من غنمتين وبقرة بفخر الأنوثة وأيام الصبا، تتحدث عن وادي الحوارث، عن تلك الأرض التي شهدت زفافها وفرحتها، وشهدت ميلاد بعض أخواتي، هل انخرطت بالبكاء الآن؟ نعم، فهي لا تذكر تلك الأيام حتى تنخرط بالبكاء، بالنشيج، تمسح دموعها بخرقتها البيضاء، وتستعد لمعركة قاسية حامية الوطيس مع والدي حين يعود للبيت ويجدها جالسة في الحارة.

كانت تقول له:- وماذا سيحصل إن جلسنا وتحدثنا، هل ستخرب الدنيا؟
- انتن بنات حواء، تجلسن لتنهشن لحم الناس، فلانه تطلقت، وفلانه ابنها باعها من أجل زوجته، والكنة الفلانية طفشت العائلة، وتلك الخبيثة فرقت الأخوة عن بعضهم، وليس لكن سيرة إلا الناس، الرسول- صلى الله عليه وسلم- نهى عن كل هذا.
- الرسول نهى عن الكذب، ونحن لا نكذب.
- انتن لا تكذبن، بل تمارسن النميمة والغيبة.
- نحن لا نتهم أحدا، نحن نقول ما نسمع.
- الله يجيرنا منكن ومن لسانكن.
- آه، انتم الرجال مطهرين، مسبعين، الله حولكم وحواليكم.
- الله يجيبك يا طولة الروح، وبعدها معك يا امرأة.

وما هي إلا لحظات حتى يجلسان معا، يتهامسان بأسرار البيوت والناس، ويستذكران أيام الصبا والبلاد، يأكلان وهما يتضاحكان ويتمازحان، هي تلقمه أجود اللحم، وأجود الخضار، وهو يلقمها بعض ما يشتهي لها، عجوزان رائعان، عاشقان، يختلسا غيابنا للهمس بكلمات تخصهما، تخصهما فقط. وحين كنا نكبس عليهما متلبسين بالعشق المشهود، كانا ينتقلان من الهمس العذب إلى حزم المشادة والمشاجرة، وكأن بجوفهما بوصلة تخبرهما عن وقت الانتقال من مرحلة إلى مرحلة، أخواتي، لم يكن بإمكانهن التصريح بأنهن يعرفن ما كان يجري بينهما، ولكنهن كن يبتسمن وهن يغمزن بعيونهن، أما أنا، فقد كنت اقترب لأجلس بينهما تماما، واهمس وأنا أضم رأسيهما إلى صدري،" ماذا، هل حننتم لأيام الصبا، نحن نعرف ما يجري، بعد هذا العمر وما زلتم تتغزلون ببعضكم، انتم تكبرون أم تصغرون"؟ وما أكاد انهي حتى تنهال علي اللطمات من كل جانب، ولد أزعر، عيب، تأدب، نحن نتحدث عن أشياء أخرى، لا نريدكم أن تعرفوها.

قالت له يوم انتزعه الجنود:- " يمًا، أنت ابن بطني، بطني الذي حملك، وعرف انك قادم، كنت قرب القلب، تتغذى على روحي وتقتات من دمي، سهرت عليك ليال طوال، تقرح قلبي وتقرحت عيناي، والبطن، بطن الحره، ما بحمل إلا حر، أخواتك البنات، كل الدنيا تقسم باسمهن، قال الناس عنهن، أخوات رجال، دون أن تكون موجودا في الحياة، كنت لا تزال في نواة العدم، يما يا حبيبي، العمر واحد، والرب واحد".

انتزعوه من حضنها، لم يدعوها تكمل، نشجت، نشيجا خفيفا، ما زال مزروعا في عقله، ولا زالت جملتها " يما أنت ابن بطني " تقتحم مسامعه وقلبه، نعم أنا ابن بطنك، لا تخافي على هذا، ولكني كنت وحيدا، وحيدا إلا من الله المتواجد في كل مكان، كيف عرفوا، بل كيف رددوا ذات الجملة، " حتى الجرذان نزلت إلى جحورها "، راسي يكاد يطير من مكانه، وقلبي يكاد ينخلع، كل الأشياء تتراكم، تتزاحم، تتدفق في راسي تدفق شلال مضغوط، لا يمكن للمصادفة أن تخرج جملة من صدري، تلك الجملة لم اقلها، لم أصرح بها، حدثت نفسي بها، فهل غادرتني نفسي يوما لتروي لهم التفاصيل، هل غادرتني لتكشف عن نفسها، لا، لا يمكن ذلك.

أنت تود مني الاعتراف، حسنا، وأنا أود أن اعرف منك كيف وصلت إلى تلك الجملة، نحن نقف على نصل السيف، فإما أن تتحرك أنت، وإما أن أتحرك أنا، بيني وبينك النصل، ولنرى من سيغوص النصل بلحمه أولا.

عاد العذاب، يأخذ دورته، عذاب مركز، يتعاظم تدريجيا، وأحيانا، يصب فوق رأسه مرة واحدة، لكنه، رغم كل ذلك، كان يشعر بشيء يسري في عمق ذاته المرهقة، شيء يدفعه نحو الصبر القاسي، نحو التمسك بجدران بطن أمه، ورجاء عيون أخواته.

نعم، جسده بدأ يذبل، يتراخى، يتحول إلى نوع من لحم مسلوخ، احمر، ملتهب، ظهره تقوس من الشبح الممتد لساعات طويلة، وتقوست قدماه، بدأ يشعر بأنه اقترب من الشلل، كل الأمور كانت تدخل في معادلة صعبة، غير محتملة، غير متوازنة، وهو إنسان، طاقة احتماله محدودة، الموت، الموت فقط، يستطيع انتشاله مما هو فيه، لكنهم لن يقتلوه، هم يظنون أنهم مجموعة، لا يمكن أن يخطر ببالهم انه واحد، فالحدث الذي زرع في قلب العتمة، وأرعبها، ثم أرعب الأشياء كلها، لا يصنعه فرد، حتى لو اعترف لهم بأدق التفاصيل، لن يصدقوه، بل سينقلونه إلى عذاب اشد واعتى، إذن، لتكن الأمور كلها منذ الآن، تتجه نحو الزاوية التي يقطع النصل فيها لحمهم، وليكن لحمي نصلا، يؤذي غرورهم، ويهد عزمهم.

نقلوه من مركز إلى مركز، عرضوه على رجال مخابرات، متعمقين بالخبرة، يملكون تجارب، لكن ما قيمة كل هذا، إذا كان اللسان قابعا في نواة الصمت؟ كل الأشياء، وكل المسارات، كانت تصب في مجرى واحد، لقد كنت وحيدا، والواحد لا يكشف سره.

هناك خلل ما، حلقة مفقودة، نقطة على صفحة غير موجودة.

تراجع نحو أمه، نحو كفها المسطوحة، وهي تنز دما، دم احمر، كشراب الرمان، ولاحظ، من خلال ذاكرته، تبدل ملامحها حين كانت تنقل دالية، أو ليمونة، من مكانها، إلى بيت الجيران، لتغرسها هناك، كانت تزورها، تتعهدها بالنظر والتأمل، وكلما كبرت، كلما فرحت.

لم يفهم كثيرا من الأشياء إلا هنا، الظروف، تضيف إلى الذاكرة مواد جديدة، تتكون بسرعة مذهلة، وتنمو، كالصنوبر العملاق، تتكاثف، تتشابك، فتبدو على الملامح والتقاسيم، ظلالا غير مرئية، لكنها ترسي جذورها بأعماق النفس، بأعماق التكون، لتشكل ميلادا جديدا، لأشخاص، يدخلون إلى مسارب الشخص الأول، فيلتحمون معه، كما تلتحم الدوالي بذاكرة أمي ووجودها.

حشروه في غرفة صغيرة، وتركوه، وبلحظة سريعة، صفقت عيناه الظلمة، واتسعت حدقتاه، وجحظ البؤبؤ،، واخذ يشرب العتمة بنهم صارخ، وكأن بينه وبينها ثأرا لم تلتئم جروحه بعد، اندفع بكل عزمه نحو الجدار، الهمس يصله من هناك، مشوشا، متقطعا، استجمع كل طاقته بأذنيه، وحاول أن يلتقط، ولو كلمة واحدة، لكنه فشل، بدأ الهدوء القادم من الجهة الأخرى، يفسح مجالا للهمس أن يعلو قليلا، يتضح قليلا، ومن خلف جدار، جاء الصوت.

انتفض انتفاضة، لم يعرفها منذ انتزعوه من حضن أمه، لا، لا يمكن أن يصدق ما يسمع، هذا ليس من الواقع، حلم؟ نعم، أو شيء من الخيال، كابوس؟ نعم.

كل الدنيا سقطت في حلقه، سدت طرق أنفاسه، صخور تتسرب إلى أحشائه ومعدته، تتراكم، تنطمر، ما وصل أذنيه، صوت يعرفه، لا، لا يعرفه، بل هو صوته، صوته هو.


أحس بفحيح، فحيح غريب يخترق الحائط، ليتسلل منه أفعى، أفعى من نوع آخر، وبدأ السم والهدير يقتربان، يلتصقان بذاته، ينهمران بأعماقه المهتزة، أراد، ومن كل قلبه، أن يبكي، أن يفرش الأرض بدموعه، وود لو يستطيع الآن أن يصرخ، صرخة تهز زوايا الكون، وتسقط الأنجم من مكانها، ود، وبغريزة مشتعلة، أن يطمر رأسه المتحطم، بثوب أمه العابق برائحة التراب والطبخ.

كيف حصل هذا، كيف تتمكن الذات من صلب نفسها على نار الألم، أحببته، بنفس القدر الذي أحببت نفسي، بل وأكثر قليلا، كنت امزجه بذاتي، بل كنت وإياه نفسا واحدة.

وضح الخلل، وظهرت الحلقة لتكتمل السلسلة، ولكنهم رغم كل هذا، لن يأخذوا مني كلمة، يجب أن أراه، أن أحدق بعينيه، وان أتفرس ملامحه، ولو للمرة الأخيرة، وعليه أن يراني، عليه أن يصوب عينيه نحوي، وان يدقق بملامحي، وعليه، وهذا الأهم، أن يرى كم تقوس ظهري، وكم انحنت قدماي كغصن، انحنى على جذعه الأول.

بدأت الخيوط تجتمع، كلها عادت نحو موضعها، هم أرادوا أن اسمع صوته وهو يروي لهم تفاصيل الحدث، دون أن يشعروني بأنهم قد خططوا لهذا الأمر، أرادوا أن تبدو الأشياء كنوع من المصادفة، أو بالأصح، نوع من غباء وقعوا فيه، لأنهم لا يريدون، حتى الآن على الأقل، أن أواجهه، اعتمدوا أسلوب الخطأ، أسلوب المراوغة، لكنهم، لم يدركوا حجم الضربة، وحجم الصاعقة التي نزلت على ذاتي.

في النهاية، سيعلنون استسلامهم، وسيدعونه للجلوس أمامي، لن يكون هو- مهما كان – بالنسبة لهم أكثر أهمية من اعترافي، اعترافي الذي يظنون انه منقوص حين حدثت صديقي به، الحدث باعتقادهم يحتاج إلى مجموعة من الرجال، مجموعة تتغلف بالسرية، بالهبوط إلى قرار الكتمان، ولأنهم يؤمنون بهذا، سيحضرونه، غدا، أو بعد غد، ليواجهني.

ترى، كيف سيكون شكله؟ وكيف ستكون ملامحه؟ هل سيقدر على النطق؟ على استخدام الأحرف والكلمات؟ ولم لا؟ فهو تحدث بالأمر، سواء كنت موجودا أم لا، المهم انه تحدث، بل تبرع بالتحدث، دون سبب، ودون مبرر.

آه يا أمي، لو تعلمين كيف جرت الأمور، لو كنت موجودة معي حين دخلت الغرفة، وكان هو يجلس على كرسي في زاويتها، التقت عيوننا مرة واحدة، حدقت به بكل طاقتي، بكل إمكاناتي، انزل عينيه إلى أسفل، وبدأ يروي القصة، بتمهل، وتأنٍ، لم ينس أي حرف مما قلت، لكن وجهه كان يطفح بالحمرة، وجسده يرتجف، وفي لحظة ما، وقف عن الكلام، نهض واتجه نحوي، كنت مقيدا، وكنت ابكي، لم أتمنى يوما أن أراه في مثل هذا الموقف، أشفقت عليه، وودت من كل قلبي أن أضمه إلى روحي، السنين التي سأقضيها خلف القضبان، اقل ألما ووجعا من منظره وهو يمارس وشايته أمامي.

اقترب مني، تعودت ومنذ زمن طويل أن اسمع نبضات قلبه، أن اسمع خفقات روحه وهي تتلاحق لتشكل حياته، اقترب مني، عرفت انه يود أن يقول شيئا ما، أن يفصح عن شيء ما، لكنه اختنق، وقفت الكلمات بحلقه، فسدت مجرى التنفس، عاد ليتهاوى على الكرسي، هناك أمر يقف بيني وبينه، هل كنت غبيا طوال سنين علاقتي به، أم كان هو خائنا طوال تلك السنين ببراعة فاقت براعتي في إخفاء السر عن كل الناس، إلا عنه هو، أنا لم احدث والدي وهو بالقبر، ولكني حدثته هو، عن أية براعة أتحدث، لم يطلب يوما أن أحدثه عن حياتي، أنا، بمحض إرادتي، حدثته بالأمر، الذنب ذنبي، لو لم املكه سري، ما كان اليوم يقف قبالتي ليهز كل سنين عمري وشبابي.

وحين أخرجوني من الغرفة، التفت إليه، خلت انه سيبكي، لكنه كان يضحك، ضحكة مريبة معقدة، كانت بسمته اخر ما رأيت.

لحظة خروجي، بعد أعوام طويلة، من بوابة السجن، كنت اعرف أن أمي ماتت، وان بيتنا أصبح خاويا، عرفت قبل أن أطأ الشوارع، بان المخيم انقلب انقلابا تاما، وان عجائزه قد رحل الكثير منهم، ولكني رغم ذلك، اتجهت بكل قوتي وعزمي نحو البيت، حيث تركت أمي وهي تقول " يما أنت ابن بطني "، كنت بحاجة ماسة، لأشاهد البقعة التي انتصبت قدمي أمي فوقها.

وحين دخلت البيت، كانت أختي الكبيرة وأولادها يملأون البيت، قالت أختي حين أدارت ظهرها إلي، بعد أن صاح أولادها، خالي، خالي، انظر إلى عود الجوري، حين غادرت كان أشبه بالميت، انظر إليه.

ولحظة وجهت نظري نحوه، رايته شجرة ضخمة، تنتصب على أعالي أغصانها أزرار الورد المتفتح.



مأمون احمد مصطفى
فلسطين- مخيم طول كرم