نجاح العطار: لغتنا تتعرض لانتهاكات مفجعة

خطة سورية شاملة للنهوض بالعربية

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
نجاح العطار نائب الرئيس السوري

دمشق: سعاد جروس

بدأ العمل في سورية بالمشروع الوطني الشامل (لتمكين اللغة العربية) منذ شهر أغسطس (آب) لعام 2006، بإشراف نائب رئيس الجمهورية الدكتورة نجاح العطار، وخلال أقل من عام وضعت كل جهة خطة خاصة بها، وشكلت لجان متابعة، تجتمع بشكل دوري، بالإضافة إلى مشروع تعديل قانون «مجمع اللغة العربية» بدمشق بهدف تمكينه من ممارسة دوره. وتقول الدكتورة نجاح العطار ان الهدف هو «الارتقاء باللغة العربية، والحفاظ عليها في الوقت الذي تتعرض فيه إلى انتهاكات مفجعة وإهمال وانتقاص مرفوض، يشكل استلاباً ثقافياً هو نتاج غزو فكري، ظاهر ومستتر، يؤذينا ويؤذي أجيالنا القادمة».

وكان رئيس الجمهورية بشار الأسد، قد كلف الدكتورة النائب نجاح العطار منذ نحو عام ونصف العام بالتعاون مع الوزارات والجهات المعنية لوضع تصور مشترك وآلية عمل للاهتمام باللغة العربية. وأعطى هذا المشروع الدعم اللازم كونه يرتبط بالأمن الثقافي، ويحتاج إلى فرق من العلماء والباحثين التربويين والمبدعين لينهضوا به «بواقع إمكاناتهم، وليس بواقع المناصب التي يتولون». وعلى هذا الأساس عملت الدكتورة العطار على إطلاق المشروع بالتعاون مع مجموعة من الباحثين والمسؤولين، وتم التوصل إلى وضع خطة شاملة، وتقول العطار: «العربية لغة حية وقادرة على مواكبة التطورات والتفاعل معها ومع اللغات الأخرى والاستفادة والإفادة منها، لذلك ينبغي أن ننهض معاً بمسؤولية حمايتها ومقاومة العدوان عليها من خلال إستراتيجية توفر الشرط الموضوعي لعملية رفع مستوى تعلمها وامتلاكها». وتحدد العطار الجهات المعنية وهي وزارة الثقافة ووزارة التربية ووزارة التعليم العالي ووزارة الإعلام بشتى مؤسساتها ومجمع اللغة العربية واتحاد الكتاب. وتتابع: «هناك مكامن خلل في مناهج تعليم اللغة العربية في مختلف المراحل، ويتم البحث في كيفية معالجتها، إذ لا بد من التركيز على تعليم الأطفال اللغة عن طريق النصوص السليمة الجميلة، فاللغة لا تُعلَّم بالنحو، ولا تستهوى بالنحو، وإنما بالنصوص. وللأسف نحن أهملنا هذا الجانب كثيراً، كما أن ثمة مفاهيم كثيرة بحاجة لإعادة النظر»، ولتحقيق ذلك لا بد من التركيز على «تأهيل كوادر تدريس اللغة العربية في كل المراحل، وعلى وجه الخصوص، المرحلة الابتدائية، على أن يكون المدرس متخصصا ولديه شهادات في أساليب التدريس».

كما تم التطرق لمسألة مناهج اللغة العربية في المرحلة الجامعية، وهي ليست بالمستوى المطلوب، وسيتم العمل على إعادة النظر فيها. ومن وجهة نظر الدكتورة العطار، فإن الأمر الأكثر خطورة هو مقررات قسم اللغة العربية في كلية الآداب، ورأت أن «هناك قطيعة أو شبه قطيعة مع الحداثة في الدراسات، إضافة إلى وجود أخطاء في المنهج وقصور في فهم التراث. ولا بد من صيغة معاصرة، تعطي التراث حقه والحداثة حقها أيضاً، مما لا يضعنا خارج العصر، وبما يسمح بالتواصل مع اللغة في منابعها». مشيرة إلى أهمية دور وزارة الثقافة في هذا المشروع لجانب التركيز على «إنتاج كتب تسمح للأطفال والكبار بالاحتكاك بالنصوص الأساسية، القديم منها والحديث، وكتب تحافظ على المستوى الارتقائي».

إلا أن المعضلة تبقى في مجال الإعلام، إذ من الصعب ضبطه في ظل انتشار الفضائيات والانترنت المنفلتة بلا ضوابط ولا حدود، ومع ذلك أكدت العطار على وزارة الإعلام السورية رغم صعوبة التنفيذ، ضرورة «إسقاط اللغة العامية المبتذلة من الأغاني والإعلانات» مضيفة، «نحن مسؤولون عن إنتاج مسلسلات تلفزيونية ناطقة باللغة العربية الفصحى أو بلغة اقرب إلى الفصحى والتقليل من عرض الأغاني الهابطة نوعاً ومضمونا وأسلوبا».

وفي هذا السياق يبرز انتشار الانترنت كأحد أكبر التحديات، فقد أنتجت لغة هجينة هي عبارة عن خليط أجنبي وعربي فصيح وعامي، راحت تتكرس يوماً بعد آخر. وعن هذا التحدي تقول الدكتورة العطار:

«الأمم المتقدمة لا تدخر وسعاً من أجل التمكين للغتها، وإبقائها حية، دينامية، متفجرة، مبدعة، غنية، قادرة على تحدي الانتقاص أو الانكفاء، أو الاستخدامات التقنية في عوالم الحواسيب والانترنت، ومن حق لغتنا علينا، وهي القادرة على التعبير الحي الدقيق الخلاق، أن نـنفـي عنها التغريب، ونعزز مكانتها، وندفع عنها الانتهاكات». «لقد قصرنا، وينبغـي أن نعترف. وها نحن نحاول أن نسابق الزمن، ونستدرك ما فات، ونتساءل أين هي مثلاً الدراسات التي فاضت بها مكتبات الغرب عن اللسانيات، وليس بين أيدينا، من إنتاجنا، إلا ما هو أقل من القليل منها؟ وأين هي المواقع الإلكترونية العربية، وفي العالم ما يزيد على مائة مليون منها؟ وماذا عن ترجمة المصطلح، والاتساع في التعريب، واستدراك ما تحتاجه لغتنا التي أغلقنا عليها باب التطور؟».

ما أصاب لغتنا العربية هذه الأيام، يستدعي الاهتمام وإعادة الحياة لمجمع اللغة العربية بدمشق، الذي أنشئ في طور النهضة، وتمكن من ممارسة دور ريادي على صعيد استنهاض اللغة، إلا أنه بدأ بالتراجع مع أواخر الستينات. وفي حين أعيد النظر بقانون مجمع اللغة في القاهرة وتم توسيعه، جرى العكس في سورية، فعندما أعيد النظر في هذا التشريع تم تضييقه، وإزالة بنود منه على غاية من الأهمية مثل البنود الخاصة بتشجيع الإبداع والنشر والنقد الأدبي وإبراز المؤلفين ومنحهم جوائز؛ الأمر الذي ساهم في تقليص دائرة تأثير المجمع وأقصاه عن مجالات الإبداع والثقافة، ليتحول إلى مكان متحفي بارد. لكن، مشروع لتمكين اللغة العربية الحالي، يشمل «مجمع اللغة العربية». وحسب الدكتورة العطار، تم وضع مسودة تشريع جديد له، روعي فيها ما أُزيل من بنود تشجع على الإبداع، مع الاستفادة من تجربة مصر في إحياء المجمع من ناحية عدد الأعضاء وطريقة انتخابهم أو تعيينهم.

وحول السؤال عن حجم التفاؤل بتحقيق هذه المشاريع لأهدافها تجيب الدكتورة العطار: «الأمل يبقى كبيراً وحين يكون الموضوع قضية أمة يبطل التخوف وينتفي العجز. لا بد من مجابهة التحديات».