لم يحن وقت المصالحة الفلسطينية
بقلم : أ . تحسين يحيى أبو عاصي – كاتب فلسطيني مستقل – 16-12-2011م -
يبدو أن المصالحة الفلسطينية ووفقا لكثير من المعطيات غير قابلة للتحقيق في هذه الفترة المنظورة لأسباب كثيرة ، كان من أهمها في اعتقادي أن ضغط المرحلة على الطرفين لم يحن بعد ، ذلك الضغط الذي سيفرض عليهما المصالحة آجلا أم عاجلا ، شاء كل طرف أم أبى .
وعلى الرغم من تفاؤل الكثير من قادة الطرفين بشان تحقيق المصالحة في الوقت القريب ، وذلك وفقا لما نسمع من تصريحاتهم ، إلا أن الطرفين المتناقضين في التوجه والتفكير والسلوك لا زالا يجيدا المناورة في جميع اللقاءات المشهودة والمخفية ، خاصة وأن الساحة العربية الآن تصب في مصلحة حركة حماس وليس في مصلحة حركة فتح ،
فقد كان للثورات العربية أثرا إيجابيا كبيرا على حركة حماس ، خاصة وهي تجسد العمق العربي للقضية الفلسطينية من جديد ، كما لم يُؤثر الحصار والعزل ، ولا المقاطعة ، ولا بطش آلة الاحتلال على مواقف حماس ، بالإضافة إلى أن قطاع غزة يشهد حالياُ انتعاشا اقتصاديا ملموسا ، ثم إن استمرار تعاطف شعوب العالم مع حركة حماس من خلال دعوتها المستمرة إلى فك الحصار ، واستمرار تمدد حماس الخارجي ، كل هذه العوامل جعل حماس تزداد ثباتا وقوة وثقة بأدائها وفكرها ، كما لا زالت حركة حماس ترسل برسائلها إلى الشعوب العربية الثائرة ، كان آخرها الدعوة إلى تشكيل جيش القدس ، وان الجهاد مستمر إلى أن يتم تحرير كامل تراب فلسطين التاريخية ، وترفض شروط الرباعية الدولية المتعلقة في نبذ العنف ، والاعتراف بإسرائيل ، وبالاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير مع إسرائيل ، و إيمان حماس بعدم جدوى المفاوضات ، وقناعتها بهلامية مواقف السلطة الفلسطينية أمام الهجمة الإسرائيلية الشرسة ، وما يعتريها من تنسيق أمني وغير ذلك ، واعتبارها عدم الاعتراف بدولة الكيان من المسلمات العقائدية ، التي تعتبر التنازل عنها جرما كبيرا ، ربما يصل إلى درجة الكفر ، كما أن أوروبا ومعها أمريكا لا زالت تناغم حركة حماس من خلال كثير من اللقاءات الرسمية والغير رسمية ، في كل من بيروت وغزة ومصر وبعض دول أوروبا ، حتى أن بعض قادة الكيان يدعون الآن وعلى أثر التغييرات في الساحة العربية إلى الحوار مع حركة حماس ، بل البعض منهم ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير ، فدعا إلى انجاز اتفاق سياسي مع حركة حماس ، وهذا يعني قفزا عن حركة فتح ، باعتبار حركة حماس هي الأقدر على حفظ الاتفاقيات والحدود ، وتثبيت ما يسمى بالتهدئة ( وفق رؤية بعض قادة الاحتلال ) .وعلى الرغم من ادعاء الطرفين على أنهما توصلا إلى اتفاق شمل معظم الملفات تقريبا ، إلا أننا لم نلمس على أرض الواقع شيئا يتعلق بتلك الملفات المتفق عليها ، فكيف بالملفات التي لا زالت مستعصية ؟ ، ولم تشهد الساحة الفلسطينية في كل من غزة ورام الله أي خطوة تثبت أن المصالحة في هذه الفترة ممكنة ولو بالحد الأدنى ، فلم يتم إصدار جوازات السفر ، ولا زال كل طرف يتهم الآخر باستمرار عملية الاعتقال ، كما لا يزال التراشق الإعلامي مستمرا ، ولم ترفع حماس منع السفر لشخصيات من حركة فتح داخل قطاع غزة ولم يتم فتح المؤسسات التابعة لكل طرف في غزة والضفة الغربية ولا زلنا نسمع تصريحات قاسية لا تبشر لا بنقلة نوعية بين الطرفين ، ولا حتى بتحقيق خطوات ملموسة على أرض الواقع من أي طرف منهما ، زيادة على ذلك موقف الرافضين للمصالحة في كلا الجانبين ، والذي نعتقد كمتابعين ومهتمين أنه موقف يجب عدم الاستهانة به والتقليل من شانه .
كل من حماس وفتح يحاول أن يتصدر المشهد ، وكل طرف يحاول الدخول إلى ساحة الطرف الآخر سواء من الباب أو النافذة وفق حساباته وأجندته ، وكل طرف يدعي بأن الانتخابات ستكون في مصلحته ، وكل طرف له قراءته الخاصة به بعيدا عن قياس نبض الشارع ، باستثناء تقارير تتعلق بالشارع الفلسطيني ترفع له من هنا وهناك ، ليست صحيحة في معظمها ، أو تحليلا يُعبر عن مصلحة ما تعلو مصلحة الوطن ، كما تلعب الأوضاع التنظيمية والتعبوية الداخلية لكلا التنظيمين دورا مهماُ ليس فقط على صعيد الأداء النظري والميداني فحسب ، بل على الصعيد الخارجي والمجتمعي الداخلي والسياسي ، فلا ينكر متابع أن حركة حماس تعيش مرحلة الفتوة ، وتشهد تعاطفا كبيرا بين الشعوب العربية ، ونجحت في تقوية رصيدها فلسطينيا وعربيا من خلال صفقة تبادل الأسرى ، وهذا يعني نجاحا فكريا وعمليا وسياسيا على حساب حركة فتح بينما ، تعيش حركة فتح حالات صعبة من التناقضات والمحاور ، والتي لا يعرف احد مصيرها كحركة ثورية رائدة .
ليس المكر في السياسة عيبا ، بل هو مهارة من أجل تحقيق الأهداف ، فالسياسة لا تخلو من الخداع خاصة عندما تتفاقم التناقضات ، وعندما يستمر كل طرف في محاولات إلغاء الطرف الآخر عمليا في جميع الساحات وأماكن الشتات ، ويصبح الأمر مصيريا في نظر كل منهما ليس على مستوى الشعب الفلسطيني فقط ، بل أيضاً على مستوى التنظيمين الكبيرين فتح وحماس من خلال معادلة التناقضات بينهما .
كل حر غيور يتمنى تحقيق المصالحة بكافة معانيها اليوم قبل الغد ، ولكن كما قال الشاعر الصوفي ابن العربي في شطر بيت من الشعر: أنا ما حيلتي والضعف مظهر قدرتي .
للاتصال بالكاتب
من داخل فلسطين 0599421664من خارج فلسطين 00970599421664إميل
tahsen-aboase@hotmail.com