سنونو الأحلام...

لم أشأ أن أزيد المشكلة تأزما، فقد فاض الإناء بالشد العصبي بين أفراد العائلة الكريمة، وخاصة من وراء أخبار لا طائل منها سوى زيادة الإحساس بالعجز ومعرفة ما وراءها فضولا وألما، وقد زاد الطين بلاً الأمور المعاشية التي تزداد سوءا يوما بعد يوم وحتى لتخال كل عائلة تغوص في مشاكلها المعاشية حتى ذروة رأسها رغما عنها...وتغرق فيها حتى النخاع.
خرجت من منزلي مثقلة بثرثرة تضج فيها أذني، تظهر تنافر الملتحمين عائليا، ومن جراء حصار نفسي ومحدودية في التحرك في وسط يضيق يوما بعد يوم...و بلا سبب وجيه ، ولا فائدة مرجوة سوى زيادة في المعاناة وتمددها مع الزمن، وكأننا استعذبنا جلد الذات عوضا عن أن نكون عالما جديدا فيه ريح تفاؤل... ومواساة قلوب، وتسرية عن النفوس بطرق شتى..
و تلك النماذج التي تراها حولك مؤلمة من جراء واقع مرير ، تراها يومياً رغما عنك، وتحار كيف تقدم لها يد المعونة ولا يكاد يكفيها كل ما تفعل...
الغيوم السود ما عادت ممطرة، و حتى العصافير لم تعد تبيض في منزلنا...ولا القطط بات تلد.. والأزهار أبت أن تفوح بعطرها الأخاذ، وكأن كل شيء تضافر مع بعضه ليشكل مرآة لأزمة أكبر...تكونت داخل منزلنا..
كانت أصوات الموت حولي تنذر بسوء الظروف في بلدي يوما بعد يوم، وازدياد الأزمة أزمة ..وبسوء مزاجنا أيضا...
خرجت متنصلة من كل مسؤولية، متردة عن كل مهماتي.. ولجأت للمصلى من كثرة الضوضاء في رأسي، و نحو مجمع كبير في حينا اعتدت على ارتياده ، وأخشى أن يلفظني يوما من كثرة ما حفظت زواياه كلها ومررت بها...وزرته حتى الملل..
كانت الكهرباء مقطوعة كالعادة، وأزيز المولدة الكهربائية يوحي لك بقرب طيران طائر سفرك الجميلة.. والتي تنقلك لبلاد بعيدة جدا...تنسيك كل ألم...
أحسست عندها بأن بعضا من الأوكسجين ازداد حولي لتستنشقه رئتيّ براحة ، وكأنه جديد لا غبار فيه ولم يستعمله أحد.
انتفضت بقوة من مقعدي.. تقدمت لكابتن الطائرة بشهية، وقلت له :
-علمني القيادة، فنظر إلي شزرا قائلا بعينيه:
- عفوا من حضرتك؟.
عدت أدراجي كاسفة لمقعدي بلا تعليق، وأمسكت بقيادة قلبي. ورحلت به بعيدا جدا...إلى حيث هاجر الأولون...وكأنني استحضر من يواسيني .
لكن المضيفة نادتني، كي أصف للركاب ما يروه من علٍ...وقد فاجأني طلبها جدا، فرأيتني أسكب من صنبور الأحلام ما أراه بقلبي لا بعيني...أصف لهم عالما من الموسيقا الجميلة.. وغناء الأطفال يعلوا حتى يصبح مزمارا ضخما يسير على هداه جيل كامل...يحل في مركبه ما تبقى من كائنات صحيحة...نقية.. تمضي وتمخر عباب الزمن نحو الأفضل...الأفضل دوما..
كانوا يحملون أحلامهم فوق رؤوسهم ، يمضون بصمت رهيب وبابتسامة عذبة رائعة.. تسعد الناظر وتسمر عينيه وتتغلغل في قلوبهم..
انقطع الأوكسجين فجأة .. وتقطعت أنفاسي، وجف حلقي.. فوجدتني وسط جمهرة من الناس يهمهمون حولي :
-لقد أفاقت أخيرا...
الغريب في الأمر أنني لم أسألهم ماذا جرى.. و لا نثرت أسئلتي كلها والتي جالت في ذهني حينها.. كثيرا منها كثيرا جدا...ابتلعتها كلها...
ورأيتني أمضي وسط إشارات استفهام كبيرة...وهمهمات ما توقفت حتى ابتعدت..
ريمه الخاني 16-9-2014