الرواية المشتركة او السرد المشترك:
تكاد الدراسات عن الرواية المشتركة تكون من النوادر لو قلنا مازلنا نبحث عن تواجدها في زمننا الحاضر وبقوة....
فماذا يعني مشترك؟
جاء في لسان العرب:
شِّرْكَةُ والشَّرِكة سواء: مخالطة الشريكين. يقال: اشترَكنا بمعنى تَشارَكنا، وقد اشترك الرجلان وتَشارَكا وشارَك أَحدُهما الآخر؛
والشَّريكُ: المُشارِك.[1]
يقول الدكتور ثائر زين الدين عن الرواية:
لقد عانى مصطلح الرواية كثيرا حتى عندنا نحن العرب, فهي نمط أدبي مفتوح ,متحول ومتغير يملك مساحات إبداع كبيرة, لكن كل هذا يفتح الباب للنجاح فهي اكثر العناصر الأدبية قبولا للعناصر المتنافرة. [2]
لذا يصبح هنا نمط الرواية المشتركة مقبولا, كنمط هام يحمل متغيرات أكبر وأوسع وخيارات أكثر.
لكن قلما نجد عملا مشتركا روائيا ورقيا في عالم السرد , وهو بالكاد معدود ولا نعرف لهذا سببا , ذلك أنه عمل ليس بالسهل أبدا خاصة إن عرفنا أنه يتطلب:
1-توائم فكري أو تقارب إلى حد ما بين القاصين.
2-اعتماد فكرة متفق عليها كمحور للقص تتناسب طردا مع إمكانية طرحها وإمكانية تقبلها من الجمهور.
3-تقارب أسلوبي وتقارب في مستوى الخبرة والتقنيات السردية.
4-تقارب مكان أو إمكانية التواصل لإنهاء العمل مهما طال الزمن والرغبة في ذلك دون معوقات خلافية وغيرها.
وعلى هذا الأساس يطرح السؤال نفسه: هل قلة الأعمال المشتركة دليل على عدم توافر تلك العوامل الهامة؟.
هي حلم كل مؤلف كي يصل لثمرة فريدة ,من تلاحم تجربتين في الكتابة وتعانق خبرتين في عالم الأدب, وهذا ما وجدته في رواية "عالم بلا خرائط" كنموذج شكلاني عبق وزخم بالإنشاء والوصف والاستطراد الذي كان مترهلا في مكان ومتماسكا في آخر, لكنه قدم تقنيات سردية غاية في الروعة .
يتحدث الراوي في الرواية , عن رواياته وطرح بعض حوارات عنها , وعن تجارب غيره ما كان يجب أن يأتي بها على صفحات طويلة.
فهل بات حجم الرواية تجاريا هو المنشود؟
حتى في رسم الشخصيات بات هناك حشوا مملا, وكأنه كل يريد عرض عضلاته الروائية وحده, ورغم هذا كانت قوية وفريد مقارنة بمثيلاتها, ويبقى الأمر عموما حلم كل مؤلف.[3]
من جهة أخرى, كانت التجربة الغربية واضحة تماما:
كانت تجربة جوزيف كونراد مع مواطنه فورد مادوكس فورد دليلاً على هذا اللبس وذاك القلق فقد كان من أصعب المسائل على الحل اكتشاف من كان النور الهادي وراء تعاونهما، وقد تشاركا في كتابة ثلاث روايات هن على التوالي: «الورثة»1901م ,«رومانس»1903م,«طبيعة الجريمة»1924م.[4]
أما على الصعيد العربي:
لقد كانت تجربة بهيجة مصري إدلبي وعامر الدبك سورياً في مجال الرواية المشتركة «ألواح من ذاكرة النسيان» الصادرة عن دار الفكر المعاصر – بيروت 2002م عملاً يجدر الالتفات إليه، علماً أنه حاز جائزة أحسن رواية للعام 1998م، كمخطوط ومنحت الرواية مكافأة المستوى الثاني من الجائزة وليس لأنهما امتلكا الجرأة على الخوض في مجال بقي لفترة طويلة عالماً لا يجرؤ على الاقتراب منه أحد، وإنما لأنهما حاولا من خلال الدخول فيه تقديم عمل روائي يستعير من الأنواع الأدبية المختلفة (الشعر والقصة والمقالة والرسالة والمذكرات والوثيقة التاريخية والأسطورة.. ) ما يخدم الخطاب الروائي وفكرته.[5]
انها تجربة تدخل الكاتب لعالم الأدب من أبوابه العريضة, لكن قلت توجدها تظهر أزمة ثقافية واقعية وخيبة امل أدباء ما وجدوا متنفسا في عالم التقدير لأعمالهم.
ذلك أنه لو ركز على تلك الجهود لكانت مجالا لطرح قضايا هامة بأسلوب فكري منوع ومتلاحم, فهل فعلا كانت التجربة في الأصل غربية منذ القرن التاسع عشر؟, نحن لا نملك دليلا هنا .
لكن وضاح شرارة يبين أن القص المشترك يعني أيضا تعدد الأصوات في السرد وهذا ما بينه في مثال :حنان الشيخ عن الحرب اللبنانية ,فهل نصنف هذا اللون بالقص المشترك؟
نعتبره سردا بعدة أصوات وليس قصا مشتركا بحال ,لأن القلم واحد .[6]
يقول محمد صادق عن التجربة المصرية التي أضافت تقنيات هامة وخاصة حول السرد المشترك:
{في مقام العشق} تجربة روائية جديدة مشتركة لكاتبين من الأدباء الشباب في مصر هما يوسف نبيل وزينب محمد. تعدّ الرواية تجربة غريبة في الكتابة المشتركة تعتمد على التجريب في استخدام تقنيات جديدة في السرد.
نعم إن لم تضف الرواية أمرا جديدا فهي كغيرها من الروايات ,فمشترك يعني قلمين فكرين جهدين خاصة لو أن لكل صوت فيها:[7]
وقد توالت التجارب في لبنان بجودة منقطعة النظير:
{زنجبيلك}، كتابة مشتركة لإيمان الدواخلي وياسر رزق. ينتمي الكتاب إلى الأدب الساخر، ويدور حول علاقة زوجين. يبدأ بانتظار فتاة العريس، ثم اللقاء الأول، ثم الزواج، ثم الخلافات الزوجية و{الردح} بين الزوجين والأبناء، ذلك كله على شكل {اسكتشات} أشبه بـ{اسكتشات} شويكار وفؤاد المهندس.
سبق هذه الأعمال صدور قصيدة مشتركة بعنوان {حلم الجمال}، من تأليف الشاعرة العراقية سمر جبوري والمصرية ميمي قدري جاء فيها:

وكان الأديبان اللبناني سيمون سعد والسوري صالح دحدل قدما روايتهما المشتركة {أحلام نازفة} منذ سنتين التي فازت بالجائزة الأولى في المسابقة السنوية التي تنظمها {الجمعية الدولية للفنون} في اليونان
جبرا ومنيف
تعدّ التجارب الجديدة إحياء لظاهرة الكتابة المشتركة التي كان الروائيان جبرا إبراهيم جبرا وعبد الرحمن منيف من ألمع أبطالها، إذ تضافرت مواهبهما بشكل مذهل في {عالم بلا خرائط}، عمل إبداعي وصفه النقاد بالمتفرد، يتناول قصة عمورية، تلك المدينة المسكونة بالأحلام والأوهام.
مثلت هذه الرواية مرتكزاً مهماً في ظاهرة الكتابة الإبداعية المشتركة التي اختلف حولها النقاد، فثمة من يرفضها مؤكدا أن القطعة الأدبية التي يؤلفها أكثر من أديب هي كالابن الذي له أكثر من أب، وأن الإبداع عمل ذاتي بالأساس يحمل رؤية خاصة للحياة والكون، ومن ثم يتناقض هذا الاشتراك مع الرؤية الخاصة للمبدع. وثمة من يقبلها مشيراً إلى أن الكتابة المشتركة فكرة جيدة، تزخر ببعض التجريب، وأن صراع الروائيّين المشاركين ينتج رؤى فنية ثرية بالإبداع... وما زال .[8]
لكن محمد صادق كما قرانا انفا يبين ان النقاد لم يتطرقوا كثيرا للعمل المشترك, ولم يجدوا تصنيفا له ,بل هناك من يرفضها تماما ,بلا حجة ولا منطق, فنحن لازلنا بحاجة للمعات إبداعية ,ونحن إذ نبحث عن ذلك في طيات عطاء الادباء نجد أن عالم الشعر كان زاخرا بها في عالم النت دون الورقي في عالم المساجلات وامثالها , كما نرى هنا:
في منتديات فرسان الثقافة بجهود العروضي الكبير ( غالب الغول) ومن ثم الدكتور ضياء الدين الجماس.[9]
حتى في مجال القصص القصيرة لم يسجل الأدب كثير نقاط خاصة أن تفاوت المستوى الادبي لم يفتح الباب لتجارب جديدة.
فما المشكلة بالضبط؟
وتبقى تجارب استثنائية, نتمنى لو كان لها روادا وجمهورا ومتابعين ومشجعين.
ريمه الخاني 11-11-2013



[1] http://www.baheth.info/all.jsp?term=...AA%D8%B1%D9%83


[2] راجع العدد 602 من المعرفة تشرين الثاني 2013( مقتبس عن دراسته: الفن التشكيلي والرواية –بتصرف)

[3] http://www.alriyadh.com/2009/01/19/article403081.html

[4] http://www.alimbaratur.com/forum/viewtopic.php?t=15127

[5] http://www.alimbaratur.com/forum/viewtopic.php?t=15127


[6] http://www.almustaqbal.com/storiesv4...storyid=351234

[7] http://www.aljarida.com/news/index/2...87%D9%8A%D9%86

[8] المصدر السابق.

[9] http://www.omferas.com/vb/f209/