كتاب- التاريخ الضائع-الحلقة(5)
قرطبة تتحول إلى عاصمة للحضارة الإنسانية في غرب العالم
تأليف :مايكل مورغان



يتناول المؤلف في هذه الحلقة سير وانجازات من برزوا من المسلمين في مجالات الابتكار والاختراع في بلاد الأندلس إبان فترة الازدهار التي رعاها الأمراء من بني أمية، حيث يشير إلى أن هذه الفترة شهدت نهوضاً في كل شيء إلى درجة الاهتمام بفنون الذوق وأصول وآداب الطعام وفنون اللبس والزينة، الأمر الذي جعل قرطبة، حاضرة الأندلس.

تتحول من بلدة صغيرة إلى واحدة من أكبر المدن في أوروبا يتميز الناس فيها بأخلاقهم وأدبهم ولباسهم وسلوكياتهم الراقية التي تنم عن ذوق رفيع وتهذيب عال. ويشير كذلك إلى مساهمة العلماء المسلمين في تحقيق حلم الطيران من خلال تجارب ودراسات بل ومحاولات جريئة قام بها علماء مثل عباس بن فرناس في قرطبة والتركي أحمد جلبي في اسطنبول.

المخترعون والمبدعون المسلمون، هم موضوع الفصل الخامس من هذا الكتاب. في بداية الصفحات يعترف المؤلف بأن كثيرا من الوثائق والأسانيد التي تتناول الشأن العلمي وسير الأساتذة المسلمين الذين نبغوا في مجال العلوم التطبيقية ـ الكيمياء، الطب، الهندسة، الفيزياء وما في حكمها ـ هذه الوثائق ضاع منها الكثير،

بل وتعّرض بعضها للإخفاء أو التدمير المتعمد أو حتى للتدليس والتزييف، من جانب الخصوم الذين أرادوا أن يضنّوا بالاعتراف الموضوعي بعناصر الإبداع والابتكار والنبوغ التي ازدهرت في ظل الحضارة الإسلامية. مع هذا كله، فقد حاول المؤلف الأميركي أن يتابع قراءاته التحليلية لما بقي من مراجع تشهد بالتقدم الإسلامي في عصور التفتح والاستنارة والازدهار.

زرياب في الأندلس

ها هو ينقلنا بعدسة التاريخ إلى قرطبة، العاصمة الأندلسية الزاهرة. في سنة 852 للميلاد كانت قرطبة قد بلغت من الحضارة والتقدم والازدهار شأوا جعلها تنافس بغداد العباسية، عاصمة الإمبراطورية المسلمة سواء بسواء. بل كانت كما يصفها مؤلفنا أكبر مدن أوروبا في ذلك الزمان وأهمها تقدما من ناحية العلم والتكنولوجيا في منتصف القرن التاسع الميلادي.

ها هي قرطبة تصعد إلى مستوى من الرقي والتجديد على نحو لم يكن متاحا بالنسبة لأي مدينة أخرى في طول القارة الأوروبية وعرضها: موسيقى جديدة، طراز معماري غير مسبوق يجمع بين عناصر الجمال وبين إمكانات المنفعة وخدمة الإنسان، بل أن هذا الجمال لم يكن مجرد زخرفة

ولا تزويق: إنه روعة في التصميم والتشييد في فن البناء بحيث استقطرت كل ما أبدعته حضارات الإنسان التي سبقت في التاريخ، ما بين أكروبول الإغريق وأعمدة الرومان، وروحانية الوجدان الإسلامي وخاصة في تشييد المآذن والمحاريب والمنارات مشرعة كأنما تتضرع إلى خالق الأرض والسموات،

هذا فضلا عما انعكس في سلوك أهل قرطبة وما حولها من ذوق رفيع ورقي مشهود في آداب المائدة وفي معاملات الأسواق، حيث يعود كثير من الفضل ـ كما يذكر مؤلف كتابنا (ص 155) إلى ما استقبلته الحاضرة الإسلامية الشهيرة من فنون الذوق ورقي السلوكيات وأعراف التمدين وإبداعات الموسيقى والتصرف ـ الاتيكيت كما قد نسميه.

وكله جاء من بغداد على يد رجل قدم أيامها من عاصمة هارون الرشيد فاستقبلته قرطبة عاصمة الأمويين الأندلسية وأكرمت وفادته وتعلمت من عطائه وكان اسمه أبو الحسن علي ابن نافع، وإن كان التاريخ الإسلامي،

بل وتاريخ أوروبا ذاتها يعرفه باسم ذاعت شهرته منذ ذلك الحين في الأقطار والأمصار: زرياب يصفه مؤلف الكتاب في العبارات التالية: كان زرياب رجلا متعدد المواهب، استطاع البلاط الأندلسي أيامها أن يجتذبه أو يستأثر بنبوغه، فوجّه إليه الدعوة لزيارة قرطبة، وجعل له مرتبا سنويا يصل إلى نحو 1200 دينار من الذهب

إضافة إلى عطايا وهدايا في المواسم والأعياد الإسلامية، ثم وهبوه دارة فاخرة لسكناه في رياض قرطبة الخضراء ومعها «عدد من الفيللات» لسكنى أتباعه وتلاميذه ومعاونيه، هكذا تحولت حياة زرياب من موسيقار ينتمي إلى طائفة الموالي التابعة في البلاط العباسي ليصبح وجيها أمثل في موطنه الأندلسي الجديد، وكانت حياة واعدة وكان عطاء مبشرا بكل معنى. يضيف المؤلف قائلا في السياق نفسه:

من هنا تفرغ زرياب كي يعلم الناس كيف يلبسون وكيف يطبخون وكيف يعزفون الموسيقى.

ومن هنا أيضا نقول في معرض التعليق: أن الحضارة الإسلامية بدأت تتعلم وقتها، ومن ثم آثرت أن تعلّم الناس، والتاريخ أيضا، معنى أن يرتفع الإنسان عن مجرد تلبية احتياجاته أو إشباع غرائزه الأساسية، يرتقي البشر من كائنات تدب فوق ظهر الأرض ليصبحوا عقولا وقرائح مبدعة وملكات خلاقة ويتحول بهم الأمر من مجرد الأكل إلى الطعام،

ومن مجرد العيش إلى الحياة، ومن مجرد الثوب إلى الزي، وبهذا أصبح الجلوس إلى المائدة فنّا، وأصبح ارتداء الثياب فنا وأصبح الإصغاء إلى الموسيقى وعزفها إبداعا للتعبير عن خلجات النفس وارتقاء بمشاعر الإنسان وليس مجرد تعامل مع الآلات أو إرسال النغمات لإزجاء الفراغ أو لإرضاء مجالس البلاط أو نيل العطايا من التمدح بمآثر السادة.

وهنا أيضا يعاود المؤلف حديثه فيقول: هكذا تطلع القرطبيون أيامها إلى زرياب الموهوب القادم من عاصمة إمبراطورية الإسلام، وظلوا يقلدون، يحاكون ويتابعون ما جاء به زرياب في مجالات تجمع بين تفصيل الملابس لزوم حسن الهندام إلى تسريحة الشعر لزوم حسن السمت إلى طريقة الكلام، نطق الحروف واختيار الألفاظ،

و سبك العبارات من أجل موافقة الكلام لمقتضيات الأحوال، سواء من حيث الظروف السائدة من حولنا، أو مقام الشخص الذي تخاطبه، أو طريقة التعبير عما يدور بين جوانحنا من مشاعر وسكنات وخلجات.

بلغ الأمر أن تعلمت حرائر قرطبة ـ وحسناواتها طبعا ـ معنى أن يكون هناك دار متخصصة في فنون زينة المكياج وأساليب التجميل وكانت أول دار شهدها العالم من قرطبة تخصص لهذا الغرض حيث أمر زرياب بتزويدها بأنواع مبتكرة من العطور والمساحيق والدهون.

اكتشاف معجون الأسنان

ولم يقتصر الأمر على النساء بل وجه زرياب اهتماماته في مجالات الذوق والصحة والرقي إلى الرجال أيضا. فكان أول من أشار على رجال قرطبة بأهمية استخدام معجون الأسنان (وربما فات المؤلف هنا الإشارة إلى أن المعلّم الأندلسي، العباسي سابقا

كان يصدر في هذا الصدد عن تعاليم إسلامية راسخة تحض الناس على استخدام السواك لتنظيف الفم، وتحث المصلين على أن يراعوا زينتهم بمعنى قواعد النظافة الشخصية، واللياقة الاجتماعية واستخدام الطيب المعطر عند أداء الصلوات الجامعة على وجه الخصوص).

باختصار يوضح المؤلف أيضا كيف عمل زرياب كذلك على تطوير عزف العود (ومن ثم كانت موسيقى الأندلسيات التي ما زالت تشنف آذان أهل الشرق والغرب وما برحت تترامى إلى أسماعنا من معزوفات التراث الأصيل الجميل عند أهلنا في المنطقة المغاربية العربية،

ما بين تونس إلى المغرب الأقصى) وفي هذا المضمار من فن الموسيقى كان زرياب هو الذي أضاف الوتر الخامس للعود وكأنه وضع أولى لمسات تطويره إلى آلة الجيتار كما يعرفها الغربيون في موسيقاهم المحدثة ـ والمعروف أن ثمة نسبا مشتركا بين كلمة الجيتار (بالجيم القاهرية غير المعطشة) وكلمة القيثارة في قاموس لغتنا العربية.

أخيرا يحاول مؤلفنا الأميركي أن يختصر في عبارة موجزة سيرة زرياب فيقول: هذا رجل استطاع أن يبث روح التجديد والابتكار في أوصال الحياة اليومية للناس منذ أن وطئ المسلمون أرض الأندلس. وبهذا تحولت قرطبة على يديه، إلى عاصمة الإسلام في الأصقاع الغربية، بعد أن كانت مجرد بلدة يعيش فيها القوط الغربيون بكل خشونتهم وشظف حياتهم إلى حيث أضحت قرطبة مكانا لأحدث الموضات وأفضل العادات الراقية وأسلوب الحياة الرفيع.

الهبوط بالمظلة

عند هذه النقطة يزيح المؤلف ستار الأحداث في ميدان الجامع الكبير بمدينة قرطبة بكل ما عرض إليه من رقيها وأذواقها وتجديد أسلوب حياتها وسلوكيات ساكنيها، كان ذلك بالتحديد عام 832 للميلاد، امتلأ ميدان الجامع القرطبي بالبشر ولوحظ أن الجميع يتطلع بالنظر إلى أعلى وبالتحديد إلى المئذنة الشامخة التي تعلو مبنى المسجد الكبير.

كانوا يتابعون ـ كما يوضح المؤلف ـ حركة رجل رقيق الجسم ماثلا محل المؤذن في منارة الجامع. همهمات تسري وسط الجمع الحاشد، ليس هذا هو المؤذن الذي نعرف، وكم أصغينا إلى نبرات صوته مؤثرا، وخاشعا وهو يسري في عذوبة روحانية مع شفق الغروب أو عند أنفاس الصبح أو في رائعة النهار داعيا المؤمنين إلى أداء الصلوات.

هذا رجل غريب عن المكان، أتراه يريد أن يلقي بنفسه من حالق كي ينتحر؟ مع الهمهمات كانوا يرددون اسم الرجل الغريب، اسمه فرمان، يرتزق من ركوب المخاطرات العجيبة والمغامرات التي لا يقدر عليها أحد، وها هو يتهيأ للقفز في الهواء من حالق المئذنة، انتظارا لمكافأة رصدها الميسورون من سادة المدينة وعندما حانت لحظة الهبوط فتح فرمان ما بين ذراعيه،

ولاحظ المجتمعون شيئا أقرب إلى الأجنحة، كان يرتدي حلة من ثياب مصممة بشكل خاص، وعندما قفز انفتح نسيج الثياب وطوفت في الهواء فإذا بها تؤدي إلى إبطاء الهبوط إلى حيث سيطر المغامر على نزوله إلى سطح الأرض بغير صدمة شديدة أو ارتطام يودي للهلاك. صحيح أنه أصيب برضوض إلا أنه ظل على قيد الحياة مسيطرا على أعصابه دون غشية أو إغماء.

يعلق المؤلف على المشهد القديم: هكذا قيض للقرطبي فرمان أن يقوم بما يمكن وصفه بأنه أول قفزة بالمظلة (الباراشوت) في التاريخ رغم أن تعبير الباراشوت سيظل بعيدا عن الاستعمال على مستوى العالم على مدار ألف سنة بعد ذلك. ولكن فرمان الأندلسي لم يكن يهمه، لا المصطلح ولا العلم ولا التاريخ: كان همه منصبا على شيء واحد، أن يحصل على مكافأة مالية تعينه على مطالب الحياة.

ملاحظات السيد عباس

رجل آخر كان يتأمل الحادثة وسط هذا الجمع الحاشد في قرطبة، ويستخرج منها عبرة من نوع مختلف تماما، كان مشتغلا بالعلم والتجارب العلمية ولهذا انتزع نفسه من مختبره البحثي، لكي يشاهد حادثة التحليق في الهواء، وكان اسمه عباس بن فرناس.

بدأ حياته تلميذا لزرياب في البلاط الأندلسي. لكنه عند منتصف العمر شرع يوجه اهتماماته إلى مجال آخر بخلاف الأوتار وآلات العزف والإيقاع، وتركزت اهتماماته على الماكينات وآلات ضبط الوقت وخواص الزجاج وبلورات الكريستال،

فضلا عن اهتمام ولو فرعي بعلوم الفلك ورصد الكواكب ومتابعة حركة النجوم في المجرات، في مختبره العلمي استطاع أن يصطنع طريقة لتذويب الرمال وصنع أكواباً وأقداحاً من الكريستال الفاخر لاستخدام بلاط الخلفاء.

ومن هذا المجال توصل أيضا إلى صنع عدسات رقيقة لاستخدامها في أغراض شتى من احتياجات العلم والصناعة فحتى زمانه كان الأسبان لا يعرفون سوى أقداح وأكواب من خشب بدائي أو من معدن غير مصقول وأحيانا من جلود الحيوانات.

أول طيران في التاريخ

مع هذا كله كان القدر يهيئ له اهتماما من نوع غير مألوف، هكذا بدأ عباس بن فرناس يقرأ عن محاولات الأقدمين التحليق في طبقات الفضاء، أمضى الساعات الطوال يقرأ في تواريخ الحضارات الغابرة ـ أساطير تحكي عن ديدالوس وإيكاروس ومن في حكمهما من رواد الحضارات القديمة الذين غامروا بمحاولات الطيران.

وها هو ابن فرناس يقف في ركن من ساحة جامع قرطبة الكبير، يرقب مغامرة فرمان ويتابع الرجل على صهوة المئذنة فيما يحاول ابن فرناس أن يخفي وجهة عن جموع الناس، فكيف له، وهو أستاذ العلم الضليع وصاحب المخترعات والدراسات الفريدة وصديق كبار القوم في البلاط الأندلسي،

أن يسمح لنفسه بمشاهدة مغامرة شبه مجنونة يقدم عليها رجل لا يبالي بشيء سوى بضعة دنانير لزوم الارتزاق؟ وعندما هبط أول مظلي (أندلسي) في التاريخ كانت عيون ابن فرناس ترمقه وتعاين الرضوض التي أصابته ـ ولكن كانت الحاسة النقدية ـ الملاحظة العلمية تقول بأن المغامر أصيب بالأضرار .

لأن مظلته لم تكن دقيقة التصميم، لحظتها راحت أفكاره تسترجع تحليقات ديدالوس وابنه إيكاروس من أيام الزمن الإغريقي القديم فوق بحر أيجه، وبعدها سرح خياله متصورا إمكانية أن يطير بشر مثله محلقا في فضاء الله المنبسط الفسيح.

هذه الأفكار، والتصورات لم تكن سهلة، ولا كان تحقيق حلم الطيران ميسورا ولا بسيطا، استغرق الأمر 23 عاما قضاها ابن فرناس، كما يبين مؤلف الكتاب، في التفكير والبحث ووضع التصاميم، كان قد شارف السبعين من العمر إلى أن جاء ذلك اليوم المشرق من أيام قرطبة الزاهرة في عام 875 للميلاد وقف عباس بن فرناس على قمة تل من روابي المدينة يطل على جمع الأصدقاء والزملاء من الدارسين والعلماء ومنهم من هو شغوف.

ومنهم من هو متشكك، أو مشفق على التجربة الرهيبة التي سيخوضها على مشهد منهم عالم قرطبة الكبير، كان قد أمضى السنوات الثلاث والعشرين يرقب ويدرس خواص الطيور وقوانين حركتها وتوازن أجنحتها وقدرتها على الطيران منسابة في أركان السماء، واصطنع بذلك جناحين ضخمين يناسبان جسم الإنسان،ثم ها هو يفردهما

ويحلق بهما تحت أنظار الجمع الغفير: كم خفقت القلوب إعجابا أو دهشة أو إشفاقا فيما شاهدوا عباس ابن فرناس محلقا في الفضاء، طائرا «بشريا» تستغرق رحلة طيرانه من فوق التلال نحو عشر دقائق وتطالع عيناه في لمحة خاطفة انبساط الوادي من تحته تتخلله مآذن قرطبة الجميلة وقلاعها ومساكنها وأبراجها،

ها هو حلم الطيران يتحقق على يد إنسان مسلم يشتغل بالعلم والتجربة والصناعة ويراوده الأمل الطموح أيضا، أقترب ابن فرناس في طيرانه من الأرض خلال عملية الهبوط، لكن ما بال الأرض تقترب بسرعة مخيفة!، هكذا ارتطم بها جسده المثقل تحت وقر السنوات السبعين وها هو ملقي فوق الثرى، كأنما تحيط به ظلمات من الألم والمرارة حين سأله الرفاق المشفقون: أبا عباس: هل ما زلت حيا؟

أنا على قيد الحياة، الحمد لله.

هل أصابك الألم؟

كلي آلام.

نعم آلام التجربة ظلت تصاحبه على مدى 12 عاما هي كل ما تبقّى من العمر، ورغم قسوة الألم فقد كان طعم المرارة أقسى، ظل يفكر ويتأمل في عبرة التجربة الرائدة، وربما كان غاضبا من نفسه، من قصور نظرته، وكان لسان حاله يقولها نطقا أو تفكرا خلال تلك الأعوام الاثنى عشرة. لقد صمّمت الجناحين فكان أن حلقت بهما كالطير في السماء، لكنني ارتطمت بالأرض لحظة الهبوط لأني نسيت أن أصمم الذيل أسوة بالطيور، فما أشد قصور الإنسان!

تجربة إسلامية من تركيا

بهذه التجربة، الرائدة بكل معنى، دخل عباس بن فرناس سجل التاريخ، وانقضى من سنوات هذا التاريخ 755 عاما إحصاءً وعداً لكي يعاود محاولة الطيران رائد آخر جاء ليؤكد بدوره ما يتمتع به العقل المسلم من ملكات الإبداع، هنا ينتقل بنا المؤلف عبر الزمان إلى سنة 1630 وعبر المكان إلى برج غلطة في اسطنبول على ضفاف البوسفور، الرائد المسلم هذه المرة اسمه أحمد جلبي من عائلة عريقة في مضمار الدرس والبحث العلمي ،

تابع بدوره تراث من سبقوه في علوم وتجارب الطيران، من ابن فرناس الأندلسي إلى ليوناردو دافنشي الإيطالي. وكان من الطبيعي أن يتعلم جلبي ـ الشاب التركي ـ من أخطاء أسلافه من الرواد ولهذا نجحت تجربته فكان أن حلق لمسافة ميلين،

فاجتاز البحر الفاصل بين أوروبا وآسيا وسجل بذلك محاولة أخرى للطيران كانت ولا شك نموذجا يجسده الوجدان ويتواصل مع منطق التطور وسنن الحضارة، تمهيدا لكي ينسج على منواله مبدعون ومبتكرون آخرون.

عرض ومناقشة: محمد الخولي