قوله :
ـ [ فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي ] يوسف 80
ـ [ فانكحوهن بإذن أهلهن ] النساء 25
ـ [ فأذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون ] يوسف 70
ليعني أن الإذن من الأب هو كلام صريح من يعقوب يصل إلى ابنه الأكبر يأمره بالعودة .
ويعني أن أهل الأمة لا أسيادها هم من يأذنون بزواجها ، وأن الإذن من الأهل هو كلام صريح يتبينه المأذون له في زواج الأمة
ولا يخفى أن أذان المؤذن في أثر العير بقوله يخاطبهم ويسمعونه [ أيتها العير إنكم لسارقون ] ويعني أن العزيز قد أذن للمؤذن والجنود معه بتفتيش العير ليعثر على صواع الملك ، ودلت ضمائر الجمع في [ عليهم ] وفي [تفقدون ] وفي [ قالوا ] وفي [ نفقد ] على أن مع المؤذن جنودا .
وكان الأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر [ أن الله بريء من المشركين ورسوله ] برفع اللام ، هو الإذن من الله في الكتاب المنزل للمؤمنين أن يبرأوا من المشركين ولو كانوا أولي قربي .
وزاد من غضب فرعون على السحرة إيمانهم بموسى قبل أن يأذن لهم بكلام يسمعونه منه .
وكان من تفصيل الكتاب المنزل أن لكل من إسناد الإذن إلى الله وإلى ربنا مدلولا خاصا به ، فمما أسند إلى الله قوله :
ـ [ وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني ] المائدة 110
ولا يخفى عود ضمير المتكلم إلى الله في قوله [ إذ قال الله يا عيسي ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك ] ويعني أن عيسى قد تلقى وحيا من الله علم منه الإذن أن يخلق من الطين كهيئة الطير وإلا لكان تصوير هيئة الطير من الطين عبثا .
وإن قوله :
ـ وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله ] آل عمران 49
ـ [ وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني ] المائدة 110
ليعني أن الشفاعة إنما تمت بعد إذن الله الذي أذن له أن يبرئ الأكمه والأبرص بنحو قوله " أبصر أيها الأكمه وابرأ أيها الأبرص بإذن الله" أي أن الله أذن له في الشفاعة في هؤلاء المبتلين وحري بعيسى الذي علّمه الله الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ساعة ولد دراية قوله تعالى [ من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ] البقرة 255 ، وقوله [ ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له ] سبأ 23 وقوله [ ما من شفيع إلا من بعد إذنه ] يونس 3 ، وقد بينته في مادة شفع من هذا الكتاب وفي كلية الآيات من بيان القرآن .
وأما قوله :
ـ [ فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله ] آل عمران 49
ـ [ وإذ تخرج الموتى بإذني ] المائدة 110
ـ [وأحيي الموتى بإذن الله ] آل عمران 49
فيعني أن الله قد جعل عيسى روحا منه كما في قوله [ إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ] النساء 171 ، وحري بالموتى في قبورهم وبالطين أن تدب فيهما الحياة بروح من الله وإنها لآية خارقة كالتي يرسل الله بها رسله كما في قوله :
ـ [ وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله ] إبراهيم 11
ـ [ وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ] الرعد 38 ، غافر 78
ويعني أن الله أذن للحادثة الخارقة أن تحدث على غير نسق نواميس الخلق وسنن الحياة فيه وهكذا كانت كل آية خارقة مع الرسل بها للتخويف والقضاء أو مع النبيين والصالحين للطمأنينة والكرامة .
وكذلك أذن الله للخارقة مع أعداء الله كالسامري الدجال .
ولقد أذن الله لبعض النبيين الذين مكن لهم في الأرض وكلفوا بالقتال في سبيل الله وبقتل بعض أعدائه ، وكان النبي في كل مرة يتلقى الإذن من الله قبل الخروج من ببته وقبل بعث السرايا وانتظر الصحابة الكرام الإذن بالقتال عدة أشهر قبل الإذن به واستأذن عمر بن الخطاب النبي في قتل بعض المنافقين وغيرهم من أعداء ولم يأذن له ولو قتلهم عمر اجتهادا منه دون الإذن لكان قتلا بغير إذن الله ولو قاتل الصحابة قبل أن تنزل سورة محكمة يؤذن فيها بالقتال لما كان قتالهم في سبيل الله .
وما كان للمصائب والآفات والضر والسيئات أن تتسلط على المبتلين من أهل الأرض لولا أن الله أذن للأسباب كما لم يأذن للنار أن تحرق الخليل إبراهيم .
وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله الذي أذن لملك الموت بقبض نفسها ولو طالت غيبوبة صاحبها عن الوعي وطال ألمه عشرات السنين وما نموذج شارون اليهودي منا ببعيد .
وكل التكاليف الفردية والجماعية في الكتاب المنزل وفي الحديث النبوي كالصلاة والصيام والحج والبر وفعل الخيرات قد أذن الله لعباده بالقيام بها ، وتضمنت سورة الشورى العجب من الذين يتعبدون بشعائر لم يأذن بها الله كأنما لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله وهيهات .
ولقد تضمن الكتاب المنزل أكثر من إذن لم يقع بعد نفاذه وسيقع إذا وافق الأجل الذي جعل الله له وهو الميعاد يوم يتغلب الذين ظلموا من الناس فيهدمون المساجد ومنها الثلاثة : المسجد الحرام والنبوي والأقصى وليهدي الله لنوره المنزل من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس وهو بكل شيء من الغيب عليم هنالك أذن الله في هذا الكتاب المنزل لرجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله أن يرفعوا تلك المساجد المهدمة وأن يذكروا فيها اسمه ويسحوه فيها بالغدو والآصال .
ومنه جهاد المنافقين والغلظة عليهم ومنه الحرب من الله ورسوله على الذين لم ينتهوا من الربا بعد الموعظة من ربهم .
ولعل الذين يقولون :سنفعل كذا بإذن الله ، لا يفقهون ما يقولون لدلالة كلامهم على أن ما يعتزمون فعله هو من شرع الذي أذن بفعله ، يقول أحدهم إنه فاعل ذلك غدا بإذن الله بدل الصيغة المكلف بها في التكليف المنزل كما في قوله : [ ولا تقولنّ لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله ] .
ولهو القصور من الخواص في فقه كتاب الله ، ومنهم من يعتبر نفسه خليفة النبي الأمي صلى الله عليه وسلم على أمته يأمرها بالهجرة والجهاد ويبرم الصلح ويعلن الحرب ...
يتواصل
وكان من تفصيل الكتاب المنزل أن القرآن ذكر أي تضمن ذكرا من الأولين ووعدا في الآخرين كما في قوله :
ـ قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين الصافات 102
ـ وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين يوسف99
ـ وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين القصص 27
ـ وإنا إن شاء الله لمهتدون البقرة 70
ـ قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا الكهف 69
وهو من هدي النبوة الأولى وذكر من الأولين .
وهكذا وعد إسماعيل أباه أن سيجده حال الذبح مسلما صابرا راضيا بقضاء الله ، وتعلّق الصبر بمشيئة الله أي أنه سيصبر ما قدّر الله عليه الصبر ، واهتدى بنفس الهداية والعلم كل من موسى وهو يعد الخضر ، وصالح مدين وهو يعد موسى ـ حين خاف فرعون وملأه ففرّ منهم ـ وتعلّق الصبر والصلاح بمشيئة الله أي ما قدّر الله الصلاح والصبر كأن كلا منهم يبرأ من الحول والقوة وتزكية النفس .
ومن الوعد في الآخرين أي مما خوطبت به هذه الأمة قوله ولا تقولنّ لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله الكهف 24 ، ولا إشكال في هذا .
وأما إسناد الإذن إلى ربنا فيعني التسخير الذي لا يقدر على مثله أحد من العالمين وهكذا سخرت الجن أن تعمل بين يدي سليمان وتتنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم في ليلة القدر بشارة للمؤمنين لتخاطبهم الملائكة بقولها [ لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ..] ، ولنفاذ وعد الله في الكتاب المنزل بإهلاك المجرمين كما في وعد الله ووعده الحق [ ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذن منظرين ] ومن المثاني معه وعده [ ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون ] .
طالب العلم
الحسن
....
من كتب تفسيري