بعد الثمانين، هل للعمر بقية..........؟

تجاوز الثمانين من العمر بقليل ركام من اللحم على هيكل من عظام منحوتة ، منحوه فرصة واحدة وهي أما الموت على الفراش ، أو بين مبضع الجراح ، نظر إلى أبنه وهو يسحب فراشه من تحته دون أن يعطيه فرصة للقيام ، أغلق الابن أنفه بكمامة ، لكن لم يمنع ذلك رائحة( اليوريا )المترسبة من النفاذ إليه، كاد أن يلقي بكل ما في جوفه ، منذ ثلاثة أيام، كانت أخر زيارة لأبنته ، لم يطرق بابه أحداً بعد ذلك ، هي الوحيدة التي راحت تعنى بشؤونه ، نظر إلى أبنه وكظم غيضاً في داخله ، مزق جدار الصمت بسعاله، أربكه صراخ أبنه وهو يحمل تلك( القذارات) من تحته (( لم الله يمد بعمرك...؟)). أحنى الرجل رأسه، واطرق حتى كاد أن يتساوى بالأرض.
في العيادة كان الرجل قد أخرج كل ما جمعه لرحلته الأبدية ، ليعطيه ، نظير أتعاب العملية ، بعد أن أجزم الطبيب أن لا حل غير خضوعه لمشرطه السحري ، واستئصال ذلك التضخم الذي أصاب ( البروستات ) وجعله يفقد القدرة على السيطرة على نفسه؛ كطفل صغير لا يتحكم ببوله، ذلك السلس الذي كان سببا في هروب زوجة الابن من البيت ، وتحول العلاقة بينها وزوجها الى عراك دائم ، وجدال مستمر ، ((اما أبوك أو أنا))
أدرك الطبيب حيرة الجميع ، وتمنى في داخله أن تنجح العملية ، الابن يأخذ القاعة ذهاباً وإيابا ،يمني نفسه برجوع زوجته للبيت ، البنت حلمت بأن كل متاعبها المالية ستنتهي ، تساءلت (لم الله جعل حظ الذكر كحظ الأنثيين )

وقع الابن على أسوأ الاحتمالات حتى لو كانت واحد بالألف؛ لأجراء العملية

هدوء ، لحظات ترقب ، تتقطع الأنفاس ، مسك الحاسبة وراح يعيد حساباته،كم ستكون حصتي ، وكم ستكون حصة سعاد ، تمسكت سعاد بعدم تفريطها بأي مبلغ من الإرث لأنها أحوج به أليه من أخيها ، خرج الدكتور وفي عينيه فرح عظيم مبشراً ،لقد نجحت العملية، توقف الزمن ، وتوقف قلبيهما عن النبض،( ذهبت أحلامهما ..تبخرت أمانيهما).
وقفا اثنيهما قبالة الدكتور في حالة دهشة وذهول ، أحقيقة ما تقول ..؟ يا دكتور......؟ فقال: إن الله استجاب دعائكما ..!
إعصار( توسانامي )
أجتاحهما وألقى بكل أمانيهم إلى البحر.وقبل أن يستسلما لقدرهما ، خرجت الممرضة ، لحقت بالطبيب وهي تنادي، وصوت وقع أقدامها كموسيقى راحت تعزف لحنها في نفسيهما ( لقد توقف قلب الرجل الكبير)تنفسا الصعداء ، جو من الارتياح ألقى بظلاله عليهما. اخرج حاسبته وأعاد حساباته
(سأشتري لزوجي سيارة آخر موديل )قالت سعاد في سرها ، ثم مضت في رحلة الأماني ،
وقبل أن يفيقا من المفاجئة
جاءت امرأة متلفعة بالسواد، تسير الهوينى ، وفي عينيها ، أكثر من سؤال
نظرت إلى تلك العيون التي راحت ترقبها
:- مات ......؟!
:- من أنت...؟!ا
:- أنا زوجته ، وهذه حجة البيت باسمي .. ولي كامل الحق بالتصرف بأملاكه...

..بهتت سعاد

وطلب الابن من أدارة المستشفى التصرف بجثته....