لك الأمر في القبول، فإن لم تفعل فردّها عليّ.
قراءة في تطور (الأجناس الأدبية)
تصنيف د. سعد العتيبي
تعليق: فيصل الملوحي
الأجناس الأدبية من وجهة نطر مقارنة( موازنة ):يعد الأدب سفيرا شعبيا بين الأمم والشعوب، فهو يحمل ثقافة شعوب الأرض جميعها، وفي رحلته التاريخية يتنقل من شعب إلى آخر ومن أمّة إلى أخرى، ولم يولد في بلد من دون أخر( لم يستأثر بلد بولادته دون آخر )، لذلك فإن دراسة تاريخ الأجناس الأدبية وتطورها تعطينا صورة عن الأدوار التاريخية التي مرت بها وانتقالاتها عبر شعوب العالم، و تأثير كل أمة في هذا الجنس وذاك، وبالتالي صورة علاقة الشعوب بالآداب سيما سيما الأدبين العربي و الغربي، ومدى تأثير العرب في الأدب الإنسانيّ ونشأته، و تأثير الأدب الإنسانيّ والأدب الحديث في الأدب. ولعل من المفيد أنْ ندرس الأجناس الأدبية كلاً على حدة.أولا الملحمة:
وهي سرد شعري طويل يحكي قصة بطولة ملك أوأميرأوقائد. المهم أن يكون بطلا قوميا قام بأعمال بطولية لأمته، وتنطوي على أفعال عجيبة وحوادث خارقة للعادة وفيها يمتزج التاريخ بالأساطير والواقع بالخيال. وقد ازدهر في حياة الشعوب البديئة التغنّي بالبطولة والمغامرة أكثرمن أي شيء آخر، ولعل أبرزالملاحم الإنسانيّة الكبرى التي تمثل تاريخ هذا الجنس و تطوره عبر العصور والبلدان:ا/ ملحمة كلكامش:وهي أوّل ملحمة أُبدعت إنسانيّا في الألف الثاني قبل الميلاد، ونصّها الكامل ينطوي على اثني عشر لوحا، عُثر على بعضها في مكتبة( أشور بهانيبال) في (نينوى شمال العراق) تحت عنوان ( هو الذي رأى كل شي).وتحكي قصة ملك أور كلكامش وبطلها وحاميها وكان بطلا شعبيا حتى إن الخيال الشعبي جعله ثلث إله لأنّ أمَّه إلهة تامّة.تبدأ الملحة بتصوير بتصوير البطل حين تولّد الطغيان في نفسه، فأصبح ظالما قاسيا حتى إنّه لم يُبْقعذراء ليوم زواجها، بل كان هو الزوج الأول لكل عروسحتى تذمرت الناس من جَوْره، وضاقوا به وابتهلوا للآلهة أنْ تخلصهم من جَوْره، لا من شخصه، فهو- مع ذلك - كان محبوبا من شعبه لأنه دافع عنهم وحماهم من الغزوات. لقد استجابت الإله(الآلهة)، لتضرّعات– لضراعة)الناس، فخلقت لهم أنكي دوكي ليصارع كلكامش، وجعلته في الغابة في بداية الأمر،غيرأنّ كلكامش علم بالأمر،وأرسل له صاحبة الحانة( حمشة)التي جعلته يحبها فتحول من شبه حيوان إلى إنسان. وبدا بالحب يتحضر،ويتنظف، فتهرب منه الحيوانات. ولعل المرحلة الحاسمة في الملحمة هي لحظة الصراع بين أنكي دوكي وكلكامش الذي جرى عند المعبد أمام الناس واختتم بتعادلهماواقتناع كل منهما بعدم قدرته على هزم الآخر،فاتّخذ كلكامش أنكيدو صديقاومرافقا،ثمّ نهض الاثنان بمهمة تخليص العالم من الشركما تشيرالملحمة،فخاضا معارك كثيرة إلى أن تعاقب الآلهة كلكامش بموت أنكي دوكي فحاول كلكامش إعادة صديقه مرة بالتوسل إلى الآلهة،وأخرى بالنزول إلى العالم الأسفل بلا جدوى. لقد كان موت انكيدو لحظة حاسمة في الملحمة كما كانت ولادته، فقد تحوّل كلكامش من صراع الشر إلى صراع هذا الموت الذي بدا له مطلق الشر،وطفق يبحث عن عشبة الحياة التي تقول الملحمة: إنّ الإلهة منحتها لأوتوبشنم الناجي من الفيضان، وحصل عليها كلكامش بعد صعوبات ومحاولات متعددة وتوسلات وتدخل زوجة أوتوبنشتم، لكن مع توصية بالانتباه والحذر من الأفعى كيلا تسرقها ،غير أن هذا الموضوع قدري،فتسرق الأفعى عشبة الخلود بعد أنْ أعياه التعب ونام في الطريق. وهكذا يصل كلكامش إلى نتيجة حتمية هي أنْ لا خلود لبشر، فهو لابدّ ميت، غير أنه يصل إلى معنى آخر للخلود، وهو العمل الصالح وخدمة البشروالبناء والحضارة..وبهذه تختتم الملحمة.إنّ هذه الملحمة هي ملحمة عربية ولدت في أرض الرافدين، ثم انتقلت إلى اليونان وكل العالم، غير أن الأدب اليوناني تلقف هذه الملحمة، وأعاد إنتاجها بملحمتي(الإلياذة والأوديسة لهوميروس)، إذ نرى صورة ملحمة كلكامش متشظية فيهما.ولعل من المفيد أنْ نعرض أولا للملحمتين ثمً نوازن بين الملاحم الثلاث. { بانتظار إثبات هذا القول ، فهذه الأدلة غير كافية، وقد يدّعون أنّا توارد خواطر، أو على الأقل تأثروا بها دون أن يكونوا( أعادوا إنتاجها ) ، رغم أنّي عربيّ ، أتوق إلى انْ يكون أصلها عربيّا. }
١ - الإلياذة:
تتحدث هذه الملحة عن الأشهر الأخيرة من حصارطروادة بين اليونان وطروادة الرومانية الذي كان بسبب هروب ( هلين زوجة ميناوس-أحد ملوك اليونان- مع بارس الطروادي) وفي هذه اللحظات تبدو الحرب ساكنة، والآلهة منقسمة على نفسها كل مجموعة تنحاز لطرف فتبدأ الحروب الكلامية بينهم .وتبدأ أحداث الملحمة عندما يأسر(أغاممنون) بنت أحد كهنة معبد الآلهة( باولو) واسمها ( كريترس)، فتعاقب الآلهة جيش اليونان ويتفشى الطاعون فيه، فيقبل ( أغاممنون) أن يرد الأسيرة شرط أن يأخذ مكانها أسيرة(أخيليوس) الذي يعدها إهانة له وينسحب من المعركة مع صديقه )بروتكلس)فيضعف الجيش اليوناني و يُمنى بهزائم كبرى،ويضطر( أغاممنون ) أن يقرّ بخطئه ويطلب مصالحة ( أخيليوس) من دون جدوى. وتتوالى هزائم جيش اليونان وتكبر، فأرسل (أغاممنون)صديقه(باترولكس)مع جيشه إلى المعركةفيتتصرانتصاراعظيماً على الطرواديين ولكن بثمن غال وهومقتل( باترولكس) فيحزن (أخيلوس) كثيرا، ويدخل المعركة ثأرا لصديقه، وفعلا يقتل ( هكتور) قاتل صديقه، ويهزم الطرواديين،وتتوّج الحرب بعد ذلك بحيلة الحصان الخشبي، وتختتم الملحمة، التي تشيرإلى أن ثلث( أخيلوس) إله لأنّ أمه إلهة، وأباه بشر، و هو يحاول أن يستعيد صديقه من العالم الأخر من دون جدوى.
٢- الأودسة:
وهي ملحمة ( هوميروس) الثانية، وموضوعها عودة ( أوديسيوس( من حرب طروادة فقد عاقبته الآلهة، وجعلته يهيم في البحر عشر سنوات، ويتعرض إلى مغامرات كثيرة، ويرى أجناسا من البشر والحيوانات الأسطورية، وفي أثناء ذلك يحاول الطامعون أنْ يستولوا على زوجته وملكهغير أن ذلك لم يحصل،وتصمد إلى حين عودته فيقضي على الطامعين.وتختتم الملحمة.ولعل من المفيد أن نحاول بيان أثر ملحمة كلكامش في هاتين الملحمتين انطلاقا من (مستويين)هما:
أ-المستوى التاريخي : وهو مستوى الدراسات التي تُعنى بالدليل التاريخي التي تشير إلى الحقائق آلاتية:١ -أن ملحمة كلكامش قد كتبت قبل الملحمتين بعدة قرون. (وماالدليل على أنهم اطلعوا عليها و قلّدوها؟)
٢-عثر على قطعة فخارية من ملحمة كلكامش في جزيرة كريت اليونانية، ويبدو أن التجار المتنقّلين بين بلاد وادي الرافدين واليونان قد حملوها إلى هناك. ( تقول: يبدو!!)ب - وربما لايكفي الدليل التاريخي وحده لتقرير حقيقة التأثير، إنما يجب أن يعزز بالدراسة النصية وعلى النحو الأتي:
أ – موازنة ملحمة كلكامش بالإلياذة:
١ -الملحمتان نظمتا شعرا
٢-البناء الفني والسردي يكاد أن يكون واحدا، فكل ملحمة تبدأ بابتهال، وتتكون من عدة أناشيد وأجزاء.٣- نجد في الملحمتين اختلاط الحقائق التاريخية بالخيال الشعبي والأساطير، فكلكامش شخصية تاريخية حقيقية نسجت الملحمة حوله الأساطير، وكذلك حرب طروادة وقادتها. ٤-و نجد في الملحمتين تأليه البشر، وجعل جزء منه إلهاً، والآخر بشراً، وكذلك أخيل في الإلياذة٥ - كذلك نجد التطابق بين شخصيتي أنكيدوا في كلكامش وباتروكلش في الإلياذة وهي شخصية المرافق المساعد.٦- كان موت كلّ من أنكيدوا وباتريوكس تطورا مهما في الملحمة وأحداثها.٧- نجد في الملحمتين توضيحاً للعادات والتقاليد والآلهة والناس.٨ - في الملحمتين نجد الرحلة إلى العالم الآخر عالم الجنة والنار.ب/ موازنة ملحمة كلكامش والاودسة:
١ -تشابه في البناء الفني والسردي
٢ -تشابه في الرحلة البحرية ٣- الملحمتان كتبتا شعرا٤- الملحمتان تنطويان على الأجواء الأسطورية ٥- الملحمتان تنطويان على الشخصيات الأسطورية٦-معاقبة الألهة للشخصيتين الرئيستين هذه رؤية بسيطة أولى للعلاقة بين ملحمة كلكامش والإلياذة والأوديسة. ولا يقتصر الأثر العربي في الملاحم الغربية على ملحمتي الاودسة والإلياذة.بل يتعداه إلى الملاحم الغربية الحديثة، ولاسيما الكوميديا الإلهية الملحمة الدينية الخيالية الرمزية، كتبها ( دانتي ۱۲٦۵-۱٣٣۱)، وهي رحلة إلى العالم الآخر مكونة من ثلاثة أجزاء: ( الجحيم والمطهر والجنة الأرضية)، كل جزء مكون من ثلاثة وثلاثون نشيدا، وهي على النحوالاتي:
أ- الجحيم:وهو مكان الظلمات ووادي المهاوي الأليم وفيه يسقط الإنسان الذي لايعيش حياة الحكمة والعفة والإيمان، ومكانه في باطن الأرض حيث تسقط الأرواح كالأوراق الجافة فارقت غصونها.ويرحل( دانتي) مع( فرجيل الأديب الروماني القديم) رمز الحكمة الشعرية ليصلا معا إلى دوائر الجحيم وطبقاته ويصفها ( دانتي) على النحو الأتي:
١-الدائرة الأولى: الشعراء والأدباء والفلاسفة والمفكرون الذين ساعدوا في رقي الإنسانية ولكن لم يصلح دينهم كفرحيل وابن رشد وابن سيناء.٢- الدائرة الثانية: المترفون وتدور بهم عاصفة لاتهدا.٣- الدائرة الثالثة: الشرهون، تتدلّى بطونهم إلى الأرض وتفترسهم الوحوش.
٤ -الدائرةالرابعة: البخلاء والمترفون يدحرجون الصخور وهم متشائمون.٥- الدائرة الخامسة: الغضوبون يمزق بعضهم بعضا بأسنانهم. ٦- الدائرة السادسة : الملحدون المتكبرون.٧ -الدائرة السابعة : المتمردون والجبابرة.٨- الدائرة الثامنة: الغاشّون والمتملقون والمزيفون والخائنون لأوطانهم يعيشون في سجن منطقة ( الحفر اللعينة).
٩ - الدائرة التاسعة: الشيطان يعاقب في الدرك الأسفل من النار.ب/ المطهر: وهو جبل مرتفع مقابل منطقة الجحيم التي هي مركز الأرض، وفيه يكّفر المذنبون عن سيئاتهم، ويختلفون عن سكان الجحيم بتوبتهم،لذلك لديهم أمل بالنجاة، ويتكون من سبع دوائر في قمته الجنة الأرضية.جـ - الجنة الأرضية :وهنا تظهر ( بياتريتشه) حبيبة( دانتي)في طفولته فقد أحبها حبا طاهرا نبيلا فيترك( فرجيل)ليصطحبها في السموات السبع ذات الكواكب المتحركة ثم السماء السابعة ذات النجوم الثابتة، وبعد توصيف هذه السماء والقول إنها )عرش الله )، يصعد الشاعر مع حبيبته إلى درجات الأطهار المحبين لله. لتُختتم الملحمة هنا.تشير القراءة الأولى للملحمة إلى أنها تنطوي على ملامح إسلامية، حتى إن القارئ يطمئن إلى أثر الثقافة الإسلامية في هذه الملحمة من دون العودة إلى القراءة التاريخية ومع ذلك فقد أقرّ المستشرقون الغربيون بذلك ومنهم الأسباني ( مجيل أسين بلاثيوس ۱٨٧۱-۱۹۱۹) بأن( دانتي قد تأثر بعدة مؤثرات إسلامية منها ( الإسراء والمعراج والفتوحات المكية لابن عربي( .غير أن بعض المستشرقين لم يقبل بهذا الرأي مدعيا أن ( دانتي) لم يكن يعرف العربية، ولم يطلع على الثقافة العربية واستقر الأمر على هذا الرأي حتى كتب عالمان غربيان هما الإيطالي ( ثشيرولي) والأسباني (مونيوس سندينينو)بحثين منفصلين أثبت كل منهما على انفراد بأن الإسراء والمعراج قد ترجم إلى الأسبانية بلهجة قشتالة) ولابد أن يكون دانتي قد اطلع عليها.هذا هو الدليل التاريخي (من خارج النصّ ) على تأثر دانتي بالثقافة العربية، ويدعم هذا الدراسة النصية التي نجد من خلالها جملاً متأثرة بالعربية في هذه الملحمة ويمكن إجمالها بالاتي:
١-يصف دانتي الجحيم بأنها أرض متوارية تحت هذه الأرض وهو وصف مخطوطة الإسراء والمعراج المترجمة عينها.٢-في الإسراء والمعراج نجد أن الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) ترافقه ملائكة في الرحلة ،وقد استعار( دانتي )هذا الموضوع في ملحمته.٣- وصف دانتي للنسر العملاق ذي الأرواح الكثيرة والأجنحة المتعددة الذي يشع نوراً باهراً مستعاراً من وصف الإسراء والمعراج للديك العملاق. ٤- كذلك نجد التشابه العجيب في مشهد المثول القدسي أمام الله.٥- كما نلحظ في ملحمة (دانتي) مايشيرإلى أنه قد اطلع على الثقافة العربية الإسلامية لاسيما إشارته إلى ( ابن رشد وابن سيناء( ولم يقتصر أثر الثقافة العربية في ملحمة دانتي على الإسراء والمعراج.بل نجد تشابها كبيرا بالإسراء والمعراج في البناء الأسلوبي والحبكة القصصية.وهكذا نرى أثر الثقافة العربية في الأدب الغربي من خلال الأدلة التاريخية والدراسة النصية للملاحم.ثانيا: المسرحية :
وهي نص سردي يعتمد الحوار أساسا في بنيته الفنية وقد وجد كي يمثل لايقرأ،وجوهر المسرحية ( الفعل والحدث)، وتنطوي على جملة من الأحداث المترابط بعضها ببعض ارتباطا عضويا وتسير في حلقات حدثية متتابعة إلى النهاية . ولعل من المفيد ان نتتبع تطور المسرح تاريخيا على النحو الأتي:
١- نشأت أولا من الشعر الغنائي سيما الهجاء الذي كان فرديا ثم أصبح جمعيا لينطويَ على حوارات مسرحية تشكل المسرح الكوميدي ( الملهاة) وكا ن للطقوس الدينية القديمة اثر كبير على ولادة هذا الجنس ٢- أما المأساة فقد ولدت من المديح وأناشيد غنائية كانت تنشد في المعابد. ٣- خطا ( اسخليوس) خطوات واسعة في المسرح سيما في مسرحيته ( اوديب ملكا).٤-خطا الشاعر(يوبردس٤٨٠-٤٠٦ ق . م)خطوات واسعة عندما أكد الجانب الإنساني في المسرح.٥- بعد ذلك انتقل المسرح إلى الرومان على يد (بلوتس ٢٥٤-۱٨٤ق م) فبرعوا في الملهاة٦- في العصور الوسطى نشأ المسرح الديني في أوربة، عندما كانت الكنيسة تحكمها، وقد أخذ مادته الأولى من الإنجيل وآراء رجال الكنيسة.٧- وفي عصر النهضة عاد الأوربيون إلى المسرحين اليوناني والروماني في البناء الفني والموضوعات.
0-في أواخرالقرن الثامن عشر، وبداية القرن العشرين كسرت (الرومانسية )كل قيود (الكلاسيكية)، وأنتجت مسرحا جديدا يدمج الملهاة مع المأساة،ويأخذ من حياة الإنسان العاديّ موضوعاته، لذلك يعد بداية جديدة في المسرح الإنسانيّ الذي أخذ ينمو نموّاً واسعاً بعد ذلك.وبعد هذه الرؤية التاريخية السريعة نتساءل: هل أخذ المسرح الإنسانيّ شيئاً من الثقافة العربية على الرغم من أن العرب لم يعرفوا المسرح قديما.نقول: نعم لقد أفاد المسرح الغربي من النص السردي العربي في كثيرمن موضوعاته ولعل أبرزها:
١- مسرحية علاء الدين والمصباح السحري.٢- مسرحية معروف اسكافي القاهرة.٣- مسرحية شهرزاد.وغيرها من المسرحيات التي استمدت موضوعاتها من ألف ليلة وليلة.ومع ذلك نرى أن المسرح العربي لم ينضج إلا في العصر الحديث بتأثير المسرح الغربي، وقد كان السبق الأول للمسرح العربيّ في الشام على يد مارون النقاش في منتصف القرن التاسع عشر، عندما كتب مسرحية ( البخيل ) بتاثير من مولير، ومسرحية(أبو الحسن المغفل أو هارون الرشيد) ثم مسرحية(السليط الحسود)بتأثير من موليير في مسرحيه (الأمير المغرور) لموليير.ولعل مسرحية (كليوباترة ) لأحمد شوقي بداية التاريخ الحقيقي للمسرح العربي ،ثمّ بدأ المسرح العربي يتطور مع توفيق الحكيم وغيره إلى الآن.
ولعل أبرز ملامح تأثير الغرب في المسرح العربي هي:
١- كانت المقدمة للتعريب والترجمة قبل التأليف في المسرح العربي كما ذكرنا آنفا.٢- كان لمسرح شكسبير تأثير كبير في المسرح العربي.٣- كان للمسرح الرمزي أثر كبير في مسرح توفيق الحكيم.٤- كان لمسرح شكسبير أثر كبير في مسرح أحمد شوقي، لاسيما في المسرحيات التاريخية.
وغير ذلكثالثا قصص الحيوانات:
وهي قصص رمزية تُحكى على لسان الحيوان أغلبها يحمل قيما فلسفية أو تربوية أوأخلاقية أو سياسية. وقد نشأت وتطورت على النحو الأتي:١- بدأت عند اليونان بقصة ايسوب للشاعر هزيوس ق١٦ ق م٢- عرفت في الهند مع قصة جاكاتا، وهي تحكي قصة تناسخ بوذا في تحولاته إلى عدة صور حيوانية، وكذلك كليلة ودمنة للفيلسوف الهندي دابادا.٣- كما وجدت حكايات عربيّة في مصر على لسان الحيوانات مثل قصة السبع و الفار.٤- عرف الأدب العربي قصص الحيوانات عندما عرّبوا قصة كليلة ودمنة.٥- وبعد ذلك كتب العرب قصص حيوانا ت، فقد كتب سهل بن هارون( ثعلب وعفراء) وكتب علي بن داود (النمر والثعلب) وكذلك كتب إخوان الصفا آراءهم على لسان الحيوانات، وكتب المعري( الشاج والصاهل ).وهناك كثير من الكتب لم تصل إلينا.٦- أما في الغرب فقد ولدت على يد الفرنسي لافونتين (١٦٢١-١٦٩٥م)عندما غرّب النسخة العربية من( كليلة ودمنة )وكتبها بلغتهم.أي أن هذا الجنس الأدبي إنما ولد بأثر من الثقافة العربية.٧- ثم أعاده أحمد شوقي إلى الثقافة العربية بعد أن اطلع على كتابات لاوفونتين.رابعا القصة:
وهي سرد نثري ينطوي على جملة من الأحداث المترابطة المشكلة على نحو معين تصور جانبا من جوانب الحياة ، وقد ظهرت تأسيسا على جملة من الأجناس السردية منها المسرح والملاحم والأساطير والحوارات الفلسفية و الكرنفال.وقد كان تطورها التاريخي على النحو الأتي:
١- ظهرت قصص يونانية في القرن الأول الميلادي مثل قصة سابير ل بثير و ثيوس. وهي قصة هجائية تصور مغامرات شائقة لصعلوك.٢- ثم كتب الروماني قصة المسخ أو الحمار الذهبي في القرن الثاني الميلادي.٣- أما في العصور الوسطى فقد ظهرت في أوربة جملة النصوص والأنواع القصصية مثل الفبيولا، وهي قصص شعبية قريبة من المقامات العربية و قصص الفروسية وهي قصص تحكي بطولة الفرسان و الحب النبيل وقد ظهرت بعد ان كتب اندريه لو شابلان اسمه فن الحب. ولعل من المفيد أن نبين أن الثقافة العربية قد أنتجت كتبا كثيرة من هذا النوع مثل كتاب الزهرة لأبي بكر الأصفهاني وطوق الحمامة لابن حزم الأندلسي التي أثرت كثيرا في الكتاب الفرنسي.
النتيجة: أنّّ الثقافة العربية قد أثرت في إنتاج قصص الفروسية الأوربية لأنها كانت تطبيقا سرديا لقواعد الحب في الثقافة العربية التي نقلها إلى الثقافة الأوربية عن الكاتب الفرنسي شاتوبريان.٤- وبعد ان كثرت قصص الفروسية وأخذت طابعا مثاليا سحريا بعيداً جدا عن الواقع والطبيعة تصاعدت الأصوات ضد هذا النوع من القصص، ولعل أصدح هذه الأصوات كان صوت سرفانتس في روايته ( دون كشيوت) فقد سخر من أبطال قصص الفروسية وجعلهم كمن يهاجم طواحين الهواء بسيف من خشب.٥- وفي عصر النهضة ظهرت قصص الرعاة وهي أقرب إلى الواقع. ٦- و في القرن السادس عشر ظهرت قصص العيارين والشطار في الأندلس وهي قصص عادات وتقاليد تصور الطبقات الاجتماعية الفقيرة في عاداتها وتقاليدها ومشكلاتها وغيرها، وقد تأثرت بالمقامة العربية التي انتقلت إلى أوربة عن طريق الأندلس ومثال على ذلك قصص تاريخ فرانون الحقيقي الهازل الفرنسي شارل سوروا.٧- وفي أواخر القرن الثامن عشر نهضت القصة نهوضا بزت به القصص العلميــــــة الكبرى التي تصورالعادات والتقاليد الاجتماعية لاسيما في مرحلة المدرســــــــــــــــــة ( الرومانسية) مثل روايات ولتر سكوت وتولستوي ودستويفسكي وهمنغواي وغيرهم.أما في الثقافة العربية فقد ظهرت القصة في الأدب العربي القديم في عصوره المختلفة، وكان لها أثر كبير في الأدب الغربي.
ومن أبرز النصوص القصصية العربية التي أثرت في نشأة القصة الغربية الحديثة:
١- وهي قصص شعبية كانت معروفة عند العرب قبل أن تعرف القصة الحديثة في الغرب، وقد ترجمت إلى الفرنسية أولا عيد أنطوان جالية في الأعوام ١٧٠٢-١٧١٧ ثم ترجمت إلى اللغات الأوربية عدة مرات فقد كان لها أثر كبير في الأدب الأوربي قصة وشعراً ومسرحاً، أسلوبا وبناء ودلالة.
٢- المقامات: وهي قص شعبي يحكي حياة الطبقة الاجتماعية الفقيرة ويصورها، وأول من أبدعها بديع الزمان الهمداني وأعطاها اسمها ( ت٣۹٨). وقد أثر في الأدب القصصي الأوربي تأثيرا واسعا .
إنما كان ظهور قصص الشطار بتاثير المقامات سيما في تصويرها للأحوال الاجتماعية التي ساعدت على ولادة القصة الاجتماعية على النحو الذي نراه اليوم.
٣- التوابع والزوابع لابن شُهيد ( ٣٨٢-٣٢٦هـ) وهي رحلة خيالية إلى العالم الآخر وهي إحدى المصادرالأولى لملحمة دانتي.
٤- رسالة الغفران للمعري: وهي رحلة خيالية إلى العالم الآخر ( الجنة والنار) وإحدى أبرز مصادر دانتي، ونرى تشابها كبيرا بينا وبين الكوميديا الإلهية لدانتي.
٥- حي بن يقظان لابن طفيل: وهي قصة صوفية تصور وسيلة الحصول على المعرفة حديثا من دون دراسة على طريقة فلسفة الإشراق. وقد ترجمت إلى عدة لغات منها العبرية١٣٤٠واللاتينية ١٦٧١والانكليزية. و أثرت بأسلوبها القصصيّ في الأدب القصصي الأوربي تأثيرا بالغ حمل في طياته الفكر الفلسفي والتربوي المتجدد والقيم الفنية للنص القصصي، ومن النصوص الغربية التي أثر فيها رواية(روبنسون كروس) لدانيال ديفو.
أما في العصر الحديثفنشأت القصة العربية بأثرمن الأدب الغربي حين اطلع عدد من قادة الفكرالعربي الحديث على الأدب القصصي الغربي، فظهر حديث ابن هشام للمويلحيو(لادياس) لأحمد شوقي، ثمَ تطورت تطورا كبيرا، وأخذت تعالج موضوعات اجتماعية وثقافية وتاريخية كقصص جورجي زيدان الذي تأثر بقصص ولتر سكوت، وكذلك تأثر به نجيب محفوظ وببلواك في رواياته
(زقزق، المدق ، وبين القصرين، وقصر الشوق، وغير ذلك).