الامن اللبناني يجبر الموقوفات على ممارسة الجنس




ليس تفصيلاً أن تفيد 21 سيدة من أصل 25 تحدثت إليهنّ «منظمة هيومن رايتس ووتش» خلال إعداد تقريرها في شأن «إساءة معاملة وتعذيب الفئات المستضعفة في مخافر الشرطة اللبنانية»، أن الشرطة عرضتهنّ لشكل من أشكال العنف أو الإكراه الجنسي. وتتراوح الانتهاكات من الاعتداء الجنسي إلى تقديم خدمات للموقوفات مثل السجائر أو الطعام أو أوضاع أكثر راحة داخل الزنازين أو حتى محاضر شرطة مخففة، في مقابل تقديمهن للجنس. وشكلت السيدات المنتهكة كرامتهن جزءاً من الفئات المستضعفة التي خصتها المنظمة بتقريرها الذي أطلقته أمس الأول في بيروت. ويوثّق التقرير بالوقائع والشهادات الحية انتهاكات يندى لها الجبين ارتكبها ضباط وعناصر في قوى الأمن الداخلي في المخافر الخاصة بـ«متعاطي المخدرات والعاملات بالجنس والمثليين والمثليات والثنائيين والثنائيات والمتحولين»، بحق موقوفين.
ولن يزعج التقرير القوى الأمنية لجهة فضح ممارسات بعض أفرادها، فحسب، بل سيهدد، إذا ما تعاطت معه الدول المانحة بشكل جدي، مشاريع دعم وتطوير قوى الأمن الداخلي التي تقدر بملايين الدولارات.
وخصّت المنظمة هذه الفئات كونها تشترك في الموقف المحفوف بالمخاطر بموجب القوانين اللبنانية، إضافة إلى الوصم الاجتماعي الذي يجعل أفرادها مستضعفين للغاية في مواجهة انتهاكات الشرطة.
وتكمن أهمية التقرير في عدم اقتصاره على توثيق الشهادات التي تثبت وقوع الانتهاكات، بل بتوضيح ثغرات الإطار القانوني الذي يحكم الفئات المستهدفة، وتبيان مسؤولية ليس قوى الأمن فحسب، وإنما أيضاً بعض قضاة التحقيق الذين لا يأخذون بشكاوى الموقوفين وإدعائهم بتعرضهم للتعذيب، وبعض المحامين الذين لا يشجعون المتعرضين على رفع دعاوى بحق المرتكبين.
ويرصد التقرير الفارق الكبير في التعامل مع الموقوفين من الميسورين أو أصحاب الوساطات وبين الفقراء أو «المعترين».
ويركز التقرير على المشاريع والأموال التي تدفعها بعض الدول الغربية (نحو 16 مليون دولار على أحد المشاريع فحسب) لتدريب وتجهيز وتطوير عمل قوى الأمن الداخلي، ليوصي بضرورة حجب هذه المساعدات في حال عدم معالجة الانتهاكات ومنع التعذيب بطريقة فعالة.
ويتبين هنا أن اهتمام الدول الممولة ينصب على تعزيز سبل مكافحة الجريمة وآلياته من دون أن يركز بشكل فعال، وعن طريق المحاسبة، على ضبط الانتهاكات والحؤول دون حصولها.
وعليه، نتج عن الدعم الغربي تطور فرع المعلومات ووحدات التحقيق بمسرح الجريمة من الناحية التقنية في الأمن الداخلي، فيما، «وعلى النقيض، فإن الشرطة القضائية، لا سيما تلك الوحدات التي يناقشها التقرير، لا يبدو أنها استفادت من التدريبات بالشكل نفسه، وما زالت الأساليب القديمة - مثل انتزاع الاعترافات بالقوة ـ هي المسار الأساسي لتقنيات التحقيق الخاصة بهذه الوحدات».
ومع رد وزارة الداخلية على التقرير حول إنشاء وحدة خاصة بحقوق الإنسان في قوى الأمن الداخلي وإدخالها كمادة أساسية في التدريب في معهدها الخاص في الوروار ووضع آلية فعالة لتلقي الشكاوى ومتابعتها، وتعميم مدونة سلوك، إلا أن التقرير يشير إلى رد رئيس قسم حقوق الإنسان في قوى الأمن الداخلي المقدم قائد بيه، حول «عدم وجود إحصاءات رسمية بعدد الشكاوى المقدمة ضد عناصر الأمن الداخلي أو إحصاءات بالتحقيقات والملاحقات القضائية التي تمخضت عنها». ويتزامن كلام قائد بيه مع الرد الخطي لوزارة الداخلية على التقرير بـ«أنها وضعت كل الآليات التي من شأنها القضاء الفعال على الانتهاكات المشار إليها».
في المقابل، عمد معدو البحث إلى متابعة الشكاوى التي قدّمها موقوفون تعرضوا للتعذيب ليتبين أن حالتين من أصل ست، على سبيل المثال لا الحصر، تم فيهما معاقبة المرتكبين. والأهم أن الغالبية العظمى من المنتهكة حقوقهم وكراماتهم أفادوا أنهم لم يتجرأوا على الشكوى مخافة من الانتقام، فيما أسقط قضاة التحقيق ادعاء من أفاد بتعرضه للتعذيب ولم تأخذ به.
وتشير «هيومن رايتس ووتش» إلى وجود سبب إضافي للقلق، «يتمثل في تصديق لبنان على اتفاقية مناهضة التعذيب مصحوباً بتحفظات على المادة 22 ، التي تسمح بتقديم شكاوى من الأفراد إلى لجنة مناهضة التعذيب في حال ثبوت عدم فعالية آليات الإنصاف والتعويض الداخلية»، وهو ما يحصل في غالبية الدعاوى في لبنان.
انتهاكات موثقة
ويتحدث التقرير عن محمد (30 عاماً) الذي بقي 11 يوماً قيد الاحتجاز في مخفر شرطة زحلة في العام 2007 بعدما قبضت عليه الشرطة بتهمة حيازة مخدرات. قال محمد إن الشرطة تعرضت له بالضرب المبرح حتى اعترف بأنه كان يتعاطى المخدرات، «أخذوني للاستجواب عارياً وسكبوا مياها باردة عليّ، وربطوني إلى مكتب بسلسلة وعلقوني في وضع الفروج، كسروا جميع أسناني وأنفي، وضربوني ببندقية حتى انخلع كتفي».
ليست حالة محمد فريدة من نوعها، تقول المنظمة إنها قابلت 52 شخصاً، بينهم 25 سيدة، تم القبض عليهم.
وتحدد المنظمة أشكال التعذيب الأكثر انتشاراً بـ«الضرب على مختلف مناطق الجسم بالقبضات والركلات أو بالاستعانة بأدوات مثل العصي والخيزرانات والمساطر». وأفاد 17 محتجزاً سابقاً بتعرضهم للحرمان من الطعام والمياه أو الدواء وقت الاحتياج إليه، أو مصادرة الأدوية منهم. وأشار تسعة أشخاص إلى تعرضهم للتقييد بالأصفاد إلى دورات مياه أو في أوضاع غير مريحة للغاية لساعات في كل جلسة. وقال 11 شخصاً إن «أعوان قوى الأمن الداخلي جعلوهم ينصتون إلى صرخات محتجزين آخرين في محاولة منهم لإخافتهم حتى يتعاونوا أو يعترفوا». ويبدو من الشهادات ومتابعتها إن الشرطة «لم تبذل الكثير من الجهد لإخفاء احتقارها لمتعاطيّ المخدرات والعاملات بالجنس والمثليين والمثليات والثنائيين والثنائيات والمتحولين.«بالنسبة إليهم، كانت هذه الممارسات شائعة لدرجة أنها بدت غير مستحقة للذِكر. فلم يُستخدم العنف البدني فقط لانتزاع الاعترافات بل أيضاً كشكل من أشكال العقاب والتأديب وتقويم السلوك. ويبدو أن «العاملات بمجال الجنس ومتعاطيات المخدرات يخضعن أكثر من الغير لخطر الاعتداء والابتزاز الجنسي»، كون رجال الشرطة يتعاملن مع الأمر وكأنه «تحصيل حاصل» بالنسبة لهن.
وتزامنت المعاملة السيئة والتعذيب مع انتهاكات أساسية أخرى كحرمانهم من»إجراء اتصالات هاتفية مع أقاربهم ومن مقابلة المحامين أو تلقي الرعاية الطبية عندما يحتاجونها، وتمديد احتجازهم خلافاً لما تنص عليه المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية».
ويشير التقرير إلى أن «هناك مسؤولا رفيع المستوى بالأمن الداخلي هو العميد شربل مطر، أقرّ متحدثاً باسم وزير الداخلية مروان شربل بأن التعذيب يحدث في حجرات الاستجواب ومراكز الاحتجاز. وفي اجتماع علني مع مشروع تمويل من الاتحاد الأوروبي يسعى إلى منع التعذيب ويساعد في إعادة تأهيل الضحايا، قال العميد مطر إن «الجميع مسؤولون» عن التعذيب، بما في ذلك رجال الشرطة و«المحامون الذين يتدخلون للضغط على المحتجز، والقضاة الذين يضغطون من أجل التعجيل بتحقيقات الشرطة أو للحصول على اعتراف ويتجاهلون الأمر عندما يرون المحتجز في وضع صحي صعب من جراء الضرب أو التعذيب».
سعدى علوه/ السفير.


.