حريق في الزقاق (من مجموعة: كل الشمس في قلبي)
كنت عند مفتتح الزقاق القديم، أنتظر أبا عماد صاحب أحد المحال التجارية ليحضر، فقد أغلق محله مؤقتا.
وفي خلسة من الوقت، قدم ثلاثة صبية يبدون من الزعران، اقتربوا من حاوية القمامة، وقفوا عليها قليلا، ثم مضوا مسرعين.
وما أسرع أن راحت النار تبدو منها، وانطلق الدخان الكريه يعربد في الفضاء.
وشيئا فشيئا، أخذت شعلة النار تكبر والدخان يعلو ويغطي المسافات الهوائية من حولنا، وقدم جمع من الجيران يريدون إطفاء النار فلم يستطيعوا.
ازداد اللهيب واستعر، وكان واضحا أنه أشعل القمامة كلها، وما زال الدخان يتصاعد حتى بلغ أعلى طابق في البناء الحديث الوحيد في الزقاق، البالغ ثمانية طوابق.
خرج الناس من النوافذ والشرفات ينظرون، وتجمع خلق كثير بعضهم كان يسير في الزقاق وبعضهم قدم بعد أن سمع الأصوات واشتم رائحة الحريق، وكثروا وهم يحاولون الإطفاء، وبعضهم يكتفي بأن يرمق ما يجري باهتمام.
وما زالوا يسكبون الماء ويحاولون الإطفاء فيما النار تشتد حتى تعبوا، فما فجأهم إلا أن بدأت تخبو وحدها، ومع خبوها المتسارع أخذوا يتفرقون.
وما هي إلا برهة كالبرهة التي أشعلها الصبية بها، حتى انطفأ اللهيب، وتبخر الدخان من الجو، وأغلقت النوافذ وأبواب الشرفات، وعاد كل إلى عمله وطريقه.
وعم الزقاق سكون موحش.
وبقيت أنا وضوء القمر ومحل أبي عماد المغلق في انتظار شيء ... لم نعد نعلم ما هو.