لملم شهر رمضان أمتعته , وها هو يستعدّ للرحيل , إلى ما وراء عالم النهايات , إلى خالقه ومولاه , حاملاً بين طيّات أيامه أعمال العباد , كل العباد . من صام وصلّى وقام الليل أداء لسنة التراويح , تلا القرآن في لياليه ونهاره وذكر ربه فأصبح نظيف القلب , طاهر النفس , وضيء الوجه , شديد الدين ثابتاً على الحق. ومن أفطر وعصى , وقتل الأبرياء وسفك الدماء وخرّب الممتلكات وأفسد في الأرض وأهلك الحرث والنسل , وانتهك حرمة المساجد وقصف المآذن وألّه الحكام رمضان سيحدث ربّه بما جرى فيه , وكلّه مسجل مكتوب في صحائف العباد التي ستنشر في يوم آت على رؤوس الخلائق .
عشنا أيام رمضان على موسيقا الرصاص وهدير الدبابات . ووقع أقدام الأمن والجيش يجوبون الشوارع ويداهمون المنازل بحثاً عن العصابات المسلحة كما شاؤوا أن يسمّوهم .
عشنا أيام رمضان ونحن نلبس ثياب الخوف والرعب . نفطر ونحن خائفين , ونتسحر ونحن خائفين . ونخرج لقضاء حاجاتنا ونحن خائفين . نحن الرجال نخفي هذا عن زوجاتنا وأبنائنا بشدة ولا نظهر منه شيئاً ولكن كثيراً ما يظهر الخوف على وجوه زوجاتنا وأبنائنا الصغار . هذا ما أهداه لنا صناع القرار في رمضان . واليوم هو اليوم الأخير من الشهر العظيم المبارك .
وبعد قليل ستسطع شمس العيد مسبوقة بنداء الله أكبر يملأ الكون كله ويسمعه كل من فيه وما فيه , شمس العيد مصفرّة الوجه شاحبة هزيلة , لقد جفّت فيها ينابيع الفرح والغبطة وتحولت إلى دموع أسى وحزن تذرفها مآقي شعاعها المنبسط على أرض سوريا الحبيبة , سورية المجد والعزة والحرية , سورية الحضارة والتاريخ لقد انطفأت قناديل الفرح وانحسرت بسمة أطفالنا لتصبح دمعة تنساح على خد يتيم وعلى وجنة أرملة فقدت زوجها . انبلج فجر العيد على آلاف من الأيتام والأرامل والثكالى . فأي عيد هذا ؟ لا عيد . لا عيد مع الظلم والألم , لا عيد تشوب يومه موسيقا الرصاص وهدير الدبابات والطائرات .
لاعيد وإخواننا وراء القضبان . فليقل بعضنا لبعض عظم الله أجركم وقبل طاعتكم فهذه هو عيدنا الشاحب المهزول يا صناع القرار , وأنتم كيف هو عيدكم ؟ لا ريب أنه عيد آخر .