العَاشِقُ الشَّهيد
(إلى مَن أحبَّ الفُرات لحدِّ أن عاش فيه
إلى ظافر العاني رحمه الله)
شِعر : مُختار الكَمَالي
وَ مرَّةً قالَ أبي :
بأنَّني في يومِ مَولديْ
قَدْ كانَ لي قَلبانْ !
فَواحِدٌ بينَ ضُلوعي كَانْ !
وَ وَاحِدٌ مُجَاوِرٌ لِبَلدَتيْ
دُمُوعُهُ لِأَجلِهَا ..
نهرانِ يجريانْ !
مَا عَادَ فِي القلبِ من شيءٍ لِآلاءِ = إلَّا الذي كَانَ فِي أيامِ أَهوَائِي
تِلكَ الكِتاباتُ كَمْ خَطَّ اليراعُ بِهَا = نَبضَ المَشَاعِرِ بَينَ الحَاءِ وَ البَاءِ
مُذ بِدئِهَا كانَ لا يخفى على أحدٍ = أنَّ الرَوِيَّ بِهَا روحي و أعضائي !
و أَنّني بِغَرامِي كُنتُ مَجْمَرَةً = نيرانُها طُهرُهَا , لَو رُمْتَ أخطائي !
وَ كَانَ عِنديْ نَديمٌ .. عَاشِقٌ .. دَنِفٌ = يبكي هَواهُ فأبكي حَدَّ إغمائي !
يا مُلهمي , يا فُراتَ الشِّعر , يا وَلَهِي = يا مَنبعي وَ دوائي , أنتَ يا دائي !
يَا مَن عَرفتُكَ طِفلاً , شَاعِراً , وَ فَتًى = أجري إليكَ .. فتجري بين أحشائي !
أدري بأنَّكَ وَ الأيَّامُ قَد أَكَلَتْ = مِن قَلبِكَ القَلبَ تبقى جِدُّ مِعطَاءِ
تبقى تُمِدُّ رُبى أهلي بأجنحةٍ = بِهَا تَطيرُ إلى عَلياءِ عَلياءِ
أدري بأنَّكَ تعطي ألفَ مَكْرُمَةٍ = أَقَلُّهَا قدرتْ أنْ تُدْنِيَ النَّائي
وَ تمنحَ الأرضَ - عُمرَ الأرضِ- بَهجَتَها = لِيَشْمَخَ النَّخلُ بينَ الطِّينِ و الماءِ !
لكنْ سألتكَ , عَفواً مِنكَ , مَعذِرَةً = يا مَن يدايَ تراهُ خيرَ حِنَّاءِ
فيمَ ابتلعتَ بني أُمِّي مُغَافَلَةً = لَمَّا عُشِقْتَ و لم تقنَعْ بإيماءِ
أنَّا نريدكَ أمَّاً , منبعاً , و أباً = وَ نبتغيكَ لَنَا نوراً بظَلماءِ
قُلْ .. إنْ عَشِقتَ بني عَمِّي أَتأخُذُهُم = و لا تفكِّرُ في عفوٍ و إغضاءِ ؟
قل لي .. أَجبني .. ألا تعنيكَ عِشرتُهم ؟ = أَمَا تَهُمُّكَ كَفٌّ جِدُّ خَضراءِ ؟
مِن كُلِّ شَيخٍ , وَ طفلٍ شَامخٍ , و فتًى = مُتيَّمٍ فَيكَ حَتَّى كُلِّ عذراءِ !
أَمْ أنَّ قلبكَ لم يقنع بعاشقهِ = فَجئتَ تَأخُذُ - من أهلي - أَحِبَّائِي ؟!
وَ جِئتَ تدفعُ للمجهولِ مركبهم = بِلا شراعٍ .. و تدنو حَيثُ إبكائي!
يا رائياً -رُبَّما- ما لا أراهُ أنا = من عين رأيكَ لا من عينِ آرائي
هَل كُنتَ تَعلمُ لمَّا جِئتَ تأخذهم = أنَّ الغَريقَ شَهِيدٌ أيُّها الرَّائي ؟!
عُذراً فُراتُ وَ أنتَ الخيرُ مَولائي = مِن يومِ آدمَ حتَّى قبلَ حوَّاءِ !
ما كنتُ أعتَبُ لكن هَكَذا وَجَعي = أبقى أراهُ -وَ ظلِّي- بينَ أفيائي
أبقى ألاحقهُ -في كُلِّ منعطفٍ- = عَلِّيْ أنالُ بهِ ما طالَ إغرائي
مِنْ كُلِّ مَظلومةِ الجفنينِ , ظالمةٍ = ميَّادةِ القَدِّ مثلَ الرِّيمِ حَوراءِ
وَ الآنَ أرحَلُ مِنِّي دُونَمَا أَمَلٍ = فأنتهي برحيلي قبلَ إنهائي !
لَامَانِ إنْ قُلتُهَا مِن بَعدِمَا أَلِفٍ = و جئتُ مِن بَعدِهَا بالرَّابعِ الهاءِ
كفى بهِ شَرَفاً , أنِّي ختمتُ بذك = رِ اللهِ قافيتي , إذ رُمْتُ إعلائي
دمشق
1-1-2009