صراع الآباء والأمهات على تدريس الأبناء
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
2005/05/12
** غزة- علا عطا الله
اهتمام الأب بمتابعة أبنائه دراسيا..أولوية أبوية
وحدها الأم -سواء أكانت ربة البيت أم العاملة- من يتحمل عبء مذاكرة الأبناء وخاصة أثناء الامتحانات، بينما يُدير أغلب الآباء ظهورهم رافعين لافتات من نوع: "أنا مرهق"، و"ليست مهمتي"، و"لا وقت لدي".. فلماذا يتنصل الآباء من هذه المهمة تاركين حملها على الأمهات؟ بدورنا حاولنا البحث عن إجابة هذا السؤال الذي قد تشكل علامات استفهامه كابوسا للأسرة؟
استوقفناها خارجة لتوها من إحدى المدارس تطمئن على حال ابنها ومستقبله الدراسي، حدثتنا بصوتها الحانق: "ولو لمرة واحدة في العمر أتمنى أن يذهب زوجي للسؤال عن أبنائه أو مساعدتي في تدريسهم". وتواصل "ن.ر" شكواها: "معظم خلافاتنا الزوجية بسبب هذه القضية، وأنا أرفض أن يتمسك الآباء بالحجج الواهية؛ فهم قادرون وبنجاح على إدارة المهمة لو أرادوا".
وتُوافقها الرأي أم هادي -عاملة في إحدى الشركات- حيث تقول: "على العكس أنا أرى الآباء أقدر على ضبط الأبناء في المذاكرة منا نحن الأمهات؛ فهم بطبيعتهم يتحكمون بعواطفهم ولا يرضخون لدلالهم بسهولة مثلنا".
وشددت "أم نائل" على أن هذه المسئولية يجب أن تكون مشتركة وتتسم بالتعاون بين الوالدين، واستنكرت متسائلة: "لماذا يتهم الزوج زوجته بالتقصير والإهمال إذا لم يحصل الابن على درجات عالية ويتناسى واجبه الذي لا غنى عنه نحوهم في هذا الأمر؟".
الآباء يعترفون
لماذا تتهربون؟! سؤال واجهنا به الآباء في جولتنا هذه فتحدث إلينا بعضهم، بينما ولّى أكثرهم هاربا!.
يرى "سالم حميد" أن السبب الرئيسي يرجع إلى أن الأم تتميز بالصبر والأناة وطول البال وهذه صفات يفتقر إليها معظم الآباء، ويُضيف: "عن نفسي حاولت مرارا أن أساعد زوجتي في تدريس أولادنا وتخفيف العبء عنها، ولكن المعارك تبدأ بيني وبين الأولاد حيث يعلو صراخي وصراخهم إلى أن تأتي أمهم لإنقاذهم مني؛ لذا فضلت عدم التدخل".
"لا أرى بها مهنة تستحق إشرافنا".. بهذه العبارة بدأ أبو خالد عبارته وواصل: "متابعة النشاط المدرسي للأبناء من المهمات الملقاة على الأم وليس الأب؛ فهي مهنة عادية، نحن نشارك في تربيتهم وفي توفير مستلزمات الدراسة ألا يكفي ذلك؟!".
ويعبر الأب "رمزي عبدو" عن رأيه قائلا: "يجب ألا ننكر أن هذه المسألة تحتاج إلى مشاركة من الاثنين، ولكن لنعترف بأن أغلب الآباء ليس لديهم الوقت أو سعة الصدر لذلك وأنا منهم".
ويضحك أبو رامي ساخرا قبل أن يحدثنا: "لو سألتموني في أي الفصول الدراسية أولادي فلن أعرف الإجابة، فما بالكم بتولي مهمة تدريسهم؛ هذا مستحيل لسبب واحد هو أنني لا أستطيع".
ويبوح الأبناء
وكان لا بد أن نلتقي الأبناء لنستمع بهدوء إلى آرائهم وتعليقاتهم، هادي في الصف الرابع الابتدائي أخبرنا بأنه يتمنى أن يقوم والده بمتابعته كما تفعل والدته: "عندما تكون أمي مشغولة وأبي جالس يُشاهد التلفاز أبدأ بالصراخ لعلي أجذب أنظاره ولكنه يرد علي بحزم: اصبر حتى تنتهي أمك من عملها وتتفرغ لك!".
وتشكو "لينا" في الصف الثامن من عدم اكتراث والدها تتنهد طويلا قبل أن تتحدث: "أبي لا يكلف نفسه ليسأل كيف يسير نشاطي الدراسي، فهل سيتابع معي الواجبات حتى إني عندما أذهب إليه شاكية من صعوبة بعض المواد ينصحني بوالدتي أو بالدروس الخصوصية".
أما أحمد أمين الطالب بي الصف السابع فيحمد الله على أن والده لا يتدخل بمذاكرته ويبتسم قبل أن يُعلل ذلك: "أبي شديد وصارم، ولو بدأ في تدريسي فربما يضربني، بينما أمي مهما ارتفعت وتيرة عصبيتها تبقى هادئة وصابرة".
واعترف رامي -في الصف السادس- أن والده يساعده في متابعة دروسه غير أنه يُفضل أن تتولى أمه هذه المهمة، والسبب: "هو شعور نفسي لا أدري ما سببه؛ فأنا لا أرتاح في المذاكرة مع والدي، بينما مع أمي أجد كل الراحة".
سر سعادة البيت
في أثناء بحثنا عن إجابة شافية لسؤالنا تعثرنا بصورة أخرى تشع زواياها بآباء تولوا مهمة تدريس الأبناء وتحملوا مع الزوجة أعباء هذا النشاط، فكيف؟ ولماذا؟.
يقول "هاني رجب": إنه يتابع نشاط أبنائه الدراسي بصورة مستمرة مع زوجته، ويضيف: "المواد العلمية كالرياضيات والعلوم أتولى أنا مناقشتها مع الأولاد، بينما تقوم زوجتي بالنصف الآخر، ووجه رجب نصيحة مجرب قال فيها: "صدقوني في البداية كنت أتذمر، إلا أن رؤيتي لروح التعاون والألفة بل والسعادة تسود بيتنا جعلتني أشعر بقيمة هذه المهمة؛ فحاولوا ولو عبر خطوات صغيرة الجلوس مع أبنائكم أثناء المذاكرة".
وكثيرا ما كان الأب "عامر" محل انتقاد وسخرية أصحابه بسبب مذاكرته لأبنائه، يروي لنا ذلك: "مرات عدة اعتذرت للخروج معهم لأنني مشغول بالنشاط المدرسي لأبنائي، وبصراحة كنت أشعر بالفخر لأني الوحيد بينهم من يقوم بهذه المهمة". وتابع: "أوفر لأبنائي الجو الهادئ للدراسة فعندما يبدأ مشوار زوجتي معهم أسحب الأطفال الصغار إلى مكان بعيد عنهم ونجلس معا حتى ينتهي وقت المذاكرة".
ويعترف "أبو معاذ" أن نسبة ضئيلة جدا من الآباء يقومون بهذه المهمة بينما يعزف الأغلب عنها، ويضيف: "يجب ألا يستهين الآباء بدورهم؛ فالتدريس جزء مهم من عملية تنشئة وتربية الأبناء، كما أن حضور الأب واهتمامه يُشعرهم بالمسئولية وبمدى الاستقرار النفسي".
كلنا مسئول
بين شد الآباء وجذب الأمهات من يتحمل مسئولية مذاكرة الأبناء؟؟ سؤال بسطناه على طاولة الحوار مع الدكتور "محمود أبو دف" أستاذ التربية بالجامعة الإسلامية بغزة فأجاب: "على كل من الأب والأم أن يتعاونا في هذه المسألة، فيقوم الأب بسد النقص الذي قد لا تتمكن من فعله الأم لانشغالها أو لعدم إلمامها بالمادة العلمية بصورة كافية".
وشدد الدكتور "أبو دف" على ضرورة أن يكون للآباء دور فاعل ومؤثر في عملية متابعة النشاط الدراسي للأبناء حيث يُشعرهم ذلك بمدى الالتزام، وأضاف: عليهم أن يتحملوا مسئوليتهم أمام الله وأمام الأبناء، وليتذكروا حديث الرسول عليه الصلاة والسلام "كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته".
خطأ فادح
وعزا هروب الآباء إلى وجود نظرة سلبية ترسبت في أذهانهم، وهي أن الدور التعليمي من مهام الأم مثله مثل أي عمل داخل المنزل، واستطرد موضحا: "وهذا خطأ فادح؛ فهذه المهمة بالدرجة الأولى تربوية وبحاجة إلى تكامل الأدوار بين الزوجين، ويجب أن يدرك الأب أن دوره لا يكون فقط خارج المنزل حيث توفير لقمة العيش ومستلزماتها بل هناك أدوار بالغة الأهمية داخل المنزل ومنها تدريس الأبناء؛ فهي ليست مهمة عادية".
وطالب الآباء بضرورة زيادة وعيهم وإحساسهم تجاه هذه المسألة حتى لا تنعكس الخلافات حولها على الأسرة والأبناء.
الآباء الهاربون
ومن جانبه وجه الأستاذ "أسامة المزيني" المحاضر بكلية التربية بالجامعة الإسلامية عدة نصائح للآباء الهاربين من مذاكرة أبنائهم فقال: "على الأب أن يهتم بمتابعة النشاط الدراسي لأبنائه كجزء مهم من أولوياته. وأضاف متابعا خطابه للآباء: "أمضوا الأوقات الكافية معهم وإلى جانبهم، ومن الممكن أن تتم عملية متابعة المذاكرة بالتدريج؛ فالخطوة الأولى أيها الأب اسألهم عن واجباتهم الدراسية وكيفية دروسهم وعلاماتهم، والخطوة الثانية اجلس معهم وشاركهم حل ما يعترض طريق مذاكرتهم من مشاكل، وبمتابعتك هذه الأمور ستجد نفسك تلقائيا قد اندمجت بهذه المهمة".
وختم المزيني نصائحه بالقول: "الزوجة شريكة حياتك، وفي اهتمامك بدروس الأبناء ومذاكرتهم تكون قد أديت دورك في الشراكة، وإلا فاسأل نفسك: أين دوري؟، وتذكر أن هناك ما هو أهم من توفير الحياة المادية للأبناء ألا وهو الاهتمام بمستقبلهم العلمي".