بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس

عبدالوهاب محمد الجبوري

لما مات أبو طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة من البعثة ، تجرأت قريش على تشديد الأذى للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، وقد حرص النبي الكريم أن يقول أبو طالب كلمة الإسلام وهو على فراش الموت فأبى خشية أن يلحقه العار من قومه .. فحزن النبي صلى الله عليه وسلم..
وفي تلك السنة ماتت خديجة رضي الله عنها أيضا لذلك سمــي هذا العام بعام الحزن .. وحين اشتد الأذى من قريش توجه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم للطائف لثقيف يدعوهم لدين الله الواحد الأحد ، وهناك لقي صلى الله عليه وسلم من الأذى الكثير .. فأول ما لقي أبناء عبد ياليل فقال احدهم : أما وجد الله رجلا غيرك يبعثه ؟
وقال الثاني : لاشقن أستار الكعبة إن كنت نبيا .. وقال الثالث: إن كنت نبيا حقا فأنت أعظم خطرا من أن أحدثك و إن كنت كاذبا فانا لا احدث كاذبا و ضرب النبي صلى الله عليه وسلم بالحجارة ، و كان يضرب فيقع على الأرض فيحمل من ساعديه ثم يضرب فيحمل من ساعديه حتى سقط و الغلمان تجرى وراؤه و تنعته بالجنون ... يالله ! رسول الله يحدث له هذا !! تصوروا المشهد الرهيب ، رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشى وخلفه الصبية و السفهاء يضربونه بالحجارة .. يا كل مسلم هل ترى ؟ هل تسمع؟ هل رأيت ما حل برسولك الكريم أمام الدعاة ؟ سيد البشر و سيد الأولين والآخرين أحب الناس إلى الله ، حبيبه و مصطفاه و رسوله الخاتم ، يحدث له كل هذا الأذى وغيره في مواقع أخرى وهو يحمل رسالة الرحمة للعالمين حتى قيام الساعة .. وفي أوج هذه المحنة و من جوانب هذه البلية ينطلق الدعاء منه صادقا من قلب امتلأ شوقا إلى رحمة الله ، وقف رسول الله حزينا دامع العين دامى القدمين يجأر إلى الله بالشكوى :
( اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري؟ إن لم يمكن بك غضب عليَّ فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل عليَّ غضبك أو يحل عليَّ سخطك، لك العتبى حتى ترضـــــى، ولا حول ولا قوة إلا بك ) ..

قصته صلى الله عليه وسلم مع عداس النصراني

فلما رآه ابنا ربيعة ، عتبة وشيبة ، وما لقي ، تحركت له رحمهما ، فدعوا غلاما لهما نصرانيا ، يقال له عداس ، فقالا له ‏‏:‏‏ خذ قطفا من هذا العنب ، فضعه في هذا الطبق ، ثم اذهب به إلى ذلك الرجل ، فقل له يأكل منه ‏‏..‏‏ ففعل عداس ، ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال له ‏‏:‏‏ كل ، فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يده ، قال ‏‏:‏‏ باسم الله ، ثم أكل ، فنظر عداس في وجهه صلى الله عليه وسلم ، ثم قال ‏‏:‏‏ والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ ومن أهل أي البلاد أنت يا عداس ، وما دينك ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نصراني ، وأنا رجل من أهل نينوى ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ من قرية الرجل الصالح يونس بن متى ؛ فقال له عداس ‏‏:‏‏ وما يدريك ما يونس بن متى ‏‏؟‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ ذاك أخي ، كان نبيا وأنا نبي ، فأكبّ عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه ‏‏..‏‏ فقال ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه ‏‏:‏‏ أما غلامك فقد أفسده عليك ‏‏.‏‏ فلما جاءهما عداس ، قالا له ‏‏:‏‏ ويلك يا عداس ‏‏!‏‏ ما لك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ يا سيدي ما في الأرض شيء خير من هذا ، لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إلا نبي ؛ قالا له ‏‏:‏‏ ويحك يا عداس ، لا يصرفنك عن دينك ، فإن دينك خير من دينه ‏‏.‏‏ .
هل رأيتم احبة الزمان والمكان هذا الدعاء ، وتأثيره في الإنسان و الله كلما قرأته يكاد قلبى ينفطر من قوة كلماته و كيف لا والحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول هذه الكلمات الصادقة التي تخرج من قلب حبيب إلى حبيبه يسأله في غير شكوى ، و يرجوه في غير يأس فماذا يفعل الحبيب لحبيبه هل يتركه في بلواه أم يمد له يد العون؟ وما أدراك من الحبيب و ما أدراك كيف يكون عونه ..
تهتز السموات لدعاء النبي و على الفور يجئ تأييد الله لحبيبه من البشر ومن الملائكة... أرسل الله تعالى إليه ملك الجبال يستأذنه أن يطبق عليهم الاخشبين وهما جبلان بمكة ، فماذا كان رد الرسول عليه الصلاة والسلام له ؟ قال : لا ، عسى الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ..
سبحان الله ابعد كل مافعلوه بك يا رسول الله تطلب لهم الرحمة و تعفو عنهم ،
ما أعظمك من نبي و ما أرحمك بأمتك ، فكان من نتيجة هذا الدعاء والحالة التي مر بها نبينا صلى الله عليه وسلم ان كافاه الله :

1 . استجابة العبدٍ الصراني ( عداس ) إلى الإسلام بعد رفض الكثير له، وهداية واحد خير من الدنيا وما عليها..
2 . ساق الله إليه نفرًا من الجن يستمعون القرآن وأحسنوا الاستماع والإنصات، ثم فهموا واجبهم فولّوا إلى قومه منذرين ..
3 . استجابة ستة من أهل يثرب هم طلائع الدعوة في المدينة المنورة والتمكين للإسلام في الأرض، ومنهم أسعد بن زرارة وعوف بن الحارث ورافع بن مالك وقطبة بن عامر وعقبة بن عامر وجابر بن عبد الله، هذا بعد أن رفضت كل القبائل الأخرى منهم بنو كلب وبنو حنيفة، وبنو عامر بن صعصعة وفزارة وغسان دمرة وسليم وعيس وبنو نضر وكندة وعذرة والحضارمة .. وهؤلاء كانوا نواة الدعوة التي نشرت الإسلام في يثرب، وتحولت بهم الجماعة الإسلامية المطاردة في مكة إلى دولةٍ ذات عز وتمكين في المدينة المنورة..
4 . إسلام عدد من أشراف قبائلهم وقومهم منهم سويد بن الصامت الشاعر، وإياس بن معاذ، وأبو ذر الغفاري، والطفيل بن عمرو الدوسي سيِّد قبيلة دوس ..
5 . الإسراء إلى بيت المقدس والمعراج إلى الملأ الأعلى، فدنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى .. ولم يكن الفرج فقط في رحلة الإسراء والمعراج، بل كانت بعض الفرج الرباني بعد هذا الصبر الجميل، والدعاء الذليل، مكافأة الله تعالى على هذا الخير الجزيل ..
وهذا ما يجب أن يوقن به كل مسلم ومسلمة أن مع العسر يسرًا، والفرج مع الصبر، والاستجابة مع الدعاء، والظفر مع الثبات على الحق، وأن وعد الله حق تعالى ..
قال سبحانه: ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِــيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ) ..
إنها الشكوى لله وليس أحد سواه ، عندما يشتد كربك وتضيق عليك الدنيا بما رحبت ، لا تبحث عن أحد تشكو له، بل ابحث عما يصلك بالله .. الدعاء.. ما أسهلها من طريقة ، لا وضوء ولا خطوات استعداد قبل الدعاء، فباب الرحمة الإلهية واسع
ومفتوح في كل حين .. فقط اخلص النية وتوكل على الله وادعوه تضرعا وخفية ..
قال سبحانه وتعالى ( ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ، ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمة الله قريب من المحسنين ) صدق الله العظيم

والله من وراء القصد .. وجزاكم الله خير الجزاء


***
تنويه / الموضوع إعداد بتصرف من عدة مصادر والحمد لله رب العالمين

العراق في 30 / 1 / 2012