عندما يظمأ الساقي

شعر : مصطفى حسين السنجاري



ظُلِمتُ مِن أقربائي دونَ أعدائي
ما حيلةُ الطِّبِّ أنْ في نبضتي دائي

كيفَ العتابُ مع الحَسّادِ إن عَذِلوا
والوائدونَ صَباباتي أحِبّائي

فَلَوْ يُعَدُّ قريبي مَن يُضَمِّخُني
ظُلْماً ..إذن فالألى الناؤونَ آبائي

إنْ كانَ مِنْ إخوَتي مَنْ جاءَ يَقْتُلُني
ماذا أُسَمّي غريباً رامَ إبقائي

حَتّى أبي لَمْ يَذَقْ قلبي أبُوَّتَهُ
ولا الحنانُ سعى منه لإراوائي

لَوِ الأبُوَّةُ في أَنْ لا يَراكَ أباً
إبْنٌ ..فَكُلُّ صِغارِ الصّينِ أبنائي

أذاقني اليُتْمَ مِنْ عِشْرينَ شاهِدةٍ
وأصْعَبُ اليُتْمِ ما في كَنْفِ آباءِ

وأصْعَبُ البَرْدِ إنْ جالسْتَ مُحرِقَةً
ناراً وَلَمْ تَسْتَلِذْ مِنْها بِإدْفاءِ

فَكَمْ دَعَوْتُ مِنَ الرَّحْمنِ مَغْفِرَةً
لَهُ ..لِقاءَ دَمٍ مِنْهُ بِأحشائي

لا نَكْرَهُ الماءَ إنْ رُنّاهُ مُدَّرِناً
لكنّنا نَكْرَهُ الأدْرانَ في الماءِ

إِنْ كانَ يوسُفُ غَيْما عِنْدَ إخْوَتِهِ
فَكانَ عِنْدَ أبيهِ صَفْوَ أجْواءِ

أوْ كانَ في الجُبِّ مَنْ أَلْقُوْهُ إخْوَتُهُ
إنَّ الأُلى فيهِ ألْقُوْني أَشِقّائي

أوْ يوسفٌ وجَدَ السَّلْواءَ في مَلَكٍ
فإنّني لم أجِدْ في الجُبِّ سلوائي

*****
ماذا سأكتُبُ عَنْ عُمْرٍ رُزِئتُ بِهِ
ظُلِمْتُ مِنْ أَلِفي فيهِ إلى يائي

حَظّي يُجَرِّدُ آساً مِنْ شّذاهُ كَما
يُمْسي أخو نَعَمٍ مِنْهُ أخا لاءِ

إنَّ الزمانَ بإسعادي كأشْعبِهِ
نفسُ الزمانِ بظُلمي حاتمُ الطائي

إنْ فاتَكَ الحظًّ فالأبراجُ كاذبةٌ
دلوٌ كجَدْيٍ ، وميزانٌ كَجوزاءِ

أو فاتَكَ النّومُ فالأحلامُ هَلْوَسَةٌ
أو فاتَكَ الصّحْوُ فالأضحى كظلْماءِ

إنَّ الغَريقَ إذا حَلّتْ مَنِيَّتُهُ
سيّانَ مِنْ فَوْقِهِ كَمْ طُيْفَ مِنْ ماءِ

سَلَّمْتُ أمري إلى الرحمن مِنْ قَدَري
فإنّني برضا الرحمن سرّائي

أيْقَنْتُ أنّكِ يا دُنْيا مُلَوّنَةٌ
ولا تُحِبّينَ إلاّ كُلَّ حَرباءِ

*****
يا ريحُ ثوري على قَوْمي بِماحِيَةٍ
فَهُؤلاءِ غُيَيْماتٌ بأنوائي

فما انتفاعي بآلافٍ مُؤَلَّفَةٍ
حَوْلي ..وأحيا غريباً بَيْنَ أشيائي

ما نَفْعُ كُلِّ مياهِ الأرضِ دافِقَةً
لِمَنْ حشاشَتُهُ ظمأى بِبَيداءِ

وما انتفاعيَ بِالأشجارِ سامقةً
هنا ..بلا ثمَرٍ يُرجى وأفياءِ

لو أنَّهم كلماتٌ جئتُ أكتُبُها
شعراً ..لَما غَفَرَ النُّقّادُ أخطائي

لَهم قلوبٌ كأنَّ الليلَ مَطْلَعُها
يا بِئْسَها ليلةً في القَرِّ لَيلاءِ

الحمدُ لله أنَّ القلبَ مختبئٌ
فرُبَّ ما لا نراهُ يُفْسِدُ الرائي

نامَتْ على بَعضِها أفنانُهم وأنا
بمفردي نرجسٌ في غصنِه النائي

أسعى حثيثاً إلى مجدٍ يُشَرّفُهم
وكلُّهم عثَراتٌ خَلْفَ إبطائي

لِقَتْلِ تُبَّعَ فيهم كُنْتُ وائِلَهم
وفيهمُ ألْفُ جسّاسٍ لإيذائي

لو كنتُ في غَيرِهم ما كنتُ منتظراً
فجراً ..وقد عبّأوا ليلي بِأضواءِ

الليلُ يشهّدُ كم عاقرتُ من ألَمٍ
وما تَخَلَّيْتُ عن غارٍ بِحَرّاءِ

يَضيعُ شروى هَباءٍ جُهدُ منتَظِمٍ
في أمَّةٍ تقتفيه خَبْطَ عشْواءِ

كُنْتُ الأميرَ على نفسي وشهوتِها
ما ضَرَّني كانَ غيري عبدَ أهواءِ

عشتُ الحياةَ أجوبُ الحرفَ في ولَهٍ
لَمْ يلْوِ جيديَ يوماً جيدُ حسْناءِ

ولا دَنوتُ من الصّهباء أرشُفُها
ومن دنانِ القوافي شَهدُ صَهبائي

إنّي أنا البحرُ في صَمتي وفي صَخَبي
إنّي أنا النَّهرُ في حملي لأعْبائي

إنّي أنا الأرضُ في صبري وفي كَرَمي
إنّي أنا البدرُ ضَمّاخاً بِلألائي

مَفاتِنُ الغَيِّ عَن نفسي تُراودُني
لكنّما حالَ رُشْدي دونَ إغوائي