كتاب مهم لم أصل غليه بعد:
http://nct.gov.eg/nct-ar-333.html

"الاسلام في بريطانيا 1558 - 1658 ". معلومات مجهولة ومثيرة عن الاسلام في بريطانيا القرن السادس عشر
تفاصيل النشر:
المصدر:


الكاتب: مصطفى كركوتي


تاريخ النشر(م): 10/1/1999


تاريخ النشر (هـ): 23/9/1419


منشأ:


رقم العدد: 13093


الباب/ الصفحة: 14


> ليس من المعتاد ان يشغف البريطاني الانكليزي او الغربي بشكل عام بالاسلام كدين وعبادة، وان كان يهتم في بعض الاحيان بالاسلام كثقافة وعادات وتقاليد. فالصورة النمطية السائدة في الذهن الغربي ان الاسلام دين صعب ومغلق يصعف التعايش معه، هذه هي الصورة التي غالباً ما تعكسها وسائل الاعلام على وجه العموم خصوصاً اعلام "التابلويد". وما دامت هذه الصورة النمطية هي السائدة فان حالة "سوء الفهم" بين الثقافتين والديانتين الاسلام والمسيحية ستبقى مستمرة في اطار من العداء لم يزل قائماً منذ الحروب الصليبية. والمتتبع للشأن العربي والاسلامي في الاعلام الغربي يلحظ بوضوح حجم الجهل الكبير في هذا الخصوص لدى المواطن الغربي.


وبريطانيا واحدة من هذا الغرب غير المهتم بتاريخ علاقتها مع الاسلام، الذي يحاول الاكاديمي واستاذ الأدب الانكليزي في "معهد فلوريدا التقني" الدكتور نبيل مطر الكشف عن بعض جوانبه في آخر اصداراته "الاسلام في بريطانيا" بين منتصف القرن السادس عشر وأواخر القرن السابع عشر. الاسلام حل في بريطانيا مع تركيا العثمانية، ونبيل مطر المختص بتاريخ بريطانيا وصاحب اكثر من ستين مقالاً عن تاريخ ولاهوت وأفكار تلك الفترة يوثق كرونولوجيا ويكتب تفاصيل العلاقة بين الاسلام وبريطانيا في دراسة رائعة تحبس انفاس القارئ اثناء مطالعتها، وتوضح له الكثير من الالتباس الذي يحيط بجذور وأصول الموقف البريطاني الراهن ازاء الاسلام.


قارئ الانكليزية على العموم والبريطاني بشكل خاص سيكتشف بعد قراءة كتاب مطر ان ثمة مسلمين كانوا موجودين في بريطانيا في عهود اليزابيت الأولى وتيودور وستيوارت وتشارلز الثاني الخ... الجزر البريطانية كانت على علاقة وثيقة مع العالم الاسلامي والثقافة الاسلامية منذ القرن السادس عشر مع امتداد الامبراطورية العثمانية باتجاه وسط اوروبا وحوض البحر الأبيض المتوسط، حيث التقت معها شبكة التجارة البريطانية التي كانت تتسع باتجاه الشرق. نبيل مطر يعاين في كتابه اثر الاسلام في المؤسسة البريطانية خلال الفترة المذكورة، ويقدم للقارئ منظوراً غير معروف سابقاً حول التحولات في الفكر والمجتمع البريطانيين من خلال كشفه بالدليل الملموس شهادات، اوراق رسمية، مخطوطات، خرائط الخ... مدى تأثير الاسلام في تشكيل الثقافة البريطانية المعاصرة المبكرة.


ويبين المؤلف كيف ان العلاقة بين المسيحية والاسلام - كما هو سائد الآن - لم تكن دائما ذات طبيعة عدائية تغلب عليها المواجهة، بل كانت علاقة شاملة وتفاعلية من النواحي الثقافية والفكرية والتبشيرية داخل المجتمع البريطاني. ومن خلال الوثائق، اذ لم تخل اي صفحة من صفحات الكتاب من الحواشي المرجعية اربع او خمس حواشي في كل صفحة من مأخوذة اكثر من 490 مصدر معلومات بلغات عدة، يكشف المؤرخ عن بعض حالات التحول من المسيحية الى الاسلام والعكس وعن ردود الفعل حولها في كتابات وأقوال البريطانيين. ويسلط مطر الضوء على الارث العربي - الاسلامي في Prisca Sapientia واثر القرآن الكريم في الفكر السياسي البيوريتاني - الانكليكاني الذي ساد في المجتمع البريطاني في القرنين السادس عشر والسابع عشر. ويبين المؤرخ الحاذق كيف ان البريطانيين اهتموا في تلك الفترة بالحضارة الاسلامية في الكنائس والمقاهي والمسرح والنشرات بشكل لا مثيل له بالنسبة الى اي حضارة اخرى غير مسيحية. ويوضح مطر في جزء اخير من الكتاب دور الفكر الاسلامي في التأثير اللاهوتي في كتابات البريطانيين بشأن الآخرة ويوم الحساب. ويقارن ذلك مع دور المفكرين اليهود. وتجدر الاشارة في هذا الصدد الى ان الحكومة البريطانية الحالية اظهرت للمرة الأولى في التاريخ المعاصر بعض الاهتمام بالعلاقة التفاعلية بين الاسلام والمسيحية على لسان وزير الخارجية روبن كوك في خطاب له في المركز الثقافي الاسماعيلي في لندن في تشرين الأول اكتوبر الماضي. فقد دعا كوك الغرب الى الاقرار بدور واثر الفكر الاسلامي والعربي في الثقافة والحضارة الغربية "كشرط لتجديد الحوار بين الثقافتين". وهذه دعوة لا تزال تنتظر رد فعل العرب التي نأمل ان لا تطول.


بداية الاتصال مع بريطانيا كانت من خلال المناوشات البحرية بين الجانبين، حيث تفوقت التقنية البحرية الاسلامية على صناعة السفن البريطانية ما ادى الى هزيمتها أمام القوة المسلمة. بين عامي 1609 و1616 هاجم العثمانيون 466 سفينة بريطانية وفي أيار مايو 1626 اسر اكثر من 6500 بحار بريطاني وزعوا في شمال افريقيا، لا سيما في الجزائر وسلا في المغرب. ووصلت الغارات التركية الى المدن الساحلية في جنوب انكلترا، وانتشر "قلق كبير" جراء قيام بريطانيين كانوا قد اشهروا اسلامهم في اوقات سابقة بشن بعض هذه الغارات. ويلاحظ كثرة انتشار البريطانيين "المؤسلمين" حيث سجل في الكتاب ان احد ابرز المخصيين في البلاط العثماني في اواخر القرن السادس عشر شخص يدعى "حسن آغا الذي يتبين لاحقاً انه ليس الا سامسون راولي من بلدة غريت بارموث الساحلية في الجنوب الانكليزي، وان جلاد الامير التركي في الجزائر ابسلام عبدالسلام ما هو الا جزار سابق من مدينة اكسيتر الجنوبية". وعندما اوفد الملك تشارلز الثاني القبطان هاملتون محملاً بفدية للافراج عن "اسرى" بريطانيين من التجار والبحارة البريطانيين الى امير الجزائر، عاد هاملتون خالي الوفاض لأن "الأسرى" رفضوا العودة "لأنهم كانوا يعيشون في نعيم مفقود في بلادهم". وكتب هاملتون في تقريره الرسمي الى الملك قائلاً: "لقد اغري هؤلاء بالتخلي عن ربهم حبا بالنساء التركيات المعروفات بجمالهن وجاذبيتهن".


ولكن تبين الوثائق المنشورة في الكتاب ان معظم معتنقي الاسلام من التجار البريطانيين وليسوا من الخدم، لا سيما في ضوء ازدهار التبادل التجاري مع الدولة العثمانية حيث "بلغت في اواخر القرن السابع عشر اكثر من ربع اجمالي التجارة البريطانية مع العالم الخارجي". ويقول احد مؤرخي تلك الفترة وهو سير توماس شيرلي ان سيطرة الاسلام على البريطانيين "كانت تعود الى قوة جاذبية الاسلام وليس بسبب قوة السيف"، اذ ان القنصل العام البريطاني في مصر بنيامين بيشوب "اعتنق الاسلام العام 1606 واختفى عن الانظار تماما". وقد ادى اعتناق الاسلام على نطاق واسع الى قلق واسع لدى السلطات الرسمية والدينية في آن، ووجد الكتاب الساخرون في تلك الفترة في هذا الامر مصدراً غزيراً لكتابة الكوميديا للمسرح خصوصاً موضوع الختان. وفي احدى التمثيليات يجري الحديث عن ذلك البريطاني الذي قرر ان يختن "لينعم في اسرة الحريم، لينتهي لاحقاً بين المخصيين". وقد سادت حالة عامة من القلق جراء التحول الى الاسلام، وفي العام 1637 انتقلت المسألة الى البرلمان وخضعت لمناقشات مستفيضة لفترة طويلة.


لا يخلو الكتاب من القصص الطريفة مثل الختان، الا ان حالة الهلع التي كان يعيشها البريطانيون آنذاك كانت تدفعهم الى التشكيك بكل ما هو قادم من الشرق بما في ذلك القهوة التركية. فقد كان العديد من هؤلاء يعتقدون "بوجود سحر ما في فنجان القهوة"، وكانوا يحذرون من احتسائه لأن السحر الموجود فيه "كفيل بدفع المسيحي الى الردة". وأطلق البعض على حبات القهوة اسم "البزرة المحمدية" Mahometan Berry. وركزت المناقشات الرسمية والشعبية على تحديد ما اذا كانت حبات القهوة "تحتوي على رحيق يقضي على الشهوة الجنسية... بهدف القضاء على المسيحية". وقد وصل الامر ببعض النسوة الى نشر عريضة في احدى مطبوعات لندن قلن فيها ان احتساء القهوة بكثافة "يؤثر على الأداء الجنسي ويحول ازواجهن الى مخصيين". الا ان مجموعة اخرى من النساء عارضن زميلاتهن وقلن في القهوة العكس تماماً في نشرة اخرى. فالقهوة برأي هذه المجموعة من النساء "مشروب منتشر في كل ارجاء تركيا ومناطق الشرق عموماً، ولا يوجد احد قادر على منافسة رجال تلك المناطق المختنين في الأداء والرغبة. والقهوة تساعد في تركيز الروح والقوة وتضاعف من صلابة الانتصاب ومن اندفاعة القذف، وتضيف قوة روحية الى المنويات وتقوي عودها لامتاع الرحم وتلبية رغبة الأنثى العاشقة".


هذا الكتاب تأريخ من الطراز الرفيع ومفاجئ ومكتوب بطريقة مشوقة وسهلة، ولكنه بشكله الاكاديمي لن يحقق الانتشار المطلوب بين قراء الانكليزية. ونأمل ان يلفت انتباه كتاب الروايات الخيالية Fiction لاعادة كتابته بطبعة شعبية ونص درامي يمتع القارئ العادي ويقدم في آن مادة مثيرة للانتاج السينمائي او التلفزيوني.


Islam in Britain 1558 - 1685


By: Nabil Matar


Cambridge University Press 1998


ISBN 0 - 521 - 62233 - 6
المصدر:
http://daharchives.alhayat.com/issue...%B4%D8%B1.html